الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس عشر فيمن يستحق لهذه الدار من الملل والأنفار
قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة: 25].
إلى غير ذلك من الآيات القرآنية والكلمات الربانية ومدارها على ثلاثة قواعد إيمان، وتقوى، وعمل خالص لله على موافقة السُّنة الغراء. فأهل هذه الثلاثة أصول هم أهل البشرى دون من سواهم من سائر الخلق لفًّا ونشرا وعليها دارت بشارات القرآن، وسنة سيد ولد عدنان وهي تجتمع في رجلين إخلاص في طاعة الله، وإحسان إلى خلقه. وضدها تجتمع في الذين يراءون، ويمنعون الماعون ويرجع ذلك إلى خصلة واحدة وهي موافقة الرب تعالى في محابه ولا طريق لذلك إلا بتحقيق القدوة ظاهرًا وباطنًا برسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا تتحقق القدوة به صلى الله عليه وسلم إلا باتباع ما جاء به من الآيات الصريحة، والأخبار الصحيحة أمرًا، ونهيًا، وإثباتًا، ونفيًا قولًا، وعملًا، وتقريرًا، وصفة وأمَّا الأعمال التي هي تفاصيل هذا الأصل فهي بضع وسبعون شعبة أعلاها: قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، وبينها سائر الشعب التي مدارها على تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم في كلّ ما أخبر به، وطاعته في جميع ما أمر به إيجابًا، واستحبابًا كالإيمان بأسماء الرب، وصفاته، وأفعاله من غير تحريفٍ، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل بل هو كما وصف به نفسه، وفوق ما وصفه به خلقه.
وها نحن نملي عليك جملة اعتقادنا موافقة لإمام السُّنة، وحليلها (1)، وصاحبها، وخليلها الإمام المبجل سيدنا الإمام أحمد بن محمد بن حنبل طيب الله ثراه لا تقليدًا له في ذلك إذ لا يجوز التقليد في العقائد وهل يجزئ أم لا؟ الحق يجزئ خلافًا لقوم قال في "شرح مختصر التحرير": ويحرم التقليد في معرفة الله سبحانه، وفي التوحيد، والرسالة عند الإمام أحمد، والأكثر. وذكره الإمام أبو الخطاب من أجلاء أصحابنا عن عامة العلماء وذكره غيره أنه قول الجمهور. وكذا لا يجوز في الأركان الخمس ونحوها مما ثبت بالتواتر.
وقال في "جمع الجوامع" اختلف في التقليد في أصول الدين: قال شارحه الجلال المحلي: فقال كثيرون، ورجحه الإمام الرازي،
(1) في (ب): جليلها.
والأسعدي (1): لا يجوز بل يجب النظر؛ لأنَّ المطلوب فيه اليقين. ثُمَّ قال: وقيل النظر فيه حرام؛ لأنه مظنة الوقوع في الشبه، والضلال. ثُمَّ قال: وعن الأشعري: لا يصح إيمان المقلد. قال الشارح وشنع أقوام عليه بأنه يلزمه تكفير العوام وهم غالب المؤمنين. ثُمَّ دفع التشنيع بأنه إن كان القليد أخذًا لقول الغير بغير حجة مع احتمال شك أو وهم بأنْ لا يجزم به فلا يكفي إيمان المقلد قطعًا، وإن كان التقليد أخذًا لقول الغير بغير حجة لكن جزمًا فيكفي إيمان المقلد عند الأشعري خلافًا لأبي هاشم من المعتزلة. وقال شارح المنتهى: انعقدَ الإجماعُ على وجوب معرفة الله ولا تحصل بتقليد لجواز كذب المخبر.
قلت: والصحيح المعتمد: أنه لا يجوز التقليد في أصول الدين لكن يجزئ حيث جزم بكلام من قلده وكان يصلح للتقليد جزمًا لا يتطرق إليه شك، ولا وهم، أو (2) تردد كما أخبرنا أستاذنا الشيخ حسن المصري قال: كان يحضرني رجل نجدي فكنا إذا تذاكرنا في أصول الدين يقول ذلك الرجل: قال لي أستاذنا الشيخ أبو المواهب: كذا. فيأتي بأدلة، وكلام المحققين فلا يلتفت إليه ويقول: كذا أخبرني أستاذي ولا أرجع عن ما أخبرني به أبدًا. فهذا جزم بما أخبره به أستاذه جزمًا لا يتطرق إليه أدنى وهم وعلى كلّ حالٍ النظر، والاستدلال واجب على فحول الرِّجال قال الله سبحانه:{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101] وفي صحيح ابن حبان لمَّا نزل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ
(1) في (ب): الأسدي.
