الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل وأما حجارتها
فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] وقال: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24] قال بعض المفسرين: هي حجارة الأصنام التي عبدت من دون اللَّه واستشهد لهذا بقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)} [الأنبياء: 98 - 99].
وأخرج ابن أبي الدنيا عن محمد بن هاشم قال: لما نزلت هذه الآية {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] قرأها النبي صلى الله عليه وسلم فسمعها شاب إلى جنبه فصعق فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأسه في حجره رحمة له، فمكث ما شاء اللَّه أن يمكث ثم فتح عينيه، فقال: بأبي أنت وأمي مثل أي شيء الحجر، قال:"أما يكفيك ما أصابك على أن الحجر الواحد منها لو وضع على جبال الدنيا لذابت منه، وإنَّ مع كل إنسان حجرًا وشيطانًا"(1).
(1) التخويف من النار ص 132، كما أورده المنذري في "الترغيب والترهيب" 4/ 257 الرقة لابن قدامة (120) رقم (136).
وفيه عباد قال أبو حاتم: صدوق في حديثه إنكار أخرجه البخاري في "الضعفاء"(1) وأكثر المفسرين على أن المراد بالحجارة في الآيتين: حجارة الكبريت توقد بها النار.
قال الحافظ ابن رجب (2): ويقال إن فيها خمسة أنواع من العذاب ليس في غيرها من الحجارة: سرعةُ الإيقاد ونتن الرائحة، وكثرة الدخان، وشدة الالتصاق بالأبدان، وقوة حرها إذا حميت.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} قال: هي حجارة الكبريت خلقها الله يوم خلق السماوات والأرض في السماء الدنيا يعدها للكافرين (3)، وقال مجاهد: حجارة من كبريت أنتن من الجيف، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إنها من كبريت أسود.
وخرج الحاكم في "المستدرك"(4) عن عبد اللَّه بن عمرٍو رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن الأرضين سبع بين كل أرض إلى التي تليها مسيرة خمسمائة سنة، فالعليا: منها على ظهر حوت قد التقى طرفاه في السماء، والحوت على صخرة والصخرة بيد ملك، والثانية: مسخر الريح فلما أراد اللَّه أن يهلك عادًا أمر خازن الريح أن يرسل
(1) الجرح والتعديل (6/ 84) الضعفاء (227).
(2)
"التخويف من النار" ص 133.
(3)
ابن جرير (1/ 131) الحاكم (2/ 261، 494) الطبراني في الكبير (9/ 238) ابن أبي حاتم (1/ 64) أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة النار"(231).
(4)
"المستدرك" 4/ 594 وصححه الحاكم وقال الذهبي: منكر.
عليهم ريحًا تهلك عادًا قال: يا رب أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور، قال له الجبار تبارك وتعالى: إذًا تكفئ الأرض من عليها، أي: تقلبها وهو بالهمز ولكن أرسِل عليهم بقدر خاتم فهي التي قال اللَّه في كتابه: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)} [الذاريات: 42] والثالثة: فيها حجارة جهنم، والرابعة: فيها كبريت جهنم قالوا: يا رسول الله ألنار جهنم كبريت؟! قال: "نعم والذي نفسي بيده إن فيها لأوديةً من كبريت لو أرسل فيها الجبال الرواسي لماعت، والخامسة: فيها حيات جهنم إن أفواهها كأودية تلسعُ الكافر اللسعةَ فلا يبقى منه لحم على وَضَم أي: بفتح الواو والضاد المعجمة كل شيء يوضع عليه اللحم -والمراد هنا لا يبقى منه لحم إلا سقط عن موضعه قاله الحافظ المنذري- والسادسة: فيها عقارب جهنم إن أدنى عقرب منها كالبغال المؤكفة تضرب الكافر ضربة تنسبه ضربتها حر جهنم والسابعة: سقر وفيها إبليس مصفد بالحديد يدٌ أمامة ويدٌ خلفه فإذا أراد الله أن يطلقه لما يشاء من عباده أطلقه.
قال الحاكم: تفرد به أبو السمح وقد ذكرت عدالته بنص الإمام يحيى بن معين والحديث صحيح ولم يخرجاه قال الحافظ المنذري (1): أبو السمح هو دراج وفي متنه نكارة واللَّه تعالى أعلم.
وقال بعض متأخري الحفاظ: هو حديث منكر وفيه عبد الله بن عياش القيتاني ضعفه أبو داود وعند مسلم أنه ثقة ودراج كثير المناكير
(1) الترغيب والترهيب (4/ 475).
ذكره الحافظ ابن رجب في "التخويف"(1) ثم قَالَ: قلت: رفعه منكر جدًا ولعله موقوف وغلط بعضهم فرفعه وروى عطاء بن يسار عن كعب من قوله نحو هذا الكلام أيضًا انتهى.
قلت: وأخرج نحوه أبو الشيخ عن حسان بن عطية (2) وهو في كتب القصاص من جملة الإسرائيليات ففي الإسرائيليات أن اسم الأرض الأولى: الرمكا وتحتها الريح العقيم زمت بسبعين ألف زمام من حديد وُكِّل بكل زمامٍ سبعون ألف ملك وبها أهلك اللَّه قوم عاد وبها ينسفُ اللَّه تعالى يوم القيامة الجبال والتلال. والثانية: تسمى جلدة وهي من حديد وجعل اللَّه سكانها عقارب أهل النار. والثالثة: تسمى عرفة وأسكنها اللَّه أصناف العذاب لأهل النار لا يقدر أحد على وصفه. والرابعة: الجدبا وأسكنها اللَّه سبحانه حيات أهل النار نسأله سبحانه العافية، والخامسة: قلتا وأسكنها اللَّه سبحانه الكبريت والحجارة التي أعدت لأهل النار، والسادسة: سجينا وجعل اللَّه عزَّ شأنه فيها دواوين أهل النار، والسابعة: عجيبا وأسكن الله سبحانه إبليس في وسطها وجنوده حافة به وهو فيها محبوس موثوق وأرواح الفجار عند إبليس في وسطها حجاب من ظلمة في إحدى جانبيه باب إلى سقر وهناك عرش إبليس قيل فما تحت ذلك يا روح الله قال: هواء وظلمة وما لا يعلم به أحد إلا اللَّه تعالى.
اللَّه سبحانه وتعالى أعلم بصحة هذا وعدمه.
(1) ص 133 - 135.
(2)
حسان بن عطية المحارب مولاهم أبو بكر الدمشقي ثقة عابد مات بعد العشرين ومائة ترجمته في تهذيب التهذيب (2/ 251).