المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌26 - باب في منع الماء - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ١٤

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَاب البُيُوعِ

- ‌1 - باب في التِّجارَةِ يُخالِطُها الحَلِفُ واللَّغْوُ

- ‌2 - باب في اسْتِخْراجِ المَعادِنِ

- ‌3 - باب في اجْتِنابِ الشُّبُهاتِ

- ‌4 - باب في آكِلِ الرِّبا وَمُوكِلِهِ

- ‌5 - باب في وضْعِ الرِّبا

- ‌6 - باب في كَراهِيَةِ اليَمِينِ في البَيْعِ

- ‌7 - باب في الرُّجْحانِ في الوَزْنِ والوَزْن بِالأَجْرِ

- ‌8 - باب في قوْلِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "المِكْيالُ مِكْيالُ المَدِينَةِ

- ‌9 - باب في التَّشْدِيد في الدَّيْنِ

- ‌10 - باب في المَطْلِ

- ‌11 - باب في حُسْنِ القضاءِ

- ‌12 - باب في الصّرْفِ

- ‌13 - باب في حِلْيَةِ السَّيْفِ تُباعُ بِالدَّراهمِ

- ‌14 - باب في اقتِضاء الذّهَبِ مِنَ الوَرِقِ

- ‌15 - باب في الحَيوانِ بِالحيَوانِ نَسِيئة

- ‌16 - باب في الرُّخْصَةِ في ذلكَ

- ‌17 - باب في ذَلِكَ إِذا كانَ يَدًا بِيَدِ

- ‌18 - باب في التَّمْر بِالتَّمْرِ

- ‌19 - باب في المُزابَنَة

- ‌20 - باب في بَيعِ العرايا

- ‌21 - باب في مِقْدارِ العريَّة

- ‌22 - باب تَفْسير العَرايا

- ‌23 - باب في بَيع الثِّمارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاحُها

