الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَفْري فَرِيَه" (1) وعن الفراء العبقري: السيد من الرجال، وهو الفاخر من الحيوان، والجوهر، وواحد العبقري: عبقرية. والحاصل أنَّ كلّ شيءٍ عجيبٍ يُقال له: عبقري. لما وصفنا، وتأمل كيف وصفَ سبحانه الفرش بأنَّها مرفوعة، والزرابي بأنَّها مبثوثة، والنمارق بأنها مصفوفة، فَرَفْعُ الفرْش دال على سمكِها ولينها، وبثُّ الزرابي دال عل كثرتها، وأنَّها في كلّ موضع لا يختص بها صدر المجلس دون مؤخره وجوانبه، وصّفُّ المساندِ (2) يدلُّ على أنها مهيأة للاستنادِ إليها دائما ليست مخبأة تصف في وقت دونَ وقت والله أعلم.
فصل
وأمَّا خيامهم وسررهم، وأرائكهم وبشخاناتهم، فقد قال تعالى:{حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)} [الرحمن: 72].
ففي الصَّحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"إنَّ للمؤمن في الجنَّة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلًا فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا". وفي روايةٍ للبخاري: "طولها ثلاثون ميلًا"(3).
(1) البخاري (3682).
(2)
في (ب): المسانيد.
(3)
رواه البخاري (3243) في كتاب بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنَّة وأنها مخلوقة. ومسلم (2838) في كتاب الجنَّة وصفة نعيمها وأهلها، باب: في صفة خيام الجنَّة وما للمؤمنين فيها من الأهلين.
قال في "حادي الأرواح"(1): وهذه الخيام غير الغرف، والقصور بل هي خيام في البساتين (2) وعلى شواطئ الأنهار.
وأخرج ابن أبي الدُّنيا (3) عَنْ عبد الله رضي الله عنه قال: "لكلِّ مسلمٍ خيرة ولكل خيرة خيمة، ولكل خيمة أربعةُ أبواب يدخل عليها كلّ يوم من كل باب تحفة، وهدية، وكرامة لم يكن قبلها ذلك لا مرحات، ولا ذفرات، ولا سخرات، ولا طماحات حور عين كأنَّهَن بيضٍ مكنون".
وأخرج ابن المبارك عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "الخيمة لؤلؤة واحدة لها سبعون بابًا كلها من درة"(4). وقال ابن عباس في قوله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)} [الرحمن: 72]: الخيمةُ: مَنْ درةٍ مجوفة طولها فرسخ، وعرضها فرسخ، ولها ألف باب من ذهب حولها سرادق دوره خمسون فرسخًا يدخل عليه من كل باب منها ملك بهدية من عند الله عز وجل وذلك قوله تعالى:{وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} [الرعد: 23، 24].
وأمَّا السرر، فقال تعالى:{مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)} وقال: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)} [الواقعة: 15 - 16]،
(1)"حادي الأرواح" ص 303.
(2)
في (أ): القصوتين.
(3)
ابن أبي الدنيا في "صفة الجنَّة" ص 215، 216.
(4)
"الزهد" لابن المبارك 72 (250)، وأخرجه الطبري من طريق المعتمر عن سليمان ولم يرفعه إلى أبي الدرداء.
وقال: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13)} (1).
فأخبر سبحانه عن سررهم بأنها مصفوفة بعضها إلى جانب بعض ليس بعضها خلفَ بعضٍ، ولا بعيدًا منه، وأخبر أنَّها موضونة أي: منسوجة مضاعفة متداخلة بعضها على بعض كما يوضن حلق الدرع، ومنه سمي الوضين، وهو نطاق من سيور ينسج فيدخل بعضه في بعض، ومنه قول الشاعر:
ومِنْ نَسْجِ داودَ مَوْضونة
…
يُساقُ مع الحي عيرًا فعيرا
قالوا: موضونة: منسوجة بقضبان الذَّهبِ مشبكة بالدر، والياقوت، والزبرجد وقال ابن عباس: مزمولة بالذهبِ. وقال مجاهد: موصولة بالذهب، وأخبر سبحانه بأنها مرفوعة: قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: سرر من ذهب مكللة بالزبرجد، والدر، والياقوت، والسرير مثل ما بين مكة، وأيلة. وقال الكلبي: طول السرير في السَّماء مائة ذراع (2)، فإذا أراد الرجل أن يجلس عليه تواضع له حتَّى يجلس عليه فإذا جلس عليه ارتفع إلى مكانه.
وأما الأرائك فتقدم أنَّها جمعُ أريكة، وأنَّ ابن عباس قال:"لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة" فإنْ كان سرير بغير حجلة لا تكون أريكة، وإنْ كانت حجلة بغير سرير لم تكن أريكة، فالسرير والحجلة أريكة، والحجلة هي البشخانة التي تعلق فوق السرير.
(1) رواه ابن المبارك في "الرقائق" ص 72 (250)، باب: في صفة الجنَّة وما أعد الله فيها، صفة الجنَّة لابن أبي الدنيا رقم (320)(325).
(2)
في (ب): عام.
وقال في "حادي الأرواح"(1): لا تسمَّى أريكة إلَّا بالسرير في الحجلة، وأن يكون على السرير فراش.
وفي الصحاح: الأريكة سرير منجد مزين في قبة أو بيت، فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة، والجمع الأرائك.
وفي الحديث: أنَّ خاتمَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (أي: خاتم النبوة) كان مثل زر الحجلة، وهو الزر الذي يجمع به بين طرفيها من جملة أزرارها.
قلت: وكون المراد بزرّ الحجلة ما (2) ذكرنا هو الذي صوبه أكثر المحققين منهم الإمام العلامة المحقق في "حادي الأرواح"(3)، وغيره كالدميري، وقال الإمام الترمذي بعد إيراده حديث: أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان بين كتفيه خاتم مثل زر الحجلة: إنَّ المرادَ بالحجلة هذا الطائر (4)، وزرّها بيضها، وإذا كانت المرأة مقصورة في الحجالِ فهو مِمَّا يتمدح به كما قال كثيرّ عزّه في ذلك:
وأنت التي حببت كلّ قصيرة
…
إليَّ فلا تدري بذاك (5) القصائر
عنيت قصارات الحجال ولم أرد
…
قصار الخطى شر النساء البحائر (6)
والله أعلم.
(1)"حادي الأرواح" ص 306، 307.
(2)
في (ب): في.
(3)
"حادي الأرواح" ص 306، 307.
(4)
رواه البخاري (190) في كتاب الوضوء، باب: استعمال فضل وضوء الناس. ومسلم (2345) في الفضائل، باب: إثبات خاتم النبوة وصفته ومحله من جسده صلى الله عليه وسلم. والترمذي (3643) في كتاب المناقب، باب: ما جاء في خاتم النبوة وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
(5)
في (ب): بذلك.
(6)
في (أ): البحاتر وما أثبت من (ب).