الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - باب مَنِ اشْتَرى مُصَرّاةً فكرِهَها
3443 -
حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"لا تَلَقَّوُا الرُّكْبانَ لِلْبَيْع وَلا يَبعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلا تُصَرُّوا الإِبِلَ والغَنَمَ فَمَنِ ابْتاعَها بَعْدَ ذلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَها فَإِنْ رَضِيَها أَمْسَكَها وَإِنْ سَخِطَها رَدَّها وَصاعًا مِنْ تَمْرٍ"(1).
3444 -
حدثنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ وَهِشامٍ وَحَبِيبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"مَنِ اشْتَرى شاةً مُصَرّاةً فَهُوَ بِالخِيارِ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِنْ شاءَ رَدَّها وَصاعًا مِنْ طَعامٍ لا سَمْراءَ"(2).
3445 -
حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَخْلَدٍ التَّمِيميُّ، حدثنا الَمكّيُّ -يَعْني: ابن إِبْراهِيمَ- حدثنا ابن جُرَيْجٍ، حَدَّثَني زِيادٌ، أَنَّ ثابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا هُرَيْرَةَ يقولُ: قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اشْتَرى غَنَمًا مُصَرّاةً احْتَلَبَها فَإِنْ رَضِيَها أَمْسَكَها وَإِنْ سَخِطَها فَفي حَلْبَتِها صاعٌ مِنْ تَمْرٍ"(3).
3446 -
حدثنا أبُو كامِلٍ، حدثنا عَبْدُ الواحِدِ، حدثنا صَدَقَةُ بْن سَعِيدٍ، عَنْ جُمَيعِ بْنِ عُمَيرٍ التَّيْميِّ قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يقول: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ ابْتاعَ مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِالخِيارِ ثَلاثَةَ أَيّامٍ فَإِنْ رَدَّها رَدَّ مَعَها مِثْلَ أَوْ مِثْلَي لَبَنِها قَمْحًا"(4).
(1) رواه البخاري (2148)، ومسلم (1515).
(2)
رواه مسلم (1524).
(3)
رواه البخاري (2151).
(4)
رواه ابن ماجه (2240)، والطبراني في "الكبير" 13/ 199 (13912)، والبيهقي 5/ 319.
وضعفه الألباني.
باب من اشترى مصراة فكرهها
[3443]
(حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان.
(عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تلقوا) بفتح التاء واللام والقاف المشددة، أصله: لا تتلقوا. وشرط الحذف في مثل هذا تجانس الحركتين (الركبان) جمع راكب، وهم أصحاب الإبل في السفر دون الدواب، وهم العشرة فما فوقها، وراكب البعير يقال له راكب، وراكب الفرس فارس، واختلفوا في راكب الحمار، هل يقال له فارس حمار أو حمار؟ والنهي عنه معقول المعنى، وفي لحوق (1) الضرر بأهل السوق في انفراد المتلقي عنهم بالرخص، وقطع المواد عنهم، ولم يأخذ أبو حنيفة بهذا الحديث، وأجاز التلقي إلا أن يضر بالناس فيكره (2). وقال الأوزاعي مثله (3). (للبيع) فلو تلقى الركبان ليبيعهم، لا ليشتري منهم يلوح من الحديث إثبات الخيار للمغبون؛ لأنه إذا ثبت أن النهي عن التلقي لئلا يغبن الجالب، لم يكن لإثبات الخيار معنىً إلا لأجل الغبن، ولأنه يرجو الزيادة في السوق (4).
(ولا يبيع بعضكم على بيع بعض) خبر بمعنى النهي، كما تقدم،
(1) في (ر): طوق. والمثبت من (ل).
(2)
انظر: "بدائع الصنائع" 5/ 129.
(3)
انظر: "إكمال المعلم" 5/ 140، و"شرح مسلم" للنووي 10/ 173.
(4)
انظر: "إكمال المعلم" 5/ 140.
وهو: أن يعرض سلعته على المشتري برخص؛ ليزهد في شراء تلك السلعة التي ركن إليها أولًا. (ولا تُصَرُّوا) بضم أوله وفتح الصاد المهملة بوزن تزكوا، يقال: صرى يصري تصرية كزكى يزكي تزكية.
