الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وأمَّا اختلاف الناس هل في الجنَّة حمل أم لا؟ فقدْ أخْرجَ الترمذي في جامعِه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن إذا اشتهى الولدَ في الجنَّة كان حمله، ووضعه، وسنه في ساعة واحدة كما يشتهي" قال الترمذي: حسن غريب (1).
وقد اختلف أهلُ العلمِ في هذا فقال بعضهم: في الجنَّة جماع، ولا يكون ولد هكذا روي عن طاووس، ومجاهد، وإبراهيم النخعي: وقال البخاري: قال إسحق بنُ إبراهيم في حديث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم "إذا اشتهى المؤمنُ الولد في الجنَّة كان في ساعة كما يشتهي ولكن لا يشتهي" وقد روي عن أبي رزين العقيلي، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ أهل الجنَّةِ لا يكون لهم ولد"(2) انتهى كلام الترمذي.
قال في "حادي الأرواح"(3): قلت إسناد حديث أبي سعيد على شرط الصحيح فرجاله يحتج بهم فيه، ولكنه غريب جدًا، وتأويل إسحق فيه نظر فإنَّه قال:"إذا اشتهى المؤمن" فإذا للمتحقق الوقوع، ولو أريد ما ذكره من المعنى لقال:"لو اشتهى المؤمن الولد لكان حمله في ساعة" فإن ما لا يكون أحق بأداة (لو) كما أنَّ المحقق الوقوع أحق بأداة (إذا).
(1) رواه الترمذي (2563) في صفة الجنَّة، باب: ما جاء ما لأدنى أهل الجنَّة من الكرامة، وقال: حديث حسن غريب.
(2)
"سنن الترمذي" 4/ 695 - 696.
(3)
"حادي الأرواح" ص 348، 349.
وقد أخرج أبو نعيم عن أبي سعيد رضي الله عنه قيل: يا رسُولَ الله أيولد لأهل الجنَّةِ فإن الولد مِنْ تمام السّرور؟ فقال: "نعم والذي نفسي بيده وما هو إلَّا كقدر ما يتمنى أحدكم فيكون حمله، ورضاعه، وشبابه" وأخرج في "حادي الأرواح"(1) بسنده عنه نحوه إلَّا أنه قال: "فيكون حمله، وفصاله، وشبابه في ساعةٍ واحدةٍ" ورواه الحاكم وهو ضعيف كما قال البيهقي (2). وفي حديث لقيط الطويل (3) قلت: يا رسُولَ الله ولنا فيها (يعني الجنَّة) أزواج أو منهن مصلحات؟ قال: "الصالحات للصالحين تلذذونهن مثلُ لذاتكم في الدُّنيا، ويلذدنكم غير أن لا توالد". قال لقيط: أقصى ما نحن بالغون، ومشتهون إليه، فلم يجبه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الحديث.
قال المحقق: هذا حديث كبير مشهور، وعليه مِنَ الجلالة، والمهابة، ونور النبوة ما ينادي على صحته. وقال في (الهدي)(4) بعد سياقه حديث الوفد من أوله هذا حديث كبير جليل تنادي جلالته، وفخامته، وعظمته على أنَّه قَدْ خرجَ مِنْ مشكاة النّبوة لا يعرف إلَّا من حديث عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني رواه عنه إبراهيم بن حمزة الزبيري، وهما مِنْ كبارِ علماء المدينة ثقتان محتج بهما في
(1)"صفة الجنَّة" لأبي نعيم (275)، و"البعث" للبيهقي (397)، وهناد في، "الزهد"(93)، وانظر "موارد الظمآن"(2636)، و"حادي الأرواح" ص 349، 350، وما ذكره عن "حادي الأرواح" هو الموجود عند أبي نعيم.
(2)
"البعث والنشور"(397).
(3)
سبق تخريجه ت (2) ص 960 وانظر ما يأتي ص 1173.
(4)
(3/ 676 - 673).
