الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 - باب في شَرْطٍ في بَيْعٍ
3505 -
حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى -يَعْني ابن سَعِيدٍ- عَنْ زَكَرِيّا، حدثنا عامِرٌ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: بِعْتُهُ -يَعْني بَعِيرَهُ- مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم واشْتَرَطْتُ حُمْلانَهُ إِلَى أَهْلي قالَ في آخِرِهِ: "تُراني إِنَّما ماكَسْتُكَ لأَذْهَبَ بِجَمَلِكَ خُذْ جَمَلَكَ وَثَمَنَهُ فَهُما لَكَ"(1).
* * *
باب الشرط في بيع (2)
[3505]
(حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى بن سعيد) التميمي (عن زكريا) بن أبي زائدة قال: (حدثنا عامر) بن شراحيل الشعبي (عن جابر ابن عبد الله قال: بعتُه -يعني بعيره-) الذي كان عليه (من النبي صلى الله عليه وسلم) بأربع أوقي، وفي رواية: بعشرين دينارًا. قال البخاري: قال الشعبي: بوقية أكثر (3)(واشترطت) في البيع، وفي رواية: واستثنيت (حُملانه) بضم الحاء، كطوفان، أي: اشترطت حملي على الجمل، والمفعول محذوف أي: استثنيت حمله إياي، رواه الإسماعيلي: واستثنيت ظهره إلى أن يقدم (إلى أهلي) أي إلى المدينة. استدل به الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر من أصحابنا على أنه يصح للبائع أن يبيع ويشترط الانتفاع بالمبيع مدة معلومة (4) مثل أن يبيع دارًا ويستثني
(1) رواه البخاري (2718)، ومسلم بإثر (1599).
(2)
بعدها في (ر)، (ل): نسخة: في شرط في بيع. وهو ما في المطبوع.
(3)
انظر: "صحيح البخاري"(2718).
(4)
انظر: "الأوسط" لابن المنذر 10/ 318.
سكناها شهرًا أو عبدًا ويستثني خدمته شهرًا.
قالوا: ويتنزل الشرط منزلة الاستثناء؛ لأن المشروط إذا كان قدره معلومًا صار كما لو باعه بألف إلا خمسين درهمًا مثلًا، ووافقهم مالك في الزمن اليسير دون الكثير (1) كثلاثة أيام، هذا حده عنده، وفي الركوب إلى مكان قريب يجوز دون البعيد؛ لأن اليسير يدخله المسامحة. واحتج المجوزون بهذا الحديث.
وقد رجح البخاري صحة الاشتراط فقال: إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز. هكذا جزم به لصحة دليله عنده. واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم هي عن الثنيا إلا أن تعلم (2)، وهذِه معلومة، ونهى عن شرطين في بيع فمفهومه إباحة الشرط الواحد.
وذهب جمهور العلماء إلى بطلان هذا البيع؛ لأن الشرط المذكور ينافي مقتضى العقد (3).
قال الغزالي: ولأن انضمام الشرط إلى البيع يبقى علقة (4) بعد البيع يثور بسببها منازعة بينهما فبطل -أعني الشرط- إلا [ما استثني](5) لمعنى فيه، وإذا بطل الشرط بطل البيع؛ لأنه جعل المال المسمى ورفق العقد الثاني ثمنًا، فإذا بطل الشرط بطلت حصته، وحصته غير معلومة، فيبقى
(1)"المدونة" 3/ 473.
(2)
في (ر): (يعلم)، والحديث سبق برقم (3404).
(3)
انظر: "فتح الباري" 5/ 314 - 315.
(4)
في (ر): عليه.
(5)
في الأصل (يستثنى). والمثبت من "مغني المحتاج" 2/ 31.
الباقي غير معلوم فيبطل البيع لذلك، وحكي قول قديم أن الشرط الفاسد لا يبطل البيع كالنكاح (1).
وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن ألفاظه مختلفة؛ فمنهم من ذكر فيه الشرط، ومنهم من ذكر فيه ما يدل عليه، ومنهم من ذكر ما يدل على أنه كان بطريق الهبة وهي واقعة عين يتطرقها الاحتمال، وقد عارضه بحديث عائشة في قصة بريرة (2) وفيه بطلان الشرط المخالف مقتضى العقد (3).
و(قال في آخره: أتُراني) بضم التاء أي: تظنني (إنما) بكسر الهمزة إن النقل على اللام (ماكستك) فاعلتك من المكس وهو انتقاص الثمن. وذكر الزمخشري في كتابه "الفائق" هذا الحديث وقال: قد روي: ماكستك، من المكاس، أي: والمماكسة في البيوع إعطاء النقص في الثمن.
قال: وروي: أتراني إنما كِسْتُك وهو من كايسته فكسته أي: كنت أكيس منه (4). (لأذهب بجملك؟ ! ) اللام في (لأذهب) لام التعليل، ووقع لأحمد عن يحيى القطان، عن زكريا بلفظ قال:"أظننت حين ماكستك أذهب بجملك؟ خذ جملك وثمنه هما لك"(5)، وأشار بالمماكسة إلى ما وقع بينهما من المساومة (6) عند البيع.
(1) انظر: "الشرح الكبير" 8/ 195.
(2)
سيأتي برقم (3929).
(3)
انظر: "فتح الباري" 5/ 315.
(4)
انظر: "الفائق في غريب الحديث والأثر" للزمخشري 3/ 290.
(5)
"المسند" 3/ 299.
(6)
في (ر)، (ل):(المصادمة). والمثبت من "فتح الباري".
(خذ جملك وثمنه) أي: خذ جملك وخذ ثمنه، ورواية البخاري في الجهاد: فأعطاني ثمنه ورده عليّ (1). وهذا كله بطريق المجاز؛ لأن القصة إنما وقعت له بواسطة بلال كما رواه مسلم من هذا الوجه: فلما قدمت المدينة قال لبلال: "أعطه أوقية من ذهب وزده"(2). (فهما لك) رواية البخاري في كتاب الشروط: "خذ جملك فهو مالك"(3).
قال ابن الجوزي: هذا من أحسن التكرم؛ لأن من باع شيئًا فهو في الغالب يحتاج الثمنية، فإذا تعوض الثمن بقي في قلبه من المبيع أسف على فراقه كما قيل:
وقد تخرج الحاجات يا أم مالك
…
نفائس من رب بهن ضنين
فإذا رد عليه المبيع مع ثمنه ذهب أسفه وقضيت حاجته، فكيف ما انضم إلى ذلك من الزيادة في الثمن وهو القيراط؟ ! (4).
ولأحمد من طريق أبي هبيرة، عن جابر: فلما أتيته دفع إليه البعير وقال: هو لك. فمررت برجل من اليهود فأخبرته فجعل يعجب ويقول: اشترى منك البعير ودفع إليك الثمن ثم وهبه لك؟ قلت: نعم (5).
(1)"صحيح البخاري"(2967).
(2)
(715).
(3)
(2718).
(4)
انظر: "فتح الباري" 5/ 317.
(5)
"مسند أحمد" 3/ 303.