قال الشافعي: التصرية هو ربط أخلاف الناقة أو الشاة وترك حلبها حتى يجتمع لبنها فيكثر، فيظن المشتري أن ذلك عادتها فيزيد في ثمنها؛ لما يرى من كثرة لبنها (1). وأصل التصرية حبس الماء، يقال منه:[صريت](2) الماء إذا حبسته (الإبل) بالنصب على المفعولية، وقيد بعضهم تصروا بفتح أوله وضم ثانيه، والأول أصح؛ لأنه من صريت اللبن (3) في الضرع إذا جمعته، وليس من صررت الشيء إذا ربطته؛ إذ لو كان منه لقيل: مصرورة أو مصررة، ولم يقل: مصراة، وضبطه بعضهم بضم أوله وفتح ثانيه، لكن بغير واو على البناء للمجهول، والأول المشهور (والغنم) ولم يذكروا البقر، وهي في معنى الإبل والغنم في الحكم خلافًا لداود، وإنما اقتصر عليهما لغلبتهما عندهم.
وظاهر النهي تحريم التصرية سواء قصد التدليس أم لا (4)، وسواء قصد البيع أم لا، وبه صرح المتولي، ولا يعكر عليه رواية الشافعي والنسائي:"ولا تصروا الغنم للبيع"(5) لخروجه مخرج الغالب (فمن ابتاعها بعد ذلك) أي: فمن اشتراها بعد التصرية (فهو بخير النظرين)
(1)"مختصر المزني" 8/ 180، وانظر:"الحاوي الكبير" 5/ 236.
(2)
في النسخ: صرت. والمثبت من "فتح الباري".
(3)
في النسخ: الإبل. والمثبت من "فتح الباري".
(4)
انظر: "فتح الباري" 4/ 361 - 362.
(5)
"السنن المأثورة"(263)، "المجتبى" 7/ 253 بنحوه.
أي الرأيين (بعد) يشبه أن تكون الدال مضمومة لقطعها عن الإضافة، والتقدير كما قال الكرماني: أي بعد هذا النهي، أو بعد تصرية البائع (1) (أن يحلبها) قال ابن حجر: بكسر [أن](2) على أنها شرطية، وجزم يحلبها، قال: ولابن خزيمة والإسماعيلي من طريق أسيد بن موسى، عن الليث بعد (3) أن يحتلبها (4) بفتح أن ونصب يحتلبها (5). انتهى. وعلى هذا فبعد منصوبة، وأن يحتلبها مصدرية، تقدر بالمصدر أي: بعد حلبها.
وظاهر الحديث أن الخيار لا يثبت إلا بعد الحلب، والجمهور على أنه إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار على الفور، ولو لم يحلب، لكن لما كانت التصرية لا تعرف غالبًا إلا بعد الحلب جعل قيدًا في ثبوت الخيار ولو ثبتت التصرية بغير الحلب (فإن رضيها) أي اختار التي اشتراها (أمسكها) أي أبقاها على ملكه، وهو يقتضي صحة بيع المصراة، وإثبات الخيار للمشتري (6)، لكن يستثنى منه ما لو لم يعلم بالتصرية حتى استمر لبنها كحالة التصرية، وصار عادة، فالأصح لا خيار لعدم الضرر. هذا قضية كلام الرافعي، فإنه شبهها بالوجهين فيما لم يعلم بالعيب القديم إلا بعد زواله، ولو رضي بالمصراة واستمر بها على
(1)"شرح الكرماني" 10/ 30.
(2)
سقط من النسخ. والمثبت من "فتح الباري".
(3)
سقط من (ر).
(4)
في النسخ: يحلبها. والمثبت من "الفتح".
(5)
في النسخ: يحلبها. والمثبت من "الفتح".
(6)
انظر: "فتح الباري" 4/ 362.
أنها لمصراة لم يردها بعد ذلك، وقيل: يرد، كما لو تزوجت برجل على أنه عنين ورضيت به، كان لها الخيار بعد ذلك، قاله الجرجاني في "التحرير". (وإن سخطها ردها) ظاهره اشتراط الرد على الفور قياسًا على سائر العيوب، وهذا ما رجحه الرافعي والنووي تبعًا للبغوي (1)، ولو ترك الحلب ناسيًا أو لشغل أو تحفلت بنفسها، ففي ثبوت الخيار وجهان (2) في الشرحين و"الروضة" من غير تصحيح، وفي "الحاوي الصغير" أنه لا يثبت (3)(وصاعًا) بالنصب عطفًا على الضمير في ردها، ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع، والعطف أرجح، فعلى الأول لا يستفاد منه فورية الصاع مع الرد [بل يجوز أن يرد البيع ثم بعده في وقت آخر يرد الصاع، وعلى الثاني يستفاد منه فورية الصاع مع الرد](4) من غير فصل بينهما. فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون: وصاعًا منصوبا (5) على المفعول معه؟ .