الصَّحيح احتج بهما إمامُ أهل الحديثِ محمد بن إسماعيل البخاري، ورواه أئمة السنة في كتبهم، وتلقونه بالقبول، وقابلوه بالتسليم، والانقياد، ولم يطعن أحد منهم فيه ولا في أحدٍ مِنْ رواته فممن رواه الإمامُ بن الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه، وفي كتاب السنة، والحافظ الجليل أبو بكر بن عمرو، والحافظ أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم، والحافظ الطبراني، والحافظ أبو عبد الله بن محمد بن حبان وأبو الشيخ الأصبهاني في كتاب السنة، والحافظ بن الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحق بن مندة حافظ أصبهان والحافظ ابن مردوية، والحافظ أبو نعيم، وجماعة من الحفاظ. ثم قال: ولا ينكر هذا الحديث إلَّا جاحد، أو جاهل، أو مخالف للكتاب والسنة هذا كلام أبي عبد الله بن مندة رحمه الله تعالى.
قلت: وأنا أذكر الحديث بطوله أجمل به مجموعي هذا متبركًا به ومقتديًا بهؤلاء الأعلامِ فأقول: أخرج هؤلاء الأعلام المذكورون عن عاصم بن لقيط أنَّ لقيطًا رضي الله عنه خرجَ وافدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه صاحب لهُ يقال له: نِهيكُ بن عاصم بن مالكِ قال لقيط بن عامر رضي الله عنه: خرجتُ أنا، وصاحبي حتَّى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيناه حين انصرفَ مِنْ صلاةِ الغداةِ فقام في الناس خطيبًا". فقال: "أيها الناس (1) ألا إنِّي قَدْ خبأتُ لكم صَوْتي منذ أربعة
(1) أحمد (4/ 13 - 14)، ورواه أبو داود (3266) كتاب: الأيمان والنذور، باب: ما جاء في يمين النبى، ما كانت، ورواه ابن أبي عاصم في "السنة"(636)، ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(19/ 477)، ورواه الحاكم في "المستدرك" =
[أيام][ألا لأسمعنكم](1)(2) ألا فهل من امرئ بعثه قومُهُ" فقالوا: اعلمْ لنا ما يقولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ثُمَّ أرجل، لعلَّه [أنْ] يلهيه حديثُ نفسه، أو حديثُ صاحبه، أو يلهيه الضُّلَّال ألا إنِّي مسئول: هل بلَّغت؟ ألا اسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا ألا اجلسوا [قال] فجلس النَّاس، وقمتُ أنا، وصاحبي حتَّى إذا فرغَ لنا فؤادُهُ وبصرهُ قلت: يا رسُولَ الله ما عندك مْن علم الغيب؟ فضحك لعمرُ الله، وهزَّ رأسه، وعَلِمَ أنَّي أبتغي [لسقطة] (3) فقال: "ضنَّ ربُّك بمفاتيح خمسٍ من الغيب لا يعلمها إلَّا الله" وأشار بيده قلت: وما هي؟ قال: "علمُ المنيَّةِ، قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه، وعلمُ المني حين يكونُ في الرَّحِم [قد علمه] ولا تعلمونه، وعلم ما في غدٍ [قد علم] ما أنت طاعم غدًا ولا تعلمه، وعلم يوم الغيث، يشرف عليكم آزَّلِّينِ [آزلين] مشفقين، فيظلُ يضحكُ، قدْ علم أنَّ [غيركم إلى قرب"] (4). قال لقيط:[قلتُ](5): لن نعدمَ مِنْ ربِّ يضحكُ خيرًا (6). قال: "وعلمُ
=4/ 560، كتاب: الأهوال، باب: خمس من الغيب لا يعلمهن إلَّا الله، وما بين القوسين التي لم يوضع لها أرقام زيادة من المسند، وما وضع له رقم فإنه حذف أو أثبت نص المسند حيث تم ضبط الحديث منه.
(1)
في الأصول المخطوطة: لتسمعو.
(2)
في النسخ زيادة اليوم وما أثبت من المسند.
(3)
في النسخ: سقطة.
(4)
في النسخ: غيركم إليَ قريب.
(5)
في النسخ: فقلت.
