الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وأعلم أنَّ أهْلَ الجنةِ ينبغي لهم أن يطلبوها، ويجتهدوا في طلبها قال تعالى حاكيًا عن أولي الألباب من عبادِه:{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)} [آل عمران: 194] فالمعنى: آتنا ما وعدتنا مِن دخولِ الجنةِ، ونعيمها، وما أعددته لنا فيها على ألسنة رسلك صلوات الله وسلامه عليهم ولا تخزنا يومَ القيامةِ بإدخالنا النَّار، وإظهار ما اقترفنا من الذنوبِ والأوزار، واستر علينا فإنَّك أنت الستار، واغفرْ ذنوبَنا إنك أنتَ الغفَار. وقال تعالى:
يسأله إياه عباده المؤمنون ويسأله إياه ملائكته المقربون لهم والجنة تسأل ربّها أهلها وأهلها يسألونه إياها والرسل يسألونه إياها لهم ولأتباعهم.
وأخرج أبو نعيم عن أنسٍ رضي الله عنه والترمذي والنَّسائيُّ وابنُ ماجه عن يزيد بنِ أبي مريم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ مُسلم يسألُ اللهَ الجنَّةَ ثلاثاً قالت الجنَّة: اللَّهمَّ أَدْخِلْهُ الجنَّةَ. ومَن استجارَ بالله من النَّارِ ثلاثاً، قالت النَّارُ: اللَّهم أجِرْه من النَّار"(1).
(1) رواه أحمد 3/ 117، والترمذي (2572)، والنَّسائيُّ 8/ 279، وابن ماجة (4340)
وأخرج ابن أبي شيبة، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ما سألَ الله عبد الجنَّةَ في يومٍ سبعَ مراتٍ، إلَّا قالت الجنَّةُ: يا رب إن عبدَك فلانًا سألني، فَأدخلْنِيه".
وأخْرجَ أبو يعلى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما استجار عبدْ من النَّارِ سبع مرات، إلَّا قالت النَّارُ: يا رب إن عبدك فلانًا استجار مني فأجِرْه ولا يسأل عبدْ الجنَّةَ سبعَ مرات، إلَّا قالت الجنةُ: يا رب إن عبدك فلانًا سألني فأدْخِلْه الجنَّة"(1). قال في حادي الأرواح: إسنادُه على شرطِ الصحيحين وعند أبي داودَ عنهُ مرفوعًا: "مَنْ قال: أسالُ اللهَ الجنَّةَ سَبْعَاً: قالتِ الجنةُ: اللهُم أدْخله الجنَّةَ"(2)، وعند الحسن بن سفيان عَنْ أبي هريرةَ أيضاً مرفوعاً:"أكثروا مسألة الله الجنَّة واستعيذوا بالله من النَّار، فإنَّهما شافعتان مشفعتان وإن العبدَ إذا أكثر مسألة الله الجنَّة. قالت الجنةُ: يا رب عبدك هذا الذي سألنيك فأسْكنه إياي، وتقول النَّارُ: يا رب عبدك هذا الذي استعاذ بكَ منِّي فأعذه"(3).
واعلمْ أنّ جماعة مِنَ السَّلفِ أمتنعوا أن يَسْألوا اللهَ الجنَّةَ، وقالوا: حسبنا أن يجيرنا مِنَ النَّارِ منهم: أبو الصهباء وعطاء السلمي.
(1) رواه أبو يعلى 11/ 54 - 55 (6192)، وابن حبان في المجروحين 3/ 140.
(2)
رواه أبو داود الطَّيالسيُّ في "مسنده"(2702)، والدارقطني في "العلل" 11/ 189، قُلْتُ: قَالَ المصنف: وعند أبي داود. ومن المعروف أنَّه إِذَا أطلق قصد به السنن لأبي داود السجستاني، وقد أطلقه هنا وقصد به الطيالسي.
(3)
رواه أبو عبد الرحمن الضبي في الدعاء ص 363 (158).
