الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس في تربة الجنة ونورها وغرفها وقصورها وخيامها وما يلحق بذلك
أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسولَ اللهِ إذا رأيناك رقت قلوبنا، وكنَا من أهل الآخرة، وإذا فارقناكَ أعجبتنا الدنيا، وشممنا النساء والأولاد قال:"لو تكونون على كلِّ حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم، ولزارتكم في بيوتكم، ولو لم تذنبوا لجاء اللهُ بقومٍ يذنبون كي يغفر لهم"(1) قال: قلنا: يا رسول الله حَدِّثنَا عن الجنةِ ما بناؤها؟ قال: "لبنة ذهب، ولبنة فضة، وملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران من يدخلها يَنْعَم لا يَبْأس (2)، ويخلد لا يموت لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه ثلاثة لا تردّ دعوتهم الإمام العادل، والصائم حَتَّى يفطر، ودعوة المظلوم تحمل على الغمام، وتفتح لها أبواب السموات، ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد
(1) ورد في هامش الأصل: السر فيه: إظهار صفة الكرم والحلم والتجاوز عن المسيء، وغفار يستدعي مغفورًا له، ولم يرد به عدم الاحتفال بمواقعة الذنوب. أهـ.
(2)
ورد في هامش الأصل: قوله: لا يبأس: هو بمثناة تحتية ثم بموحدة أي: لا يفتقر ولا يحتاج، بمعنى: أن نعيمها لا يشوبه بؤس. أهـ.
حين" (1).
قوله: "وملاطها المسك" قال في النهاية: الملاط (2) الطين الذي يجعل بين ساقي البناء يملط به الحائط أي: يخلط ومنه الحديث: "إن الإبل [يمالطها] الأجرب" أي: [يخالطها].
وفي الصحيحين (3) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو ذر رضي الله عنه يحدث أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك" وهو قطعة من حديث المعراج. قوله: "جنابذ اللؤلؤ" بالجيم والنون المفتوحين، ثم ألف، ثم ذال معجمة القباب وفي "مشارق الأنوار" (4) للقاضي عياض ما نصه: وفي الحديث: "وإذا فيها جنابذ اللؤلؤ"كذا في كتاب مسلم، وفي البخاري في كتاب الأنبياء (5) من رواية غير المروزي فسروه بالقباب واحدتها جنبذة بالضم، والجنبذة ما ارتفع
(1) رواه أحمد 2/ 305.
(2)
ورد في هامش الأصل: الملاط: بكسر الميم: الطين الذي بين كل لبنتين. أهـ. "النهاية"(4/ 357) وما بين القوسين في "الأصول": بملاطها بخلاطها وما أثبت من "النهاية". "لسان العرب" مادة: ملط.
(3)
البخاري (349)، ومسلم (163)، وأبو عوانة (1/ 133 - 135)، وابن منده (714)، والبغوي (3754) وفي التفسير له (4/ 128 - 131)"صفة الجنة" لأبي نعيم (157)، والمسند (5/ 143 - 144).
(4)
مادة الجيم مع النون وفي مادة الحاء مع الباء في فصل: الاختلاف والوهم.
(5)
البخاري (3342).
من البناء وجاء في البخاري في الصَّلاةِ "حبائل اللؤلؤ" وزعم قوم أنَّه تصحيف من جنابذ وقال: في حرف الجاء مع الباء "فيها حبائل اللؤلؤ" كذا لجميعهم في البخاري وفي مسلم "جنابذ اللؤلؤ" وهو الصواب وقد جاء في حديث آخر "حافاته قباب اللؤلؤ" والجنابذ جمع جنبذة وهي القبة وقال من ذهب إلى صحة الرواية: إنَّ الحبائل القلائد العقود، أو يكون من حبال الرمل أي: فيها اللؤلؤ كحبال الرمل أي: وهو ما طال منه وضخم، قال: أو من الحبلة وهو ضرب من الحلي معروف.
قال ابن قرقول في "استدراكاته" على القاضي عياض: وهذا كلّه تخييل ضعيف بل هو لا شك تصحيف من الكاتب، والحبائل إنَّما تكون جمع حبالة، أو حبيلة. انتهى.
وفي صحيح مسلم (1) عن أبي سعيد رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ابن صياد عن تربة الجنةِ فقال: درمكة (2) بيضاء مسكٌ خالص، فقال صلى الله عليه وسلم:"صدق".
