المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌23 - باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ١٤

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَاب البُيُوعِ

- ‌1 - باب في التِّجارَةِ يُخالِطُها الحَلِفُ واللَّغْوُ

- ‌2 - باب في اسْتِخْراجِ المَعادِنِ

- ‌3 - باب في اجْتِنابِ الشُّبُهاتِ

- ‌4 - باب في آكِلِ الرِّبا وَمُوكِلِهِ

- ‌5 - باب في وضْعِ الرِّبا

- ‌6 - باب في كَراهِيَةِ اليَمِينِ في البَيْعِ

- ‌7 - باب في الرُّجْحانِ في الوَزْنِ والوَزْن بِالأَجْرِ

- ‌8 - باب في قوْلِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "المِكْيالُ مِكْيالُ المَدِينَةِ

- ‌9 - باب في التَّشْدِيد في الدَّيْنِ

- ‌10 - باب في المَطْلِ

- ‌11 - باب في حُسْنِ القضاءِ

- ‌12 - باب في الصّرْفِ

- ‌13 - باب في حِلْيَةِ السَّيْفِ تُباعُ بِالدَّراهمِ

- ‌14 - باب في اقتِضاء الذّهَبِ مِنَ الوَرِقِ

- ‌15 - باب في الحَيوانِ بِالحيَوانِ نَسِيئة

- ‌16 - باب في الرُّخْصَةِ في ذلكَ

- ‌17 - باب في ذَلِكَ إِذا كانَ يَدًا بِيَدِ

- ‌18 - باب في التَّمْر بِالتَّمْرِ

- ‌19 - باب في المُزابَنَة

- ‌20 - باب في بَيعِ العرايا

- ‌21 - باب في مِقْدارِ العريَّة

- ‌22 - باب تَفْسير العَرايا

- ‌23 - باب في بَيع الثِّمارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاحُها

- ‌24 - باب في بيْعِ السِّنِينَ

- ‌25 - باب في بَيْعِ الغَرَرِ

- ‌26 - باب في بَيْعِ المُضْطَرِّ

- ‌27 - باب في الشَّرِكَةِ

- ‌28 - باب في المُضاربِ يخالِفُ

- ‌29 - باب في الرَّجُلِ يَتَّجِرُ في مالِ الرَّجُلِ بغَيْرِ إذْنِهِ

- ‌30 - باب في الشَّرِكةِ عَلى غَيْر رَأْسِ مالٍ

- ‌31 - باب في المُزارَعَةِ

- ‌32 - باب في التَّشْدِيدِ في ذَلِك

- ‌33 - باب في زَرْعِ الأَرْضِ بغَيْرِ إِذْنِ صاحِبِها

- ‌34 - باب في المُخَابَرَةِ

- ‌35 - باب في المُساقاةِ

- ‌36 - باب في الخَرْصِ

- ‌أَبْوَابُ الإِجَارَةِ

- ‌1 - باب في كَسْبِ المُعَلِّمِ

- ‌2 - باب في كَسْبِ الأَطِبَّاءِ

- ‌3 - باب في كَسْب الحَجَّامِ

- ‌4 - باب في كَسْبِ الإِماء

- ‌5 - باب في حُلْوانِ الكاهِنِ

- ‌6 - باب في عَسْب الفَحْلِ

- ‌7 - باب في الصّائِغِ

- ‌8 - باب في العَبْد يُباعُ وَلَهُ مالٌ

- ‌9 - باب في التلقي

- ‌10 - باب في النَّهْى عَنِ النَّجْش

- ‌11 - باب في النَّهْي أَنْ يَبيعَ حاضِرٌ لِبادٍ

- ‌12 - باب مَنِ اشْتَرى مُصَرّاةً فكرِهَها

- ‌13 - باب في النَّهْى، عَنِ الحُكْرةِ

- ‌14 - باب في كسْرِ الدَّراهمِ

- ‌15 - باب في التَّسْعيرِ

- ‌16 - باب في النَّهْي عَنِ الغِشِّ

- ‌17 - باب في خِيارِ المُتَبايِعَيْنِ

- ‌18 - باب في فَضْلِ الإِقالَةِ

- ‌19 - باب فِيمَنْ باع بيْعتَيْنِ في بَيْعةٍ

- ‌20 - باب في النَّهْي عَن العِينَة

- ‌21 - باب في السَّلَفِ

- ‌22 - باب في السَّلَمِ في ثَمَرَةٍ بِعَيْنِهَا

- ‌23 - باب السَّلَفِ لا يُحَوَّلُ

- ‌24 - باب في وَضْعِ الجَائِحَةِ

- ‌25 - باب في تَفْسِيرِ الجَائِحَةِ

- ‌26 - باب في مَنْعِ المَاءِ

- ‌27 - باب في بَيْعِ فَضْل المَاءِ

- ‌28 - باب في ثَمَنِ السِّنَّوْرِ

- ‌29 - باب في أَثْمَانِ الكِلَابِ

- ‌30 - باب في ثَمَنِ الخَمْرِ والمَيْتَةِ

- ‌31 - باب في بَيع الطَّعامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتوْفَى

- ‌32 - باب في الرَّجُلِ يقُولُ في البَيْع: لا خِلابَة

- ‌33 - باب في العُرْبانِ

- ‌34 - باب في الرَّجُلِ يَبِيعُ ما لَيْسَ عِنْدَهُ

- ‌35 - باب في شَرْطٍ في بَيْعٍ

- ‌36 - باب في عُهْدةِ الرَّقِيقِ

- ‌37 - باب فيمَنِ اشْتَرى عَبْدًا فاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ وَجدَ بِهِ عَيْبًا

- ‌38 - باب إذا اخْتَلَفَ البَيِّعانِ والمبِيعُ قائِمٌ

- ‌39 - باب في الشُّفْعةِ

- ‌40 - باب في الرّجُلُ يُفْلِسُ فَيَجِدُ الرَّجُلُ مَتاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَهُ

- ‌41 - باب فِيمَنْ أَحْيا حَسِيرًا

- ‌42 - باب في الرَّهْنِ

- ‌43 - باب في الرّجُلِ يأكُلُ مِنْ مالِ ولَدهِ

- ‌44 - باب في الرَّجُلِ يَجِدُ عينَ مالِهِ عنْدَ رَجُلٍ

- ‌45 - باب في الرَّجُلِ يأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ تحْتِ يدِه

- ‌46 - باب في قَبُولِ الهدايا

- ‌47 - باب الرُّجُوعِ في الهِبَةِ

- ‌48 - باب في الهَدِيَّةِ لِقَضاءِ الحاجَةِ

- ‌49 - باب في الرَّجُلِ يُفَضِّل بَعْضَ وَلَدِهِ في النُّحْلِ

- ‌50 - باب في عَطِيَّةِ المَرْأةِ بغَيْر إِذْنِ زَوْجِها

- ‌51 - باب في العُمْرى

- ‌52 - باب مَنْ قال فِيهِ: وَلعَقِبِهِ

- ‌53 - باب في الرُّقْبَى

- ‌54 - باب في تضْمِينِ العارِيَّةِ

- ‌55 - باب فِيمنْ أَفْسَد شَيْئًا يَغْرَمُ مِثْلهُ

- ‌56 - باب المَواشي تُفْسِد زَرْعَ قَوْمٍ

- ‌كِتَابُ الأَقْضَيِةِ

- ‌1 - باب في طَلَبِ القَضاءِ

- ‌2 - باب في القاضي يُخْطِئُ

- ‌3 - باب في طَلَبِ القَضاءِ والتِّسَرُّعِ إِلَيْهِ

- ‌4 - باب في كَراهِيَةِ الرِّشْوَةِ

- ‌5 - باب في هَدايا العُمّالِ

- ‌6 - باب كَيْفَ القَضاءُ

- ‌7 - باب في قَضاءِ القاضي إِذا أَخْطَأَ

- ‌8 - باب كَيْفَ يَجْلِسُ الخَصْمان بينَ يَدى القاضي

- ‌9 - باب القاضي يَقْضي وَهو غَضْبانُ

- ‌10 - باب الحكْمِ بينَ أَهْل الذّمَّةِ

- ‌11 - باب اجتِهادِ الرَّأي في القَضاءِ

- ‌12 - باب في الصُّلْح

- ‌13 - باب في الشَّهاداتِ

- ‌14 - باب فِيمَنْ يُعِينُ عَلى خصومَةٍ مِنْ غيْرِ أن يَعْلَمَ أمْرَها

- ‌15 - باب في شَهادةِ الزُّورِ

- ‌16 - باب منْ ترَدُّ شهادَته

- ‌17 - باب شَهادَة البَدَويِّ عَلَى أهْلِ الأَمْصارِ

- ‌18 - باب الشَّهادَةِ في الرَّضاعِ

- ‌19 - باب شَهادةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَفي الوَصِيَّة في السَّفَرِ

- ‌20 - باب إِذا عَلِمَ الحاكِمُ صِدْق الشّاهِدِ الواحدِ يَجُوز لَه أَنْ يَحْكمَ به

- ‌21 - باب القَضاء بِاليَمينِ والشّاهِد

- ‌22 - باب الرّجُلَيْنِ يَدَّعِيانِ شَيْئًا وَلَيْسَتْ لَهُما بيِّنَةٌ

الفصل: ‌23 - باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها

‌23 - باب في بَيع الثِّمارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاحُها

3367 -

حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْع الثِّمارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُها، نَهَى البائِعَ والمُشْتَريَ (1).

3368 -

حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حدثنا ابن علَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْع النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنِ السُّنْبلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ العاهَةَ، نَهَى البائِعَ والمُشْتَريَ (2).

3369 -

حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَريُّ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْر، عَنْ مَوْلى لِقُرَيْشٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: نَهَى رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ بَيْعِ الغَنائِمِ حَتَّى تُقْسَمَ وَعَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى تُحْرَزَ مِنْ كلِّ عارِضٍ وَأَنْ يُصَلّيَ الرَّجُلُ بِغَيْرِ حِزامٍ (3).

3370 -

حدثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَاّدٍ الباهِليُّ، حدثنا يَحيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ سَلِيم بْنِ حَيّانَ، أَخْبَرَنا سَعِيدُ بْنُ مِيناءَ قالَ: سَمِعْتُ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقولُ: نَهَى رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُباعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُشَقِّحَ. قِيلَ: وَما تُشَقِّحُ قال: تَحْمارُّ وَتَصْفارُّ وَيُؤْكَلُ مِنْها (4).

3371 -

حدثنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حدثنا أَبُو الوَلِيدِ، عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْع العِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ؟ وَعَنْ بَيْع الحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ (5).

(1) رواه البخاري (2194)، ومسلم (1534).

(2)

رواه مسلم (1535).

(3)

رواه أحمد 2/ 387. وقال الألباني: ضعيف الإسناد.

(4)

رواه البخاري (2196)، ومسلم (1536/ 84).

(5)

رواه الترمذي (1228)، وابن ماجه (2217)، وأحمد 3/ 250.

وصححه الألباني في "المشكاة"(2862).

ص: 120

3372 -

حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حدثنا عَنْبَسَةُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَني يُونُسُ قالَ: سَألتُ أَبا الزِّنادِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاحُهُ وَما ذُكِرَ في ذَلِكَ، فَقالَ: كانَ عُرْوَةُ بْن الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبي حَثْمَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ قالَ: كانَ النّاسُ يَتَبايَعُونَ الثِّمارَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاحُها فَإذا جَدَّ النّاسُ وَحَضَرَ تَقاضِيهِمْ قال: المُبْتاعُ قَدْ أَصابَ الثَّمَرَ الدُّمانُ وَأَصابَهُ قُشامٌ وَأَصابَهُ مُراضٌ عاهات يَحْتَجُّونَ بِها، فَلَمّا كَثُرَتْ خصُومَتُهُمْ عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كالمَشُورَةِ يُشِيرُ بِها:"فَإمّا لا فَلا تَتَبايَعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُها". لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ واخْتِلافِهِمْ (1).

