الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 - باب في خِيارِ المُتَبايِعَيْنِ
3454 -
حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"المُتَبايِعانِ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُما بِالخِيارِ عَلَى صاحِبِهِ ما لَمْ يَفْتَرِقا إِلَّا بَيْعَ الخِيارِ"(1).
3455 -
حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْناهُ قالَ:"أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُما لِصاحِبِهِ اخْتَرْ"(2).
3456 -
حدثنا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا اللَّيْثُ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"المُتَبايِعانِ بِالخِيارِ ما لَمْ يَفْتَرِقا إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيارٍ وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفارِقَ صاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ"(3).
3457 -
حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبي الوَضيءِ قال: غَزَوْنا غَزْوَةَّ لَنا فَنَزَلْنا مَنْزِلًا فَباعَ صاحِبٌ لَنا فَرَسًا بِغلامٍ ثُمَّ أَقاما بَقِيَّةَ يَوْمِهِما وَلَيْلَتِهِما فَلَمّا أَصْبَحا مِنَ الغَدِ حَضَرَ الرَّحِيل فَقامَ إِلَى فَرَسِهِ يُسْرِجُهُ فَنَدِمَ فَأَتَى الرَّجُلَ وَأَخَذَهُ بِالبَيْعِ فَأَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ فَقال: بَيْني وَبَيْنَكَ أَبُو بَرْزَةَ صاحِبُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيا أَبا بَرْزَةَ في ناحِيَةِ العَسْكَرِ فَقالا لَهُ هذِه القِصَّةَ. فَقال: أَتَرْضَيانِ أَنْ أَقْضيَ بَينَكما بِقَضاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "البَيِّعانِ بِالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا".
(1) رواه البخاري (2107)، ومسلم (1531).
(2)
رواه البخاري (2109)، ومسلم (1531).
(3)
رواه الترمذي (1247)، والنسائي 7/ 251، وأحمد 2/ 183.
وحسنه الألباني في "الإرواء"(1311).
قالَ هِشامُ بْن حَسّانَ: حَدَّثَ جَمِيلٌ أَنَّهُ قال: ما أراكما افْتَرَقْتما (1).
3458 -
حدثنا محَمَّدُ بْنُ حاتِمٍ الجَرْجَرائيُّ، قالَ مَرْوان الفَزاريُّ أَخْبَرَنا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ قالَ: كانَ أَبُو زُرْعَةَ إِذا بايَعَ رَجُلًا خَيَّرَهُ قال: ثمَّ يَقول: خَيِّرْني وَيَقُول سَمِعْتُ أَبا هُرَيْرَةَ يقولُ: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَفْتَرِقَنَّ اثْنان إِلَّا عَنْ تَراضٍ"(2).
3459 -
حدثنا أبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسيُّ، حدثنا شعْبَة، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبي الخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"البَيِّعانِ بِالخِيارِ ما لَمْ يَفْتَرِقا فَإِنْ صَدَقا وَبَيَّنا بُورِكَ لَهُما في بَيْعِهِما وَإِنْ كَتَما وَكَذَبا مُحِقَتِ البَرَكَةُ مِنْ بَيْعِهِما".
قالَ أبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ سَعِيدُ بْنُ أَبي عَرُوبَةَ وَحَمّادٌ وَأَمّا هَمّامٌ فَقالَ: "حَتَّى يَتَفَرَّقا أَوْ يَخْتارَ". ثَلاثَ مِرارٍ (3).
* * *
باب في خيار المتبايعَين
بفتح العين على التثنية كما سيأتي في الحديث.
[3454]
(حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك) بن أنس إمام دار الهجرة. ورواه في "الموطأ" ولم يعمل به (4). قال: لأن عمل أهل
(1) رواه الترمذي إثر حديث رقم (1246)، وابن ماجه (2182)، وأحمد 4/ 425.
وصححه الألباني.
(2)
رواه الترمذي (1248)، وأحمد 2/ 536. وصححه الألباني في "الإرواء" (1283).
(3)
رواه البخاري (2079)، ومسلم (1532).
(4)
"الموطأ"(2473).
