الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 - باب فِيمَنْ يُعِينُ عَلى خصومَةٍ مِنْ غيْرِ أن يَعْلَمَ أمْرَها
3597 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا عمارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، عَنْ يَحيَى ابْنِ راشِدٍ قالَ جَلَسْنا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فَخَرَجَ إِلَيْنا فَجَلَسَ فَقالَ: سَمِعْت رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقول: "مَن حالَتْ شَفاعَتُهُ دُونَ حَدَّ مِنْ حُدُودِ اللهِ فقَدْ ضادَّ اللهَ وَمَن خاصَمَ في باطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ في سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنْزع عَنْهُ وَمَنْ قالَ في مُؤمِنٍ ما لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللهُ رَدْغَةَ الخَبالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قالَ"(1).
3598 -
حَدَّثَنا عَليّ بْن الحُسَيْنِ بْنِ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا عاصِم بْن محَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ العمَريُّ، حَدَّثَني المثَنَّي بن يَزِيدَ، عَنْ مَطَرٍ الوَرّاق عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْناهُ قالَ:"وَمَنْ أَعانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ عز وجل "(2).
* * *
باب: مَن يعين على خصومة ولم يعلم أمرها
[3597]
(ثنا أحمد)(3) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي (ثنا زهير، ثنا عمارة بن غزية، عن يحيى (4) بن راشد) الدّمشقيُّ الطويل، ثقة (قال: جلسنا لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فخرج إلينا فجلس) فيه الجلوس لاستماع العلم الشريف من حديث وتفسير وغيرهما.
(1) رواه أحمد 2/ 70.
وصححه الألباني في "الإرواء"(2318).
(2)
رواه ابن ماجه (2320).
وصححه الألباني في "الإرواء"(2318).
(3)
فوقها في (ل): (ع).
(4)
فوقها في (ل): (د).
(فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حالت شفاعته دون) إقامة (حد من حدود الله) تعالى، فخرج به الشفاعة فيما ليس فيه حد ولا حق آدمي، وإنما فيه التعزير، فجائز عند العلماء بلغ الإمام أمره أم لا. قال الحسن في قوله تعالى:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} الشفاعة الحسنة ما يجوز في الدين الشفاعة فيه، والشفاعة السيئة ما لا يجوز الشفاعة فيه (1).
فعلى هذا الشفاعة في التعزير مندوب إليها، مأجور صاحبها عليها (فقد ضاد (2) الله) أي: خالفه فيما أمر به من إقامة الحد، فكأنه صَار ضدا له بمخالفته ورده حكمه بشفاعته، وهذا الوعيد الشديد والتهديد الأكيد فيمن يعلم أن فيه حدا لله تعالى ويشفع فيه، أو [يعلم أنه](3) بلغ الإمام، فأمَّا من لا يعلم فلا إثم عليه إن شاء الله تعالى.
والشفاعة في الحد قبل بلوغه جائزة عند الأكثرين؛ لما جاء في الستر على المسلم من الأحاديث الكثيرة، قال الإمام مالك: وهذا فيمن لم يعرف منه أذى للنَّاس، وأما من عرف منه شر وفساد فلا أحب أن يشفع فيه (4).
(ومن خاصم في باطل) قال الغزالي: الخصومة لجاج في الكلام
(1) انظر: "تفسير القرآن العزيز" لابن أبي زمنين 1/ 392، و "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 295.
(2)
في (ل): حاد.
(3)
ساقطة من (م).
(4)
"المدونة" 4/ 531.
ليستوفى بها مال أو حق مقصود، تارة يكون ابتداء، وتارة يكون اعتراضاً، والمراء لا يكون إلا اعتراضاً على كلام سبق (1).
قال بعضهم: إياك والخصومة، فإنها تمحق الدين.
ويقال: ما خاصم قط وَرع.
(وهو يعلمه لم يزل في سخط الله) وهذا الدم الشديد له شرطان:
أحدهما: الذي يخاصم بالباطل.
والثَّاني: الذي يخاصم مع علمه أنه باطل، فأمَّا المظلوم الذي يخاصم فهذا لجاجه ليصل إلى حقه بطريق الشرع من غير لدد وزيادة لجاج ولا قصد إيذاء، فليس بحرام، ولكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلا؛ فإن ضبط اللسان في الخصومة متعذر، والخصومة توغر الصدور وتهيج الغضب، وإذا هاج الغضب نسي المتخاصم فيه وبقي الحقد.
(حتى ينزع) أي: ينجذب عنه ويميل إلى الحق فيسلم (ومن قال في) عرض (مؤمن ما ليس فيه) من الباطل الذي فيه عيب. يبين هذا الحديث ما رواه الطبراني بإسناد جيد عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من ذكر امرأ بشيء ليس فيه ليعيبه به حبسه الله في نار جهنم، حتى يأتي بنفاذ ما قال فيه"(2).