3373 -

حدثنا إِسْحاق بْنُ إِسْماعِيلَ الطّالقانيُّ، حدثنا سُفْيانُ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْع الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهُ وَلا يُباعُ إِلا بِالدِّينارِ أَوْ بِالدِّرْهَمِ إِلا العَرايا (2).

* * *

باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها

[3367]

(حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار) بالمثلثة جمع ثمرة بالتحريك، وهي أعم من الرطب وغيره (حتى يبدو) بفتح الواو دون همز، أي: حتى يظهر (صلاحها) وفي رواية لمسلم: حتى يبدو صلاحه حمرته وصفرته (3). وفي رواية له قال: ما صلاحه؟

(1) رواه البخاري تعليقًا بإثر حديث (2193)، والدارقطني في "سننه" 3/ 13 (38)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 28، والبيهقي 5/ 301.

وصححه الألباني.

(2)

رواه البخاري (2189)، ومسلم (1543).

(3)

"صحيح مسلم"(51/ 1534)، وهو من قول ابن عمر.

ص: 121

قال: تذهب عاهته (1)، ورواية جابر وأنس الاثنتين بمعنى ذلك، واشترط بدو الصلاح في البيع لأن الثمرة بعد الصلاح تأمن من العاهات (2) والجوائح غالبًا لكبرها، وغلظ نواها، وقبل (3) الصلاح تسرع إليها العاهات لضعفها، فإذا تلفت (4) لم يبق شيء في مقابلة الثمن، وكان ذلك من أكل المال بالباطل (5).

واختلف السلف في قوله: "حتى يبدو صلاحها": هل المراد جنس الثمار حتى لو بدا الصلاح في بستان من البلد مثلًا جاز بيع ثمرة جميع البساتين، أو لابد من بدو الصلاح في كل بستان على حدة، أو لابد من بدو الصلاح في كل جنس على حدة، أو في كل (6) شجرة (7) على حدة (8)، على أقوال (والأول) قول الليث وهو عند المالكية بشرط أن يكون متلاحقًا.

(والثاني) قول أحمد، وعنه رواية كالرابع.

(والثالث) قول الشافعية، ويمكن أن يؤخذ ذلك من التعبير ببدو

(1)"صحيح مسلم"(52/ 1534).

(2)

زاد هنا في (ر): لضعفها وهو خطأ، وفي (ل): كلمة غير مفهومة. والمثبت من "المجموع".

(3)

في (ر): وقيل.

(4)

في (ر): بلغت. والمثبت من (ل) و"المجموع".

(5)

انظر: "المجموع" 11/ 119.

(6)

سقطت من (ر).

(7)

في (ر): شجر.

(8)

سقطت من (ع).

ص: 122

الصلاح؛ لأنه دال على الاكتفاء ببعضه من غير اشتراط تكامله (1)، فإذا بدا الصلاح في نخلة واحدة، بل في بسرة جاز، ولا خلاف أن غير النخل من الشجر حكمه حكم النخل.

قال بعض (2) أصحابنا: وإذا بدا الصلاح في بعض الثمرة دون بعض، نظر إن اختلف الجنس لم يكن بدو الصلاح في أحد الجنسين صلاحًا في الجنس الآخر، حتى لو باع الرطب والعنب صفقة واحدة وبدا (3) الصلاح في أحدهما دون الآخر اشترط القطع في الجنس الذي لم يبد (4) فيه الصلاح، لا خلاف في ذلك عندنا (5).

(نهى البائع والمشتري) أما البائع فلئلا (6) يأكل مال أخيه بالباطل، وأما المشتري فلئلا (7) يضيع (8) ماله ويساعد البائع على الباطل، وفيه أيضًا قطع التنازع والتخاصم (9)، وفي قوله: نهى البائع والمشتري. تأكيد للمنع لا أنه للاشتراط؛ فإن النهي عن بيع الثمار يعمهما.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا

(1) في (ع): مكاملة، وانظر:"فتح الباري" 4/ 396 بتصرف يسير.

(2)

سقطت من (ع).

(3)

في (ر): بدو.

(4)

في الأصل (يبدو). والمثبت من "المجموع".

(5)

انظر: "المجموع" 11/ 159.

(6)

في (ر): قليلا.

(7)

في (ر): قليلا.

(8)

في (ر): يصنع.

(9)

انظر: "فتح الباري" 4/ 396.

ص: 123

الحديث (1).

وقال أبو الفتح القشيري: أكثر الأمة على أن هذا النهي نهي تحريم (2)، وعند أبي حنيفة [هو نهي](3) كراهة (4).

[3368]

(حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم (ابن علية) الإمام (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني.

(عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهي)(5) بضم الياء وكسر الهاء.

قال الخطابي: هذِه الرواية هي الصواب (6). ولا يقال في النخل: تزهو إنما يقال: تزهي لا غير.

قال شيخنا ابن حجر: وأثبت غيره ما نفاه (7) يقال: زها النخل إذا طال واكتمل، وأزهى إذا احمر واصفر، ويقال: زها النخل إذا ظهرت ثمرته وأزهى يزهي إذا أحمر أو أصفر (8). زاد النسائي: قيل: يا رسول الله، وما يزهي؟ قال:"حتى يحمر"(9) أي تبدو الحمرة في بعضها

(1)"الأوسط" 10/ 55.

(2)

"إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" 2/ 122.

(3)

في (ر): فهي.

(4)

انظر: "المجموع" 11/ 117.

(5)

في (ر): يزهر.

(6)

"معالم السنن" 3/ 71.

(7)

في (ر): يقال: والمثبت من (ل) والفتح.

