الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث عشر في أن الجنَّة فوق ما يخطر بالبال، ويتوهمه الخيال، أو يدور في الخلد، وفوق ما يصف كلّ أحد كيف؟ وموضع سوط منها خير من الدُّنيا وما فيها
.
وقال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً} [السجدة: 17].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر". مصداق ذلك في كتاب الله عز وجل: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1).
وفي صحيح البخاري عن سهل بن سعد مرفوعا: "موضع سوط في الجنَّة خير من الدُّنيا وما فيها"(2). رواه الإمام أحمد من حديث أبي
(1) رواه البخاري (3244) في بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، وانظر (4779) كتاب التفسير، باب: قوله {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} . ومسلم (2824) في الجنة وصفة نعيمها وأهلها.
(2)
رواه البخاري (3250) في بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة.
هريرة رضي الله عنه بلفظ: "لقيد سوط أحدكم من الجنَّة خير ممَّا بين السَّماء والأرض"(1) وإسناده على شرطهما. ومعنى قيد: قدر.
وفي الباب عن أنس، وأبي سعيد، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وغيرهم رضي الله عنهم: وإنَّما كانَ موضع سوط في الجنَّة خيرًا من الدُّنيا وما فيها؛ لكونه لا يفنى، ولا يبيد، ولا يشوبه هم، ولا حزن، ولا تنكيد مع رضى الملك المجيد، وقرة العين بخلاف الدُّنيا بحذافيرها فإنَّها مشوبة بالأوصابِ وحلوها صاب. والله أعلم بالصواب.
قال في "حادي الأرواح"(2): وكيف يقدر قدر دارٍ غرسها الله بيده، وجعلها مقّرًا لأحبابه، وملأها من كرامته ورحمته ورضوانه، ووصفَ نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميعَ الخير بحذافيره، وطهرها من كلّ عيب وآفة ونقص فأرضها الزعفران، وتربتها المسك، وسقفها عرش الرحمن، وملاطها المسك الأذفر، وحصاؤها اللؤلؤ والجوهر، وبناؤها لبنة من فضة وأخرى من ذهب، وساقات شجرها الذهب الأحمر والفضة لا من الخشب، وثمرها كالقلال ألين من الزبد وأحلى من العسل، وورقها من أحسن ما يكون من رقائق الحللِ، وأنهارها من لبن لم يتغير طعمه وخمر لذة للشاربين ومن عسل مصفى وماء غير آسن، وطعام أهلها فاكهة ممَّا يتخيرون
(1) رواه أحمد 2/ 315. حديث أنس (3/ 132)، أبي سعيد هناد في "الزهد" (5).
(2)
"حادي الأرواح" 396، 397.
ولحم طيرِ مما يشتهون، وشرابهم التسنيم والزنجبيل والكافور، وآنيتهم الذهب والفضة والقوارير، وسعة أبوابها مسيرة أربعين عامًا بين المصراعين مع لذة ما يسمعون من كلام رب العالمين، ولباسهم الحرير، وحليتهم الذهب والفضة، وأنواع المعادن من الياقوت والمرجان، وعلى رؤسهم كالملوك التيجان، وأهلها أبناء ثلاث وثلاثين على صورة آدم أبي البشر، ووجوههم أنور من القمر، وأزواجهم الكواعب الأتراب التي جرى في أعضائهن ماء الشبَّاب
فللورد والتفاح ما لخدودها
…
ضياء وللرمان ما لنهودها
وللؤلؤ المنظوم ما ضم ثغرها
…
ومن أين للأغصان لينٌ كعودها
إذا ما بدت للشمس ترخي نقابها
…
تخاف انكسافًا صابها من شهودها
بها هام قلبي واعتراني بحبها
…
ولوه وتيمني انعطاف لخودها
عسى الله يجمع شملنا بعد بعدنا
…
وأحظى بها لا أخشى من صدودها
فنسأل الله سبحانه أن يمنَّ علينا بالرضا والعافية، ويدفع عنا مرّ القضاء، ويرزقنا من شراب محبته الصافية، وأنْ يجعلنا أهلاً لتلك الدارِ، وأن يمتعنا بتلك الكواعب الأبكار إنَّه على ما يشاء قدير (1)، وبالإجابة جدير آمين.
(1) الأولى أن يقال إنه على كل شيء قدير. وقد مر بنا توضيح ذلك انظر ص 625 ت (1).