(2)
في (ب): و.
وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} الآيات [آل عمران: 190 - 200]. قال صلى الله عليه وسلم: "ويل لمن قرأهن، ولم يتدبرهن ويل له ويل له"(1).
فالذي ندين الله به موافقة لأصحاب الحديث وما ذهبوا إليه في القديم والحديث الإقرار بالله سبحانه وتعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله، وما جاء من عند الله، وما رواه الثقات عن المعصوم صلى الله عليه وسلم لا نرد من ذلك شيئًا ولا نئَوِّل إلا ما أوله أصحابه صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة من علماء الآثار، وأن الله سبحانه إله واحد فرد صمد لم يتخذ صاحبه ولا ولدا، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، وأنَّ الجنة حق، والنار حق، {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)} ، وأنَّ جميع ما ورد من آيات الصفات سواء أكانت صفات ذات، أو صفات فعل نؤمن بها، ونمرها كما جاءت، ونعتمد ذلك مع جزمنا بعدم التشبيه والتمثيل، وأن {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، وأنا لا ندرك كنه حقيقة (2) ذات الله تعالى، وأنه لا يعلم ذلك إلا هو، وأن جميع الرسل حق جاءوا بالحق، وأنهم بلَّغوا ما أمروا بتبليغه، وأنهم معصومون من جميع الرذائل صلوات الله عليهم فنؤمن بجميع ما أخبر سبحانه لا كما يخطر في أوهام البشر:
سائلي عن عقيدتي أحسن الله ظنه
…
علم الله أنها شهد الله أنّه
(1) ابن حبان (620)، وعبد بن حميد كما في تفسير ابن كثير (2/ 164) وتخريج أحاديث الكشاف (1/ 260، 261)، وابن أبي الدنيا كما في تفسير ابن كثير (2/ 165).
(2)
ساقطة من (ب).
هذا اعتقادي ما حييت وإن أمت
…
فوصيتي ذاكم إلى إخوني
لا أنثني عن ذا ولا أبغي الهدي
…
في غير لا والذي هداني
يا مبتغي طرق السلامة إنني
…
بينتهما بالنّص خيرَ بياني
فاطرح كلام مشبه ومعطل
…
وانحو كلام مسلمٍ رباني
جاس الشريعة فاقتفي سنن الهدى
…
وأتى مقالة أحمد الشيباني
فعليه من ربّ العباد تحية
…
ما ناح مشتاق إلى الأوطان
ثمَّ الصلاة على النَّبيّ وآله
…
ما صاح شحرور على الأغصانِ
فنسأل الله بكتبه المنزلة، ورسله المرسلة، أن يتوفانا على الكتاب والسنة لا مغيرين ولا مبدلين بجاه سيد العالم، وخير بني آدم محمد صلى الله عليه وسلم (1): شِعر لمؤلفه
لكلِّ امرء عند الإله وسيلة
…
تنجيه في يوم الجزاء من عذابه
وما لي سوى ذلّي وفقري وفاقتي
…
وحسن رجائي وانكساري
ببابه عسى خالقي يمحو ذنوبي بمنه
…
ويقبضني متمسكًا بكتابهِ
(1) ومن التوسل الذي ليس بصحيح: أن يتوسل الإنسان بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن جاه الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس مفيدًا بالنسبة إلى الداعي؛ لأنه لا يفيد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، أما بالنسبة للداعي فليس بمفيد حتى يتوسل إلى الله به. والتوسل: اتخاذ الوسيلة الصالحة التي تثمر. فما فائدتك أنت من كون الرسول صلى الله عليه وسلم، له جاه عند الله؟! وإذا أردت أن تتوسل إلى الله على وجه صحيح فقل اللهم بإيماني بك وبرسولك، أو بمحبتي لرسولك وما أشبه ذلك فإن هذه الوسيلة الصحيح النافعة. قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} فقرن الوسيلة بتقواه فإذا كانت التقوى خالصة لله فلا بد أن تكون الوسيلة على مراد الله.