الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحديث غير ثابت؛ لأنَّ فيه أحمد بن عدي، قال في حقه البخاري: منكر الحديث. وفي "حادي الأرواح"(1) عامة أحاديث أحمد هذا غير محفوظه، وبالجملة فهو من الضعفاء. وقال النسائي: متروك. وقال أبو حاتم: لا يشتغل به، ثُمَّ أخرج له عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"إن في الجنَّة نهرًا يقال له البيذخ عليه قباب من ياقوت تحته جوارٍ، يقول أهل الجنَّةِ: انطلقوا بنا إلى البيذخ فيتصفحون تلك الجواري، فإذا أعجب رجلًا منهم جارية مس معصمها فتتبعه"(2) فهذا من جملة مروياته المستنكرات عليه والله الموفق.
فصل
وأمَّا عيون الجنَّة فقد قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15)} [الذاريات: 15]. وقال: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)} [الإنسان: 5، 6].
قال بعض السلف معهم قضبان الذهب حيثما مالوا مالت معهم وقد اختلف في قوله تعالى: {يَشْرَبُ بِهَا} فقال الكوفيون الباء بمعنى منْ أي: يشرب منها. وقال آخرون: بل الفعل مضمن، ومعنى يشرب بها أي: يروى بها، فلما ضمَّنه معناه عداه تعديته. قال في "حادي الأرواح" (3): وهذا أصح، وألطف، وأبلغ. وقالت طائفة: الباء
(1)"حادي الأرواح" ص 264.
(2)
سيأتي ضبط لهذا الحرف ص 1122، انظر ص 331.
(3)
"حادي الأرواح" ص 264، 265.
للظرفية، والعين اسم للمكان كما تقول كنا بمكان كذا وكذا ونظير هذا التضمن قوله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [الحج: 25] أي يهم فعدي تعديته.
وقال تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)} [الإنسان: 17، 18] فأخبر سبحانه عن العين التي يشرب بها المقربون صرفا، وأن شراب الأبرار يمزج منها؛ لأنَّ أولئك أخلصوا الأعمال كلها فأخلص شرابهم، وهؤلاء مزجوا فمزج شرابها، ونظير هذا قوله تعالى:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)} [المطففين: 22 - 28]. فأخبر سبحانه أن مزاج شرابهم بشيئين بالكافور في أولِ السورة، والزنجبيل في آخرها، فإن في الكافور من البرد وطيب الرائحة، وفي الزنجبيل من الحرارة وطيب الرائحة ما يحدث لهم باجتماع الشرابين، ومجيء أحدهما على أثر الآخر حالة أخرى أكمل وأطيب وألذ من كلّ واحد منهما بانفراده، وتعدل كيفية كلّ منهما بكيفية الآخر، وما ألطف موقع ذكر الكافور في أول السورة، والزنجبيل في آخرها فإنَّ شرابهم مزج أولاً بالكافور وفيه من البرد ما يجيء الزنجبيل بعده فيعدله، والظاهر أن الكأس الثاني غير الأولى وأنهما نوعان لذيذان من الشراب أحدهما: مزج بكافور، والثاني: مزج بزنجبيل.
وأيضًا فإنه سبحانه أخبر عن مزج شرابهم بالكافور وبرد في مقابلة ما وصفهم به من حرارة الخوف، والإيثار، والصبر، والوفاء بجميع الواجبات التي نبه بوفائهم بأضعفها، وهو ما أوجبوه على أنفسهم بالنذر على الوفاء بأعلاها، وهو ما أوجبه الله عليهم، ولهذا قال:{وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)} [الإنسان: 12] فإنَّ الصبر من الخشونة وحبس النفس عن شهواتها ما اقتضى أن يكون في جزائهم من سعةِ الجنَّة، ونعومة الحرير ما يقابل ذلك الحبس والخشونه، وجمع لهم تعالى بين النضرة والسرور، فهذا جمال ظواهرهم، وهذا جمال بواطنهم، كما جملوا ظواهرهم في الدنيا بشرائع الإسلام، وبواطنهم بحقائق الإيمان.
ونظيره قوله تعالى في آخر السورة: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 21]: فهذا زينة الظاهر، ثُمَّ قال:{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21]. فهذا زينة الباطن المطهر له من كلّ أذى ونقص.
ونظير هذا قوله تعالى لأبيهم آدم: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)} [طه: 118، 119] فضمن له أن لا يصيبه ذل الباطن بالجوع، ولا ذل الظاهر بالعري، وأن لا يناله حَرّ الباطن بالظماء، ولا حر الظاهر بالضحى، والضح: هو الحر، ومنه حديث: "لا يقعدن أحدكم بين الضح والظل فإنَّه مقعد