الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
21 - باب في مِقْدارِ العريَّة
3364 -
حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حدثنا مالِكٌ، عَنْ داوُدَ بْنِ الحصَيْنِ، عَنْ مَوْلَى ابن أَبي أَحْمَدَ.
قالَ أَبُو داوُدَ: وقالَ لَنا القَعْنَبيُّ: فِيما قَرَأَ عَلَى مالِكٍ، عَنْ أَبي سُفْيانَ واسْمُهُ قُزْمانُ مَوْلَى ابن أَبي أَحْمَدَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ في بَيْعِ العَرايا فِيما دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ في خَمْسَةِ أَوْسُقٍ شَكَّ داوُدُ بْنُ الحُصَيْنِ.
قالَ أَبُو داوُدَ: حَدِيثُ جابِرٍ إِلَى أَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ (1).
* * *
باب في مقدار العرية
[3364]
(حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (حدثنا مالك، عن داود بن الحصين) هو المدني، وكلهم مدنيون إلا شيخ البخاري، وليس لداود ولا لشيخه (2) في البخاري سوى هذا الحديث وآخر بعده.
(عن) أبي سفيان قزمان (3)(مولى ابن أبي أحمد) وابن أبي أحمد (4) هو عبد الله ابن أبي أحمد بن جحش الأسدي ابن أخي زينب بنت جحش أم المؤمنين (5).
(قال أبو داود: وقال لنا) شيخنا (القعنبي فيما قرأ على مالك عن أبي
(1) رواه البخاري (2190)، ومسلم (1541).
(2)
في (ر): شيخه.
(3)
في (ر): عن قزمان.
(4)
في (ر): حمد.
(5)
انظر: "تهذيب الكمال" 33/ 365.
سفيان) وهو المشهور بكنيته، حتى قال النووي تبعًا لغيره: لا يعرف اسمه، وسبقهم إلى ذلك أبو أحمد الحاكم في "الكنى"(1)، ولكن حكى المصنف عن شيخه أن (اسمه قزمان) بضم القاف وإسكان الزاي (مولى ابن أبي أحمد) وحكى الواقدي أن أبا سفيان كان مولى لبني عبد الأشهل، وكان يجالس (2) عبد الله بن [أبي] أحمد فنسب (3) إليه (4).
(عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله رضي الله عنه رخص في بيع العرايا) أي في بيع تمر العرايا؛ لأن العرية هي النخلة، والعرايا جمع العرية فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه (فيما دون خمسة أوسق، أو في خمسة أوسق. شك) أي الشك فيه وقع من (داود بن الحصين) وذكر ابن التين تبعًا لغيره أن داود تفرد به بهذا الإسناد.
قال: وما رواه عنه إلا مالك بن أنس.
والوسق: ستون صاعًا كما تقدم في الزكاة، وقد اعتبر من قال بجواز بيع العرايا بمفهوم هذا العدد ومنعوا ما زاد عليه.
واختلفوا في جواز الخمسة لأجل الشك المذكور، والخلاف عند المالكية والشافعية، والراجح عند المالكية الجواز في الخمسة فما (5) دونها، وعند الشافعية الجواز فيما دون الخمسة ولا يجوز في
(1) انظر: "فتح الباري" 4/ 368.
(2)
في (ع): مجالس.
(3)
في (ع): نسب.
(4)
انظر: "طبقات ابن سعد" 5/ 307.
(5)
في (ر): فيما.
الخمسة، وهو قول الحنابلة وأهل الظاهر، ومأخذ المنع أن الأصل التحريم وبيع العرايا رخصة، فيؤخذ بما تحقق فيه الجواز ويلغى ما وقع فيه الشك، وسبب الخلاف أن النهي عن بيع المزابنة هل ورد متقدمًا ثم وقعت الرخصة في العرايا، أو النهي عن بيع المزابنة وقع مقرونًا بالرخصة في بيع العرايا؟
فعلى الأول: لا يجوز في الخمسة؛ للشك في رفع التحريم.
وعلى الثاني يجوز للشك في قدر التحريم. واحتج بعض المالكية بأن لفظة دون صالحه لجميع ما تحت الخمسة، فلو عملنا بها لزم رفع هذِه الرخصة، وتعقب بأن العمل بها ممكن بأن يحمل على أقل ما يصدق عليه، وهو المفتى به في مذهب الشافعي.
