المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقها - البحور الزاخرة في علوم الآخرة - جـ ٣

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الكتاب الرابع في ذكر الجنَّة وصفاتها، وذكر نعيمها ولذاتها

- ‌الباب الأول في ذكر أبوابها وما يتعلق بذلك

- ‌فصل في مفتاح الجنَّة

- ‌الباب الثَّاني في مكان الجنَّة ومنشورها وتوقيعها وتوحد طريقها

- ‌فصل

- ‌فصل في توحيد طريق الجنَّة

- ‌الباب الثالث في درجات الجنةِ وأعلاها وما أسم ملكاً الجنَّة

- ‌فصل

- ‌الباب الرابع في عرض الرب الجنَّة على العباد، وعدد الجنان، وأسمائها، وذكر السابقين إليها وإن كثر أهلها

- ‌فصل

- ‌فصل في أسماءِ الجنَّةِ ومعانيها واشتقاقها

- ‌فصلٌ في عددِ الجنات وأنواعها

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصلٌ في ذكر أوَّل من يقرع بابَ الجنَّةِ

- ‌فصل

- ‌فصل وتقدم أنَّ الفقراء يسبقون الأغنياء إلى الجنةِ بخمسمائة عام

- ‌فصل في أصناف أهل الجنة الذين ضمنت لهم دون غيرهم

- ‌فصل في أنَّ أكثر أهل الجنة هذه الأمّة المطهرة

- ‌الباب الخامس في تربة الجنة ونورها وغرفها وقصورها وخيامها وما يلحق بذلك

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الباب السادس في صفة أهل الجنة وأعلاهم وأدناهم منزلة وتحفتهم إذا دخولها

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الباب الثامن في ذكر أنهار الجنَّة وعيونها، وطعام أهلها، وشرابهم، ومصرف ذلك وآنيتهم

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الباب التاسع في ذكر لباس أهل الجنَّة، وحليهم، ومناديلهم، وفرشهم، وبسطهم، ووسائدهم وسررهم وأرائكهم

- ‌فصل ومن ملابس أهل الجنَّةِ التيجان على رءوسهم

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الباب العاشر في ذكر خدم أهل الجنَّة، وغلمانهم، ونسائهم، وسراريهم، والمادة التي خلق منها الحور العين، ونكاحهم، وهل في الجنَّة ولد أم لا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل في الإشارة إلى غريب هذا الحديث العظيم

- ‌الباب الحادي عشر في ذكر سماع أهل الجنَّة، وغناء الحور العين، وذكر مطاياهم، وزيارة بعضهم بعضًا

- ‌فصل

- ‌فصل زيارة أهل الجنَّة لبعضهم بعضا

- ‌فصل في ذكر سوق الجنَّة، وما أعدَّ الله فيها لأهلها

- ‌فصل

- ‌فصل في تكليمه سبحانه وتعالى لأهل الجنَّة

- ‌الباب الثالث عشر في أن الجنَّة فوق ما يخطر بالبال، ويتوهمه الخيال، أو يدور في الخلد، وفوق ما يصف كلّ أحد كيف؟ وموضع سوط منها خير من الدُّنيا وما فيها

- ‌الباب الرابع عشر في فصول جامعة وحكم هامعة

- ‌الفصل الأول في ذكر آخر أهل الجنَّةِ دخولًا

- ‌الفصل الثاني في لسان أهل الجنَّةِ

- ‌الفصل الثالث في احتجاج الجنَّة والنَّار

- ‌الفصل الرابع في امتناع النوم على أهل الجنَّةِ

- ‌الفصل الخامس في ارتقاء العبدِ وهو في الجنَّة من درجة إلى درجة أعلى منها

- ‌الفصل السادس في إلحاق ذرية العبد المؤمن به في الدرجة وإن لم يعملوا عمله

- ‌الفصل السابعفي مسألة عظيمة، ونكتة جسيمة

- ‌الفصل الثامن ترفع جميع العبادات في الجنَّة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة، لا تبيد، ولا ترفع حتى في دار الجزاء