روي أن أبا الصهباء صَلَّى ليلة إلى السحَر ثم رفعَ يديه وقال: اللَّهمَّ أجرني مِن النَّار أَوَ مثلي يجترئ يسألك الجنَّةَ؟ وكان عطاء السلمي لا يسأل الجنَّة، فقال له صالح المري: إنَّ أبان حدثَني عَنْ أنسٍ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "يقولُ اللهُ عز وجل: انظروا في ديوانِ عبدي فمن رأيتموه سَألَني الجنَّةَ أعطيته، ومَنْ استعاذني من النَّارِ أعذته"(1). فقال عطاء: كفاني أن يجيرني من النَّارِ. ذكرهما أبو نعيمٍ: هكذا رأى هؤلاء السادةُ، مع أنَّه أخرجَ أبو داود عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يسأل بوجه اللهِ إلَّا الجنَّة"(2).
وأخرجَ أيضاً أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: للفتى -يعني: الذي شكاه: "كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت؟ " قال: أقرأُ بفاتحةِ الكتابِ، وأسألُ الله الجنَّةَ، وأعوذ به من النَّارِ، وإني لا أدري، ما دندنتك، ودندنة معاذ؟ فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"إني ومعاذ حولها نُدندن"(3)، وفي الحديث:"ما مِن يوم إلَّا والجنة والنَّار يسألان: تقول الجنةُ: يا رب قَدْ طابت أثماري واطردت أنهاري، واشتقتُ إلى أوليائي، فعجلْ إليَ بأهلي". الحديث.
(1) رواه أبو نعيم في "الحلية" 6/ 175، وذكره ابن رجب الحنبلي في التخويف من النار ص 58، وقال: وروى صالح المري عن أبان عن أنس، فذكره ثم قَالَ: وإسناده ضعيف.
(2)
رواه أبو داود (1671).
(3)
رواه أحمد 3/ 474، وأبو داود (792)، وابن خريمة (725)، وابن حبان (868).
فالجنَّةُ تطلبُ أهلَها بالذات، وتجذبهم إليها جذبًا. والنَّار كذلك. وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بدوام ذكرهما، وحثنا على ذلك حثًا بليغاً.
أخرج أبو يعلى الموصلي عن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تنسوا العظيمتين". قالوا: وما العظيمتان يا رسولَ اللهِ؟ قال: "الجنَّة والنار"(1).
وعند أبي بكرٍ الشَّافعي عن كليب بن حزن مرفوعًا: "اطلبوا الجنَّة جهدكم، واهربوا من النَّارِ جهدكم؛ فإن الجنَّةَ لا ينام طالبُهَا، وإن النَّارَ لا ينام هاربها. وإن الآخرةَ اليوم محفوفةٌ بالمكاره، وإن الدُّنيا محفوفة باللذات، والشهوات. فلا تُلهِيَنكم عن الآخرة"(2).
قال الإمام ناصر السنة ابن الجوزي قدَّس الله روحه: اعلمْ أن الجنَّةَ محفوفةٌ بالمكاره، فمتى أردتها فاصبر عما تكره لعلك تنال ما تحب، واعلم أنَّ الدُّنيا، والآخرةَ ضرتان، فمتي أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى، والعاقلُ يَشْغلُ قلبَه بمولاه، ويطلبُ بكلِّ جهده ورضاه. شعر لمؤلفه (3).
ومَنْ لي بأن ترضى على ولم يكن
…
لنفسي مطلوب سواك ومقصد
وتسكن في قلبي المحبة والرضا
…
وأمسي لديك الله أسعى وأحفد
(1) أورده ابن رجب الحنبلي في التخويف من النار ص 44 وعزاه لأبي يعلي ولم أجده في المطبوع، الكنى والأسماء للدولابي رقم (1420) التَّاريخ الكبير للبخاري (1/ 417) المطالب العالية (3318) صفه النَّار لابن أبي الدنيا (2) سيأتي في ص 1289.
(2)
أخرجه الطّبرانيّ في "الكبير"(19/ 200) رقم 449، وفي "الأوسط"(4/ 73) رقم (3643).
(3)
كتبت بخط صغير في (ط).