الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
33 - باب في زَرْعِ الأَرْضِ بغَيْرِ إِذْنِ صاحِبِها
3403 -
حدثنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حدثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قال: قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ زَرَعَ في أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيء وَلَهُ نَفَقَتُهُ"(1).
* * *
باب في زرع الأرض بغير إذن صاحبها
[3403]
(حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا شريك) بن عبد الله بن أبي شريك النخعي القاضي، أدرك زمن عمر بن عبد العزيز.
(عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي، أحد الأعلام، يشبه الزهري في الكثرة، وله نحو ثلاثمائة شيخ.
قال البخاري: هذا الحديث تفرد به شريك عن أبي إسحاق (2). وشريك يهم (3) كثيرًا، وضعفه أيضًا موسى بن هارون الحمال (4)، قال: لم يروه عن عطاء غير أبي إسحاق، وعطاء لم يسمع من رافع (5).
(عن عطاء، عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من زرع في
(1) رواه الترمذي (1366)، ابن ماجه (2466)، وأحمد 3/ 465.
وصححه الألباني في "الإرواء"(1519).
(2)
انظر: "سنن الترمذي"(ح 1366).
(3)
في الأصل: منهم.
(4)
في (ل): الحال، وفي (ر): الجمال. والمثبت من "السنن الكبرى" للبيهقي.
(5)
انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي 6/ 136 (12085).
أرض قوم بغير (1) إذنهم، فليس له) أي: للزارع (من الزرع) الذي ظهر من بذره (شيء) أصلًا. هكذا رواه الترمذي وما بعده بكماله في إسناده ومتنه، وبوب عليه: باب من زرع في أرض قوم بغير إذنهم. وقال: هذا حديث حسن غريب. والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق، قال: وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن. قال محمد: وحدثنا معقل بن مالك البصري، حدثنا عقبة بن الأصم، عن عطاء، عن رافع بن خديج، عن النبي صلى الله عليه وسلم (2). وقد استدل به - كما قال الترمذي - أحمد على أن من زرع بذرًا في أرض غيره واسترجعها صاحبها، فلا يخلو إما أن يسترجعها مالكها ويأخذها بعد حصاد الزرع، أو يسترجعها والزرع قائم قبل أن يحصد (3)، فإن أخذها مستحقها بعد حصاد الزرع، فإن الزرع لغاصب الأرض لا نعلم فيه خلافًا، وذلك لأنه نماء ماله، وعليه أجرة الأرض إلى وقت التسليم، وضمان نقص (4) الأرض وتسوية حفرها، وإن أخذ الأرض صاحبها من الغاصب والزرع قائم فيها (5) لم يملك إجبار الغاصب على قلعه، وخُيّر المالك بين أن يدفع إليه نفقته ويكون الزرع له، وبهذا قال أبو عبيد (6).
(1) في (ر): من غير.
(2)
انظر: "سنن الترمذي"(1366).
(3)
في (ع): يحصل.
(4)
في (ع): بعض.
(5)
سقط من (ع).
(6)
"الأموال" ص 364.
وقال الشافعي وأكثر الفقهاء: يملك إجبار الغاصب على قلعه، والحكم فيه كالغرس سواء؛ لقوله عليه السلام:"ليس لِعِرْقٍ ظالمٍ حق"(1)، ولأنه زرع في أرضه ظلمًا فلم يكن لزرعه حرمة؛ لأنه ظالم مقصر بالزرع في أرض غيره بغير إذنه.
واستدل أحمد بهذا الحديث؛ فإن فيه دليلا (2) على أن الغاصب لا يجبر على قلعه؛ لأنه ليس له فيه شيء، بل هو ملك للمغصوب منه.