- ‌24 - باب في بيْعِ السِّنِينَ

- ‌25 - باب في بَيْعِ الغَرَرِ

- ‌26 - باب في بَيْعِ المُضْطَرِّ

- ‌27 - باب في الشَّرِكَةِ

- ‌28 - باب في المُضاربِ يخالِفُ

- ‌29 - باب في الرَّجُلِ يَتَّجِرُ في مالِ الرَّجُلِ بغَيْرِ إذْنِهِ

- ‌30 - باب في الشَّرِكةِ عَلى غَيْر رَأْسِ مالٍ

- ‌31 - باب في المُزارَعَةِ

- ‌32 - باب في التَّشْدِيدِ في ذَلِك

- ‌33 - باب في زَرْعِ الأَرْضِ بغَيْرِ إِذْنِ صاحِبِها

- ‌34 - باب في المُخَابَرَةِ

- ‌35 - باب في المُساقاةِ

- ‌36 - باب في الخَرْصِ

- ‌أَبْوَابُ الإِجَارَةِ

- ‌1 - باب في كَسْبِ المُعَلِّمِ

- ‌2 - باب في كَسْبِ الأَطِبَّاءِ

- ‌3 - باب في كَسْب الحَجَّامِ

- ‌4 - باب في كَسْبِ الإِماء

- ‌5 - باب في حُلْوانِ الكاهِنِ

- ‌6 - باب في عَسْب الفَحْلِ

- ‌7 - باب في الصّائِغِ

- ‌8 - باب في العَبْد يُباعُ وَلَهُ مالٌ

- ‌9 - باب في التلقي

- ‌10 - باب في النَّهْى عَنِ النَّجْش

- ‌11 - باب في النَّهْي أَنْ يَبيعَ حاضِرٌ لِبادٍ

- ‌12 - باب مَنِ اشْتَرى مُصَرّاةً فكرِهَها

- ‌13 - باب في النَّهْى، عَنِ الحُكْرةِ

- ‌14 - باب في كسْرِ الدَّراهمِ

- ‌15 - باب في التَّسْعيرِ

- ‌16 - باب في النَّهْي عَنِ الغِشِّ

- ‌17 - باب في خِيارِ المُتَبايِعَيْنِ

- ‌18 - باب في فَضْلِ الإِقالَةِ

- ‌19 - باب فِيمَنْ باع بيْعتَيْنِ في بَيْعةٍ

- ‌20 - باب في النَّهْي عَن العِينَة

- ‌21 - باب في السَّلَفِ

- ‌22 - باب في السَّلَمِ في ثَمَرَةٍ بِعَيْنِهَا

- ‌23 - باب السَّلَفِ لا يُحَوَّلُ

- ‌24 - باب في وَضْعِ الجَائِحَةِ

- ‌25 - باب في تَفْسِيرِ الجَائِحَةِ

- ‌26 - باب في مَنْعِ المَاءِ

- ‌27 - باب في بَيْعِ فَضْل المَاءِ

- ‌28 - باب في ثَمَنِ السِّنَّوْرِ

- ‌29 - باب في أَثْمَانِ الكِلَابِ

- ‌30 - باب في ثَمَنِ الخَمْرِ والمَيْتَةِ

- ‌31 - باب في بَيع الطَّعامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتوْفَى

- ‌32 - باب في الرَّجُلِ يقُولُ في البَيْع: لا خِلابَة

- ‌33 - باب في العُرْبانِ

- ‌34 - باب في الرَّجُلِ يَبِيعُ ما لَيْسَ عِنْدَهُ

- ‌35 - باب في شَرْطٍ في بَيْعٍ

- ‌36 - باب في عُهْدةِ الرَّقِيقِ

- ‌37 - باب فيمَنِ اشْتَرى عَبْدًا فاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ وَجدَ بِهِ عَيْبًا

- ‌38 - باب إذا اخْتَلَفَ البَيِّعانِ والمبِيعُ قائِمٌ

- ‌39 - باب في الشُّفْعةِ

- ‌40 - باب في الرّجُلُ يُفْلِسُ فَيَجِدُ الرَّجُلُ مَتاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَهُ

- ‌41 - باب فِيمَنْ أَحْيا حَسِيرًا

- ‌42 - باب في الرَّهْنِ

- ‌43 - باب في الرّجُلِ يأكُلُ مِنْ مالِ ولَدهِ

- ‌44 - باب في الرَّجُلِ يَجِدُ عينَ مالِهِ عنْدَ رَجُلٍ

- ‌45 - باب في الرَّجُلِ يأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ تحْتِ يدِه