(1)"إحياء علوم الدين" 3/ 118.
(2)
"المعجم الكبير" 20/ 273 (1794)، "الأوسط" 8/ 380 (8936)، ورواه أبو الشيخ في "التوبيخ والتنبيه"(126، 197).
قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 201: رواه كله الطبراني في "الكبير" يعني: بإسنادين، وإسناد الأول فيه من لم أعرفه، ورجال الثاني ثقات.
ورواية مسلم: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته"(1). و (بهته) بتخفيف الهاء، أي: قلت فيه البهتان.
(أسكنه الله) أي: حبسه كما للطبراني (2)(رَدغة) بفتح الراء وإسكان الدال المهملة، وبالغين المعجمة، ويجوز فتح الدال. هو عصارة أهل النار أو عرقهم، كما جاء مفسرًا في "صحيح مسلم"(3) وغيره (الخبال) بفتح الخاء المعجمة وتخفيف الباء الموحدة، وهو في الأصل الفساد، وأصل الردغ الطين والوحل. وفي الحديث:"من شرب الخمر سقاه الله من طينة الخبال"(4).
(حتى يخرج مما قال) فيه. أي: يتخلص من إثم ما قال فيه من البهتان.
[3598]
(ثنا علي بن حسين بن إبراهيم) بن إشكاب العامري، وثقه النسائي (5)(ثنا عمر (6) بن يونس) اليمامي، ثقة (ثنا عاصم بن محمد بن زيد) بن عبد الله بن عمر (العُمري) بضم العين نسبة إلى جده عمر بن الخطاب (قال: حدثني المثنى (7) بن يزيد) أخرج له النسائي في "عمل
(1)"صحيح مسلم"(2589) من حديث أبي هريرة.
(2)
"المعجم الكبير" 12/ 388 (13435)، "المعجم الأوسط" 6/ 309 (6491) من حديث ابن عمر. "الأوسط" 8/ 380 (8936) من حديث أبي الدرداء.
(3)
"صحيح مسلم"(2002).
(4)
سيأتي عند أبي داود برقم (3680).
(5)
انظر: "تاريخ بغداد" 11/ 392.
(6)
فوقها في (ل): (ع).
(7)
فوقها في (ل): (د).
اليوم والليلة" (1)(عن مطر) بن طهمان الخراساني، أخرج له مسلم في مواضع (الورَّاق، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما وذكر الحديث (بمعناه) المذكور.
(وقال: من أعان) مخاصمًا (على خصومة) خاصمها، يدخل في عمومها الخصومة في حق، والخصومة في باطل، لكن الإثم في الباطل أكثر من الإعانة في الحق، والإثم في الحق لا لكونه حقًّا؛ بل لكونه أعان في الحق بغير حق، كما سيأتي، ومن الإعانة بغير حق ما رواه الطبراني في "الكبير" عن أوس بن شرحبيل أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من مشى مع ظالم؛ ليعينه، وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام"(2).
(بظلم) أي: بغير حق، كما بينه في رواية الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. ولفظه: "من أعان على خصومة بغير حق كان في سخط الله حتى ينزع"(3). وروى الطبراني من رواية رجاء بن صبيح السقطي عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضادَّ الله في ملكه، ومن أعان على خصومة لا يعلم أحق
(1) انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 27/ 212.
(2)
"المعجم الكبير" 1/ 227 (619)، ورواه ابن أبي عاصم 4/ 249 (2252)، وأبو نعيم في "معرفة "الصحابة" 1/ 310.
قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 205: فيه عياش بن مؤنس، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله وثقوا، وفي بعضهم كلام.
(3)
"المستدرك" 4/ 99.
أو باطل فهو في سخط حتى ينزع، ومن مشى مع قوم يرى أنه شاهد وليس بشاهد" (1) فقد جاء بغضب من الله) أي: لزمه غضب الله.
ومعنى الغضب في صفات الله عز وجل؛ إرادة العقوبة (2)، فهو صفة ذات، وإرادة الله من صفات ذاته أو هو نفس العقوبة، ومنه حديث:"الصدقة تطفئ غضب الرب"(3).
* * *
(1)"المعجم الكبير" 20/ 65 (1353)، و "الأوسط" 8/ 252 (8552).
(2)
بل هو صفة حقيقة لا تشبه صفات المخلوقين. فذهب أهل السنة أن يثبتوا لله ما أثبت لنفسه من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه.
(3)
رواه الترمذي (600) من حديث أنس وقال: حسن غريب. وضعفه الألباني في "الإرواء"(885).