الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابع في ذكر طعام أهل النار وشرابهم وكسوتهم وثيابهم
أما طعامهم: فقال تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)} [الدخان: 43 - 46] وقال تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)} [الصافات: 62 - 65] الآيات وقال: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52)} [الواقعة: 51 - 52] الآيات وقال: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء: 65] وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 152] فقال صلى الله عليه وسلم: "لو أن قطرةً من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه"(1) رواه الترمذي والنّسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: "فكيف بمن ليس له طعام غيره" والحاكم (2) بلفظ: "والذي نفسي بيده لو أنّ قطرة من الزقوم قطرت في
(1) أخرجه أحمد 1/ 300 (2735)، وابن ماجه (4325)، والترمذي (2585).
(2)
الحاكم في "مستدركه" 2/ 451، كتاب: التفسير.
بحار الأرض لأفسدت أو قال لأمرّت على أهل الأرض معايشهم فكيف بمن يكون طعامه" وقال الحاكم على شرطهما وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وروي موقوفًا على ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال ابن إسحق: حدثني حكيم بن حكيم عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال أبو جهل: لمَّا ذكر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شجرةَ الزقوم: يا معشر قريش أتدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد؟ قالوا: لا، قال: عجوة يثرب بالزبد والله لإن استمكنا منها لنتزقمنها تزقما، فأنزل اللَّه:{إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)} الآية. أي: ليس كما يزعم وأنزلَ تعالى: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} الآية (1).
قال قتادة في قوله تعالى: {فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} قال: زادتهم تكذيبًا حين أخبرهم إن في النارِ شجرة فقالوا: يخبرهم أن في النار شجرة والنار تحرق الشجر فاخبرهم أنَّ غذاءها من النار (2).
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن شجرة الزقوم نابتة في أصل سقر. وقال الحسن: أصلها في قعر النار، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
وقد دلّ القرآن على أنَّ أهْلَ النارِ يأكلون من شجرة الزقوم حتَّى تمتلئ منها بطونهم فتغلي في بطونهم كما يغلي الحميم، وهو الماء الذي
(1)"سيرة" ابن إسحاق ص 192، الطبري 10/ 494.
(2)
"تفسير الطبري" 10/ 494.
قد انتهى حره ثم بعد أكلهم منها يشربون عليه من الحميم شرب الهيم أي: الإبل العطاش. قاله ابن عباس (1).
وقال السدي (2): هو داء يأخذ الإبل فلا تروى أبدًا حتَّى تموت فكذلك أهل جهنَّم لا يروون من الحميم أبدًا.
ودل قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67)} [الصافات: 67] على أنَّ الشوب من الحميم: يشاب به ما في بطونهم من الزقوم فيصير شوبا له، أي: يمزج به.
قال عطاء الخراساني: يخلط طعامهم ويساط بالحميم. وقال قتادة: مزاجا من حميم (3). وقال سعيد بن جبير: إذا جاعَ أهلُ النارِ استغاثوا فأغيثوا بشجرة الزقوم، فأكلوا منها فانسلخت وجوههم، حتَّى لو أن مارًّا مرَّ عليهم يعرفهم لعرف جلود وجوههم فإذا أكلوا منها القي عليهم العطش، فأغيثوا بماء كالمهل وهو الذي انتهى حرُّه.
وفي البغوي: المهل: دردي الزيت الأسود (4) فإذا أدنوه من أفواههم انضج حر الوجوه ويصهر به ما في بطونهم.
قال الواحدي في "تفسيره": روي عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّه قرأ هذه الآية، ثم قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الحميم ليصب على رؤوسهم فتنفذ الجمجمة حتَّى تخلص إلى جوف الكافر فيسلت ما في جوفه حتى يخرق قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما
(1)"تفسير القرطبي" 17/ 214 - 215.
(2)
المصدر السابق.
(3)
"تفسير الطبري" 10/ 495.
(4)
"تفسير البغوي" 7/ 236.
كان" (1). وهذا معنى قوله: يصهر به. أي: بذلك الحميم ما في بطونهم والجلود.