- ‌الباب الخامس عشر فيمن يستحق لهذه الدار من الملل والأنفار

- ‌تتمة

- ‌الكتاب الخامس في ذكر النار وصفاتها وشدة عذابها أعاذنا الله تعالى منها بمنه وكرمه

- ‌الباب الأول في ذكر الإنذار والتحذير من النَّار، والخوف منها، وأحوال الخائفين من تلك الدار

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الباب الثاني في ذكر مكان جهنم وطبقاتها ودركاتها وصفاتها وقعرها وعمقها

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الباب الثالث في ذكر أبواب جهنم وسرادقها وظلمتها وشدة سوادها

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل وأما ظلمتها وشدة سوادها

- ‌الباب الرابع في شدة حر جهنم وزمهريرها وسجرها وتسعيرها وتغيظها وزفيرها أعاذنا اللَّه منها

- ‌فصل وأما زمهريرها

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل في ذكر دخان جهنم وشررها ولهبها

- ‌الباب الخامس في ذكر أودية جهنم وجبالها وعيونها وأنهارها

- ‌ما جاء في جبال جهنم أجارنا اللَّه منها ووالدينا

- ‌الباب السادس في ذكر سلاسلها وأغلالها وحجارتها وأنكالها وحياتها وعقاربها

- ‌فصل وأما حجارتها

- ‌فصل وأما حيات جهنم وعقاربها

- ‌الباب السابع في ذكر طعام أهل النار وشرابهم وكسوتهم وثيابهم

- ‌فصل وأمَّا شرابهم

- ‌فصل وأما كسوة أهل النار وثيابهم

- ‌فصل

- ‌الباب الثامن في عظم خلق أهل النار، وقبحهم، وأنواع صفاتهم بحسب أعمالهم

- ‌فصل في أنواع عذاب أهل النار، وتفاوتهم في ذلك في دار البوار على حسب ما اقترفوا من الذنوب والأوزار

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فيما يتحف به أهل النارِ عند دخولهم دار البوار أعاذنا الله منها بمنه وكرمه

- ‌فصل في بكاء أهل النار وزفيرهم وشهيقهم وصراخهم ودعائهم الذي لا يستجاب لهم

- ‌فصل

- ‌فصل في نداء أهل النار أهل الجنة، وأهل الجنة أهل النار، وكلام بعضهم بعضا

- ‌الباب التاسع في ذكر خزنة جهنَّم، وزبانيتها

- ‌الباب العاشر في ذكر حال الموحدين في النار، وخروجهم منها برحمة أرحم الراحمين، وشفاعة الشافعين وفي أكثر أهل النار، وأصنافهم

- ‌فصل

- ‌فصل في حسن الظن بالله تعالى

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل في ذكر أوّل من يدخل النار من سائر البشر وفي أول من يدخلها من عصاة الموحدين

- ‌تتمة في مسائل متفرقة

- ‌المسألة الأولى في خلود أهل الدارين فيهما:

- ‌المسألة الثانية في أصحاب الأعراف

- ‌المسألة الثالثة: في أطفال المشركين

- ‌المسألة الرابعة: في أهل الفترة ونحوهم

- ‌الخاتمة وفيها فصلان

- ‌الفصل الأوّل في التوبة

- ‌فصل

- ‌الفصل الثاني: في المحبة

- ‌المقصد الأوّل: في لزوم المحبة له سبحانه وتعالى

- ‌المقصد الثاني: في علامات المحبة الصادقة والتذاذ المحبين بها

- ‌ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم على درجتين:

- ‌تكملة في بعض أحوال أهل المحبة وهي أكثر من أن تذكر في مثل هذا المختصر وأعظم من أن تحصر أو تحد بالنظر

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌فصل في أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقها

‌فصل في أسماءِ الجنَّةِ ومعانيها واشتقاقها

وقال في "حادي الأرواح": لها عدة أسماء باعتبار صفاتها ومسماها واحد باعتبار الذّات، فهي مترادفةٌ من هذا الوجه، وهكذا أسماء الربِّ تعالى، وأسماء كتابه، وأسماء رسوله، وأسماء اليوم الآخر، وأسماء النَّارِ.