(6)
في النسخ زيادة: يا رسول الله.
يومِ الساعةِ (1) ". قلت: يا رسُولَ الله علِّمنا ممَّا تعلِّمُ الناس [وما تعلم] فإنا من قبيلٍ لا يصدق تصديقنا أحد مِنْ مذحج التي [تربأ](2) علينا، وخثعم التي توالينا، وعشيرتنا التي نحنُ منها.
قال: "تلبثون ما لبثتم، ثُمَّ يتوفى نبيكم، ثُمَّ تلبثون ما لبثتم، ثُمَّ تُبْعّثُ الصائحة لعمر إلهكَ لا تدع على ظهرها [من شيء] (3) إلَّا ماتَ والملائكة الذين مع ربَّك عز وجل فأصبح ربك يطوف في الأرض، وخلت عليه البلادُ، فأرسلَ ربُكَ السماء تهضب (أي مطر) من عند العرشِ فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل، ولا مدفن ميتِ إلَّا شقَّت القبرَ عنه حتَى [تجلعه] (4) من عند رأسه، فيستوي جالسًا، فيقول ربك: مهيم؟ لما كان فيه يقول: يا ربِّ أمْس اليوم وَلعَهْده بالحياة يحسَبُهُ حديثًا بأهله". فقلت: يا رسُولَ الله كيف يجمعنا بعدما تمزقنا الرياحُ والبلى والسِّباع؟ قال: "أنَّبئك بمثل ذلك في آلاء الله؟ الأرضُ أشرفت عليها وهي مدرة بالية، فقلتَ: لا تحيى أبدًا ثُمَّ أرسل ربك عليها السَّماءَ فلم تلبث عليك إلَّا أيامًا حتى أشرفت عليها وهي شربة واحدة ولعَمْر إلهك لهو أقدرُ على أن يجمعهم من الماء على أن يجمعَ نباتَ الأرض فيخرجون من الأصواء من مصارعهم فتنظرون إليه، وينظر إليكم". قال: قلت: يا رسُولَ الله وكيف ونحن مِلء الأرض وهو شَخْص واحد ينظر إلينا، وننظر إليه؟ قال:
(1) في النسخ زيادة: متى تكون.
(2)
في النسخ: تربوا.
(3)
في النسخ: شيئًا.
(4)
في النسخ: تخلفه.
"أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما، ويريانكم ساعةً واحدةً لا تضارُّون في رؤيتهما، ولعمرُ إلهكَ لهو أقدر على أن يراكم وترونه (1) [من أن ترونها ويريانكم لا تضارون في رؤيتهما] ".
قلت: يا رسُولَ الله فما يَفْعَلُ بنا ربُّنا إذا لقيناه؟ قال: "تعرضون عليه باديةً له صفحاتكم، لا تخفى عليه منكم خافية فيأخذ ربك عز وجل بيده غرفة" من الماء فينضح قبيلكم (2) بها فلعمر إلهك ما تخطئ وجه أحدِكم منها قطرة، فأمَّا [لمسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء، وأما] الكافر فتخطمه بمثل [الحميم](3) الأسود ألا ثُمَّ ينصرف نبيُّكّم صلى الله عليه وسلم ويفترق على أثره الصَّالحون، فيسلكون جسرًا من النَّار، فيطأ أحدكم الجمرة فيقول: حَسِّ، يقول ربك عز وجل: أوانه. ألا فتطلعون على حوض الرسول صلى الله عليه وسلم على أظمأ - والله - ناهلة قطُّ [ما] رأيتها، فلعمر إلهك ما يبسط واحد منكم يده إلَّا وقع عليها قدح مطهرة (4) من الطوف والبول والافك، وتحبس الشمس والقمر، فلا ترون منهما أحدًا".
قال: قلت: يا رسُولَ الله فبما نبصر؟ قال: "بمثل بصرك ساعتك هذه، وذلك [قبل](5) طلوع الشمس في يوم أشرقت الأرضُ
(1) في النسخ زيادة: منها.
(2)
في (ب): قبلكم.
(3)
في النسخ: الحميم.