- ‌46 - باب في قَبُولِ الهدايا

- ‌47 - باب الرُّجُوعِ في الهِبَةِ

- ‌48 - باب في الهَدِيَّةِ لِقَضاءِ الحاجَةِ

- ‌49 - باب في الرَّجُلِ يُفَضِّل بَعْضَ وَلَدِهِ في النُّحْلِ

- ‌50 - باب في عَطِيَّةِ المَرْأةِ بغَيْر إِذْنِ زَوْجِها

- ‌51 - باب في العُمْرى

- ‌52 - باب مَنْ قال فِيهِ: وَلعَقِبِهِ

- ‌53 - باب في الرُّقْبَى

- ‌54 - باب في تضْمِينِ العارِيَّةِ

- ‌55 - باب فِيمنْ أَفْسَد شَيْئًا يَغْرَمُ مِثْلهُ

- ‌56 - باب المَواشي تُفْسِد زَرْعَ قَوْمٍ

- ‌كِتَابُ الأَقْضَيِةِ

- ‌1 - باب في طَلَبِ القَضاءِ

- ‌2 - باب في القاضي يُخْطِئُ

- ‌3 - باب في طَلَبِ القَضاءِ والتِّسَرُّعِ إِلَيْهِ

- ‌4 - باب في كَراهِيَةِ الرِّشْوَةِ

- ‌5 - باب في هَدايا العُمّالِ

- ‌6 - باب كَيْفَ القَضاءُ

- ‌7 - باب في قَضاءِ القاضي إِذا أَخْطَأَ

- ‌8 - باب كَيْفَ يَجْلِسُ الخَصْمان بينَ يَدى القاضي

- ‌9 - باب القاضي يَقْضي وَهو غَضْبانُ

- ‌10 - باب الحكْمِ بينَ أَهْل الذّمَّةِ

- ‌11 - باب اجتِهادِ الرَّأي في القَضاءِ

- ‌12 - باب في الصُّلْح

- ‌13 - باب في الشَّهاداتِ

- ‌14 - باب فِيمَنْ يُعِينُ عَلى خصومَةٍ مِنْ غيْرِ أن يَعْلَمَ أمْرَها

- ‌15 - باب في شَهادةِ الزُّورِ

- ‌16 - باب منْ ترَدُّ شهادَته

- ‌17 - باب شَهادَة البَدَويِّ عَلَى أهْلِ الأَمْصارِ

- ‌18 - باب الشَّهادَةِ في الرَّضاعِ

- ‌19 - باب شَهادةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَفي الوَصِيَّة في السَّفَرِ

- ‌20 - باب إِذا عَلِمَ الحاكِمُ صِدْق الشّاهِدِ الواحدِ يَجُوز لَه أَنْ يَحْكمَ به

- ‌21 - باب القَضاء بِاليَمينِ والشّاهِد

- ‌22 - باب الرّجُلَيْنِ يَدَّعِيانِ شَيْئًا وَلَيْسَتْ لَهُما بيِّنَةٌ

الفصل: ‌26 - باب في منع الماء

‌26 - باب في مَنْعِ المَاءِ

3473 -

حَدَّثَنَا غثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يُمْنَعُ فَضْلُ الماءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الكَلأُ"(1).

3474 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُريرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثَة لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ رَجُلٌ مَنَعَ ابن السَّبِيلِ فَضْلَ ماءٍ عِنْدَهُ وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ -يَعْني: كاذِبًا- وَرَجُل بايَعَ إِمامًا فَإِنْ أَعْطاهُ وَفَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ"(2).

3475 -

حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ قالَ:"وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ". وقالَ في السِّلْعَةِ: "بِاللهِ لَقَدْ أُعْطيَ بِهَا كَذا وَكَذا فَصَدَّقَهُ الآخَرُ فَأَخَذَهَا"(3).

3476 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ مَنْظُورٍ - رَجُل مِنْ بَني فَزارَةَ - عَنْ أَبِيهِ، عَنِ أمْرَأَ؛ يُقالُ لَها: بُهَيْسَةُ، عَنْ أَبِيهَا قالَتِ اسْتَأْذَنَ أَبي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَمِيصِهِ فَجَعَلَ يُقَبِّلُ وَيَلْتَزِمُ ثُمَّ قال: يا نَبيَّ اللهِ ما الشَّيء الذي لا يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ: "الماءُ". قال: يا نَبِيَّ اللهِ ما الشَّيء الذي لا يَحِلُّ مَنْعُهُ قالَ: "المِلْحُ". قال: يا نَبيَّ اللهِ ما الشَّيء الذي لا يَحِلُّ مَنْعُهُ قالَ: "أَنْ تَفْعَلَ الخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ"(4).

(1) رواه البخاري (2353)، ومسلم (1566).

(2)

رواه البخاري (2358)، ومسلم (108).

(3)

رواه البخاري (2672)، ومسلم (108).

(4)

سبق برقم (1669)، وهو حديث ضعيف.

ص: 401

3477 -

حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ الجَعْدِ اللُّؤْلُؤيُّ، أَخْبَرَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمانَ، عَنْ حَبّانَ بْنِ زَيْدٍ الشَّرْعَبيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَرْنٍ ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا حَرِيز بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنَا أَبُو خِداشٍ - وهذا لَفْظُ عَليٍّ - عَنْ رَجُلٍ مِنَ المُهاجِرِينَ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: غَزَوْت مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا أَسْمَعُهُ يَقولُ: "المُسْلِمُونَ شُرَكاءُ في ثَلاثٍ في الكَلإِ والماءِ والنَّارِ"(1).