قال الواحدي: فسر الصهر بالإذابة والإحراق والإنضاج وهو قول المفسرين. قال ابن عباس في رواية عطاء: ينضج. وقال قتادة، ومجاهد: يذاب. قال الواحدي: والمعنى: أن أمعاءهم وشحومهم تذاب وتحرق بهذا الحميم وتنشوي جلودهم فتساقط من حرها. انتهى.
{وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)} [الحج: 21] يضربون بها فيسقط كلُّ عضوٍ على حياله يدعون بالثبور، ثم إنَّ مرجعهم بعد أكل الزقوم، وشرب الحميم لإلى الجحيم وهذا يدل على أنَّ الحميمَ خارج من الجحيم فهم يَرِدُوَنهُ كالإبل ترد الماء، ثم يُرَدُّونَ إلى الجحيم ويدل على هذا أيضًا قوله تعالى:{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44)} [الرحمن: 44]. الحميم: دون النار فيؤخذ العبد بناصيته فيحرك في ذلك الحميم حتَّى يذوب اللحم ويبقى العظم، والعينان في الرأسِ ويدل لهذا قوله سبحانه:{يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)} [غافر: 72 - 71]{إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)} [المزمل: 12، 13] وقال تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)} [الغاشية: 6، 7].
(1) أخرجه أحمد 2/ 374 (8864)، والترمذي (2582)، وقال الترمذي حسن صحيح غريب، والحاكم في "المستدرك" 2/ 387 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
أخرجَ الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} قال: شوك يأخذ بالحلق لا يدخل ولا يخرج (1).
وعنه، وعن على بن أبي طالب رضي الله عنهما في قوله تعالى:{مِنْ ضَرِيعٍ} قال: شجر في النار. وقال مجاهد: الضريع الشبرق نبت ذو شوك يأخذ بالحلق لا يدخل ولا يخرج.
وعنه: إنه إذا يبس يسمى ضريعا. قال قتادة: من أضرع الطعام. وفي البغوي عن مجاهد، وعكرمة، وقتادة: إن الضريع نبت ذو شوك لا طيء بالأرض تسميه قريش الشبرق فإذا هاج سموها الضريع وهو أخبث طعام، وأبشعه، وهو رواية العوفي عن ابن عباس.
قال الكلبي: لا تقر به دابة إذا يبس. قال ابن زيد: أما في الدُّنيا فإنَّ الضريع الشوك اليابس الذي ليس له ورق وهو في الآخرة شوك من نار.
قال البغوي: وجاء في الحديث عن ابن عباس: الضريع شيء في النار شبه الشوك أمرّ من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأشد حرًا من النار. انتهى.
وقيل: هو الزقوم وقال سعيد بن جبير: من ضريع أي: من حجارة.
(1) أخرجه الطبري في "تفسيره" 29/ 135، صفة النار لابن أبي الدنيا (83).
وأخرجَ الترمذي عن أبي الدرداء مرفوعًا: "يلقى على أهل النارِ الجوع فيعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع، فيستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام ذي غصة فيذكرون أنَّهم كانوا يجيزون الغصص في الدُّنيا بالشراب، فيستغيثون بالشراب فيرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد، فإذا دنت من وجوههم شويت وجوههم فإذا وصلت إلى بطونهم قطعتها"(1) وذكر بقية الحديث.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في غسلين أنه صديد أهل النار، وعنه أن الغسلين الدم والماء يسيل من لحومهم وهو طعامهم.
وأخرج أبو نعيم عن كعب أنَّه قال: لو أدلى من غسلين دلو واحد في مطلع الشمس لغلت منه جماجمُ قومٍ في مغربها.
وأخرجَ ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: ما أدري ما الغسلين ولكني أظنه الزقوم. وعلى القول الأول مأخوذ من الغسل كأنَّه غسالة فروجهم، وجروحهم، وقروحهم.
وقال الحسن: إن الضريع الزقوم والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم. قال أبو عمران الجوني: بلغني أنَّ ابن آدم لا ينهش منها إلا نهشت منه مثلها والله تعالى أعلم.
(1) أخرجه الترمذي (2586)، صفة النار لابن أبي الدنيا (84).