(8)

انظر: "فتح الباري" 4/ 398.

(9)

"المجتبى 7/ 264.

ص: 124

ولو في نخلة (1) واحدة أو بسرة واحدة كما تقدم لا في جميعها؛ لأن الله تعالى أجرى العادة أن الثمار لا تحمر ولا تصفر ولا تطيب دفعة واحدة رفقًا بالعباد، فإنها لو طابت دفعة واحدة لم يكمل تفكههم بها دفعة، وإنما يتلون ويطيب شيئًا فشيئًا (2).

(و) نهى (عن) بيع (السنبل حتى يبيض) هكذا رواية مسلم (3).

قال النووي: معناه حتى يشتد حبه، وهو بدو صلاحه (4). فيه دليل لمذهب مالك، وأما مذهبنا ففيه تفصيل، فإن كان السنبل شعيرًا وذرة أو ما في (5) معناهما مما ترى حباته [جاز بيعه](6)، وإن كان حنطة ونحوها مما [يستر](7) حبه بالقشر، فالأصح الجديد عن (8) الشافعي: لا يصح، والقديم يصح (9).

(ويأمن)(10) وينجو من (العاهة) وهي الآفة تصيب الزرع أو الثمر ونحوه فتفسده، وهذا بيان (11) أو تعليل لما تقدم من النهي عن بيع

(1) في (ر): محله.

(2)

انظر: "المجموع" 11/ 158.

(3)

"صحيح مسلم"(1535).

(4)

انظر: "شرح مسلم" 10/ 179.

(5)

سقطت من (ر).

(6)

في (ر): بينه.

(7)

في (ر): يشتد. والمثبت من "شرح مسلم".

(8)

في (ر): عند.

(9)

انظر: "شرح مسلم" 10/ 182.

(10)

في (ع): ويأمن في.

(11)

سقطت من (ع).

ص: 125

الثمار حتى يبدو صلاحه بأن يحمر أو يصفر، والحب بأن يشتد حبه؛ فإنه إذا بيع قبل ذلك لا يؤمن عليه من العاهة فإذا حصلت له العاهة بقي أكل ثمنه من أكل أموال الناس بالباطل.

ولهذا اشترط الشافعي إذا بيع قبل بدو الصلاح اشترط (1) القطع فيما ينتفع به قبل بدو الصلاح كالحصرم، وليس ذلك من باب تخصيص العموم بعلة (2) مستنبطة منه؛ فإن ذلك فيه خلاف، وأما هذِه العلة فمنصوصة.

ولا شك أن استفادة التعليل من هذا الكلام ظاهرة، وهو من أقوى درجات الإيماء الذي هو أحد أدلة العلة (3)، وبيان كونه علة أن ذكر الشارع يأمن من العاهة وهو وصف مناسب لأن يكون علة للحكم الذي هو النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحه والنهي عن بيع السنبل حتى يبيض؛ لأن الثمار إذا بدا صلاحه والحب إذا أبيض أمن من (4) العاهة، وإذا أمن العاهة سلم البيع من أكل أموال الناس بالباطل، فلو لم يكن ذكر هذا الوصف المناسب علة للنهي عن البيع فيهما لم يكن لذكره فائدة، وكان ذكره عبثًا، وكلام الشارع منزه عن هذا، وهذا هو القسم الثاني من أقسام الإيماء ومثله الأصوليون بقوله صلى الله عليه وسلم[في النهي كما تقدم] (5): "إنها ليست بنجسة إنها من الطوافين

(1) في (ل) و (ر): اشتراط. والمثبت من (ع).

(2)

في (ر): فعلة.

(3)

انظر: "المجموع" 11/ 119.

(4)

زيادة من (ر).

(5)

زيادة من (ل).

ص: 126

عليكم أو الطوافات" (1).

(نهى البائع والمشتري) تأكيد للمنع في النهي، كما تقدم.

[3369]

(حدثنا حفص بن عمر) بن الحارث (النمري) بفتح النون، قال (حدثنا شعبة، عن يزيد بن خمير) بضم الخاء المعجمة وفتح الميم مصغر الرحبي الحمصي.

(عن مولىً لقريش، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع) رواية الترمذي: عن شراء (2)(الغنائم حتى تقسم) مقتضى النهي عن بيع مال الغنيمة قبل أن يقسم؛ لأنه بيع ما لم يملك، وأكل المال في مقابلته من أكل المال بالباطل؛ فإن الأظهر من الأقوال الثلاثة للشافعي أنه (3) لا ملك للغانمين فيها قبل القسمة، وإنما يملكون إن تملكوا (4) بدليل صحة الإعراض عنها، فإن من أعرض عن الغنيمة قبل القسمة [قدر كأنه](5) لم يحضر القوم وكأنه لم يكن، وقسم المال على الباقين. ولو ملكوا الغنيمة بالاستيلاء لما سقط ملكهم بالإعراض كملك من احتش أو احتطب، وأيضًا فللإمام أن يخص كل طائفة بنوع من المال. ولو ملكوا لم يجز إبطال حقهم عن بعض الأنواع بغير اختيارهم.

(1)"سنن الترمذي"(1563).

(2)

في (ع): لأنه.

(3)

سلف برقم (75 - 76).

(4)

زاد في (ر): القوم. وانظر: "نهاية المطلب" 3/ 334.

(5)

في (ر): كأنه قدر.

ص: 127

(وعن بيع النخل) أي ثمر النخل فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ولهذا ذكره المصنف في باب بيع الثمار (حتى تحرز) رواية مسلم: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يأكل منه أو يؤكل وحتى يوزن، قلت: ما يوزن؟ [فقال: ما يوزن](1) فقال رجل عنده أي عند ابن عباس: حتى يحزر.

قال النووي: حتى يأكل أو يؤكل، معناه: حتى يصلح لأن يؤكل (2) في الجملة.