الاسم الأوَّل: الجنَّة، وهو العامُ المتناول لتلك الدارِ جملة، وما اشتملت عليه في أنواع النعيم، وأصل اشتقاقه من الستر والتغطية، ومنه الجنين لاستتارة في البطن والجان لاستتارهم عن عيون الإنس، والمجن، السترة ووقاية الوجه، والمجنون لاستتار عقله، وتواره عنه. والجان وهي الحية الصغيرة الدقيقة، ومنه سمي البستان جنة؛ لأنَّه يستر ما داخله من الأشجار، ولا يطلق هذا الاسم إلَّا على موضعٍ كثير الشجر مختلف الأنواع، والجنة بالضم ما يستجن أي: يوقى به من نحو ترس، وبالكسر الجن كما في قوله تعالى {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)} [الناس: 6].

الثَّاني: دارِ السَّلام وقد سمَّاه اللهُ بهذا الاسمِ في قوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الأنعام: 127] وقوله: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: 25]، وهي جديرةٌ بهذا الاسمِ؛ لسلامتها من كلِّ بلية، وآفة فإن الله هو السَّلام، وهي داره، فمن أسمائه الحسنى

ص: 998

السَّلام. فالله سبحانه سلم هذه الدار، وسلَّم أهلَها من كلِّ نكبةٍ وداهية، وتحيتهم فيها سلام، والربُّ تعالى سلم عليهم من فوقهم والملائكةُ يدخلون عليهم من كلِّ بابٍ سلام عليكم، وكلامهم كله فيها سلام، ولا يسمعون فيها لغوًا الإ سلامًا.

وأمَّا قوله تعالى: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)} [الواقعة: 90 - 91] فحقق في "حادي الأرواح" أنَّ المعنى: سلام لك أيُّها الراحل في الدُّنيا سلموا من الدُّنيا وأنكادها والنَّار وعذابها فبشر بالسلامة عند ارتحاله مِنَ الدُّنيا وقدومه على الله تعالى، كما يُبشِّره المَلك روحَه عند أخذها بقوله:"أبشري بروح وريحان ورب غير غضبان". وهذا أوَّلُ البشرى التي للمؤمنين في الآخرةِ.

الثالث: دارُ الخلدِ وسميت بذلك لأنَّ أهلَها لا يظعنون عنها واشتقاقُه مِنَ الخلدِ وهو دوامُ البقاءِ. تقول: خلد الرجلُ يخلدُ خلودًا وأخلدَه اللهُ سبحانه وتعالى إخلادًا. وخلَّده تخليدًا أبقاه. وأخلدتُ إلى فلانٍ: ركنتُ إليه.

وأخلد بالمكان أقام به وأمَّا الخَلَدُ بالتحريك: فالبال.

يقال: سنح في خَلدي أيْ: خطرَ في روعي وبالي وقلْبي والخلدُ أيضاً ضرب من الجرادين أعمى. والله أعلم.

الرابع: دارُ المقامة: قال تعالى حكاية من أهلها: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر: 34، 35] قال مقاتل: أنزلنا دار الخلود

ص: 999

أقاموا فيها أبداً لا يموتون ولا يتحولون. قال أهلُ اللغةِ: المقامة والإقامة بمعنى.

الخامس: جنَّة المأوى، وهو مفعل من آوى يأْوي أي انضم إلى المكان. قال تعالى:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} [النازعات: 40 - 41] وقال في النَّار: {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)} [النازعات: 39] وقال تعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)} [النجم: 14، 15].