* * *

باب في منع الماء

[3473]

(حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة، قال: حَدَّثَنَا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يُمنَعُ) بضم أوله وفتح ثالثه، خبرٌ بمعنى النهي (فضلُ الماء) أي الماء الفاضل عن حاجته، وإنما قدم فضل على الماء للاهتمام به (ليُمنَعَ) بضم أوله وفتح ثالثه أيضًا، والعين منصوبة بأن المقدرة، وهذِه اللام وإن سماها النحويون: لام كي، فهي لبيان العاقبة (2) والمآل لا للتعليل فهي كقوله تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} (3)(به) فضل (الكلام بفتح الكاف (4) مهموز مقصور، هو العشب والنبات رطبًا كان أو يابسًا، والأخضر منه يسمى

(1) رواه أحمد 5/ 364، وابن أبي شيبة 11/ 669 (23655).

وصححه الألباني.

(2)

في (ر): الغائبة.

(3)

القصص: 8.

(4)

سقط من (ر).

ص: 402

الرطب، وأما الحشيش والهشيم فمختص باليابس، وأما الخلأ فمقصور ومهموز، والعشب مختص (1) بالرطب، ويقال فيه أيضًا بضم الراء وسكون الطاء، واقتصر عليه القرطبي (2).

وأما النهي عن مثع فضل الماء ليمنع به الكلأ فمعناه: أن تكون (3) لإنسان بئر مملوكة له بالفلاة، وفيها ماء فاضل عن حاجته، ويكون هناك كلأ ليس عنده ماء إلا هذا، ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا حصل لهم السقي من هذِه البئر فيحرم عليه منع هذا الماء للماشية، ويجب بذله لها بلا عوض؛ لأنه إذا منع بذله، امتنع الناس من رعي ذلك الكلأ خوفًا على مواشيهم من العطش، ويكون منعه الماء مانعًا من رعي الكلأ (4)، ففيه إقامة السبب مقام المسبب، وإن اختلا في أن المسبب أصله الجواز من منع فضل الماء، لكن لما كان سببًا لمنع المباح للمسلمين حرم بسبب ذلك، كما أن ذكر الإنسان بما لا غيبة فيه مباح فإن تيقن أنه إذا ذكره عند من يعلم أنه يغتابه إذا ذكر ويقع في عرضه أو يكون عازمًا على ظلمه في ماله أو قتله وهو ناسٍ له حرم عليه ذكره حينئذٍ؛ لأن المباح قد يؤدي إلى الحرام.

زاد ابن حبان في "صحيحه" في هذا الحديث: فيقول: "ويجوع العيال"(5).

(1) في (ر): يختص.

(2)

"المفهم" 4/ 442، انظر:"شرح مسلم" للنووي 10/ 229.

(3)

في (ر): يكون. والمثبت من "شرح مسلم" للنووي.

(4)

انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 228 - 229.

(5)

11/ 332 (4956).

ص: 403

قال البيهقي: هذا هو الصحيح.

وفي رواية للشافعي: "من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ؛ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة"(1). ويدخل في المنع من فضل الماء من سبق للماء الذي في الفيافي (2) إذا منعه من الماشية، فقد منعه من الكلأ - وهو العشب الذي حول ذلك الماء - من الرعي؛ لأن البهائم لا ترعى إلا بعد أن تشرب (3).

[3474]

(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة، حَدَّثَنَا وكيع، حَدَّثَنَا الأعمش، عن أبي صالح) ذكوان (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة) زاد مسلم: "ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذابٌ اليم"(4). أي على لفظ الآية الكريمة، أي: لا يكلمهم تكليم أهل الخير بإظهار الرضى، بل بكلام أهل السخط والغضب.

وقال جمهور المفسرين: لا يكلمهم كلامًا ينفعهم ويسرهم (5). (رجل) بالرفع بدل من ثلاثة (منع ابن السبيل) وهو المسافر المحتاج إلى الماء له ولدوابه (فضل الماء) يعني الماء الفاضل عن كفايته، كما تقدم بفلاة من الأرض (عنده) أي يحميه من غيره.

قال النووي: ولا شك في غلظ تحريم هذا الفعل، وشدة قبحه، وإن

(1)"المسند" 1/ 382 (1784).

(2)

في (ر): القنا.

(3)

انظر: "المفهم" 4/ 442.

(4)

(108).

(5)

انظر: "الوسيط في تفسير القرآن المجيد" للواحدي النيسابوري 1/ 260.