المدينة بخلافه (1)، فلم يكن ترك العمل به قدحا (2) في الحديث، ولا جرحًا (عن نافع، عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المتبايعان) يعني البائع والمشتري، واستعمال البائع في المشتري إما على سبيل التغليب، أو لأن كلًّا منهما بائع (كل) مبتدأ (واحد منهما بالخيار) أي: يثبت لكل واحد من المتبايعين خيار المجلس (على صاحبه) الذي عاقده (ما لم يفترقا) رواية: "يتفرقا" بتقديم التاء على الفاء، هكذا رواية الصحيحين (3)، ورواية النسائي (4):"يفترقا" بتقديم الفاء.
ونقل عن ثعلب عن الفضل بن سلمة: افترقا بالكلام وتفرقا بالأبدان.
ورده ابن العربي بقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (5)؛ فإنه ظاهر بالتفرق بالكلام لا بالاعتقاد.
وأجيب: بأنه من لازمه في الغالب؛ لأن من خالف آخر (6) في عقيدته، كان مستدعيًا لمفارقته إياه ببدنه، ولا يخفى ضعف هذا الجواب.
والحق حمل كلام (7) الفضل على الاستعمال بالحقيقة، وإنما (8)
(1)"الموطأ" 2/ 671.
(2)
في (ر): حتى جاء.
(3)
البخاري (1973) ومسلم (1531).
(4)
"المجتبى" 7/ 248.
(5)
البينة: 4.
(6)
سقط من (ر).
(7)
في (ر، ل): الكلام.
(8)
في (ر، ل): إن.
استعمل أحدهما في موضع الآخر اتساعًا (1)(إلا بيع) بالنصب (الخيار) يعني فلا يحتاج إلى التفرق بالأبدان، بل يلزم العقد إذا اختارا في المجلس بعد تمام العقد ومفارقة المجلس إمضاءَ البيع.
قال النووي: وهذا أصح الأقوال الثلاثة التي ذكرها أصحابنا وغيرهم.
والقول الثاني أن معناه: إلا بيعًا شرط فيه خيار الشرط ثلاثة أيام، أو دونها فلا ينقضي الخيار فيه بالمفارقة، بل يبقى حتى تنقضي المدة المشروطة.
والثالث أن معناه: إلا بيعًا شرط فيه أن لا خيار لهما في المجلس، فيلزم البيع بنفس العقد، ولا يكون فيه خيار (2).
[3455]
(حدثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري التبوذكي (حدثنا حماد) بن سلمة (عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه) المتقدم.
و(قال: أو يقولَ) بإثبات الواو وفتح اللام (3) هكذا في جميع الطرق، وفي إثبات الواو وفتح اللام مع جزمه نظر؛ لأنه مجزوم عطفًا على قوله "ما لم يتفرقا"، وهكذا في طرق البخاري ومسلم.
قال ابن حجر: ولعل الضمة أشبعت فنشأت الواو، كما أشبعت الكسرة فنشأت الياء في قراءة البزي عن قنبل: {إنه من يتقي
(1) انظر: "فتح الباري" 4/ 327.
(2)
انظر: "شرح النووي على مسلم" 10/ 174.
(3)
زاد هنا في (ر). مع جزم، ولا أدري وجهها.
ويصبر} (1) في يوسف (2).
وقال النووي في "شرح المهذب": (أو يقولَ) هكذا هو في الصحيحين و"المهذب" منصوب اللام، و (أو) هنا ناصبة بتقدير: إلا أن يقول، أو إلى أن يقول، ولو كان معطوفًا على (ما لم) لكان مجزومًا ولقال (أو يقل)(3). انتهى.
أما قول شيخنا ابن حجر: إن الضمة أشبعت، فالإشباع لا يحتمل إلا إذا صحت الرواية بجزم اللام. والرواية إنما جاءت كما قال النووي بنصب اللام.
وأما قول النووي: إن (أو) ناصبة بتقدير: إلا أن، أو: إلى أن، فهذا على ما ظهر لي: لا يستقيم به المعنى؛ لأن تقدير الكلام يبقى: المتبايعان يثبت لهما خيار المجلس، ما لم يتفرقا بأبدانهما، إلا أن يقول أحدهما للآخر: اختر إمضاء البيع.
وعلى الثاني يكون التقدير: يثبت لهما الخيار ويستمر ما لم يتفرقا إلى أن يقول أحدهما للآخر: اختر، وكذلك المعنى الثالث الذي ذكروه لا يستقيم؛ لأن التقدير يكون: مستمر لهما الخيار ما لم يتفرقا لكن يقول أحدهما للآخر: اختر.
