الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني في ذكر مكان جهنم وطبقاتها ودركاتها وصفاتها وقعرها وعمقها
أمَّا مكانها فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "جهنم في الأرضِ السابعة". رواه أبو نعيم (1).
وخرّج ابن منده عن مجاهد قال: قلت لابنِ عباس رضي الله عنهما: أين النار؟ قال: تحت سبعة أبحر مطبقة.
وأخرجَ البيهقي بسند فيه ضعف عن ابن مسعود رضي الله عنه: "الجنَّة في السَّماءِ السابعةِ العليا، والنَّارُ في الأرضِ السَّابعةِ السفلى" ثم قرأ: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} و {إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} (2).
ورواه ابن منده، وزاد فيه:"فإذا كان يوم القيامة جعلها اللَّه حيث شاء".
وخرّج ابن خزيمة، وابن أبي الدُّنيا عن عبدِ الله بن سلام رضي الله عنه:"إنَّ الجنةَ في السماء، وإنَّ النارَ في الأرضِ"(3). وابن أبي الدنيا
(1) راجع المستدرك 4/ 638، وانظر الشعب 1/ 357، روي ذَلِكَ عن ابن مسعود كما في التمهيد 13/ 267، دون قوله السابعة. وأبو الشيخ في "العظمة"(600).
(2)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 1/ 331 (3661).
(3)
أخرجه الحاكم في "المستدرك" 4/ 612، والبيهقي في شعب الإيمان 1/ 331
عن قتادة: "كانوا يقولون: الجنة في السموات السبع، وإنَّ جهنَّم في الأرضين السبع". وفي حديث البراء في حق الكافر: "يقول اللَّه: اكتبوا كتابَه في سجين في الأرضِ السفلى فتطرح روحه طرحًا"(1) خرّجه الإمام أحمد، وغيره وتقدم أوّل الكتاب بطوله.
وأخرجَ الإمام أحمد بسند فيه نظر عن يعلى بن أمية، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"البحر هو جهنم" فقالوا ليعلى: ألا تركبها. يعني: البحور. قال: ألا ترون أنَّ اللَّه يقول: {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29]. لا والذي نفس يعلى بيده لا أدخلها أبدًا حتَّى أعرض على اللَّه عز وجل ولا يصيبني منها قطرة حتَّى ألقى الله عز وجل (2).
قال الحافظ ابن رجب (3): وهذا إنْ شئت فالمراد به أنَّ البحار تفجر يوم القيامة فتصير بحرًا واحدًا، ثم يسجر ويوقد عليها فتصير نارًا، وتزاد في نارِ جهنم. وقد فسر قوله تعالى:{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)} [التكوير: 6] بنحو هذا (4). وقال ابن عباس: تسجر تصير نارًا. وفي رواية عنه: "تكون الشمس والقمر والنجوم في البحرِ فيبعث اللَّه عليها ريحًا دبورًا فتنفخه حتَّى يرجع نارًا"(5) رواه ابن
(1) أخرجه أحمد في "مسنده" 4/ 287، والبيهقي في "الشعب" 1/ 357.
(2)
رواه أحمد 4/ 223، والحاكم 4/ 638، والبيهقي 4/ 334، قَالَ الهيثمي 10/ 386: رجاله ثقات.
(3)
التخويف من النار ص 47.
(4)
"التخويف من النار والتعريف بدار البوار" 60 - 62.
(5)
رواه هناد في "الزهد"(334)، وذكر ابن كثير في "تفسيره" 4/ 476 رواية ابن أبي حاتم. ورواه الطبري في "تفسيره" 30/ 68.
أبي الدنيا، وابن أبي حاتم، وأخرجا عنه أيضًا في قوله:{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49، العنكبوت: 54]. قال: هو هذا البحر فتنشر الكواكبُ فيه، وتكور الشمسُ والقمر فيه فيكون هو جهنم. وقال سيدنا على رضي عنه ليهودي: أين جهنم؟ [قَالَ: تحت البحر] قال عليّ: صَدَق، ثم قرأ:{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)} [التكوير: 6](1) رواه ابن أبي إياس.
وخرّج ابن أبي حاتم عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه في قوله: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)} . قال: قالت الجن للإنس: "نأتيكم بالخبرِ فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج"(2).