قال عطاء عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: هي الجنَّةُ التي يأوي إليها جبريلُ والملائكةُ. وقال مقاتل: هي جنَّةٌ تأوي إليها أرواحُ الشُّهداءِ. وقال كعب: جنَّةُ المأوى جنَّة فيها طير خضر ترعى فيها أرواحُ الشُّهداءِ.

وقالت عائشةُ رضي الله عنها: هي جنَّةٌ من الجنات.

قال المحققُ: والصحيح أنَّه اسمٌ مِنْ أسماءِ الجنَّةِ.

السادس: جنات عدن قيل هو اسمٌ لجنَّة من جملة الجنَّاتِ.

قال المحقق: والصَّحيحُ أَنَّه اسم لجملة الجنات، فكلها جنَّات عدن.

قال تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} [مريم: 61] وقال: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [فاطر: 33] وقال تعالى: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} [الصف: 12].

ص: 1000

والاشتقاق يدلُّ على أنَّ جميعها جنات عدن فإنَّه مِنَ الإقَامةِ والدوام. يقال عدن بالمكان: إذا أقامَ به وعدنِتُ البلد: توطنته، وعدَنَت الإبلُ بمكان كذا: لزمته فلم تبرحْ منه.

قال الجوهري: ومنه جنَّات عدن أي: جنات إقامة. وثم قولٌ بأنَّ جنةَ عدنٍ اسمٌ لموضع من الجنة مخصوص (1).

وهو جنَّة من جملة الجنان. قلتُ: ولا مانع من كونه اسم لموضع مخصوص، ويطلق على الكلِّ أنَّه عدن أي: أقام وخلد واستمر وأمَّا أَنَّه جنةٌ مخصوصة من جملة الجنان فهذا أظهر من الشَّمسِ الصابحة لورودِ الأحاديث الثابتة بذلك.

وكنتُ تابعت الإمامَ المحقق في المسودة على أنَّها اسمٌ لجميعِ الجنان وليستْ هي جنة بنفسها مستقلة. ثُمَّ ظَهر لي أنَّ الحقَّ أنَّ جنَّةَ عدن اسمٌ لموضعٍ مخصوص في الجنات وإنْ جازَ إطلاقُه على جملةِ الجنات لصدق ذلك على جملتها كما فهم مما قررنا. وحجة ما اخترناه ما أخرجَ الطبرانيُّ في المعجم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُنزل اللهُ تعالى في آخر ثلاث ساعات بقين من الليل، فينظر الله في الساعةِ الأولى منهن في الكتاب الذي لا ينظر فيه غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت، ثم ينظر في الثَّانية في جنة عدن وهي مسكنه الذى يسكنُ لا يكون معه فيها أحد إلَّا الأنبياء والشُهداء والصديقون، وفيها ما لم يره أحدٌ ولا خَطَر علَّى قلبِ بشرِ ثم يهبط آخر ساعة من الليل فيقول:

(1)"حادي الأرواح" 138 - 143.

ص: 1001

ألا مستغفر يستغفرني فأغفر له؟ أَلا سائل يسألني فأعطيه؟ ألا داع يدعوني فأستجيب له؟ حتَّى يطلعَ الفجرُ" (1) قال تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] فيشهده اللهُ.

وأخرج الدَّارمي عن ابن عمرَ موقوفًا: "خلق اللهُ أربعةَ أشياء بيده: العرش، والقلم، وعدن، وآدم ثم قال لسائرِ الخلقِ: كُنْ. فكان"(2).

وأخرج الدَّارميُّ عن ميسرة: "إن اللهَ لم يمس شيئًا من خلقه بيده غير ثلاث: خلَقَ آدمَ بيدِهِ، وكتبَ التَوراةَ بيده، وغرسَ جنَّةَ عدن بيده"(3).

وأخرج عن كعب قال: "لم يخلق اللهُ بيده غيرَ ثلاث: خَلقَ آدم بيده، وكتب التوارة بيده، وغرسَ جنَّة عدن بيده ثم قال لها: تكلَّمي. قالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} "[المؤمنون: 1](4).