وروى الترمذي (1) حديث الباب من طريق زيد بن الحباب عن مالك بلفظ: "أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق"، ولم يتردد في ذلك. وزعم المازري (2) أن ابن المنذر ذهب إلى تحديد ذلك بأربعة (3) أوسق ولم يتردد في ذلك لوروده في حديث جابر من غير شك فيه، فتعين طرح الرواية التي وقع فيها الشك والأخذ بالرواية المتيقنة (4) وألزم المزني الشافعي القول به.
قال شيخنا ابن حجر: وفيما قاله نظر، أما ابن المنذر فليس في شيء
(1) سقطت من (ر).
(2)
في (ر): الماوردي.
(3)
في (ل) و (ر): أربعة. والمثبت من "فتح الباري".
(4)
في (ل) و (ر): المتفقة. والمثبت من "فتح الباري".
من كتبه ما نقله عنه، وإنما فيه ترجيح القول [الصائر إلى أن الخمسة لا تجوز، وإنما يجوز ما دونها، وحكى ابن عبد البر هذا القول](1) عن قوم. قال: واحتجوا بحديث جابر ثم قال: ولا خلاف بين الشافعي ومالك ومن تبعهما في جواز العرايا في أكثر من أربعة أوسق ما لم يبلغ خمسة أوسق (2)، وترجم ابن حبان على حديث جابر الاحتياط أن لا يزيد على أربعة أوسق (3).
(قال أبو داود: حديث جابر) أن الحد ينتهي (إلى أربعة أوسق) وحديث جابر صحيح أخرجه الشافعي وأحمد، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم أخرجوه كلهم عن طريق أبي إسحاق: حدثني محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين أذن لأصحاب العرايا أن يبيعوها بخرصها، يقول:"الوسق والوسقين والثلاثة والأربع"(4). هذا لفظ أحمد، وهذِه المسألة لها تعلق بأصول الفقه؛ لأن النهي عن المزابنة ورد مستثنى منه العرايا، والعرايا قد (5) وقع الشك في مقدارها، فيكون ذلك كتخصيص العام بمجمل، فإنه يمنع الاحتجاج به، كذلك هنا يمنع الاحتجاج بعموم النهي عن المزابنة في الخمسة، وهذِه مسألة
(1) سقطت من (ر).
(2)
"التمهيد" 2/ 336.
(3)
"صحيح ابن حبان" 11/ 381، وانظر:"فتح الباري" 4/ 388.
(4)
"مسند أحمد" 3/ 360، "صحيح ابن خزيمة"(2469)، "صحيح ابن حبان"(5008)، "المستدرك" 1/ 578.
(5)
في (ع): وقد.
مقررة في أصول الفقه.
فالشك الذي في مقدار الرخصة يقتضي الشك في مقدار المنهي عنه، ويعدل إلى دليل آخر، وقد نبه الأصحاب على ذلك، ومثل ذلك ما قاله إمام الحرمين (1) فيما إذا قال: وقفت على أولادي وأولاد أولادي إلا من يفسق منهم، لما اعتقد أن ذلك متردد بين عود الاستثناء إلى الكل أو إلى الأخير (2) وحكمه مع ذلك بأنه لا يصرف إلى الأولاد لأجل التردد، ومثل ذلك بحث جرى بين السبكي وبين شيخه ابن الرفعة في قوله صلى الله عليه وسلم:"المؤمنون عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا"(3). ورام (4) ابن الرفعة الاستدلال بذلك إلى أنه متى شك في شرط وجب إدراجه في العموم، والحكم بصحته حتى يقوم دليل على منعه، وليس بجيد لما هو مرجح عند الأصوليين (5).
(1)"نهاية المطلب" 8/ 364.
(2)
في (ل) و (ر): الأخيرة. والمثبت من "المجموع".
(3)
رواه الترمذي (1352)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 90، والطبراني 17/ 22 (30)، والدارقطني 3/ 27، والحاكم في "المستدرك" 4/ 101، والبيهقي 6/ 79، 7/ 249. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(4)
في (ر): ورآه.
(5)
انظر: "المجموع" 10/ 378.