قلت: جمهور النحاة على أن شرط المفعول معه أن يكون فاعلًا في المعنى، نحو: جئت أنا وزيدًا، وقمت أنا وزيدًا، وإن شئت رفعت، وهو أرجح من النصب (6).
(1) شرح السنة" 8/ 125، "الشرح الكبير" 8/ 334، "روضة الطالبين" 3/ 468 ط/ المكتب الإسلامي.
(2)
في النسخ: وجهين.
(3)
انظر: "روضة الطالبين" 3/ 131، و"طرح التثريب" 6/ 81.
(4)
سقط من (ر). والمثبت من (ل).
(5)
في النسخ: منصوب. ولعل المثبت هو الصواب.
(6)
انظر: "فتح الباري" 4/ 363.
واعلم أن الواجب رد صاع واحد ولو تعدد المصراة، فإن اشتراها في صفقتين يتعدد الصاع بتعددها، وإن اشتراها في صفقة واحدة، فلم أر فيه تصريحًا لأصحابنا.
ونقل ابن قدامة الحنبلي عن الشافعي تعدد الصاع بتعددها (1)، وقضية كلام ابن الرفعة أنه يقتضي المذهب، فإنه قال: ظاهر الحديث يدل على أنه يرد في لبن عدد من الشياه إذا شملها العقد صاعًا واحدًا، وما أظن أصحابنا يسمحون به ويحتاجون إلى صرف [الحديث على ظاهره وقد وسعهم أنه لم يوقنه نقلا، ومقتضى الحديث التعدد، وذهب](2) ابن حزم إلى عدم التعدد.
وقال ابن عبد البر: لا يجب في لبن شياه أو نوق أو بقر عدة إلا الصاع (3).
(من تمر) قضيته تعين التمر، لكن لو تراضيا على غيره جاز، فقد حكى البغوي (4): لا خلاف في المذهب أنهما لو تراضيا على غير تمرٍ من قوت أو غيره كفى، وأثبت ابن كج الخلاف في ذلك، وحكى الماوردي وجهين فيما إذا عجز عن التمر، هل يلزمه قيمته ببلده، أو بأقرب البلاد التي فيها التمر إليه؟ (5).
[3444]
(حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن أيوب
(1)"المغني" 4/ 256.
(2)
سقط من (ر).
(3)
"الاستذكار" 6/ 537.
(4)
انظر: "شرح السنة" 8/ 127.
(5)
"الحاوي الكبير" 5/ 241.
وهشام) بن حسان (وحبيب) بفتح الحاء المهملة ابن الشهيد الأزدي، ثقة ثبت (عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اشترى شاة مُصَرَّاةً) بضم الميم وفتح الصاد المهملة وتشديد الراء، هي التي صر لبنها، وحفت فيه، أي: في الثدي وجُمع فلم يحلب (فهو بالخيار ثلاثة أيام) هكذا رواه مسلم (1) عن ابن سيرين، عن عمته (2)، وعلقه البخاري (3).
قال ابن حجر: هذِه الرواية [مقدمة على الرواية](4) المطلقة: "إن سخطها ردها"، وظاهره اشتراط الفور كما تقدم، ونقل أبو حامد والروياني عن نص الشافعي في "الإملاء"، ونقله أبو الطيب في "تعليقه" عن نصه في اختلاف العراقيين، وصححه جماعات كثيرة. قال ابن حجر: وهو قول الأكثر، وأجاب من قال بالفور عن هذا الحديث بأنه محمول على ما إذا لم يعلم أنها مصراة إلا في الثلاث (5)؛ لكون الغالب أنها لا تعلم فيما دون ذلك؛ لاحتمال إحالة النقصان على قلة العلف، أو اختلافه أو مأوى الحيوان، أو تبدل الأيدي عليه، وغير ذلك.