وأما تفسيره (يوزن) بـ (يحزر) فظاهر؛ لأن الحزر طريق إلى معرفة قدره، وكذا الوزن، وقوله: حتى يحزر هو بتقديم الزاي على الراء، أي: يخرص.

قال: ووقع في بعض الأصول بتقديم الراء أي: تسلم وتأمن (من كل عارض) من العاهات كما في الحديث قبله، وهو تصحيف، وإن كان يمكن تأويله لو صح، وهذا التفسير المضاف إلى ابن عباس؛ لأنه أقر قائله عليه ولم ينكره، وتقريره كقوله والله أعلم (3).

(وأن يصلي الرجل بغير حزام) قال ابن الأثير: هذا مثل الحديث الآخر: "لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء"(4)، وإنما أمر به؛ لأنهم كانوا قل ما يتسرولون ومن لم يكن

(1) هكذا في الأصل، وليست موجودة في "صحيح مسلم".

(2)

في (ع): كل.

(3)

انظر: "شرح مسلم" 10/ 181.

(4)

رواه البخاري (359)، ومسلم (516) من حديث أبي هريرة.

ص: 128

عليه سروال وكان جيبه واسعًا ولم يَتَلَبَّبْ ربما وقع بصره أو بصر غيره على عورته، انتهى (1).

وأصل الحزام ما يشد به فوق الإكاف الذي على البردعة، ويستعمل فيما يشد به؛ وسط الآدمي من سير ونحوه.

قال ابن قدامة في "المغني": شد الوسط بمئزر أو حبل ونحوه مأمور به، وليس بمكروه، قال أحمد بن حنبل: لا بأس به؛ أليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يصل (2) أحدكم إلا وهو محتزم"(3)[وقال يحيى بن سعيد: سألت أحمد عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يصلي أحدكم إلا وهو محتزم"](4) فقال: كأنه من شد (5) الوسط.

قال: وروى الخلال بإسناده عن الشعبي قال: كان يقال: شد حقوك في الصلاة ولو بعقال، وعن يزيد بن الأصم مثله (6).

[3370]

(حدثنا أبو بكر محمد بن خلاد) بن كثير (الباهلي) البصري، روى له مسلم وكان يعد من العقلاء.

(حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سليم) بفتح المهملة وكسر اللام (ابن حيان) من الحيوة.

(حدثنا سعيد بن ميناء) بكسر الميم وسكون التحتانية وبالنون ممدودًا

(1) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 950.

(2)

في (ل) و (ر): يصلي.

(3)

رواه أحمد 2/ 458 من حديث أبي هريرة.

(4)

سقطت من (ع).

(5)

في (ر): شط.

(6)

"المغني" 1/ 658.

ص: 129

ومقصورًا.

(قال: سمعت جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع الثمرة حتى تشقح) بضم أوله وسكون الشين المعجمة، ويروى بفتح الشين [المعجمة](1) وتشديد القاف، يقال: أشقح وشقح (2) وبعد القاف حاء مهملة، كذا ضبطه السبكي، يقال: أشقح ثمر (3) النخل إشقاحًا إذا احمر أو اصفر (4)، والاسم الشقح (5) بضم الشين وسكون القاف بعدها حاء مهملة، وهو لون غير خالص في (6) الحمرة والصفرة، وذكره مسلم من وجه آخر عن جابر بلفظ:"حتى تشقه"(7) فأبدل من الحاء هاء لقرب مخرجها من مخرجها.

(قيل: وما تشقح) هذا التفسير من قول سعيد بن ميناء راوي الحديث، بين ذلك أحمد في روايته لهذا الحديث عن بهز بن أسد عن سَلِيم بن حيان أنه هو الذي سأل سعيد بن ميناء عن ذلك فأجابه بذلك (8)، وقد أخرج مسلم الحديث من طريق زيد بن أبي أنيسة عن

(1) سقطت من (ل) و (ع).

(2)

في (ع): يشقح.

(3)

في (ر): عن.

(4)

انظر: "المجموع" 11/ 116.

(5)

في الأصل: (الشقحة). والمثبت من "فتح الباري".

(6)

في (ع): إلى.

(7)

"صحيح مسلم"(1536).

(8)

"المسند" 3/ 361 (14884).

ص: 130

أبي الوليد مطولًا، وفيه: وأن تشترى النخل (1) حتى تشقه. والإشقاه أن يحمر أو يصفر أو يؤكل منه شيء، وفي آخره قال زيد: فقلت لعطاء: أسمعت جابرًا يذكر هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم (2). وهو يحتمل (3) أن يكون مراده بقوله [هذا جميع الحديث فيدخل فيه التفسير، ويحتمل أن يكون مراده أصل الحديث](4) لا التفسير فيكون التفسير (5) من كلام الراوي.

(قال: تحمار وتصفار) قال ابن التين: التشقيح (6): تغير لونها إلى الصفرة والحمرة، فأراد بقوله: تحمار وتصفار ظهور أوائل (7) الحمرة والصفرة قبل أن تشبع.

قال: وإنما يقال تفعال في اللون الغير متمكن إذا كان ملونًا (8).

قال في "شرح التسهيل" لابن مالك: وإفهام العروض (9) مع الألف كثير وبدونها قليل، أي: أن زيادة الألف في أفعل تدل غالبًا (10) على كون الصفة عارضة، وأن عدم زيادتها تدل على الثبوت واللزوم غالبًا،

(1) في الأصول: التمر، والمثبت من "صحيح مسلم".

(2)

"صحيح مسلم"(1536).

(3)

في (ل): محتمل. والمثبت من (ر).

(4)

ما بين المعقوفين سقط من (ل) و (ر). والمثبت من "فتح الباري".

(5)

في (ر): كالتفسير.

(6)

في (ر): التشقح.

(7)

في (ع): أوئل.

(8)

انظر: "فتح الباري"(396 - 397).

(9)

في (ر): الفروض.

(10)

في (ع): غا.