والذي يظهر أن معنى (أو) هنا هو المستقر لهما فيما قالوه في العطف من كونها لأحد الشيئين، وأن المصدرية بعدها مضمرة فهي
(1) يوسف: 90.
(2)
انظر: "فتح الباري" 4/ 328، وانظر قراءة قنبل في "الكشف" لمكي 2/ 18.
(3)
انظر: "المجموع" 9/ 175.
عاطفة على مصدر متوهم، وهذا من العطف على التوهم، ولذلك اشترط أن يكون قبلها فعل أو اسم في معنى الفعل؛ حتى يدل على المصدر المتوهم. فإذا قلت: لألزمنك أو تقضيني حقي فالتقدير: ليكونن مني لزومٌ (1) لك أو قضاء منك لحقي، فقد جاءت (أو) لأحد الشيئين كما هو مقدر لها عن العطف (2).
وعلى هذا التقدير فـ (ما) في هذا الحديث الداخلة على (لم) زمانية (3)، والتقدير: المتبايعان يستمر لهما خيار المجلس ما دام المتبايعان مجتمعين في مجلس العقد، أو قال أحدهما للآخر: اختر، والمعنى: أن الخيار يستمر بأحد شيئين: اجتماع في المجلس، أو قول أحدهما للآخر: اختر. ومثل هذا الحديث قول الشاعر:
فسر في بلاد الله والتمس الغنى
…
تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا
فإن المعنى فيه: فسر والتمس الغنى، يكن لك عيش في يسار، أو موت قبل إدراك اليسار فتعذر، إذ لم يكن منك عجز وتقصير، فهي هنا لأحد الشيئين.
وهذا عطف على مصدر متوهم سبك من قوله: تعش ذا يسار ولو (4) عطف على تعش ذا يسار فجزم، وقال: أو تمت؛ لكان المعنى صحيحًا
(1) في (ر، ل): لزوما. ولعل المثبت هو الصواب.
(2)
انظر: "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" لابن هشام الأنصاري ص 624.
(3)
في (ل): الزمانية.
(4)
مطموسة في (ل).
وكذا (1) في الحديث لو عطف (أو يقول)(2) أو على (ما لم يفترقا) لصح (3) المعنى، وكان يكون من عطف الفعل على الفعل، لا من عطف الاسم على الاسم. ويحتمل أن يكون (أو يقول) مفتوح على أن أصله بنون التأكيد، ثم حذفت النون وبقيت الفتحة، والتقدير: ما لم يتفرقا، أو يقولن أحدهما للآخر أختر، كما قيل في قوله تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ} (4) على قراءة من فتح الحاء، أن التقدير: ألم نشرحنّ، وكذلك قول الشاعر:
لا تهين الفقير [علك أن تر
…
كع] (5) يومًا، والدهر قد رفعه
أن التقدير: لا تهينن الفقير، ثم حذفت النون وهو سائغ صحيح.
(أحدهما لصاحبه: اختر) أي: يقول أحدهما للآخر: اختر إمضاء البيع، أو فسخه أو خيرتك. فيقول الآخر: اخترت إمضاءه، أو فسخه، فينقطع خيار المجلس لهما بلا خلاف. فلو قال أحدهما: اخترت إمضاءه؛ انقطع خياره لمن قال: اخترت إمضاء البيع أو فسخه، ويبقى خيار الآخر على الأصح، فلو قالا جميعًا: تخايرنا. أو اخترنا إمضاء العقد أو أمضيناه، أو اخترناه، أو التزمناه، وما أشبهها؛
(1) في (ر): وكذلك.
(2)
في (ل): على يقول: أو.
(3)
في (ر): يصح.
(4)
الشرح: 1.
(5)
في (ر): عنك أن ترفع، وانظر:"أساس البلاغة" ص 382، "خزانة الأدب" 11/ 450.
انقطع خيارهما للمجلس، كما ينقطع بالتفرق بأبدانهما عن مجلس العقد.
[3456]
(حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث) بن سعد (عن) محمد (ابن عجلان) المدني، روى له مسلم.
(عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن) جده (عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا)(1) ورواية ابن أبي شيبة، عن ابن أبي مليكة وعطاء قالا:"البيعان بالخيار حتى يفترقا عن رضي"(2). وفي رواية عن ابن عباس مرفوعًا: "ما لم يفارقه صاحبه فإن فارقه فلا خيار"(3)، والمراد بالتفرق التفرق بالأبدان من المكان لما (4) روى البيهقي من رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:"حتى يتفرقا من مكانهما"(5). (إلا أن تكون) بالمثناة من فوق (صفقة) بالرفع والنصب، والرفع على أن كان تامة، وصفقة فاعلها، والتقدير: إلا أن يوجد أو يحدث صفقة (خيار) والنصب على أن كان ناقصة واسمها مضمر، وصفقة (6) منصوب على أنه خبرها، والتقدير: إلا أن تكون الصفقة صفقة خيار، وقيل غير ذلك.
(1) بعدها في (ر، ل): نسخة: يتفرقا.
(2)
"المصنف" 4/ 505 (22568).
(3)
رواها البيهقي في "السنن الكبرى" 5/ 270، والحاكم في "المستدرك" 2/ 14 عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
في (ر)، (ل):(لمن).
(5)
"السنن الكبرى" 5/ 271.
(6)
في (ر، ل): صفقته.
ونظير الوجهين في قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (1). وسمي عقد البيع صفقة؛ لأنهما كانا إذا تبايعا يصفق أحدهما على يد الآخر.
واعلم أن هذِه تدل على ما تقدم عن النووي: أن رواية (أو يقول) بالنصب بتقدير: إلا أن يقول. وفيه رد لما تقدم أن الاستثناء هنا لا يستقيم، ورواية البخاري:"أو يكون بيع خيار"(2)، والمعنى: أن المتبايعين إذا قال أحدهما لصاحبه: اختر إمضاء البيع أو فسخه. فاختار إمضاء البيع مثلًا أن البيع يتم وإن لم يتفرقا. وبهذا قال النووي (3) والأوزاعي والشافعي وإسحاق وآخرون.
وقال أحمد: لا يتم البيع حتى يتفرقا، وقيل: إنه تفرد بذلك، وقيل: المعني بقوله (أو يكون بيع خيار) أي: يشترط الخيار مطلقًا فلا يبطل بالتفرق (4).
(ولا يحل له) أي: لأحد من المتبايعين (أن يفارق صاحبه) يعني: الآخر الذي عاقده (خشية) منصوب على المفعول أي: لأجل (أن يستقيله) استدل به أحمد على إبطال الحيل، وهو: أن يقصد بالمفارقة إبطال حق أخيه من الخيار، ولم توضع المفارقة لذلك، إنما وضعت؛ ليذهب كل واحد منهما في حاجته ومصلحته، أو يطلب منه الإقالة في العقد.
(1) النساء: 29.
(2)
(2003).
(3)
انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي 10/ 175.
(4)
انظر: "فتح الباري" 4/ 328.
استدل به مالك وأبو حنيفة على (1) أن خيار المجلس لا يثبت للمتعاقدين، بل يلزم البيع بنفس الإيجاب والقبول (2)، قالوا: لأن في هذا الحديث دليل على أن صاحبه لا يملك الفسخ إلا من جهة الاستقالة، وقياسًا على النكاح والخلع وغيرهما، ولأنه خيار مجهول؛ لأن مدة المجلس مجهولة، فأشبه ما لو شرطنا خيارًا مجهولًا. واحتج أصحابنا والجمهور بالأحاديث المتقدمة والآتية، وأجاب أصحابنا عن هذا الحديث بأنه دليل لنا، وكذا جعله الترمذي في "جامعه" دليلًا لإثبات خيار المجلس، وأنه بالأبدان لا بالكلام. قال: ومعنى هذا الحديث أن يفارقه بعد البيع خشية أن يستقيله. قال: ولو كانت الفرقة بالكلام، ولم يكن له خيار بعد البيع لم يكن لهذا الحديث معنى حيث (3) قال:"ولا يحل له أن يفارقه خشية أن (4) يستقيله"(5)، انتهى.
واحتج به على (6) المخالفين بأن معناه: مخافة أن يختار الفسخ، فعبر بالإقالة عن الفسخ؛ لأنها فسخ. والدليل على هذا شيئان:
أحدهما: أنه صلى الله عليه وسلم أثبت لكل واحد منهما الخيار ما لم يتفرقا، ثم ذكر الإقالة في المجلس، ومعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الإقالة، فدل على أن المراد بالإقالة الفسخ.