قال ابن دقيق العيد: والثاني أرجح؛ لأن حكم التصرية قد خالف
(1)(1524).
(2)
هكذا في النسخ، والذي في الصحيح:"عن أبي هريرة".
(3)
(2041).
(4)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والكلام لا يستقيم بدونه وهو الموافق لكلام ابن حجر في "الفتح".
(5)
في (ر): الحديث.
القياس في أصل الحكم لأجل النص فيطرد ذلك، ويتبع (1) في جميع موارده (2).
ويؤيده أن في بعض روايات أحمد والطحاوي من طريق ابن سيرين، عن أبي هريرة:"فهو بأحد النظرين بالخيار إلى أن يحوزها أو يردها"(3).
(إن شاء ردها وصاعًا) فإن قيل: التعبير بالرد في المصراة واضح، فما معنى التعبير بالرد في الصاع؛ فالجواب: أن الواو أحق من بين حروف العطف بعطف مزال على [ما](4) قد بقي معموله، فيكون التقدير: إن شاء ردها وأدى معها صاعًا من تمر؛ فأزيل أدى ناصب صاعًا، وبقي صاعًا الذي هو معمول، كقوله: علفتها تبنًا وماءً باردًا، أي: وسقيتها ماءً باردًا، وهذا جائز نظمًا ونثرًا، ويجوز أن يكون الواو عطفت مفردًا على مفرد لا جملة على جملة، وأن العامل الذي هو ردها ضمن معنى (5) يشمل المعطوف والمعطوف عليه معًا، فيحمل ردها على معنى: دفعها وصاعًا من تمر. مجازًا، كما ضمنوا معنى علفتها ناولتها، ورُدَّ بأنه لو شاع التضمين لشاع: علفتها ماء وتبنًا، ورُدَّ بأنه مسموع، والأكثرون على أن هذا التضمين قياس، وضابطه عندهم: أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنىً عام (6).
(1)"إحكام الأحكام" 2/ 117.
(2)
سقط من (ر).
(3)
"المسند" 2/ 259، "شرح معاني الآثار" 4/ 17.
(4)
ليست في النسخ.
(5)
سقطت من (ر).
(6)
انظر: "فتح الباري" 4/ 363.
(من طعام) هكذا رواية مسلم (1)، فيحمل الطعام في (2) هذِه الرواية على التمر في الرواية التي قبلها، ويكون المراد بالطعام هنا التمر، ولما كان المتبادر (3) إلى ذهن السامع أن المراد بالطعام: القمح، نفاه بقوله:(لا سمراء) بإسكان الميم والمد، وهو الحنطة؛ وإنما أطلق الطعام على التمر؛ لأنه كان غالب قوت أهل المدينة، والروايات [الناصة](4) على التمر أكثر من الروايات التي لم تنص عليه، أو أبدله (5) بذكر الطعام.
والهمزة في سمراء للتأنيث، ولذلك لم تنصرف. والسمراء: قمحة الشام، والبيضاء قمحة مصر، وقيل: البيضاء الشعير، والسمراء القمح، [لكن يعكر تفسير الطعام بالتمر ما رواه البزار من طريق أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين] (6) بلفظ:"ردها ومعها صاع من بر لا سمراء"، وهذا يقتضي أن المنفي في قوله:"لا سمراء" حنطة مخصوصة، وهي الحنطة الشامية، فيكون المثبت لقوله:"من طعام" أي: من قمح. ويحتمل أن يكون راويه رواه بالمعنى الذي ظنه مساويًا، وذلك أن المتبادر (7) من الطعام البر، فظن الراوي أنه البر، فعبر به، لكن يعكر على ذلك أيضًا ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن
(1)(1524).
(2)
في (ر) على. والمثبت من (ل).
(3)
في (ر): التبادر.
(4)
في (ل) غير واضحة، وفي (ر): الثانية. ولعل المثبت هو الصواب، والله أعلم.
(5)
في (ر): بدله. والمثبت من (ل).
(6)
ما بين المعقوفين سقط من (ر). والمثبت من (ل).
(7)
في (ر): المبادر. والمثبت من (ل).
عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل من الصحابة، وفيه:"ردها ومعها صاعًا من طعام أو صاعًا من تمر"(1) فإن ظاهره يقتضي التخيير بين التمر والطعام، وأن الطعام غير التمر، ويحتمل أن تكون "أو" شكًّا من الراوي لا تخييرًا، وإذا وقع الاحتمال في هذِه الروايات لم يصح الاستدلال بشيء منها، بل يرجع إلى الروايات التي لم يختلف فيها، وهي التمر، فهي الراجحة كما أشار إليه البخاري (2).
[3445]
(حدثنا عبد الله بن مخلد) النيسابوري، سمع بخراسان والبصرة والكوفة والحجاز، وهو راوي كتب أبي عبيد بخراسان، روى عنه الحاكم أبو عبد الله (حدثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير [أبا السكون](3)، روى له الشيخان عن ابن جريج (حدثنا) عبد الملك (ابن جريج، حدثنا زياد) بن سعد بن عبد الرحمن الخراساني، سمع ثابتًا [عندهما، وكان لا يكتب إلا إملاءً](4)(أن ثابتًا) بن عياض [بن](5) الأحنف (مولى عبد الرحمن بن زيد) بن الخطاب (أخبره، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اشترى غنمًا مصراة) وقد (احتلبها) بمعنى حلبها، وبني على افتعل لموافقة اشترى، وظاهره أن صاع التمر يتوقف على الحلب.
(فإن رضيها) أي رضي الغنم بعد أن احتلبها وعلم بالتصرية (أمسكها)
(1)"مسند أحمد" 4/ 314.
(2)
انظر: "فتح الباري" 4/ 364.
(3)
هكذا في الأصل، والصواب: أبو السكن. انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 476.
(4)
هكذا في النسخ، ولم أقف عليها في كتب التراجم.
(5)
زائدة عن كتب التراجم، وانظر:"تهذيب الكمال" 4/ 367 (825).
على ملكه، وهو يقتضي الجزم بصحة البيع، لكن لو اشتراها وشرط أن لا يرد، فالبيع باطل، نقله الدارمي، ونقل الرافعي مثله عن "التتمة" فيما إذا شرط أن لا يرد المبيع بالعيب (1)(وإن سخطها ففي حلبتها) بسكون اللام على أنه اسم الفعل، ويجوز الفتح على إرادة المحلوب، زعم [ابن حزم أن التمر](2) في مقابلة الحلبة لا في مقابلة اللبن؛ لأن الحلبة حقيقة في الحلب مجاز في اللبن، والحمل على الحقيقة أولى، فلذلك قال: يجب رد التمر واللبن معًا (3)، وشذ بذلك عن قول الجمهور (4)(صاع من تمر) ظاهره أن صاع التمر في مقابل المصراة سواء كانت واحدة أو أكثر، لقوله: من اشترى غنمًا بالجمع مصراة، ثم قال:"ففي حلبتها" يعني: الغنم الكثيرة "صاع من تمر"، ونقله ابن عبد البر عمن استعمل الحديث (5)، وابن بطال عن أكثر العلماء (6)، وابن قدامة عن الشافعية والحنابلة وعن أكثر المالكية يرد عن كل واحدة صاعًا (7). قال المازري: من المستبشع أن يغرم متلف لبن ألف شاة كما يغرم متلف لبن شاة واحدة (8).
وأجيب: بأن ذلك مغتفر بالنسبة إلى ما تقدم من الحكمة في اعتبار الصاع قطع النزاع، فجعل حدًّا يرجع إليه عند التخاصم فاستوى فيه القليل والكثير، ومن المعلوم أن لبن الشاة الواحدة خصوصًا إن كانت قليلة اللبن
(1) انظر: "المجموع" 12/ 373.
(2)
بياض في (ر). والمثبت من (ل).
(3)
"المحلى" 9/ 70.
(4)
انظر: "فتح الباري" 4/ 268.
(5)
"التمهيد" 18/ 215.
(6)
"شرح البخاري" 6/ 281.
(7)
"المغني" 6/ 222.
(8)
"المعلم" 1/ 502.
مع لبن الناقة الواحدة خصوصًا إن كانت كثيرة اللبن يختلف اختلافًا كثيرًا، ومع ذلك ففي كل منهما الصاع، فكذلك هو معتبر هنا سواء قلت المصراة أو كثرت، والله أعلم (1).