ص: 131

فإذا قيل: احمار البسر علم أن الحمرة عارضة. وإذا قيل: احمر علم أنها لازمة، وقد يعكس الأمر فيكون الثبوت مع الألف كقوله تعالى:{مُدْهَامَّتَانِ (64)} (1) ويكون العروض مع عدم الزيادة نحو: اصفر وجهه وجلا واحمر خجلًا (2)، ومنه قوله تعالى:{تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ} (3). انتهى.

ويحتمل أن يراد بيحمار ويصفار المبالغة في احمرارها واصفرارها (4) على القاعدة المستقرة أن زيادة الحروف تدل على كثرة المعاني (ويؤكل منها) أي تصلح لأن يؤكل منها في الجملة.

وفي رواية النسائي في هذا الحديث: حتى يطعم (5). وفي رواية لمسلم: حتى يطيب (6).

[3371]

(حدثنا الحسن بن علي) الخلال (حدثنا أبو الوليد) هشام الطيالسي (عن حماد بن سلمة) بن دينار الربعي، مولى ربيعة بن مالك (عن حميد) بن أبي حميد الطويل، وهو ابن أخته (7)، واختلف في اسم أبي حميد فقيل: عبد الرحمن، وقيل: طرخان ويعرف بحميد

(1) الرحمن: 64.

(2)

في (ر): حملا.

(3)

الكهف: 17.

(4)

في (ع): اسفرارها.

(5)

"سنن النسائي" 7/ 263 - 264.

(6)

"صحيح مسلم"(1536).

(7)

في (ع): أخيه.

ص: 132

الطويل، قيل: إنما قيل له الطويل لقصره، ولكن كان طويل اليدين، تابعي (1).

(عن أنس) بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود) تبينه رواية الإمام مالك في "الموطأ": حتى تنجو من العاهة (2). فإن العنب إذا اسود ينجو من العاهة والآفة.

وقد استدل الشافعي بهذِه العلة على أن بيع العنب قبل أن (3) يسود إذا كان حصرمًا يصح بيعه بشرط القطع؛ لأن الثمرة التي تقطع لا آفة تأتي عليها فهي تنجو من العاهة، وليست هذِه مستنبطة بل منصوصة كما تقدم.

نقل ابن حزم في كتابه "المحلى" عن سفيان الثوري وابن أبي ليلى منع بيع الثمرة قبل بدو (4) الصلاح، وبيع العنب قبل أن يسود جملة لا بشرط القطع (5) ولا بغيره (6). فلو كانت الثمرة في البلاد الشديدة البرد بحيث لا تنتهي ثمارها إلى الاسوداد والحلاوة، واعتاد أهلها قطع الحصرم فلا أدري مذهب سفيان وابن أبي ليلى فيه، وأما على مذهب الشافعي والجمهور: لا يصح البيع إلا بشرط القطع كما في غيرها من البلاد.

(1) انظر: "تهذيب الكمال" 7/ 355 (1525).

(2)

"الموطأ" 2/ 618.

(3)

سقطت من (ر).

(4)

في (ر): أن يبدو.

(5)

في (ل): بالقطع. والمثبت من (ر) و"المحلى".

(6)

انظر: "المحلى" 8/ 570.

ص: 133

وعن الشيخ أبي محمد الجويني أنه يصح البيع من غير شرط القطع، تنزيلًا لعادتهم الخاصة منزلة العادات العامة، ويكون المعهود كالمشروط، وامتنع الأكثرون من ذلك. ولم يروا تواطؤ قوم مخصوصين بمثابة العادات العامة، وهذا الخلاف يجري فيما إذا جرت عادة قوم بانتفاع المرتهن بالمرهون، والقَفَّال يرى اطراد العادة فيه كشرط عقد في عقد (1)، ومن نظائر ذلك ما إذا جرت عادة شخص برد أجود مما (2) استقرض فالمذهب جواز إقراضه. وفيه وجه.

وهذِه مسائل متقاربة المأخذ والمخالف في بعضها لعله يخالف في الباقي.

قال ابن الرفعة: وكلام الشيخ أبي (3) محمد مباين لكلام القَفَّال؛ لأن القَفَّال اعتبر العادة وحدها، وأبو محمد اعتبر العادة مع كون ذلك في بلاد لا ينتهي إلى الحلاوة، وقد يحمل الحصرم على ما بدا (4) صلاحه لقول الجوهري: إن الحصرم أول العنب (5). لكن العرف أن الحصرم لم يبد (6) صلاحه، وقول الجوهري معناه أول الثمرة التي نهايتها عنب.

واعلم أن ها هنا أمورًا (7) أربعة يجب التمييز بينها: أحدها: العرف.

(1) ينظر: "نهاية المطلب" 5/ 143.

(2)

في (ع): ما.

(3)

في الأصل (أبو). والمثبت من "المجموع".

(4)

في (ر): يذكر.

(5)

"الصحاح" 5/ 1900.

(6)

في (ر): يبدو.

(7)

في (ل) و (ر): أمور. والمثبت من "المجموع".

ص: 134

والثاني: العادة.

وينقسم كل منهما إلى خاص وعام، والعرف غير العادة؛ فإن المراد بالعرف ما يكون سببًا لتبادر الذهن من لفظ إلى معنى المصطلح عليه بين المتكلمين، والمراد من العادة ما هو مألوف من الأفعال وما أشبهها. قاله السبكي تقي الدين (1).

(وعن بيع الحب حتى يشتد) والحب الطعام كحب الحنطة ونحوها، واشتداده قوته وصلابته. وقد اتفق العلماء المشهورون (2) على جواز بيع القصيل بشرط القطع، وخالف سفيان الثوري وابن أبي ليلى فقالا: لا يصح بيعه بشرط القطع؛ لأنه لم يشتد، وقد اتفق الكل على أنه لا يصح بيع القصيل من غير شرط القطع.