ص: 404

كان من يمنع فضل الماء للماشية عاصيًا فكيف بمن يمنعه الآدمي المحترم؟ ! فلو كان ابن السبيل غير محترم كالحربي والمرتد لم يجب بذل الماء له (1)، انتهى. وكذا لو كان الحيوان غير محترم كالكلب العقور والخنزير وما في معناهما.

(ورجل حلف على سلعة) يساومها (بعد العصر) خص بهذا الوقت، لشرفه بشرف اجتماع ملائكة الليل والنهار كما في الحديث (2)، ولأنها الصلاة الوسطى (3)، ولهذا يغلظ اليمين بالتحليف بعد الصلاة (يعني: كاذبًا) رواية مسلم: "رجل بايع رجلًا بسلعة بعد العصر فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا. فصدقه وهو على غير ذلك". انتهى. ومن هو بهذِه المثابة فهو مستحق لهذا الوعيد العظيم.

(ورجل بايع إمامًا) زاد مسلم: "لا يبايعه إلا لدنيا"(فإن أعطاه) منها (وفى له) ببيعته (وإن لم يعطه) من دنياه الم يفِ له) من بايع الإمام على هذا الوجه المذكور، استحق الوعيد الشديد لغشه المسلمين وإمامهم، وتسببه لوقوع الفتن بينهم بنكثه بيعة الإمام لاسيما إن كان هذا (4) الناكث ممن يقتدى به، فإن مفسدته أعظم، والله أعلم (5).

[3475]

(حَدَّثَنَا ابن أبي شيبة، حَدَّثَنَا جرير، عن الأعمش بإسناده)

(1) انظر: المصدر السابق 2/ 117.

(2)

رواه البخاري (555)، مسلم (632) من حديث أبي هريرة.

(3)

رواه البخاري (2931)، ومسلم (627) من حديث علي بن أبي طالب.

(4)

سقط من (ر).

(5)

انظر: "شرح مسلم" للنووي 2/ 118.

ص: 405

المتقدم (و) مثل (معناه) و (قال)(1) فيه (ولا يزكيهم) أي: لا يطهرهم من دنس ذنوبهم، وقال الزجاج وغيره: لا يثني عليهم (2) من التزكية (ولهم عذاب أليم) مؤلم (3) قال الواحدي: هو العذاب الذي يخلص إلى قلوبهم وجعه (4)، وأصل العذاب من العذب وهو المنع، وسمي الماء عذبًا لأنه يمنع العطش، وسمي العذاب عذابا؛ لأنه يمنع المعاقب من معاودة مثل جرمه (5).

(وقال في) أمر (السلعة) حلف (بالله لقد أعطي بها كذا وكذا) رواية الصحيح: "لقد أعطي بها أكثر مما أعطي"(6)(فصدقه الآخر (7) فأخذها) وهو على غير ذلك كما تقدم في رواية مسلم.

[3476]

(حَدَّثَنَا عبيد الله بن معاذ قال: حَدَّثَنَا أبي) معاذ [بن معاذ](8) قال: (حَدَّثَنَا كهمس) بن الحسن (عن سيار) بتقديم السين (9) على المثناة (ابن منظور) بالظاء المعجمة الفزاري (رجل) بالجر (من فزارة) من بني فزارة بفتح الفاء (عن أبيه) منظور بن سيار البصري (10) (عن امرأة يقال

(1) في (ر): وقيل. وغير واضحة في (ل)، والمثبت من المطبوع.

(2)

"معاني القرآن وإعرابه" 1/ 245.

(3)

سقطت من (ر).

(4)

"الوسيط" 1/ 88.

(5)

انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي 2/ 116.

(6)

رواه البخاري (2369).

(7)

في (ر): الآخذ.

(8)

سقطت من (ر).

(9)

مكررة في (ل).

(10)

في الأصول: (المصري)، والصواب المثبت.

ص: 406

لها بُهيسة) بضم الباء الموحدة مصغر، وقبل الهاء، سين مهملة مرفوع. قال الذهبي: أدركتْ النبي صلى الله عليه وسلم (عن أبيها) الفزاري، لا يعرفان.