[3446]
(حدثنا أبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري، شيخ مسلم (حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي، مولاهم البصري، روى له الشيخان وغيرهم (حدثنا صدقة بن سعيد) الحنفي الكوفي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (2) (عن جميع بن عمير) مصغران (التيمي) قال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه (3). (قال: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ابتاع مُحَفَّلة) بضم الميم وفتح الحاء المهملة والفاء المشددة، والتحفل التجميع، قال أبو عبيد: سميت محفلة؛ لأن اللبن يكثر في ضرعها، وكل شيء كثرته فقد حفلته، تقول: ضرع حافل أي عظيم، واحتفل القوم إذا كثر جمعهم، ومنه سمي المحفل (4).
(فهو بالخيار) هذا الخيار هل هو خيار شرع أو خيار عيب؟ فالأول: قول أبي حامد، والثاني: قول أبي إسحاق. ومنهم من يعبر بأنه (5) خيار شرط أو خيار عيب؟ والأول: قول ابن أبي هريرة، والثاني: قول أبي إسحاق. وابن أبي هريرة يوافق أبا إسحاق في أن أصل الخيار خيار
(1) انظر: "فتح الباري" 4/ 369.
(2)
6/ 466.
(3)
"الكامل في ضعفاء الرجال" 2/ 419.
(4)
انظر: "فتح الباري" 4/ 361.
(5)
زاد هنا في "المجموع" الذي نقل منه المصنف (هل هو).
عيب، والثلاثة عنده ثابتة بالشرط لا لأجل التصرية (1).
(ثلاثة أيام) وهل ابتداؤها من حين العقد أو التفرق؟ فيه الوجهان في خيار الشرط [هكذا قال الرافعي تبعا للشيخ أبي حامد (2) وصاحب "التتمة"، والأصح من الوجهين في خيار الشرط](3) أن ابتداءه من العقد (4). (فإن شاء ردها ورد معها مثل) لبنها (أو مثلي لبنها) فيه شاهد على ما قاله النحاة وأجازوه، أن المضاف إليه قد يحذف، وينوى لفظه؛ فيبقى المضاف على حاله قبل حاله فلا ينون، بشرط أن يكون عطف المضاف وإضافته إلى مثل المحذوف، كقول بعضهم: قطع يد ورجل من قالها، ألا ترى أن (مثل) و (مثلي) مضافان، وأن (مثلي) المعطوف مضاف إلى (مثل) المحذوف، وهو (لبنها) المقدر كما تقدم، وفصل بين المضاف إليه الملفوظ به وهو (لبنها) وبين المضاف الذي حذف المضاف إليه، وهو (مثل) بقوله:"أو مثلي". وهو على حد قولك: مررت بغلام إما زيد أو عمرو، إذا حققت أنه غلام أحدهما وشككت في عينه. وأما معنى الحديث فقال العراقيون من أصحابنا: أراد الخبر أنه يجب على من رد المحفلة (5) أن يرد معها مثل اللبن الذي كان في ضرعها (6)(قمحًا) إن كان صاعًا رد مثليه إذا كان اللبن نصف صاع، وهذا يجب حمله على ما قاله الشيخ أبو محمد الجويني:
(1) انظر: "المجموع" 12/ 37.
(2)
هكذا في (ل) وفي "المجموع"(محمد).
(3)
سقط من (ر). والمثبت من (ل).
(4)
انظر: "المجموع" 12/ 45.
(5)
في (ل): المحلفة. والمثبت من (ر).
(6)
انظر: "شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك" 3/ 78.
على أنه يقوم مقام التمر غيره، حتى لو عدل إلى مثل اللبن أو إلى قيمته عند إعواز المثل أجبر البائع على القبول إن كان المثل موجودًا، وإلا عدل إلى الدراهم اعتبارًا بسائر المتلفات، وليس عليه رد التمر حتمًا، وكلام الشيخ أبي محمد في السلسلة ينطبق عليه، لكن هذا التأويل يأباه ظاهر حكاية ولده إمام الحرمين عنه (1).
قال الماوردي: قوله: "مثلي لبنها قمحًا"؛ لأنه في الغالب يكون صاعًا؛ لأن الغالب في الغنم أن تكون الحلبة نصف صاع (2) ويكون (3) تردد الرواية في ذلك محمولًا على التنويع مثل لبنها إن كان كثيرًا قدر صاع، أو مثلي لبنها إن كان قليلًا، وهذا الغالب على الشياه في بلادهم، وممن ذهب إلى هذا الوجه أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي فإنه (4) قال في كتابه "المستخرج على صحيح البخاري": وفي قوله: "صاع من تمر لا سمراء" دليل على أن المعنى هو المقصود لا الاقتصار على اللفظ؛ لأن التمر اسم لنوع معروف، وقوله:"سمراء" لو كان نوع التمر هو المقصود لم يكن لقوله: "لا سمراء" معنى، فثبت أن المعنى التمر، وما قام مقامه لا يكلف سمراء يعني بعينها.