وخالف ابن حزم الظاهري فأجاز بيع القصيل بغير شرط القطع، تمسكًا بأن النهي إنما ورد على السنبل. قال: ولم يأت في منع بيع الزرع مذ نبت إلى أن يسنبل نص أصلًا، وروى عن (3) أبي إسحاق الشيباني قال: سألت عكرمة عن بيع القصيل، فقال: لا بأس به (4). فقلت: إنه سنبل فكرهه (5)(6).

[3372]

(حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عنبسة بن خالد، حدثني

(1)"المجموع" 11/ 122 - 124.

(2)

في (ل): المشهورين. وفي (ر): المشهور. والمثبت من "المجموع".

(3)

في (ع): عنه.

(4)

زيادة من (ع).

(5)

"المحلى" 8/ 404 - 405 بتصرف.

(6)

انظر: "المجموع" 11/ 133.

ص: 135

يونس) بن يزيد (1)(قال: سألت أبا الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن بيع الثمر) بفتح المثلثة والميم (قبل أن يبدو) بفتح الواو (صلاحه وما ذكر في ذلك) من الأحاديث.

(فقال: كان (2) عروة بن الزبير) بن العوام (يحدث عن سهل بن أبي حثمة) من بني حارثة، كما في البخاري (3)، وفي هذا الإسناد رواية تابعي عن مثله عن صحابي عن مثله، والأربعة مدنيون.

(عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: كان الناس يتبايعون الثمار) زاد البخاري: على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (قبل أن يبدو صلاحها) يعني أنها بعد الصلاح تأمن (4) من العاهات والجوائح غالبًا لكبرها وغلظ نواها، وقبل الصلاح تسرع إليها العاهات لضعفها، وألفاظ هذِه الأحاديث المتقدمة مختلفة ومعانيها متفقة.

قال العلماء: إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قالها في أوقات مختلفة ونقل كل واحد من الرواة ما سمعه، وإما أن يكون قال لفظًا في وقت ونقله الرواة بالمعنى (5).

(فإذا جد) بتشديد الدال المهملة والمعجمة أيضًا لغتان (الناس)

(1) في الأصول (يونس). والمثبت الصواب، ينظر "تهذيب الكمال" 32/ 551 (7188).

(2)

سقطت من (ع).

(3)

"صحيح البخاري"(2193).

(4)

سقطت من (ع).

(5)

انظر: "المجموع" 11/ 116 - 117.

ص: 136

والإعجام أشهر أي: قطعوا ثمر النخل أي: استحق الثمر القطع، وفي رواية للبخاري: أجذ (1) بزيادة الألف.

قال ابن التين: ومعناه على هذِه الرواية: دخلوا في زمن الجذاذ كأظلم إذا دخل في الظلام، والجذاذ (2) صرام النخل، وهو قطع ثمرها وأخذها من الشجر (وحضر)(3) زمان (تقاضيهم) بالضاد المعجمة، أي: اقتضاء ثمارهم التي (4) ابتاعوها.

(قال المبتاع) يعني المشتري: (قد أصاب الثمر) بفتح المثلثة والميم (الدمان) بفتح المهملة وتخفيف الميم، ضبطه أبو عبيد وضبطه الخطابي بضم أوله. قال القاضي عياض: هما صحيحان. قال: ورواها بعضهم بالكسر، وذكره أبو عبيد، عن [أبي الزناد] (5) بلفظ: الأدمان (6)، زاد في أوله الألف وفتحها وفتح الدال، وفسره أبو عبيد بأنه فساد الطلع، وتعفنه (7) وسواده. قال الأصمعي: الدمال - باللام - العفن (8).

وقال القزاز: الدمان فساد النخل قبل إدراكه، وإنما (9) يقع ذلك في

(1) في (ر): أخذ. والمثبت من "فتح الباري".

(2)

في (ع): وقت.

(3)

في (ع): حضر.

(4)

في (ع): والتي.

(5)

في (ل) و (ع): ابن أبي الزناد.

(6)

في (ر): الأدمار. والمثبت من "الفتح".

(7)

في (ر): تعقبه.

(8)

"مشارق الأنوار" 1/ 258.

(9)

تكررت في (ع).

ص: 137

الطلع يخرج قلب النخلة أسود معفونًا. ووقع في رواية يونس: الدمار بالراء بدل النون، وهو تصحيف كما قال عياض، ووجهه غيره بأنه أراد الهلاك كأنه قرأه بفتح أوله (1)(وأصابه قشام) بضم القاف بعدها شين معجمة خفيفة، زاد الطحاوي (2) في روايته: والقشام شيء يصيبه حتى لا يرطب (3).

وقال الأصمعي: هو أن ينتقص ثمر النخل قبل أن يصير بلحًا (4). وقشام المائدة ما ينقص مما بقي على المائدة مما لا خير فيه (5). (وأصابه مراض) بكسر أوله للأكثر حكاه ابن حجر (6).

وقال الخطابي: بضم أوله وهو اسم لجميع الأمراض بوزن سعال وصداع، وهو داء يقع في الثمرة فتهلك، يقال: أمرض (7) إذا وقع في ماله عاهة، وزاد الطحاوي في روايته: أصابه عفن. وهو بالمهملة والفاء المفتوحتين (8)(عاهات) جمع عاهة وهو بدل من المذكورات قبله أو خبر مبتدأ محذوف أي: هذِه الأمراض المذكورة عاهات، أي: آفات، والمراد بها هنا ما يصيب الثمر مما ذكر (يحتجون بها)

(1) انظر: "فتح الباري" 4/ 394 - 395.

(2)

في (ع): الخطابي. والمثبت من (ر) والفتح.

(3)

"شرح معاني الآثار" 4/ 28.

(4)

ينظر: "معالم السنن" 3/ 85.

(5)

ينظر "غريب الحديث" للخطابي 3/ 199.

(6)

"فتح الباري" 4/ 395.

(7)

في (ع): مرض.

(8)

ينظر "فتح الباري" 4/ 395.

ص: 138

جمع لفظ يحتجون باعتبار لفظ المبتاع فإنه جنس صالح للقليل والكثير (1).

