الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
26 - باب في بَيْعِ المُضْطَرِّ
3382 -
حدثنا مُحَمَّد بْنُ عِيسَى، حدثنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا صالِحُ أَبُو عامِرٍ - قالَ أَبُو داوُدَ: كَذا قالَ مُحَمَّدٌ - حدثنا شَيْخٌ مِنْ بَني تَمِيمٍ قال: خَطَبَنا عَليُّ بْنُ أَبي طالِبٍ - أَوْ قال: قال عَليٌّ: قالَ ابن عِيسَى: هَكَذا حدثنا هُشَيْمٌ - قال: سَيَأْتي عَلَى النّاسِ زَمانٌ عَضُوضُ يَعَضُّ المُوسِرُ عَلَى ما في يَدَيْهِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذلِكَ، قال الله تَعالَى:{وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} وَيُبايَعُ المُضْطَرُّونَ وَقَدْ نَهَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ المُضْطَرِّ وَبَيْعِ الغَرَرِ وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْرِكَ (1).
* * *
باب في بيع المضطر
[3382]
(حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح بن (2) الطباع البغدادي الحافظ، روى عنه البخاري تعليقًا له بصفات عديدة (حدثنا هشيم) بن بشير، حافظ بغداد (أنبأنا صالح بن عامر، قال أبو داود: كذا قال محمد) بن عيسى بن الطباع، قال المزي (3) في "التهذيب": والصواب إن شاء الله تعالى عن صالح، عن عامر، وهو صالح بن صالح بن حي، واسمه حيان الكوفي، روى له الجماعة، أو هو صالح بن رستم المزني (4) مولاهم، استشهد به البخاري في "الصحيح"(5)، وروى له
(1) رواه أحمد 1/ 116، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(344)، والبيهقي 6/ 17. وضعفه الألباني في "الضعيفة" تحت حديث رقم (2076).
(2)
سقطت من (ر). والمثبت من (ل).
(3)
في (ل) و (ر): المزني.
(4)
في (ع): المدني.
(5)
بعد حديث (6536).
في "الأدب"(1) والباقون، وأما عامر فهو الشعبي (2).
(قال: حدثنا شيخ من بني تميم) عن علي رضي الله عنه، هكذا رواه البيهقي وقال: قد روي [من أوجه](3) عن علي وابن عمر، وكلها غير قوية (4).
(قال: خطبنا علي بن أبي طالب أو قال: قال علي بن أبي طالب: قال) محمد (بن عيسى) بن نجيح (هكذا حدثنا هشيم) بن بشير، قال علي رضي الله عنه:(قال: سيأتي على الناس زمان عضوض) بفتح العين، وهذا البناء من أبنية المبالغة والكثرة كغفور وعضوض، قال ابن الأثير: العضوض [الكلب، ومنه ملك عضوض، أي: فيه عسف وظلم (5). انتهى.
ويشبه أن يكون نسبة العضوض] (6) إلى الزمان مما تجوز به، والمراد أن (7) الزمان عضوض أهله على الدنيا ومكتلبون (8) عليها كما يعض الكلب على الجيفة، ولعل الشافعي أخذ من هذا ما أنشده في ذم الدنيا:
وما هي إلا جيفة مستحيلة
…
فإن تجتنبها (9) كنت سلمًا لأهلها
(1)"الأدب المفرد"(1143).
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 61.
(3)
في (ل) و (ر): ابن ماجه. وهو خطأ. والمثبت من "السنن".
(4)
"السنن الكبرى" 6/ 17 (11405).
(5)
انظر: "النهاية" 3/ 494.
(6)
ما بين المعقوفين سقط من (ر). والمثبت من (ل).
(7)
سقطت من (ر). والمثبت من (ل).
(8)
في (ر): ومكتكبون. والمثبت من (ل).
(9)
في (ر): تجنبتها. والمثبت من (ل).
