الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 - باب في حُسْنِ القضاءِ
3346 -
حدثنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبى رافِعٍ قال: اسْتَسْلَفَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بَكْرًا فَجاءَتْهُ إِبِلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ فَأَمَرَنى أَنْ أَقْضيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ فَقُلْتُ: لَمْ أَجِدْ في الإِبِلِ إِلَاّ جَمَلًا خِيارًا رَباعِيًّا. فَقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَعْطِهِ إيَّاهُ فَإِنَّ خِيارَ النّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضاءً"(1).
3347 -
حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا يَحْيَى، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ مُحارِبِ بْنِ دِثارٍ قالَ: سَمِعْتُ جابِرَ بْنَ عَبدِ اللهِ قالَ: كانَ لي عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ فَقَضانى وَزادنى (2).
* * *
باب في حسن القضاء
[3346]
(حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي رافع) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال: مولى العباس بن عبد المطلب، واسمه أسلم.
(استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: طلب السلف وهو القرض، ولا يختلف العلماء في جواز سؤاله عند الحاجة ولا نقص على طالبه، ولو كان فيه شيء من ذلك لما استسلف النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان أنزه الناس وأبعدهم عن ذلك. (بَكرًا) بفتح الباء وهو الفتي من الإبل وهو فيها كالغلام في الرجال، والقلوص فيها كالجارية في النساء.
(فجاءته إبل من الصدقة) فإن قيل: كيف شغل النبي صلى الله عليه وسلم ذمته بدين
(1) رواه مسلم (1600).
(2)
رواه البخاري (443)، ومسلم (715).
وقد قال: "إياكم والدين فإنه شينٌ، الدين هم بالليل وندمة بالنهار"(1).
والجواب: أن أخذ الدين عند الحاجة وقصد الأداء عند الوجدان (2) لا يختلف في جوازه، وقد يجب في بعض الأوقات عند تذكر الضروريات المتعينة.
(فأمرني أن أقضي الرجل بكره) فيه جواز التوكيل في قضاء الدين، وعلى جواز قرض الحيوان، وهو مذهب الجمهور، ومنع ذلك الكوفيون، وهذا الحديث الصحيح حجة عليهم واستثنى من الحيوان أكثر العلماء الجواري فمنعوا قرضهن؛ لأنه يؤدي إلى عارية الفروج وأجاز ذلك بعض المالكية بشرط أن يرد غيرها، وأجاز ذلك مطلقًا الطبري والمزني وداود الأصبهاني (3).
(فقلت: لم أجد في الإبل) القاعدة في العربية أن النكرة إذا أعيدت معرفةً كانت هي عين الأولى؛ كقوله تعالى: {أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} (4) وعلى هذا (5) فالإبل هنا عائدة (6) على إبل النكرة من الصدقة فيكون قضاء الدين من الصدقة [وأجيب عن قضائه
(1) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 155، والبيهقي في "شعب الإيمان" 7/ 384 بنحوه.
(2)
في (ر): الوجه أن.
(3)
انظر: "المفهم" للقرطبي 4/ 505 - 508.
(4)
المزمل: 15 - 16.
(5)
سقطت من (ر).
(6)
في (ر): عائد.
عنه صلى الله عليه وسلم من الصدقة] (1) بأن هذا كان قبل أن تحرم عليه الصدقة، وهذا فاسد؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم تزل الصدقة محرمة عليه منذ قدم المدينة، وكان ذلك من خصائصه ومن جملة علاماته في الكتب المتقدمة بدليل قصة سلمان الفارسي؛ فإنه عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جاءه سلمان بتمر وقال: كل. فقال: "ما هذا؟ " فقال: صدقة. فقال لأصحابه: "كلوا". ولم يأكل، وأتاه يومًا آخر بتمر وقال: هدية. فأكل، فقال سلمان: هذِه واحدة، ثم وجد خاتم النبوة فأسلم (2)، وقيل: كان استسلفه لغيره ممن كان يستحق أخذ الصدقة فلما جاءت إبل الصدقة دفع منها، وقد استبعد هذا بأنه (3) قضاه أَزْيَدَ من القرض من مال الصدقة فكيف يعطى زيادة من مال ليس له ويجعل ذلك من باب حسن القضاء؟ !