(فلما كثرت خصومتهم) في ذلك (عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كالمشورة) بضم الشين وإسكان الواو (2) كالمعونة، وكان الأصل مَشْوُرَة بسكون (3) الشين، وضم الواو على وزن مفعلة فاستثقلت الضمة على الواو فنقلت حركتها إلى الساكن قبلها خلافًا لما قاله شيخنا ابن حجر أن (4) وزنها فعولة، وزعم الحريري أن سكون الشين وفتح الواو من الأوهام (5)، وليس كذلك فقد أثبتها "الجامع" و"الصحاح"(6) و"المحكم"(7) وغيرهم (8).

واختلف في اشتقاق اسمها فقيل إنه من قولك: شرت العسل أشوره إذا جنيته فكأن المستشير يجني الرأي من المشير (9)(يشير بها) عليهم لكثرة خصومتهم، وقد يقال: إن حديث زيد يدل على أن (10) النهي في الأحاديث المتقدمة ليس على سبيل التحريم لقول الراوي: كالمشورة لهم؛ فإن ذلك يدل على أنه ليس بمتحتم وكذا قوله (فإما

(1) انظر: "عمدة القاري" 12/ 5.

(2)

في (ر): الكاف. والمثبت من (ل) و"الفتح".

(3)

في الأصول: بكسر. والمثبت الموافق للسياق.

(4)

سقطت من (ر). والمثبت من (ل).

(5)

"درة الغواص" ص 29.

(6)

"الصحاح" 2/ 705.

(7)

"المحكم" 8/ 82.

(8)

انظر: "فتح الباري" 4/ 395.

(9)

"درة الغواص" ص 29، وانظر:"عمدة القاري" 12/ 5.

(10)

سقطت من (ر).

ص: 139

لا) وأكثر النسخ (1): فإما فلا تبتاعوا. أصله: فإن لا تتركوا هذِه المبايعة، فزيدت ما بعد إن للتأكيد ثم أدغمت النون في الميم وحذف الفعل الذي بعدها، وقد نطقت العرب بإمالة "لا" إمالة خفيفة، والعامة تشبع إمالتها وهو خطأ، ووجه إمالة "لا" لتضمنها الجملة المحذوفة وإلا فالقياس أن "لا" تمال الحروف.

قال التيمي (2): وقد تكتب: لا، هذِه بلام وياء وتكون الإمالة فيمن كتب بالياء تبع للفظ الإمالة، ومنهم من كتب بالألف ويجعل عليها فتحة منحرفة علامة للإمالة، ومنهم من يكتبها بالألف اتبع أصل الكلمة (3).

قال السبكي: والتمسك بقول الراوي (كالمشورة (4) يشير بها) (5) على أنه ليس بمتحتم ليس بالقوي؛ فإن كل أوامره صلى الله عليه وسلم ونواهيه لمصالحهم الأخروية والدنيوية، وأما (6) التمسك بقوله: لا، إما لا؛ فإنه يقتضي أن النهي معلق على شرط وهو الذي نقدره محذوفًا كما تقدم، والذي يليق بهذا الموضع أن لا ترجعوا عن الخصومة أو ما في معنى ذلك، فذلك وإن كانت صورته صورة التعليق (7) فليس المراد منه

(1) سقطت من (ر).

(2)

في (ل) و (ر): التميمي. والمثبت من "عمدة القاري".

(3)

انظر: "عمدة القاري" 12/ 5.

(4)

سقط من (ل) و (ر). والمثبت من "المجموع".

(5)

سقط من (ر). والمثبت من (ل).

(6)

سقطت من (ع).

(7)

في (ر): التعلق. والمثبت من (ل) و"المجموع".

ص: 140

التعليق؛ فإن رجوعهم عن الخصومة في المستقبل في حق كل (1) أحد لا يعلم ولا يمكن أن يبقى الحكم موقوفًا على ذلك، فالمراد -والله أعلم- أنه أنشأ النهي لأجل ذلك، وكأنه (2) استعمل بمعنى إذ (3) التي تستعمل للتعليل، ومما يرشد إلى أن النهي حتم قوله: نهي البائع (4) والمشتري؛ فإنه لتأكيد المنع (5). (فلا تتبايعوا الثمر حتى يبدو صلاحه) قال ذلك (لكثرة خصومتهم واختلافهم) عند قبض الثمرة.

وروى أحمد من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة: سألت ابن عمر عن بيع الثمار. فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة. قلت: ومتى ذاك؟ قال: مطلع الثريا (6).

ووقع في رواية ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة، عن أبيه: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة (7) ونحن نتبايع الثمار قبل أن يبدو صلاحها فسمع خصومة فقال: "ما هذا" .. فذكر الحديث (8).

[3373]

(حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر

(1) سقط من (ر): والمثبت من (ل) و"المجموع".

(2)

في (ر): فكله. والمثبت من (ل) و"المجموع".

(3)

في (ل) و (ر): إذا. والمثبت من "المجموع".

(4)

في (ل) و (ر): للبائع.

(5)

"المجموع" 11/ 117.

(6)

"المسند" 2/ 42 (5012).

(7)

سقطت من (ع).

(8)

"المسند" 5/ 190.

ص: 141

حتى يبدو صلاحه) فإنه يصير على الصفة التي تطلب (ولا يباع إلا بالدراهم والدنانير) قال ابن بطال: إنما اقتصر على الدراهم والدنانير؛ لأنهما جل ما يتعامل به الناس، وإلا فلا خلاف بين الأمة في جواز بيعه بالعروض (1) يعني: بشرطه (إلا العرايا) زاد يحيى بن أيوب في روايته: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيها (2)، أي: فيجوز بيع الرطب فيها بعد أن يخرص ويعرف قدره بقدر ذلك من الثمر (3).

* * *

(1)"شرح ابن بطال" 6/ 308.

(2)

رواها الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 29.

(3)

انظر: "فتح الباري" 4/ 387 - 388.

ص: 142