عليها كلاب همهن (1) اجتذابها
…
وإن تجتذبها نازعتك كلابها (2)(يعض الموسر) من أهل ذلك الزمان (على ما في يديه) من المال ويكب عليه وعلى جمعه وادخاره خوفًا من الفقر وضنًا (3). كما يكب الكلب على فريسته (ولم يؤمر بذلك) بل أمر بالإنفاق (4)، بل ذم الله من جمع ومنع، وأخبر أن النار يوم القيامة تدعو من جمع فأوعى، وقال تعالى:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)} (5)، وقال تعالى:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)} (6)، وقال:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (7) وقال: {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ} (8) و (قال تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا}) قال الرازي: ليس المراد النهي عن النسيان؛ لأن ذلك ليس في الوسع، بل المراد منه الترك (9)، وقال تعالى:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا} (10)(الفضل) والإفضال فيما (بينكم)(11) قال ابن عطية: هو ندب إلى المجاملة (12)
(1) في (ر): هل هن. والمثبت من (ل).
(2)
انظر: "حياة الحيوان الكبرى" 1/ 411.
(3)
غير واضحة في (ر)، وفي (ل): يقينًا. ولعل المثبت هو الصواب.
(4)
في (ر): بالاتفاق.
(5)
التكاثر: 1.
(6)
العلق: 6 - 7.
(7)
هود: 15.
(8)
المنافقون: 9.
(9)
انظر تفسير الرازي "مفاتيح الغيب"(6/ 124).
(10)
النور: 22.
(11)
حدث هنا تركيب بين الآيتين.
(12)
"المحرر الوجيز" 1/ 322.
يعني في الصيغة. انتهى.
وقد يستدل بهذا الحديث على ما جزم به صاحب "التقريب" وقال به غيره: أن النهي أمر بضده (1). ووجهه أنه قال في الحديث: ولم يؤمر الموسر بذلك، يعني بالعض على المال، إنما أمر بالإفضال بالمال فيما بينهم وليس في الآية إلا نهي، ويدل على ذلك قول الرازي: ليس المراد به النهي. وقول ابن عطية: هو ندب. وبناه بعضهم على أن النهي طلب الفعل لا طلب الكف عنه.
واعلم أن هذِه الآية وإن كان سياق ما قبلها يدل على أن الخطاب للزوجين لقوله تعالى في الآية: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} (2)، ووجه الأمر بالإفضال كما قاله المفسرون: أن الرجل إذا تزوج بالمرأة فقد تعلق قلبها به، فإذا طلقها قبل المسيس تأذت بذلك، وإذا كلف الرجل أن يدفع لها مهرًا من غير أن ينتفع بها البتة تأذى بذلك، فندب كل منهما أن يزيل هذا التأذي بالإفضال (3)، لكن ظاهر هذا الحديث يدل على أن الآية تعم كل موسر أن لا يترك الإفضال فيما آتاه الله من المال بين المسلمين، ويدل على ذلك كون الآية بواو الجمع وكم (4) التي هي لجمع المخاطبين، والله أعلم. وزاد البيهقي بعد قوله: {وَلَا
(1) انظر: "الفصول في الأصول" 2/ 101.
(2)
البقرة: 237.
(3)
انظر: "تفسير الرازي" 6/ 481.
(4)
في (ر): ولم. والمثبت من (ل).
تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (1) وَينْهَدُ الأَشْرَارُ وَيُسْتَذَلُّ الأَخْيَارُ (2)، وقوله: ينهد (3) هو بإسكان النون، أي: ينهض ويرتفع الأشرار ويذل الأخيار، وها قد صرنا إلى زمان من (4) استغنى فيه كرم على أهله، وعظم في أعين الناس، حتى أنشد بعضهم في هذا المعنى:
احتل لنفسك أيها المحتال
…
فمن المروءة أن يرى لك مال
إني رأيت الموسرين أعزة
…
والمعسرين عليهم الإذلال
وروى الإمام أحمد عن حبيب (5) بن عبيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليأتين على الناس زمان لا ينفع فيه إلا الدينار (6) والدرهم"(7).