قال السبكي: لا يلزم ذلك، وليست لا متعينة للإخراج، وإنما هي هنا عاطفة مثلها في قولك: جاءني رجل لا امرأة، والمعنى في ذلك نفي توهم أن تكون السمراء مجزئة. والقائلون بأن التمر يقوم غيره مقامه قصروا ذلك
(1)"المجموع" 12/ 51 - 52.
(2)
"الحاوي" 5/ 241.
(3)
في (ر): وإن كان. والمثبت من (ل).
(4)
في (ر): بأنه. والمثبت من (ل).
على الأقوات، كما في صدقة الفطر، وإنما الخلاف بين هؤلاء في التخيير أو في اعتبار الغالب من قوت البلد وهو الصحيح على القول بعدم تعين التمر (1).
وذهب أبو العباس ابن سريج إلى أنه يرد في كل بلد من غالب قوته، وحمل حديث أبي هريرة على من غالب قوت بلده التمر، وحديث (2) ابن عمر على من غالب قوته [القمح] (3) كما قال في زكاة الفطر:"صاعًا من قمح أو صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير"، وأراد بالتمر لمن قوته التمر، والشعير لمن قوته الشعير، وهذا الذي ذهب إليه ابن سريج هو [أحد](4) قولي مالك (5).
وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف: يرد معها قيمة اللبن، هكذا نقله عنهما ابن المنذر وغيره (6). ونقل ابن حزم عنهما: أنه يرد قيمة صاع من تمر (7).
وقال أبو حنيفة (8) ومحمد: إن كان اللبن تالفًا فليس له ردها، لكن يرجع بقيمة العيب فقط، وإن كان باقيًا رده ولا يرد معها صاع تمر ولا شيئًا. وعن بعض المالكية أنه لا يرد معها شيئًا؛ لأن الخراج بالضمان (9).
واعلم أن حديث ابن عمر المذكور رواه ابن ماجه أيضًا بهذا اللفظ،
(1)"المجموع" 12/ 50 - 51.
(2)
في (ر): وحذفت.
(3)
في النسخ: التمر. والمثبت من "المجموع".
(4)
في النسخ: إحدى. ولعل المثبت هو الصواب.
(5)
انظر: "المجموع" 12/ 48.
(6)
"الأوسط" 10/ 98.
(7)
"المحلى" 9/ 67.
(8)
انظر: "المبسوط" 13/ 39.
(9)
نسبه في "البيان والتحصيل" 7/ 352 لسحنون وابن وضاح.
ورواه البيهقي بلفظ: مثل. وضعفه بجميع بن عمير (1).
وقال الخطابي: ليس إسناده بذلك (2). قال المنذري (3): والأمر كما قال (4). وجميع بن عمير قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: من عتق الشيعة، ومحله الصدق، صالح الحديث، كوفي من التابعين (5).
وبتقدير صحة الحديث قال ابن قدامة: حديث [ابن](6) عمر متروك الظاهر بالاتفاق (7).
وقال البيهقي في كتاب "السنن الكبير": تفرد به جميع بن عمير (8).
وذكر عبد الحق هذا الحديث في "الأحكام" ولم يتعرض لحال (9) جميع بن عمير هذا، وإنما أعله بصدقة بن سعيد الراوي عن جميع فإنه ليس أيضًا بالقوي (10).
(1)"سنن ابن ماجه"(2240)، "السنن الكبرى" 5/ 319.
(2)
"معالم السنن" 3/ 99.
(3)
في النسخ: الأزهري.
(4)
"مختصر سنن أبي داود" 5/ 89.
(5)
"الجرح والتعديل" 2/ 532.
(6)
ليست في النسخ الخطية.
(7)
"المغني" 6/ 218.
(8)
"السنن الكبرى" 5/ 319.
(9)
في (ر): بحال.
(10)
"الأحكام الوسطى" 3/ 241.