(1) أثبتها ليستقيم المعنى.
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 173.
(3)
في (ر): حين.
(4)
أثبتناها من "سنن الترمذي".
(5)
انظر: "سنن الترمذي"(1247) وانظر: "المجموع" للنووي 9/ 187 - 188.
(6)
سقطت من (ر).
والثاني: أنه لو كان المراد حقيقة الإقالة لم يمنعه من المفارقة مخافة أن يقيله؛ لأن الإقالة لا تختص بالمجلس، والله أعلم (1).
[3457]
(حدثنا مسدد، حدثنا حماد) بن زيد (عن جميل) بفتح الجيم (2)(ابن مرة) وثقه النسائي وغيره (3).
(عن أبي الوضيء) بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة بعدهما همزة، واسمه عباد -بتشديد الباء الموحدة- ابن نسيب، بضم النون وفتح السين المهملة، مصغر. وقد قال بعضهم: نسيف بالفاء بدل الباء الموحدة، ولكن القوي عباد بن نسيب القيسي التابعي، كان من فرسان علي بن أبي طالب رضي الله عنه على شرطة الجيش. قال يحيى بن معين: هو ثقة.
(قال: غزونا غزوة لنا، فنزلنا منزلًا، فباع صاحب) فرس (لنا فرسًا بغلام) فيه أنه يصح بيع الحيوان بالحيوان، وبيع الجارية بالعبد، والغلام بالفرس، ونحو ذلك.
(ثم أقاما) على البيع (بقية يومهما وليلتهما) بنصب ليلتهما، عطف على (بقية) المنصوب بإضافته إلى الظرف، ونظيره حديث البخاري في قصة الخضر وموسى:"ثم سارا بقية يومهما وليلتهما"(4).
(فلما أصبحا (5) من الغد حضر الرحيل) من تلك المنزلة التي باتوا بها (فقام) رواية: قام (إلى فرسه) التي اشتراها (ليسرجه) يسرجه بضم الياء
(1) انظر: "المجموع" للنووي 9/ 188.
(2)
في (ر): الميم.
(3)
انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 131.
(4)
(4448).
(5)
بعدها في (ل): نسخة: أصبحنا.
يقال: أسرجت الدابة إذا وضعت السرج على ظهرها، وفيه أن الصحابة رضي الله عنه، كانوا مهنة أنفسهم في السفر والإقامة، ليس لهم غلمان ولا خدمة.
(فندم) وندم على شرائه؛ لما رأى ما يكرهه منها (فأتى الرجل) مفعول (وأخذه) أي أمسكه وطالبه (بالبيع) ليرده عليه (فأبى الرجل أن يدفعه إليه) فيه أن إقالة النادم مستحبة، وليست بواجبة؛ فإن المشتري ندم في بيعه، ولم يقله في بيعه، ولا دفع إليه ما قبضه منه.
(فقال: بيني وبينك أبو برزة) بفتح الباء الموحدة، نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة بن عبيد الأسلمي.
(صاحب النبي صلى الله عليه وسلم) أسلم قديمًا، لم يزل يغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض، فتحول ونزل البصرة.
(فأتيا أبا برزة الأسلمي فوجداه في ناحية العسكر) وكان قد غزا خراسان، ومات بها على الأشهر، وفيه دلالة على أن الأمير ينزل في ناحية العسكر؛ ليكون حصنًا على العسكر، ولا ينزل في وسطهم ليكونوا حصنًا له وحراسا.
(فقالا له هذِه القصة) المذكورة (فقال: أترضيان أن أقضي) بنصب الياء (بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ) قالا: نعم.