(1) الطبري في "تفسيره"(8/ 15/ 139)، والدارقطني في "النزول"(157)، واللالكائي في "أصول السنة"(3/ 442)، والعقيلي في "الضعفاء"(2/ 93 - 94)، وابن خزيمة في "التوحيد"(135)، والدارمي في "الرد على الجهمية"(32). أورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 412)، وقال رواه البزار، وفيه: زيادة بن محمَّد، وهو ضعيف.

(2)

رواه الدَّارميُّ في "نقض عثمان بن سعيد على المريسي"(44)، واللالكائي (730)، والطبري في "تفسيره" 23/ 185.

(3)

رواه الدَّارميُّ في "نقض عثمان بن سعيد"(45)، والطبري في "تفسيره" 18/ 1.

(4)

رواه الدَّارميُّ في "نقض عثمان بن سعيد"(46) ولهذه الآثار السابقة انظر ص 1013، 1014.

ص: 1002

وذكَرَ الحاكمُ (1) عَنْ مجاهدٍ: أنَّ اللهَ تعالى غرسَ جنَّات عدن بيده فلما تكاملتْ أغلقتْ فهي تفتح كل سحرٍ، فينظر اللهُ إليها فيقول:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} .

وأخرجَ ابن أبي الدُّنيا عن أنسٍ رضي الله عنه مرفوعًا: "خَلَقَ اللهُ جنةَ عدن بيده لبنة مِنْ درة بيضاء، ولبنة من ياقوتة حمراء، ولبنة من زبرجدة خضراء ملاطُها المسك وحصباؤها اللؤلؤ وحشيشها الزعفران. ثُمَّ قال لها: انطقي. قالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)}. فقال اللهُ عز وجل: وعزتي وجلالي لا يجاورني فيكِ بخيلِ" ثم تلا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2)[الحشر: 9] فهذه الجنَّة من الجنان كآدم في نوع الحيوان بجامع أنَّ كلًا منها خلقهُ اللهُ بيده جلَّ شأنه وتعالى سلطانُه.

قال في "حادي الأرواح": تأملْ هذه العناية كيف خصَّ الجنَّةَ التي غرسها بيديه لمن خلقه، ولأفضل ذريته اعتناء وتشريفًا وإظهار الفضل لما خلقه بيده على غيره (3). فهذا كلّه يدلُّ على أنَّ جنةَ عدن اسم لموضعٍ من الجنان مخصوص ويُطلق على جملةِ الجنات، إمَّا حقيقة

(1) أبو نعيم في "صفة الجنَّة"(18)، والطبراني في "تفسيره"(18/ 1).

(2)

أورده الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب"(1553)، (2192)، وعزاه المصنف لابن أبي الدُّنيا في صفة الجنَّة.

(3)

"حادي الأرواح" ص 156.

ص: 1003

لوجود الحقيقة وهي الإقامة والدوام والاستمرار، وإما مجازًا من بابِ إطلاقِ البعض على الكلِّ. هذا ما ظهرَ لي، واللهُ تعالى أَعْلم.

السابع من أسْماءِ الجنَّةِ: دار الحيوان قال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64] والمراد الجنة.

قال أهلُ التَّفسير: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ} يعني: الجنة {لَهِيَ الْحَيَوَانُ} هي: دارُ الحياةِ التي لا موتَ فيها.

قال أهلُ اللغةِ: الحيوان بمعنى: الحياة.

قال أبو عبيدة وابن قتيبة: الحياة: الحيوان.

وقال أبو عبيدة: الحياة والحيوان والحي بكسر الحاء واحد.

قال أبو على: يعني: إنَّها مصادر، فالحياة فعلة كالجبلة، والحيوان كالنزوان والغليان، والحي كالعي.

وقال أبو زيد: الحيوان ما فيه روح، والموتان والموات ما لا روح فيه والصَّواب: أن الحيوان يقع على ضربين: أحدهما: مصدر كما حكاه أبو عبيدة، والثَّاني: وصف كما حكاه أبو زيد.