(4)
في (ب): يطهره.
(5)
في النسخ: مع.
ثُمَّ [واجهت](1)[به](2) الجبال". قال: قلت: يا رسُولَ الله فبم نُجزى من حسناتنا وسيئاتنا؟ قال: "الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها، إلَّا أن يعفو".
قلت: يا رسُولَ الله ما الجنَّة ما النَّار؟ قال: "لعمر إلهك إن للنار سبعة أبواب ما منهنَّ بابان إلَّا يسير الرَّاكب بينهما سبعين عامًا، وإنَّ للجنة ثمانية أبواب، ما منهن بابان إلَّا يسير الراكب بينهما سبعين عاما". قلت: يا رسُولَ الله فعلى ما نطلع من الجنَّة؟ قال: "على أنهارٍ من عسل مصفَّى، وأنهارٍ من خمر ما بها صداع ولا ندامة، وأنهار من لبنٍ ما يتغير طعمه، وماء غير آسن وفاكهة ولعمر إلهك ما تعلمون (3)، وخير من مثله معه، وأزواج (4) مطهرة".
قلت: يا رسُولَ الله أولنا فيها أزواج؟ أوَمنهنَّ مصلحات؟ قال: "الصالحات للصالحين" وفي لفظ "المصلحات للمصلحين""تلذذونهن ويلذذنكم مثلُ لذاتِكم في الدُّنيا غير أنْ لا توالد". قال لقيط: فقلت: يا رسُولَ الله أقصى ما نحنُ بالغُونَ ومنتهون إليه؟ فلم يجبه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: قلت يا رسُولَ الله على ما أبايعك؟ [قال] فبسط النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يده وقال: "على إقام الصَّلاة، وإيتاء الزكاة، وزيال المشرك، وأن لا تشرك بالله إلهًا غيره".
قلت: يا رسُولَ الله وأنَّ لنا ما بين المشرق والمغرب؟ فَقَبض
(1) في النسخ: واجهته.
(2)
في (أ): تعملون.
(3)
زيادة من المسند.
(4)
في (ب) الواو ساقطة.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وظنَّ أنِّي مشترط ما لا يعطينيه قال: قلت نحل منها حيث شئنا ولا يجني امرئ إلَّا [على] نَفْسِهِ؟ فبسط يده وقال: "لك ذلك تحلُّ حيث شئت ولا يجني عليك إلَّا نفسك". قال: فانصرفنا عنه، ثُمَّ قال:" [إن هذين] (1) مرتين من أتقى الناس في الدُّنيا والآخرة" وفي لفظ: "في الأولى والآخرة" فقال له كعب ابن الخدارية أحد بني بكر ابن كلاب: من هم يا رسول الله؟ قال: " [بنو المنتفق بنو المنتفق ثلاثًا] (2) أهل ذلك منهم".
قال: فانصرفنا وأقبلت عليه وقلتُ يا رسُولَ الله هل لأحدٍ ممَّن مضى من خير في جاهليتهم؟ فقال رجل من عرض قريش: والله إن أباك المنتفق لفي النَّار قال: فلكأنه وقع حَرْ بين جلدي ووجهي ولحمي مما قال لأبي على رؤوس الناس فهممتُ أن أقول وأبوك يا رسول الله، ثُمَّ إذا الأخرى أجمل فقلت: يا رسُولَ الله وأهلك؟ قال: "وأهلي لعمر الله ما أتيت عليه من قبر عامريِّ أو قرشيِّ من مشركٍ فقل: أرسلني إليك محمد، فأبشرك بما يسؤك تجر على وجهك وبطنك في النَّار، قال: قلت يا رسُولَ الله ما فُعل بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلَّا إياه، وكانوا يحسبون أنهم مُصلحون؟. قال: ذلك لأنَّ الله بعث في آخر كلّ سبع أمم [يعني] نبيًا فمن عصى نبيه كان من الضَّالين ومن أطاع نبيه كان من المهتدين".
(1) في النسخ: ها إن ذين ها إن ذين مرتين.
(2)
في المسند مرة واحدة.