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البيعان) بتشديد التحتانية -يعني: البائع والمشتري، والبيِّع هو البائع كضيق وضائق وصين وصائن، وليس كبين وبائن فإنهما متغايران كقيم وقائم، واستعمال البائع في المشتري إما على سبيل التغليب، أو لأن كلًّا منهما بائع (بالخيار) اسم من الاختيار أو التخيير، وهو: طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو
فسخه، والمراد بالخيار هنا خيار المجلس، وشريح والشعبي قالا بخيار المجلس (1)، وقد وصله سعيد بن منصور، عن هشيم، عن محمد بن علي: سمعت أبا الضحى يحدث: أنه شهد شريحا اختصم إليه رجلان اشترى أحدهما من الآخر دارًا بأربعة آلاف فأوجبها له، ثم بدا له في بيعها قبل أن يفارق صاحبها فقال: لا حاجة لي فيها. فقال البائع: قد بعتك فأوجبت لك. فاختصما إلى شريح فقال: هو بالخيار ما لم يتفرقا. قال محمد: وشهدت الشعبي قضى بذلك (2).
وعن جرير [عن مغيرة](3) عن الشعبي أنه (4) أتى في رجل اشترى برذونا من رجل، فأراد أن يرده قبل أن يتفرقا، فقضى الشعبي أنه وجب البيع، فشهد عنده أبو الضحى أن شريحًا أتى في مثل ذلك، فرده على البائع، فرجع الشعبي إلى قول شريح (5).
(قال هشام بن حسان) الأزدي الحافظ (حدث جميل) بفتح الجيم بن مرة، عن أبي برزة (أنه قال: ما أراكما) بضم الهمزة أي: أظنكما (افترقتما) أي: لأنهما مجتمعان في تلك المنزلة، وظاهر إطلاقه أن أحدهما لو صلى، أو نام، أو ذهب إلى الخلاء، أو حدث غيره، لا يحصل التفريق بشيء من ذلك. وفيه دلالة لما قاله أصحابنا أنهما لو طال مكثهما أيامًا لم يضر في خيار المجلس.
(1) انظر: "شرح السنة" للبغوي 8/ 39.
(2)
ذكره ابن حزم في "المحلى" 8/ 354.
(3)
في (ر)، (ل):(بن ضفيرة).
(4)
سقط من (ر)، (ل).
(5)
رواه ابن أبي شيبة 11/ 494 (23018).
ولنا وجه: أن لا تزيد المدة على ثلاثة أيام، ووجه: إن أعرضا عما يتعلق بالعقد، واشتغلا بأمر آخر، وطال الفصل انقطع. لكن لو تبايعا في صحراء وساحة واسعة؛ فينقطع الخيار بتولية أحدهما ظهره والمشي قليلًا انقطع الخيار على الصحيح الذي قطع به الجمهور.
والثاني قاله الإصطخري بشرط أن يبعد عن صاحبه، وقيل: لا ينقطع إلا أن يبعد عشرة أذرع، حكاه الجيلي (1).
[3458]
(حدثنا محمد بن حاتم) بن يونس (الجرجرائي) بفتح الجيمين، العابد المعروف قال أبو داود: وكان من الثقات (2).
(قال مروان) بن معاوية (الفزاري) بفتح الفاء (أخبرنا، [عن يحيى بن أيوب، قال: كان أبو زرعة) هرم -بفتح الهاء وكسر الراء- بن جرير بن عبد الله البجلي] (3).
(إذا بايع رجلًا حيره) بين الفسخ والإمضاء (قال: ثم يقول) لمن عاقده (خيرني) بين الفسخ والإمضاء. فيه التمسك والعمل بما رواه، أو سمعه، والعمل بما علم، وهكذا كانت سيرة السلف رضي الله عنهم.
(ويقول) رواية: فيقول (سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وذكر الدارقطني عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من أعرابي حمل خبط، فلما وجب البيع، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"اختر". فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: عمرك الله بيعًا.
(1) انظر: "المجموع" 9/ 180.
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 26.
(3)
سقط من (ر).
وعنه في هذا الحديث: فقال الأعرابي: إن رأيت كاليوم مثله بيعًا، عمرك ممن أنت؟ قال:"من قريش"(1). وذكر عبد الرزاق عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه أن هذا كان قبل النبوة (2).
(لا يفترق اثنان إلا عن تراضٍ) رواية: لا يفترقن. قال أبو محمد عبد الحق: روينا من طريق ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن قاسم الجعفي (3)، عن أبيه، عن ميمون بن مهران، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الصفقة عن تراضٍ، والخيار بعد الصفقة، ولا يحل لمسلم أن يغبن (4) مسلمًا"(5). وروى ابن أبي شيبة، عن جرير، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة وعطاء قالا: البيعان بالخيار حتى يتفرقا عن رضي (6).
