الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس في إلحاق ذرية العبد المؤمن به في الدرجة وإن لم يعملوا عمله
قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)} [الطور: 21]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله ليرفع ذرية المؤمنِ إليه في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقربهم عينه" ثُمَّ قرأ الآية. قال: "وما أنقصنا الآباء بما أعطينا البنين" ذكره في "حادي الأرواح"(1) وأخرج ابن مردويه في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال شريك أظنه حكاه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل الرجل الجنَّة سأل عن أبويه، وزوجته، وولده فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك، أو عملك فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بالإلحاق بهم"(2) ثُمَّ تلا ابن عباس: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] الآية.
(1)"حادي الأرواح" ص 537. والحديث أخرجه البزار كما في "الكشف" (2260)، وابن مردويه كما في "تخريج الكشاف" (3/ 372) وقال في "مجمع الزوائد" (4/ 114) فيه قيس بن الربيع، وثقه شعبة والثوري وفيه ضعف. انظر "الدر المنثور" في تفسير هذه الآية.
(2)
انظر الطبراني "الكبير"(12248)، وذكره في "مجمع الزوائد"(7/ 114)، وقال فيه: محمد بن عبد الرحمن بن غزوان، وهو ضعيف.
واختلف العلماء: ما المراد بالذرية؟ فقالت طائفة: المعنى: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان فأتوا بمثل ما أتوا به من الإيمان فألحقناهم بهم في الدرجات فالمراد بالذرية: الكبار، وقد أطلق الله الذرية عليهم في قوله:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: 84]. وفي قوله {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء: 3] ويدل عليه قول ابن عباس (1) يرفعه: "إن الله يرفع ذرية المؤمن إلى درجته وإن كان دونه في العمل لتقر بهم عينه". فهذا يدل على أنهم كبار لأنهم من أهل العمل كما نطق به الحديث.
وقالت طائفة أخرى: المراد بالذرية هنا: الصغار، والمعنى الذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم في إيمان الآباء، والذرية تبع الآباء وإن كانوا صغارًا في الإيمان وأحكامه من الميراث، والدية والدفن وغير ذلك فعلى هذا قوله:{بِإِيمَانٍ} في موضع نصب على الحال من المفعولين أي وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان الآباء، ويدل على هذا أن التابعين لهم حكم أنفسهم في الثواب، والعقاب ولو كان المراد بالذرية البالغين لكان أولاد الصحابة البالغون كلهم في درجة آبائهم، ويكون أولادهم كذلك، وكذا أولاد أولادهم، وهلم جرا إلى ما لا نهاية فيلزم أن يكون جميع الناس في درجة واحدة، ولا قائل به.
(1) رواه الطبري في "التفسير" 11/ 488 (32340)، وهناد في "الزهد"(179). الحاكم (2/ 468) البيهقي (10/ 268).
وقالت طائفة منهم الواحدي: الوجه أن تحمل الذرية على الصغار، والكبار؛ لأنَّ الكبير يتبع الأب بإيمان نفسه، والصغير يتبع الأب بإيمان الأب: وهذا هو الصحيح الذي لا شك فيه لئلا يلزم استواء المتأخرين والسابقين في الدرجات والقرآن ناص على خلافه ولا يلزم مثل ذلك في الصغار؛ لأنَّ كلّ رجل وذريته من الأطفال معه في درجته ولا يذهب عليك أن لا طفل في الجنَّة من أبناء المؤمنين كما أسلفنا الكلام عليه فالمراد أنَّ من مات من أولاد المؤمنين وإن دخلوا الجنَّة أبناء ثلاث وثلاثين سنة فإنهم يكونون في درجة الآباء ملحقين بهم؛ لأنهم لم يعملوا في دار العمل هذا الذي يظهر لي على الصحيح. والله أعلم