(قالت: استأذن أبي (1) النبي صلى الله عليه وسلم) أعل هذا الحديث عبد الحق وابن القطان بأن بهيسة لا تعرف (2)، لكن ذكرها ابن حبان والذهبي - كما تقدم - في الصحابة (3) (فدخل) لما أذن له (بينه وبين قميصه) يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في وسطه سترة تستر ما بين السرة والركبة (فجعل يقبل ويلتزم) (4) يشبه أن يكون التقدير: يُقبِّلُ صدر النبي صلى الله عليه وسلم ويلتزمه. فيه استئذان من أراد أن يقبل شيءٌ منه أو التزامه، وفيه جواز تقبيل (5) أهل العلم والخير والصلاح والتزامهم وتقبيل أياديهم.

(ثم قال: يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء) من النهور العظيمة كالنيل، والفرات، والدجلة، وما أشبهها من الأنهار العظيمة التي لا يستضر الناس بالسقي منها، فهذا لا يزاحم فيه، ولكل أحد أن يسقي منها ما شاء متى شاء، وأما النهر الصغير الذي يحفره الإنسان إلى أن يظهر الماء في أرض موات؛ فعند أحمد: أن لكل أحد أن يستقيَ من ذلك الماء الجاري، لشربه، ووضوئه، وغسله، وغسل ثيابه، وينتفع به في أشباه ذلك مما لا يؤثر فيه بغير

(1) سقطت من (ر).

(2)

انظر: "الأحكام الوسطى" 3/ 299، "بيان الوهم والإيهام" 3/ 262.

(3)

انظر: "الثقات" لابن حبان 3/ 39 وفيه: بهية الفزارية، وانظر:"التلخيص الحبير" 3/ 154.

(4)

من المطبوع.

(5)

في (ر): فضيل.

ص: 407

إذنه، إذا لم يدخل إليه في مكان محوط عليه ولا يحل لصاحبه المنع من ذلك لهذا الحديث، ولأن ذلك لا يؤثر فيه في العادة وهو فاضل عن حاجة صاحب النهر (1)، وأما من نبع (2) في ملكه ماء فقال النووي: يصير ملكًا له على المذهب الصحيح. وقال بعض أصحابنا: لا يملكه، بل يصير أحق به، وهذا غلط ظاهر (3).

قال البغوي من أصحابنا: وهذا الحديث في غير الماء المحرز (4) في الأواني أي: والأراضي المملوكة. قال: وأصح أقوال الشافعي أنه غير مملوك له ما لم يحرز. واتفقوا على أن له منع ما فضل عن صاحبه عن زرع (5)، ولا يجوز أن يمنع الفضل عن ماشية الغير لهذا الحديث (6).

وحكى في "المغني" عن أحمد: أن الماء الفاضل عن حاجة صاحب النهر إن كان مما لا مؤنة له (7) فيقدم، وإن كان مما يؤثر كسقي الماشية الكثيرة ونحو ذلك، فإن فضل الماء عن حاجة صاحبه لزمه بذله لذلك، وإن لم يفضل لم يلزمه (8).

(1) انظر: "المغني" 6/ 187.

(2)

في (ر): بيع.

(3)

انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 229.

(4)

في (ر): المجرن.

(5)

في "شرح السنة": ما فضل عن حاجته عن زرع غيره.

(6)

انظر: "شرح السنة" 8/ 286.

(7)

ساقطة من (ل).

(8)

انظر: "المغني" 6/ 187.

ص: 408

(قال: يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: ) هو (الملح) إذا كان معدنه في أرض موات غير مملوكة، فأما الملح إذا صار ملحًا في أرض مملوكة في بركة ونحوها فإنه يحل منعه، فإنه مالك للأرض وللماء المنعقد منه. (قال: يا نبي الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؛ قال) وروى ابن ماجة من حديث عائشة أنها قالت: يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال:"الماء والملح والنار"(1). وسيأتي النار بعد هذا.

وللطبراني في "الصغير" من حديث أنس: "خصلتان لا يحل منعهما: الماء والنار"(2).