فعلى قول أبي زيدٍ يكون المعنى أنها الدارُ التي لا تفنى ولا تنقطع ولا تبيد كما تفنى الأحياء في هذه الدَّارِ فهي أحق بهذا الاسمِ من الحيوان الذي يفنى ويموت والأول أظهر والله أعلم.

الثامن: الفردوس.

قال تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ

ص: 1004

{فِيهَا خَالِدُونَ (11)} [المؤمنون: 15 - 11] وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)} [الكهف: 107].

قال المحقق: والفردوس اسم يقال على جميعِ الجنةِ ويقال على أفضلها وأعلاها كأنّه ألحقَ بهذا الاسمِ من غيره من الجنات. وأصل الفردوسِ البستان والفراديس البساتين.

قال كعب: هو البستان الذي فيه الأعناب. وقال الليثُ: الفردوس جنة ذات كروم يُقال: كرم مفردس أي: معرش. وقال الضَّحَّاك: واختارَه المبرد أنَّها الجنَّة الملتفة بالأشجار. وقيل: إنَّه ليس بعربي وإنَّما هُوَ رومي ومعناه بالْعربيةِ: البستان قاله الزجاج وقال: حقيقته البستان الذي يجمع كلَّ ما يكون في البساتين.

قال حسَّان بن ثابت رضي الله عنه:

وإن ثوابَ اللهِ لكل مخلد

جنان من الفردوس فيها يخلد

التاسع: جنات النعيم

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8)} [لقمان: 8] وهو اسم جامع لجميع الجنات لمَا اشتملت عليه من النعيمِ المقيمِ.

العاشر: المقام الأمين.

قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)} [الدخان: 51] فالمقامُ موضعُ الإقامةِ والأمين الأمن من كلِّ سوءٍ ومكروه.

الحادي عشر والثَّاني عشر: مقعد الصدق وقدم الصدق

ص: 1005

قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} [القمر: 54، 55] فسمى الجنَّة مقعد صدق لحصول ما يراد من المقعد الحسن كما يقال: مودة صادقة إذا كانت ثابتةً وموضوعُ هذه اللفظة في كلامهم الصحة والكمال ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "الصدقُ يهدي إلى البرِ، والبرُ يهدي إلى الجنَّةِ"(1). ومنه الصدق في الحديثِ، والصدقُ في العملِ، والصديقُ الذي يصدق قوله بالعمل.

وفسر قدم الصدق بالجنَّةِ، وفسر بالأعمالِ التي تُنالُ بها الجنةُ، وفسر بالسابقة التي سبقت لهم من الله، وفسر بالرسول الذي على يده وهدايته نالوا ذلك. قال المحققُ: والتحقيق أنَّ الجميعَ حق فإنَّهم سبقتْ لهم مِنَ اللهِ السابقة بالأسبابِ التي قدَّرَها لهم على يدِ رسوله وادَّخرَ لهم جزاءها يومَ القيامةِ ولسانُ الصِّدقِ هو لسان الثناءِ الصادقِ بمحاسن الأفعال وجميلِ الطرائق وفي كونه لسان صدق إشارة إلى مطابقته للواقع، وأنَّه ثناءٌ بحق لا بباطل.

ومدخلُ الصِّدقِ، ومخرج الصدق هو المدخل والمخرج الذي يكون صاحبه فيه ضامنًا على اللهِ وهو دخوله وخروجه بالله ولله وهذه الدَّعوة مِنْ أنفع الدعاء للعبد فإنَّه لا يزال داخلًا في أمرٍ وخارجًا من آخر فمتى كان دخولُه للهِ وباللهِ وخروجه كذلك كان قَدْ ادخلَ مدخل صدقٍ وأخرج مخرج صدق. والله أعلم (2).

(1) رواه البُخاريّ (6094)، ومسلم (2607).

(2)

"حادي الأرواح" 143 - 147.

ص: 1006