(إلا جملاً خيارًا) بكسر الخاء (رباعيا) بفتح الراء وتخفيف الياء، وهو الذي استكمل ست سنين ودخل في السابعة.
(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعطه) بفتح الهمزة (إياه) وفيه دليل على جواز الزيادة في القرض. وأحسن ما قيل عن السؤال المتقدم جوابًا إن شاء الله أن يكون استقرض البكر على ذمته فدفعه لمن أراد فكان عليه قضاؤه، فلما جاءت إبل الصدقة أخذ منها ما هو عليه يغرمه جملًا رباعيًّا ودفعه إلى الذي استقرض منه البكر فكان أداءً عما في ذمته
(1) سقطت من (ر).
(2)
رواه الحارث بن أبي أسامة في "المسند" كما في "بغية الباحث"(929)، والطبراني 6/ 228 (6073)، والحاكم في "المستدرك" 3/ 602، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(4881).
(3)
في (ر) بأن.
وحسن قضاء بما يملكه مما أخذه على ذمته (1). وفيه أن من السنة رد أجود مما عليه.
فإن قيل: روى البيهقي في "المعرفة" عن فَضالة بن عبيد موقوفًا بلفظ: كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا (2)، ورواه في (3) "السنن الكبرى" عن ابن مسعود (4) وأبي بن كعب (5) وابن عباس (6) موقوفًا (7) عليهم؛ فالجواب أن هذا محمول على ما إذا كان الزائد الذي فيه جر منفعة مشروطًا في العقد بأن يقول: أقرضتك ألفًا على أن ترد علي أكثر من مالي. وقيل: الزيادة في البدل إنما تحرم إذا كان المقروض مما يجري فيه الربا كالدراهم والدنانير والقمح والشعير وغير ذلك، أما ما لا ربا فيه كالحيوان فلا تضر الزيادة فيه، ولو شرط رد الأجود وهذا قول ابن أبي هريرة وأبي حامد المروزي، وأحسن ما قيل في الجواب إن شاء الله تعالى كما تقدم أن المستقرض إن بدأه بعطية ما هو أجود منه وزائد (8) عليه من غير شرط فهو جائز كما في الحديث رواية أبي رافع، وإن رد الزائد عما كان اشترطه عليه حالة
(1) انظر: "المفهم" 4/ 506 - 507.
(2)
"معرفة السنن والآثار" 8/ 169 (11517).
(3)
في (ر): عن.
(4)
5/ 350 (11251).
(5)
5/ 349 (11247).
(6)
5/ 349 (11249).
(7)
في (ر): مرفوعًا.
(8)
في (ر) و (ل): فايد.
القرض لم يجز، وعليه يحمل حديث فضالة، وفي هذا جمع بين الأحاديث.
(فإن خيار الناس) أي من خيرهم كما في رواية الصحيحين (1) لما تقدم.
(أحسنهم قضاء) هذا هو اللفظ الصحيح البليغ. وقد روي: "أحاسنكم"(2) وهو جمع أحسن ذهبوا به مذهب الأسماء كأحمد وأحامد، وقد وقع في "الأم" في بعض طرقه:"محاسنكم"(3) بالميم، وكأنه جمع (4) مَحْسن، كمَطلع ومطالع، وفيه بُعد، وأحسنها وأصحها الأول (5).
[3347]
(حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى) القطان (عن مسعر) بكسر الميم، ابن كدام (عن محارب بن دثار قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين فقضاني دَيْني) (6) يحتمل أن يكون هذا الدين من الأعيان الربوية كالدراهم ونحوها فدفع إليه نظيره من غير زيادة (و) بعد أن برئت الذمة (7) من الدين (زادني) عليه هبة لئلا يشابه الربا في رد الزائد على المقبوض.
* * *
(1) البخاري (2262) ومسلم (1600).
(2)
رواه الترمذي (1316)، وابن ماجه (2423)، وأحمد 2/ 509 عن أبي هريرة.
(3)
رواه مسلم (1601) من حديث أبي هريرة.
(4)
سقطت من (ل) و (ر). والمثبت من "المفهم".
(5)
انظر: "المفهم" 4/ 510.
(6)
ليست في المطبوع.
(7)
في (ر): ذمته. والمثبت من (ل).