وللمقدام في الطبراني "الكبير"(8) و"الصغير"(9) و"الأوسط"(10)، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي على الناس زمان، من لم يكن معه أصفر
(1) البقرة: 237.
(2)
في (ر): ويمنكي الأسرار ويستدل الأخبار، وانظر:"السنن الكبرى" 6/ 17 (11404).
(3)
في (ر): ينهك.
(4)
سقطت من (ر). والمثبت من (ل).
(5)
في (ع): جبير.
(6)
في (ر): الدينا. والمثبت من (ل).
(7)
"المسند" 28/ 433.
(8)
20/ 278 (659).
(9)
1/ 27 (7).
(10)
2/ 374 (2269).
ولا أبيض لم يتهن بالعيش" [وفي "الكبير": سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان في آخر الزمان لابد] (1) للناس فيها من الدراهم والدنانير يقيم الرجل بها دينه ودنياه" (2).
(ويبايع) بضم أوله وفتح خامسه، أي: يبايع فيه (المضطرون) رواية: المضطر (3). يعني الذين دعتهم الضرورة إلى البيع بإكراه ظالم أو لغيره من أنواع الضرورات، وقد ذهب أئمتنا في كتبهم الأصولية إلى أن المكره مكلف بالفعل الذي أكره عليه، ونقلوا الخلاف فيه عن (4) المعتزلة (5)، وفصل الرازي وأتباعه فقالوا: إن انتهى (6) الإكراه إلى حد الإلجاء فلا يتعلق به حكم البيع ولا غيره وإن لم ينته إلى ذلك فهو مكلف مختار (7)، ومثل الآمدي الإلجاء بأن يصير إلى حد الاضطرار ويصير لفظه بالبيع ونحوه تشبه (8) حركة المرتعش، ويكون ذلك لقوة الفعل المقتضي للإكراه من الضرب وغيره (9)، وظاهر الحديث أن المضطر
(1) ما بين المعقوفين سقط من (ر). والمثبت من (ل).
(2)
20/ 279 (660). وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 65: ومدار طرقه كلها على أبي بكر بن أبي مريم وقد اختلط، واستغربه السخاوي في "المقاصد الحسنة" ص 348.
(3)
رواها البيهقي 6/ 17.
(4)
في (ر): على.
(5)
انظر: "البحر المحيط في أصول الفقه" للزركشي 1/ 288.
(6)
في (ر): النهي. والمثبت من (ل).
(7)
انظر: "الأشباه والنظائر" 1/ 338، "المحصول" 2/ 449.
(8)
في (ر): تشبيه.
(9)
انظر: "الإحكام" للآمدي 1/ 297، "الإبهاج في شرح المنهاج" لعلي السبكي 1/ 162.
في زمن علي وزمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا لا يبايعون بل تزال ضرورتهم المحوجة إلى البيع (وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر) وكذا رواه البيهقي عن شيخ من بني تميم عن علي (1)، وروى بإسناد ضعيف عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يركبن رجل (2) بحرًا إلا غازيًا أو معتمرًا أو حاجًّا، فإن تحت البحر نارًا وتحت النار بحرًا، ولا يشترى (3) مال امرئ مسلم في ضغطة"(4).
وبيع المضطر على وجهين وشراؤه وإجارته ونكاحه على وجهين (5):
أحدهما: أن يضطره الظالم بطريق الإكراه على التلفظ بالبيع والإجارة أو نحوهما من العقود، فإذا كان الإكراه بغير حق لم ينعقد البيع ونحوه، هذا مذهبنا (6) وبه قال مالك (7) وأحمد (8) والجمهور.
