الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب العاشر في ذكر خدم أهل الجنَّة، وغلمانهم، ونسائهم، وسراريهم، والمادة التي خلق منها الحور العين، ونكاحهم، وهل في الجنَّة ولد أم لا
؟
أمَّا خدمهم، وغلمانهم فقال تعالى:{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)} [الطور: 24]، وقال:{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)} [الإنسان: 19].
قال أبو عبيدة، والفراء، مخلدون: لا يهرمون، ولا يتغيرون. وقال آخرون: مخلدون مقرطون مسورون أي: في آذانهم القرطة، وفي أيديهم الأساور، والخلد القرطة، ومنه قول الشاعر:
ومخلدات باللجين كانَّما
…
أعجازهن رواكد الكثبان
وجمعت طائفة بأنَّهم لا يعرض لهم الكبر، والهرم، وفي آذانهم القرطة، وشبههم سبحانه وتعالى باللؤلؤ المنثور لما فيه مِنَ البياضِ، وحسن الخلقة، وفي كونه منثورًا فائدتان: الدلالة على أنَّهم غيرُ معطلين بل مبثوثون في خدمتهم.
والثانية: إنَّ اللؤلؤ إذا كان مَنثُورًا ولاسيما على بسط من ذهبٍ أو حرير، كان أحسن، وأبهى من كونه مجموعًا.
واختلف العلماء في هؤلاء الغلمان، فقال (1) علي كرَّم الله وجهه، والحسنُ البصري: هم أولاد المسلمينَ الذين يموتون ولا حسنة لهم، ولا سيئة يكونون خدمًا لأهل الجنَّةِ إذ الجنَّة لا ولادة فيها، وبعضهم قال: هم أولاد المشركين يجعلهم الله خدمًا لأهل الجنَّة، واستدلَّ هؤلاء بقول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"سألت ربي اللاهين من ذرية البشرِ أن لا يعذبهم، فأعطانيهم، فهم خدمُ أهل الجنَّة"(2). يعني: الأطفال، رواه يعقوب بنُ عبد الرحمن القاري، وعبد العزيز بن الماجشون، وفضيل ابن سليمان قال في "حادي الأرواح" (3): وطرقه ضَعيفة ففيه يزيد واهٍ، وفضيل بن سليمان متكلم فيه وعبد الرحمن بن إسحق ضعيف قال ابن قتيبة: واللاهون: من لهيت عن الشيء إذا غفلت عنه، وليست من لهوت.
وقيل: هم غلمان، أنشأهم الله في الجنَّة إنشاءً كما أنشأ الحور العين، وولدان أهل الدُّنيا يكونون يومئذ أبناء ثلاث وثلاثين سنة، لقوله صلى الله عليه وسلم:"مَن مات مِن أهل الجنَّةِ من صغيرٍ أو كبير، يردون بني ثلاثين سنة في الجنَّة لا يزيدون عليها أبدًا، وكذلك أهل النار"(4). رواه
(1) في (ب): الإمام.
(2)
رواه أبو يعلى 6/ 267 (3570)، 6/ 316 (3636)، و 7/ 138 (4101 - 4102). ورواه الطبراني في "الأوسط" 6/ 111 (5957). والضياء في "المتارة" 7/ 201 - 202 (2639). والحديث صححه الألباني في "الصحيحة" 4/ 502 (1881).
(3)
"حادي الأرواح" ص 310.
(4)
رواه الترمذي (2562) في كتاب صفة الجنَّة، باب: ما جاء ما لأدنى أهل الجنَّة من الكرامة.
الترمذي من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، واختار هذا القول في "حادي الأرواح" (1) واستدل له بقوله تعالى:{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)} [الطور: 24]، وهؤلاء غيرُ أولادهم فإن من تمام كرامة الله لهمْ أنْ يجعل أبنائهم مخدومين معهم لا غلمانًا لهم.
وفي حديث أنس رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أوَّل النَّاس خروجًا إذا بعثوا"(2). وفيه: "ويطوف عليَّ ألف خادم كأنَّهم لؤلؤ مكنون" والمكنون: هو المستور الذي لم تبتذله الأيادي.
والحاصل أن الولدان من جنس الحور العين، وليسوا من ذريةِ آدم على الصحيح المعتمد. قال قتادة: ذكر لنا أن رجلًا قال للنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)} [الإنسان: 19] هذا الخادم فكيف المخدوم؟ قال: "والذي نَفسي بيده إن فضلَ المخدومِ على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب" حكاه مكي.
وأخرج ابن المبارك، والبيهقي عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال:"إن أدنى أهل الجنَّةِ منزلًا من يسعى عليه ألفُ خادمٍ كلّ خادمٍ على عملٍ ليس عليه صاحبه" وتلا قوله تعالى {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا} [الإنسان: 19](3).
وأخرج ابن أبي الدُّنيا عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا قال: "إن
(1)"حادي الأرواح" ص 311.
(2)
رواه الترمذي (3610) في كتاب المناقب، باب: ما جاء في فضل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا حديث حسن غريب.
(3)
رواه البيهقي في "البعث والنشور" ص: 207 (412)، ابن المبارك (1580).