ونقل ابن المنذر القول به أيضًا عن سعيد بن المسيب والزهري وابن أبي ذئب من أهل المدينة (7).
[3459]
(حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي) قال: (حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي الخليل) صالح (8) ابن أبي مريم، روى له الجماعة.
(1)"السنن" 3/ 414 (2505).
(2)
"المصنف" 8/ 50 (14261).
(3)
في الأصل (الحنفي).
(4)
في (ر): يغير.
(5)
انظر: "المصنف" 11/ 488 (22864).
(6)
انظر: "المصنف" 11/ 493 (23015).
(7)
"الأوسط" 10/ 225، وانظر:"فتح الباري" 4/ 329.
(8)
في (ر): صاحب.
(عن عبد الله بن الحارث) بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، لقبه ببة، حنكه النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: أمه كانت تنقزه (1)، وتقول: لأنكحن ببة، جارية بنقبة، تسود أهل الكعبة (2)(عن حكيم بن حزام) رضي الله عنه.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: البيعان) بتشديد المثناة كما تقدم (بالخيار) اختلف القائلون بأن المراد أن يتفارقا بالأبدان هل التفرق المذكور حد ينتهى إليه؟ والمشهور الراجح من مذاهب العلماء في ذلك أنه موكول إلى العرف، فكل ما عد في العرف تفرقًا حكم به، وما لا فلا (3).
(ما لم يتفرقا) بأبدانهما (4) روي: يختارا (فإن صدقا وبينا) أي: صدق البائع في إخبار المشتري مثلًا، وبيَّن العيب إن كان في السلعة، وصدق المشتري في قدر الثمن مثلًا، وبيَّن العيب إن كان في الثمن، ويحتمل أن يكون الصدق والبيان بمعنى واحد، وذكر أحدهما تأكيدًا للآخر (5).
(بورك لهما في بيعهما) أي: في الثمن بالنماء، وفي المثمون بدوام الانتفاع به (وإن كتما) العيب (وكذبا) في إخبار المشتري وقدر الثمن. رواية مسلم:"وإن كذبا وكتما"(6). وهو الموافق لترتيب ما قبله.
(محقت) أي: ذهبت ورفعت (البركة من بيعهما) يحتمل أن يكون
(1) قال في "لسان العرب" 5/ 419: النَّقَزُ والنَّقَزَانُ كالوَثَبانِ صُعُدًا في مكان واحد.
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 399.
(3)
انظر: "فتح الباري" 4/ 329.
(4)
بعدها في (ر)، (ل): نسخة: يفترقا.
(5)
انظر: "فتح الباري" 4/ 329.
(6)
(1532).
على ظاهره، وأن شؤم التدليس والكذب وقع في ذلك العقد فمحق (1) بركته، وإن كان الصادق مأجورًا والكاذب مأزورًا، ويحتمل أن يكون ذلك مختصًّا بمن وقع منه التدليس والعيب دون الآخر، ورجحه ابن أبي جمرة. وفي الحديث فضل الصدق والحث عليه، وذم الكذب والحث على المنع منه، وأنه سبب لذهاب البركة، وأن عمل الآخرة يحصل به خير الدنيا والآخرة (2).
(وكذلك رواه سعيد بن أبي عروبة وحماد) بن سلمة (وأما همام) بن يحيى (فقال: حتى يتفرقا أو يختارا) بلفظ الفعل (ثلاث مرار) رواية: ثلاث مرات. قال الكرماني: يحتمل على هذا أن يكون ثلاث متعلقًا بقوله: يختار (3).
وقال: الموجود في بخيار منكرًا بدون الألف واللام، وهو مكتوب ثلاث مرات، وفي بعضها بإضافته إلى ثلاث مرار (4).
قال ابن حجر: ولم يصرح همام بمن حدثه بهذِه الزيادة، فإن ثبت فهو على سبيل الاختيار، وقد أخرجه الإسماعيلي من وجهٍ آخر عن حبان بن هلال فذكر هذِه الزيادة في آخر الحديث (5).
(1) في (ل)، (ر): بمحق.
(2)
انظر: "فتح الباري" 4/ 329.
(3)
انظر: "عمدة القاري" 17/ 390.
(4)
"شرح البخاري" 10/ 10.
(5)
انظر: "فتح الباري" 4/ 334.