وفي سنن أبي داود عن ابن عمرو مرفوعًا: "لا يركب البحر إلا حاجًا، أو معتمرًا، أو غازيًا في سبيل اللَّه فإن تحت البحر نارًا، وتحت النار بحرًا"(3). وروي عن ابن عمر مرفوعًا: "إنَّ جهنَّم محيطة بالدُّنيا،
(1) رواه البيهقي في "الشعب" 1/ 333 إلا أن فيه: "والبحر المسجور"، والطبري في "تفسيره" 12/ 460 (36432).
(2)
رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 460 (36432).
(3)
رواه أبو داود (2489)، وسعيد بن منصور 2/ 187، والبيهقي 4/ 334 و 6/ 18، قَالَ ابن عبد البر 1/ 240: هو حديث ضعيف مظلم الإسناد لا يصححه أهل العلم بالحديث لأن رواته مجهولون لا يعرفون.
وقال الحافظ في التلخيص 2/ 221: قَالَ أبو داود: رواته مجهولون، وقال الخطابي: ضعفوا إسناده، وقال البخاري: ليس هَذَا الحديث بصحيح، ورواه البزار من حديث نافع عن ابن عمر مرفوعًا وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف.
وإنَّ الجنةَ من ورائها فلذلك كان الصراط على جهنَّم طريقًا إلى الجنَّة". قال الحافظ ابن رجب: هذا حديث غريب منكر (1).
وقيل: إنَّ النَّارَ في السَّماء. وخرّج الإمام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أتيت بالبراق فلم نزايل طرفه أنا وجبريل حتَّى أتيت بيت المقدسِ، وفتحت لنا أبواب السماء، ورأيتُ الجنَّةَ والنار"(2).
وخرّج عنه أيضًا، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"رأيتُ ليلةَ أُسري بي الجنة والنار في السماءِ فقرأتُ هذه الآية: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)} [الذاريات: 22] فكأنِّي لم أقرأها قط"(3)(4).
ولا حجة في هذا ونحوه على أنَّ النَّارَ في السَّماءِ لجوازِ أنْ يراها في الأرضِ وهو في السماءِ وهذا الميت يرى وهو في قبره الجنةَ والنارَ وليست الجنةُ في الأرضِ وقد ثبت أنَّه صلى الله عليه وسلم رآهما وهو في صلاةِ الكسوفِ وهو في الأرض وفي بعض طريق حديث الإسراء عن أبي هريرة أنَّه مر على أرضِ الجنةِ والنارِ في مسيره إلى بيت المقدس (5). ولم
(1) التخويف من النار ص 48.
(2)
أخرجه الطيالسي (411)، والحاكم 2/ 391، وقال صحيح الإسناد.
وأخرجه أحمد 5/ 392، 5/ 394، والترمذي (3147) وقال حسن صحيح.
(3)
روي ذَلِكَ من قول مجاهد والضحاك وسفيان كما في تفسير الطبري 26/ 206، والعظمة لأبي الشيخ 4/ 1261.
(4)
"التخويف من النار" ص 65.
(5)
التخويف من النار ص 49.
يدل شيء من ذلك على أنَّ الجنةَ في الأرضِ، فحديث حذيفة إنْ ثبت فيه أنه رأى الجنةَ والنارَ في السماء، فالسماء ظرف للرؤية لا للمرئ أي: رأيتُ الجنةَ والنارَ حال كوني في السماءِ، يعني: صدرت الرؤيا مني وأنا في السماء، ولا تعرض في الحديث للمرئي فتأمل.
وفي حديث ضعيف جدًا أنه صلى الله عليه وسلم رأى الجنةَ والنارَ فوق السماواتِ، فلو صح حُمِلَ على ما ذكرنا.
وقد أخرج القاضي أبو يعلى -من رءوس أصحابنا- بسند جيد عن الإمام أبي بكر المروزي أن الإمام أحمد رضي الله عنه فسر له آيات متعددة من القرآن، فكان مما فُسِّر له قوله {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)} [التكوير: 6] قال أطباق النيران {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)} [الطور: 6] قال جهنم (1): وهذا يدل على أنه يرى أن النار في الأرض بخلاف ما رواه الخلَّال، عن المروزي من أن النار في السماء.
وقال مجاهدٌ في قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)} [الذاريات: 22] يعني: الجنة والنار (2). وتأوّله بعضهم على أن المراد أن أعمال الجنة والنار مقدرة في السماء، والحاصل أن الجنة في السمواتِ والنارَ في الأرض على الصحيح المعتمد كما قدمناه واللَّه تعالى الموفق.
(1) التخويف من النار ص 49.
(2)
رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 461 (32188).