الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه ثمَّ يقول: حس يا أحنف ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا وكذا؟ (1)
وخرج ابن أبي الدُّنيا مرسلًا قال: انطلق رجل ذات يومٍ فنزع ثيابه، وتمرغ في الرمضاء وهو يقول لنفسه: ذوقي نار جهنم أشد حرًا. أنت جيفة بالليل، وبطالة بالنهار فبينا هو كذلك إذ أبصر النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة فأتاه فقال: غلبتني نفسي. فقال له النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "ألم يكن لك بد من الذي صنعت؟ لقد فتحت لك أبواب السماء، ولقد باهى اللَّه بك الملائكة". وخرج الطبراني نحوه عن بريدة موصولًا قال الحافظ: وفي إسناده من لا يعرف حاله (2).
فصل
ومن الخائفين من منعه خوف جهنم من النَّوم قال أسد بن وداعة: كان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنَّه حبة على مِقْلَى، فيقول: اللهم إن ذكر جهنم لا يدعني أنام. فيقوم إلى مصلاه.
وقال أبو سليمان الداراني: كان طاووس يفترش فراشه ثُمَّ يضطجع عليه فيتقلى عليه كما تتقلى الحبة على المقلى، ثُمَّ يثب فيدرجه، ويستقبل القبلة حتى الصباح، ويقول: ذكر جهنم طير نوم العابدين.
(1) المصدر السابق ص 36.
(2)
انظر "التخويف من النار" ص 37.
وكان عامر بن عبد اللَّه يقول: ما رأيت مثل الجنَّة نام طالبها، وما رأيت مثل النَّار نام هاربها. فكان إذا جاء الليلُ قال: أذهب حر النَّار النومَ فما ينام حتى يصبح، وإذا جاء النَّهار قال: أذهب حر النَّار النوم. فما ينام حتى يمسي، وكان يتلوى كما يتلوى الحب في المقلى، ثم يقوم فينادي: اللهم إن النَّار قد منعتني النوم فاغفر لي. وقيل له: مالك لا تنام؟ قال: إن ذكر جهنم لا يدعني أنام.
وأمر لبعض العبّاد بمائة ألف درهم فأبى أن يقبلها، وقال: ذكر جهنم أذهب حلاوة الدُّنيا من قلبي (1).
وما كان سفيان الثوري ينام إلا أوّل الليل، ثُمَّ يستيقظ فزعًا مرعوبًا ينادي النَّار النَّار شغلني ذكر النَّار عن النوم، والشهوات ثُمَّ يتوضأ، ويقول على أثر وضوءه: اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم، ولا أطلب إلا فكاك رقبتي من النَّار وفي هذا يقول الإمام الكبير عبد اللَّه بن المبارك رضي الله عنه:
وإذا ما الليل أظلم كابدوه
…
فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا
…
وأهل الأمن في الدُّنيا هجوع
وقال أيضًا:
وما فرشهم إلا أيامن أزرهم
…
وما وسدهم إلا ملأ وأذرع
وما ليلهم فيهن إلا تخوّف
…
وما نومهم إلا عشاش مروع
وألوانهم صفر كأنَّ وجوههم
…
عليها جساد طلي بالورس مشبع
(1) صفة النار لابن أبي الدنيا (198).
نواحل قد أزري بها الجهد والسرى
…
إلى اللَّه في الظلماء والناس هجع
ويبكون أحيانًا كأن عجيجهم
…
إذا نوم الناس الحنين المرجع
ومجلس ذكر فيهم قد شهدته
…
فأعينهم من رهبة الله تدمع
ومنهم من منعه خوف النار الضحك: قيل لسعد بن حبيب: إنك لم تضحك قط. قال: كيف أضحك وجهنم قد سعرت، والأغلال قد نصبت، والزبانية قد أعدت؟! وكان جماعة من السلف قد عاهدوا اللَّه أن لا يضحكوا أبدًا حتى يعلموا مصيرهم إلى الجنَّة أم النَّار.
وسئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما كانت صحف موسى؟ قال: "كانت عبرًا كلها فيها: عجبت لمن أيقن الموت، وهو يفرح، وعجبت لمن أيقن بالنَّار وهو يضحك"(1). الحديث خرجه ابن حبان في صحيحه وغيره.
ومنهم من حدث به من خوف النار مرض. ومنهم من مات من ذلك وكان الحسن يقول في وصف الخائفين: قد أبرأهم الخوف فهم أمثال الفراخ ينظر إليها الناظر فيقول: مرضى وما هم بمرضى. ويقول قد خولطوا وقد خالط القوم من ذكر الآخرة أمر عظيم وسمع الإمام عمر رضي الله عنه رجلًا يتهجد في الليل، ويقرأ سورة الطور فلمَّا بلغ إلى قوله تعالى:{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)} [الطور: 7، 8] قال عمر: قسم ورب الكعبة حقٌّ ثُم رجع إلى منزله فمرض شهرًا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه.
(1) رواه ابن حبان 2/ 361 في كتاب: البر والإحسان، باب: ما جاء في الطاعات وثوابها.
وكان جماعة من عباد البصرة مرضوا من الخوف، ولزموا منازلهم كالعلاء بن زياد، وعطاء السلمي وكان عطاء قد صار صاحب فراشٍ عدة سنين. يرون أن بدو مرض عمر بن عبد العزيز الذي مات فيه من الخوف.
وأخرج الإمام أحمد (1) رضي الله عنه أن شابًا من الأنصار رضي الله عنهم دخل خوف النَّار قلبه فجلس في البيت فأتاه النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فقام فاعتنقه فشهق شهقة خرجت نفسه. فقال النَّبيّ (2) صلى الله عليه وسلم: "جهزوا صاحبكم فلذ خوف النار كبده" ورواه ابن أبي الدُّنيا وزاد فيه: "والذي نفسي بيده لقد أعاذه اللَّه منها من رجاء أشياء طلبه ومن خاف شيئًا هرب منه" وهذا متصل وسند الإمام أحمد مرسل وهو أصح كما قال الحافظ رحمه الله.
وأخرج أبو نعيم، وابن أبي الدُّنيا، وغيرهما قصة منصور بن عمار مع الذي مرّ به في الكوفة ليلًا وهو يناجي ربه فتلا منصور هذه الآية:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] الآية. قال منصور: فسمعت دكدكة لم أسمع بعدها حسًّا، ومضيت، فلمَّا كان من الغد رجعت فإذا جنازة قد أخرجت، وإذا عجوز فسألتها عن أمر الميت ولم تكن عرفتني فقالت: هذا رجل لا جزاه اللَّه خيرًا إلا ما جزاه مرّ بابني البارحة وهو قائم
(1) رواه أحمد في "الزهد" ص 474.
(2)
البيهقي في "شعب الإيمان" 1/ 530 (936) باب الخوف من الله تعالى.