وقال أبو حنيفة: يصح ويقف على إجازة المالك في حال اختياره،
(1)"السنن الكبرى" 6/ 17.
(2)
في (ل) و (ر): رجلا.
(3)
في الأصل: يشتري.
(4)
"السنن الكبرى" 6/ 18 من طريق مطرف، عن بشير بن مسلم، عن عبد الله به وقال ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" 3/ 392. قال البخاري: لم يصح حديثه. يعني حديث بشير بن مسلم هذا. وروى أبو داود الشطر الأول منه (2489). وقال ابن حجر في "التلخيص" 2/ 424: قال أبو داود: رواه مجهولون. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(478)، وفي "ضعيف أبي داود"(429).
(5)
انظر: "معالم السنن" 3/ 87.
(6)
انظر: "الحاوي الكبير" 5/ 410 - 411، "روضة الطالبين" 3/ 420.
(7)
انظر: "الكافي في فقه أهل المدينة" 2/ 731.
(8)
انظر: "مسائل الكوسج"(1781).
فإن أجاز (1) نفذ (2) وإلا فلا (3).
والوجه الآخر: أن يضطر إلى البيع لشدة جوع أو عطش أو ضعف عن المشي (4)، وينقطع به (5) عن الرفقة والمرض المخوف ونحو ذلك، فهذا على الوجه لا يبايع (6) لظاهر الحديث، بل يعان على إزالة ضرورته بقرض وهبة وإمهال بالبيع إلى ميسرة ولا يحوج إلى بيع ماله بوكس، كما في الحديث الآخر:"لا ضرر ولا إضرار"(7)، وأما بيع المصادر من جهة السلطان ممن يظلمه لطلب مال منه ويقهره على إحضاره فإذا سأل ماله ليدفعه إليه للضرورة التي لحقته والأذى الذي ناله، ففي صحة بيعه وجهان لأصحابنا: أحدهما: لا يصح كالمكره.
وأصحهما: يصح؛ لأنه لم يكره على نفس البيع، ومقصود الظالم منه تحصيل المال من أي جهة كانت (8).
وللرافعي احتمال في شراء المصادر على تحصيل شيء يطلب منه أنه
(1) في (ع): أخذ.
(2)
في (ع): نقد.
(3)
انظر: "المبسوط" 11/ 64، "النتف في الفتاوى" 1/ 468.
(4)
في (ر): الشيء.
(5)
سقط من (ر). والمثبت من (ل).
(6)
في (ر): يباه. والمثبت من (ل).
(7)
رواه الشافعي في "المسند - سنجر" 3/ 224، والدارقطني في "السنن" 4/ 228 كلاهما من طرق عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد ولم يذكر الشافعي أبا سعيد، ورواه ابن ماجه (2340) عن عبادة، وفي (2341) عن ابن عباس بلفظ "لا ضرر ولا ضرار" وصححه الألباني في "الإرواء"(896).
(8)
انظر: "روضة الطالبين" 3/ 287.
يلتحق ببيعه، ذكره في الأطعمة (1).
(وبيع الغرر) كما تقدم، فبيع ما جهل عينه أو قدره أو وصفه باطل، وقد يستثنى صور للمسامحة والضرورة كبيع الحمام المختلط (2) ببرج حمام آخر، والماء المستعمل في الحمام، إذا قلنا المدفوع (3) ثمنًا، ذكره بعض أصحابنا، ومثله الشرب من السقاء وشراء الفقاع (4) وما يقصد منه لبه (5) (وبيع الثمرة قبل أن تدرك) ورواية البيهقي: قبل أن تطعم (6) أي: تصلح للأكل، كما تقدم.
* * *
(1)"الشرح الكبير" 12/ 167.
(2)
في (ع): المختلطة.
(3)
في (ر): المدبوغ.
(4)
في (ر): القفار. والمثبت من (ل).
(5)
في (ع): لله.
(6)
انظر: "السنن الكبرى" 6/ 17.