الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في أصناف أهل الجنة الذين ضمنت لهم دون غيرهم
قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} إلى قوله: {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 133 - 136] أخبر سبحانه أنَّه أعدها للمتقين دون غيرهم، ثم ذكر أوصافَ المتقين فذكر بذلهم للإحسانِ في حالتي العسر والشدة، والرخاء والسعة، وكف أذاهم للناس بحبس الغيظِ بالكظم وحبس الانتقام إلى آخر الأوصافِ.
وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة: 100] فأخبرَ أنَّه تعالى أعدَّها للِمهاجرين الذين هجروا أوطانهم ابتغاء مرضاته تعالى، ونصرًا لنبيّه والأنصار الذين بذلوا جهدهم في نصر نبيه ودينه، وأتباعهم أي: ومَنْ نحا نحوهم، واقتفى أثرهم.
وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ
رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال: 2 - 4] فوصفهم بإقامة حقه ظاهرًا وباطنًا، وبأداء حق عباده.
وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لمَّا كانَ يومُ خيبر أقبل نفرٌ مِنْ صحابةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم فقَالوا: فلانٌ شهيد، وفلان شهيد حَتَّى مَرُّوا على رجل فقالوا: فلان شهيدٌ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كلا إني رأيته في النارِ في بردة غَلَّهَا أو عباءةٍ" ثمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ابن الخطاب اذهبْ فنادِ في الناسِ أنَّه لا يدخلُ الجنَّة إلا المؤمنون"(1) قال: فخرجتُ فناديت أنَّه لا يدخل الجنَّةَ إلا المؤمنون. وفي البخاري معناه، وفي الصحيحين (2) عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمر بلالًا ينادي في الناسِ أنه لا يدخَل الجنة إلا نفس مسلمة وفي لفظ "مؤمنة".
وأخرج مسلم (3) عن عياض بن حمار المجاشعي أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال ذات يومٍ في خطبته: "ألا إنَّ ربِّي أمرني أنْ أعلمكمْ مَا جهلتم ممَّا عَلَّمني يَوْمي هذا كُل مالٍ نَحلْتَهُ عبدًا حلالٌ وإنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُم، وإنّهم أَتَتْهم الشَّياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحَرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتهم أنْ يشركوا بي ما لم أنزلْ به سلطانا.
وإنَّ اللهَ نظر إلى أهلِ الأرضِ فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتابِ وقال: إنَّما بعثتك لأبتليكَ وأبتلي بكَ، وأنزلتُ عليكَ كتابًا لا يغسله الماء تقرؤه نائمًا ويقظانَ وإنَّ اللهَ أمرني أنْ أُحَرِّقَ قريشًا
(1) رواه مسلم (114).
(2)
البخاري (1448)، ومسلم (111).
(3)
مسلم (2865).
فقلت: ربِّ اذًا يَثْلَغُوا رأسي فيدعوه خبزةً قال: استخرجهم كما استخرجوك (1)، واغزهم نُغْزِكَ، وأنفق فننفق عليكَ، وابعثْ جيشا نبعثْ خمسةً مثله، وقاتلْ بمَنْ أطاعك مَنْ عصاك.
قال: وأهل الجنةِ ثلاثةٌ: ذو سلطانِ مقسطٌ متصدق موفق، ورجل رحيئمٌ رقيقُ القلبِ لكلِّ ذي قربى ومسلم، وعفيفٌ متعفف ذو عيال وأهل النار خمسة (2): الضعيفُ الذي لا زَبْرَ لهُ الذين هم فيكم تبعًا لا يبغون أهلًا ولا مالًا، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دقَّ إلا خانه، ورجلٌ لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعكَ عن أهلك ومالك وذكر البخلَ والكذب والشنظير (3) الفحَّاش وإنَّ الله أوحى إليَّ أنْ تواضعوا حَتَّى لا يفخر أحدكم على أحدٍ، ولا يبغي أحدٌ على أحد" (4).
وأخرجَ البخاري، ومسلم عن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبرِكم بأهل الجنة؟ كلُّ ضعيف (5)
(1) هَذَا ما جاء في صحيح مسلم (استخرجوك) 4/ 2197 (2865) وفي (أ)، (ب)(أخرجوك).
(2)
ورد في هامش الأصل: وسيأتي تفسير ما خفي من هؤلاء الخمسة في صفة أهل النار. أهـ.
(3)
ورد في هامش الأصل: الشنظير: سيء الخلق.
(4)
رواه مسلم (2865).
(5)
ورد في هامش. الأصل: أي: عن أذى الناس، أو عن المعاصي، متضعف: بفتح العين أي: يستضعفه الناس لرثاثة حاله وخموله أهـ.
متضغَّف لو أقسم على الله لأبرّه (1). ألا أخبركم بأهْلِ النَّارِ؟ كل عتل (2) جوّاظ مستكبر" (3). وأخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: "إنَّ أهل النار كل جعظري جوّاظ مستكبر جماع مناع، وأهل الجنة الضِعفاء (4) المغلوبون" (5). قوله:"جعظري" بالجيم والعين المهملة والظاء المعجمة الغليظ (6)، والجوّاظ: هو الجموع المنوع والله أعلم.
(1) ورد في هامش الأصل: أي: لو حلف يمينًا عَلىَ أن الله يفعل كذا أو لا يفعل جاء الأمر فيه عَلىَ ما يوافق يمينه أهـ.
(2)
ورد في هامش الأصل: الجافي الغليظ.
(3)
رواه البخاري (4918)، ومسلم (2853).
(4)
ورد في هامش الأصل: قوله: الضعفاء أي: الخاضعون المتواضعون المغلوبون أي: الذين كثيرًا ما يغلبهم الناس.
(5)
رواه أحمد 2/ 214. ذكره في "حادي الأرواح" (171 - 175).
(6)
ورد في هامش الأصل: قوله: الغليظ أي: غليظ القلب قاسية، سيء الخلق، متكبر، أو جسيم عظيم، أكول شروب، والجواظ: الضخم المختال في مشيته، أو الصيَّاح المهذار أهـ.