(أن) بفتح الهمزة وسكون النون مصدرية تقدر هي وما بعدها بالمصدر الذي هو مبتدأ في الأصل (تفعلَ) منصوبٌ بأن (الخير) والتقدير: وفعلك الخير (خير) بالرفع خبر المبتدأ المقدر (لك) يشبه أن يكون المعنى: خير لك من هذا السؤال. وفيه حث على فعل الخير.

[3477]

(حَدَّثَنَا علي بن الجعد) بن عبيد (اللؤلؤي) ويقال له: الجوهري، روى عنه البخاري اثني عشر حديثا (3)(حَدَّثَنَا حَريز) بفتح الحاء المهملة وآخره زاي (بن عثمان) الرحبي، روى عنه البخاري في صفة النبي صلى الله عليه وسلم " (4)، وذكر بني إسرائيل (5)(عن حِبان) بكسر الحاء

(1)(2474).

(2)

2/ 7 (681).

(3)

سقط من (ر)، (ل) وأثبتها لأن السياق يقتضيها، وانظر:"تهذيب التهذيب" 7/ 257 فإنه ذكر أن البخاري روى عنه ثلاثة عشر حديثا.

(4)

(3546).

(5)

(3509) كتاب المناقب.

ص: 409

المهملة، وتشديد الباء الموحدة (بن زيد الشَّرْعَبي) بفتح الشين المعجمة والعين المهملة بعدها باء موحدة الشامي الحمصي التابعي (عن رجل من قَرَن) بفتح القاف والراء، قبيلة.

(ح، وحَدَّثَنَا مسدد، حَدَّثَنَا (1) عيسى بن يونس، حَدَّثَنَا حَريز) بفتح الحاء المهملة كما تقدم (بن (2) عثمان، حَدَّثَنَا (3) أبو خداش) هو حبان بن زيد الشرعبي المذكور التابعي، سئل عنه أبو حاتم فقال: أبو خداش لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم" (4).

(وهذا لفظ علي) بن الجعد (عن رجل) لا تضر جهالة الصحابة؛ لأنهم كلهم عدول لاسيما وقد صرح بأنه (من المهاجرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، [قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم] (5) ثلاثًا أسمعه يقول: المسلمون شركاء في ثلاثٍ: في الماء) تقدم (والكلإ) تقدم ضبطه وتفسيره قريبًا، والمراد به الذي ينبت في موات المسلمين قبل أن يحوزه أحد. (والنار) قيل: أراد بها الحجارة التي توري النار، ولا يمنع أحدًا أن يأخذ منها حجرًا إذا كان في الموات، وأما النار التي أوقدها الرجل من حطبه، فله منع الغير منها، وله (6) أن يمنع أن يؤخذ منها جذوة، ولكن لا

(1) سقطت من (ر).

(2)

سقطت من (ر).

(3)

سقطت من (ر).

(4)

"علل بن أبي حاتم" 3/ 401 م (965).

(5)

سقطت من (ر).

(6)

في (ر): فله.

ص: 410

يمنع أحدًا أن يستصبح منها بمصباح؛ لأنه لا ضرر عليه فيه (1)، وقد قال الأصوليون كالبيضاوي وغيره: إن آنتفاع الغير بملك المالك بما لا مضرة فيه على المالك ولا فيه مفسدة لماله مباح.

ويحتمل أن يراد بالنار الخبز في تنوره في البيت، والبئر والنبع منها كالاستصباح من [ضوء ناره](2)، والاستظلال بجداره، والنظر في مرآته من غير أخذها، فإن هذِه الانتفاعات فالانتفاع بها دائرة مع كونه انتفاعًا خاليًا عن أمارات المفسدة ومضرة المالك وجودًا وعدمًا؛ لأنه كلما وجد من سائر ما ذكرنا وجدت الإباحة، وكلما انتفى انتفت الإباحة فلزم إباحة هذِه الأفعال (3).

* * *

(1) انظر: "شرح السنة" للبغوي 8/ 279.

(2)

بياض في (ر).

(3)

انظر: "المعتمد في أصول الفقه" 2/ 320، "الإبهاج في شرح المنهاج للبيضاوي"، تأليف: علي بن عبد الكافي السبكي 1/ 146.

ص: 411