قال سفيان بن عيينة، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد قد
(1) مسلم (2928)، وأحمد (3/ 25، 43)، "المصنف" لابن أبي شيبة (15803)، و"صفة الجنة" لأبي نعيم (158).
(2)
الدرمكة: واحدة الدَّرمك وهو الدقيق الحُوَّارَي. ا. هـ "النهاية"(2/ 115).
غلب أصحابك. قال: "وبأي شيء غلبوا؟ " قال: سألهم اليهود: كم عدد خزنة النار؟ فقالوا: لا ندري حَتَّى نسأل نبينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيغلب قوم سئلوا عمَّا لا يعلمون فقالوا: حَتَّى نسأل نبينا، ولكن هم أعداء الله سألوا نبيهم أنْ يريهم الله جهرة، عليّ بأعداء اللهِ فإنيِّ سائلهم عن تربة الجنة، وإنها درمكة" فلمَّا أنْ جاءوا قالوا: يا أبا القاسم، كم عدة خزنة أهل النَّارِ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه كلتيهما:"هكذا وهكذا" وقبض واحدة أي: تسعة عشر فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ("ما تربة الجنة؟ " فنظرَ بعضُهم إلى بعض فقالوا: خبزة يا أبا القاسم فقال صلى الله عليه وسلم: "الخبزة من الدرمك" (1).
فحصل من هذه الأحاديث ثلاث صفات في تربتها: قيل: زعفران، أو مسك، أو خبزة.
قال في "حادي الأرواح": لا تعارض بينها لإمكان الجمع قال: ذهبت طائفة من السّلف إلى أن تربتها متضمنة للنوعين: المسك، والزعفران. قَالَ: ويحتمل معنين آخرين أحدهما: أنْ يكون التراب من: زعفران فإذا عجن بالماءِ صار مسكًا، والطين يسمى ترابا ويدل على هذا قوله "ملاطها المسك"(2) والملاط الطين. وفي بعض
(1) رواه أحمد 3/ 361 (مختصرًا)، وأبي نعيم في "صفة الجنة"(159)، والترمذي (3327).
(2)
عند أحمد (2/ 445)، والترمذي (2526) "صفة الجنة لأبي نعيم (136).
الروايات (1): "ترابها الزعفران وطينها المسك" فلما كانت تربتها طيبة وماؤها طيب وانضم أحدهما إلى الآخرِ حدث لهما طيب آخر فصار مسكا.
الثاني: أن يكون زعفرانًا باعتبار لونه، مسكًا باعتبار رائحته، وهذا من أحسن شيء يكون البهجة والإشراق لون الزعفران ورائحة المسك قال: وكذلك تشبيهها بالدرمك، وهو الخبز الصافي الذي يضرب لونه إلى صفرة مع لينها ونعومتها، قال: وهذا معنى ما ذكره سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (2):"أرض الجنة من فضة، وترابها مسك، فاللون في البياض لون الفضة، والرائحة رائحة المسك".
وأخرجَ ابن أبي الدنيا عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أرضُ الجنةِ بيضاء عرصتها صخورَ الكافور، وقد أحاط به المسك مثل كثبان الرمل، فيها أنهار مطردة، فيجتمع فيها أهل الجنة أدناهم وآخرهم فيتعارفون، فيبعث اللهُ ريحَ الرَّحمةِ، فتهيج عليهم ريح المسك"(3) الحديث.
وأخرج أبو الشيخ عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال
(1)"كشف الأستار"(3509)، "البعث والنشور" للبيهقي (256، 257)، و"صفة الجنة" لأبي نعيم (160).
(2)
ابن أبي شيبة (10801)، وأبي نعيم في "صفة الجنة"(161).
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة"(28) بإسناد ساقط.
رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قلتُ ليلة أسري بي: يا جبريل إنهم سيسألوني عن الجنةِ؟ قال: فأخبرهم: أنها من درة بيضاء، وأنَّ أرضها عقيان (1) "(2).
قال في "حادي الأرواح": العقيان من الذهب فإن كان [ابن علاثة حفظه] فهي أرض الجنتين الذهبيتين، ويكون جبريل أخبره بأعلى الجنتين والله أعلم (3).
(1) ورد في هامش الأصل: وفي الصحاح: العقيان من الذهب الخالص.
(2)
وكذا عزاه في "فيض القدير" 3/ 364 لأبي الشيخ. "صفة الجنة" لأبي نعيم (151).
(3)
"حلادي الأرواح" ص 199. ما بين القوسين في الأصل: محفوظًا وابن علاثة ترجمته في "تهذيب التهذيب" (9/ 270، 271).