واستدل أيضًا بالحديث الذي قبله (3): أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زرعًا في أرض ظهير فأعجبه فقال: "ما أحسن زرع ظهير". فقالوا: إنه ليس لظهير، ولكنه لفلان. قال:"فخذوا زرعكم وردوا عليه نفقته"، ولأنه أمكن رد المغصوب إلى مالكه من غير إتلاف مال (4) الغاصب على قرب من (5) الزمان، فلم يجز إتلافه كما لو غصب سفينة فحمل فيها ماله وأدخلها (6) البحر، أو غصب لوحًا فرقع به سفينته؛ فإنه لا يجبر على رد المغصوب في اللجة، بل ينتظر حتى ترسي صيانة للمال عن التلف، وكذا هنا، ولأنه زرع حصل في ملك غيره فلم يجبر على قلعه على وجه يضر به كما لو كانت الأرض مستعارة أو مشفوعة وفارق النخل والشجر الوارد فيه "ليس لعرق ظالم حق"؛ لأن مدته تتطاول
(1) سبق برقم (3073).
(2)
في الأصل (دليل) والمثبت أصح.
(3)
برقم (3399).
(4)
سقط من (ع).
(5)
زاد هنا في الأصل (عند). والمثبت من "المغني".
(6)
في (ر): وأدخله.
ولا يعلم متى تقلع من الأرض، وانتظاره يؤدي إلى ترك رد الأصل بالكلية، وحديث:"ليس لعرق ظالم حق". ورد في الغرس الذي له عرق مستطيل في الأرض وحديثنا في الزرع فيجمع بين الحديثين، ويعمل بكل واحد منهما في موضعه؛ فإن العمل (1) بالحديثين أولى من إلغاء أحدهما.
وإذا ثبت هذا [فمتى رضي المالك بترك الزرع للغاصب، ويأخذ منه أجر الأرض فله ذلك](2)؛ لأنه شغل المغصوب (3) بماله (4) فملك صاحبه أخذ أجرة، كما لو ترك في الدار طعامًا أو أحجارًا يحتاج في نقله إلى مدة، وإن أحب أخذ الزرع فله ذلك كما يستحق الشفيع أخذ شجر المشتري بقيمته.
(وله) أي: ولغاصب الأرض (نفقته) اختلفت الرواية عن أحمد فيما يرده مالك الأرض على الغاصب على روايتين:
إحداهما: قيمة الزرع (5)؛ لأنه بدل عن الزرع فيقدر بقيمته كما لو أتلفه (6).
والرواية الثانية: أنه يرد على الغاصب ما أنفق من البذر ومؤنة
(1) في (ع): المحمل.
(2)
سقط من (ر).
(3)
في (ل) و (ر): المصوب، وفي (ع): الضرب، ولعل المثبت هو الصواب.
(4)
في (ل): تكرار كلمة (بماله).
(5)
كررت هنا في (ل): كلمة (الزرع).
(6)
في (ع): تلفه.
الزرع (1) في الحرث والسقي وغيره. وهذا ظاهر [كلام](2) الخرقي (3) من أصحابه وظاهر الحديث في قوله: "نفقته" وقيمة الشيء لا تسمى نفقة.
وهذا الحديث قاعدة مذهب أحمد" فإن قاعدة مذهبه في هذِه المسألة على خلاف القياس، وإن القياس مذهب الشافعي والجمهور: أن الزرع لصاحب البذر؛ لأنه نماء عين ماله فأشبه ما لو غصب دجاجة فحضنت بيضًا له، أو طعامًا فعلفه دوابًّا له كان النماء له. وقد صرح به أحمد فقال: هذا شيء لا يوافق القياس؛ فاستحسن أن يدفع نفقته للحديث، ولذلك جعله للغاصب إذا أخذ الأرض مالكها بعد حصاد الزرع، وإذا كان العمل بالحديث وجب أن يتبع مدلوله (4).
* * *
(1) في (ع): الربح.
(2)
سقط من الأصل. والمثبت من "المغني".
(3)
في (ع): الحربي.
(4)
انظر: "المغني" 5/ 392.