الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونقله النسفي في "بحر الكلام" عن أهل السنة، والجماعة وفي ذلك أحاديث جمة.
الرابع: في الجنة.
الخامس: أنَّهم في برزخ بين الجنة والنار.
السادس: أنهم يمتحنون.
السابع: وهو المختار الوقف والله أعلم.
المسألة الرابعة: في أهل الفترة ونحوهم
وقد اْختلف العلماء فيهم قديمًا وحديثا وهم الأمم الكائنة بين أزمنة الرسل عليهم السلام الذين لم يرسل الله إليهم الرسول الأوّل، ولم يدركوا الثاني كالأعراب الذين لم يرسل إليهم عيسى، ولم يدركوا نبيّنا عليهما الصلاة والسلام فعلى هذا الفترة ما كانت بين رسولين كنوح وهود لكن مقصودنا هنا ما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
وذكر البخاري (1) عن سلمان أنها كانت ستمائة سنة إذا علم هذا فأخرج الإمام أحمد، والبيهقي وصححه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "أريعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئًا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة فأمَّا الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا، وأما الأحمق فيقول: ربِّ لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر وأما الهرم فيقول: ربّ لقد جاء الإسلام ولا أعقل
(1) رقم (3948) بسنده موقوفاً على سلمان رضي الله عنه.
شيئاً، وأمَّا الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعونه فيرسل إليهم أن اْدخلوا النار فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا" (1).
وأخرجا أيضاً عن أبي هريرة مرفوعًا مثله غير أنَّه قال في آخره: "فمَنْ دخلها كانت عليه برداً وسلاما، ومَنْ لم يدخلها يسحب إليها"(2).
وأخرجَ البزار، وأبو يعلى عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بأربعة يوم القيامة بالمولود، والمعتوه، ومن مات في الفترة، والشيخ الفاني كلهم يتكلم بحجته فيقول الرب لعنق من النار، اْبرز، ويقول لهم: إني كنت أبعث إلى عبادي رسلاً من أنفسهم، وأنِّي رسولُ نفسي إليكم اْدخلوا هذه فيقول: من كتب عليه الشقاء: يا رب أندخلها ومنها كلنا نفر ومَن كتبت له السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعاً فيقول الله: أنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار"(3).
(1) رواه أحمد عن الأسود بن سريع 4/ 24، والضياء في المختارة (1454)، والبيهقي في الاعتقاد ص (202)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(41)، والطبراني في "الكبير"(1/ 264)، والبزار (2174) كشف الأستار، وذكر الهيثمي في "المجمع" 7/ 216 أن رجال أحمد والبزار رجال الصحيح، والحديث صححه الألباني، الصحيحة (1434).
(2)
صحيح أخرجه أحمد 4/ 24، وإسحاق بن راهويه (42)، والضياء في "المختارة"(1455)، والبزار (2175) كشف الأستار. وهو صحيح.
(3)
رواه أبو يعلى (4224)، والبزار (2177) كشف الأستار، وأورده الهيثمي=
وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وفيه:"يقول الله: إني آمركم بأمر فتطيعون؟ فيقولون: نعم فيقول: اْذهبوا فادخلوا النار ولو دخلوها ما ضرتهم"(1) الحديث.
وأخرج البزار عن ثوبان أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم عظَّم شأن المسألة فقال: "إذا كان يوم القيامة جاء أهلُ الجاهليةِ يحملون أوثانهم على ظهورهم فيسألهم ربُّهم فيقولون: ربنا لم ترسل لنا رسلاً، ولم يأتنا أمر ولو أرسلت إلينا رسولا لكنَّا أطوعَ عبادك فيقول لهم ربُّهم: أرأيتم إن أمرتكم بأمر تطيعونني فيه؟ فيقولون: نعم. فيأخذ على ذلك مواثيقهم فيقول: اْعمدوا إليها فادخلوها فينطلقون حتى إذا رأوها فَرَقُوا، فرجعوا، فقالوا: ربنا فرقنا منها، ولا نستطيع أن ندخلها فيقول: اْدخلوها داخرين" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو دخلوها أوّل مرة كانت عليهم بردا وسلاما"(2) والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدًا، وقيل: إنّ أهْلَ
= في "مجمع الزوائد" رقم (7/ 216) وقال: رواه أبو يعلى والبزار بنحوه، وفيه: ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح.
والحديث صححه الألباني في "الصحيحة"(2468).
(1)
رواه الطبراني في "الكبير" 20/ 83 - 84، وفي "الأوسط" (7955) وأورده الهيثمي في "المجمع" 7/ 217 وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه: عمرو بن واقد، وهو متروك عند البخاري وغيره، ورمي بالكذب، وقال محمد بن المبارك الصوري: كان يتبع السلطان، وكان صدوقاً، وبقية رجال الكبير رجال الصحيح.
(2)
أخرجه البزار (3433) كما في "كشف الأستار".
الفترة ناجون إلا من بدل كعمرو بن لحي، وقيل: ناجون إلا من ورد أنه في النار كعمرو بن لحي وامرئ القيس، وقيل: إنهم هالكون؛ لأنَّهم مشركون، والجنة محرمة عليهم.
وقال جمع: أهل الفترة ناجون جميعًا إلا من وَرَدَ فيه حديث صحيح من أهل الفترة بأنّه في النار فإن أمكن تأويله فذاك، وإلا لزمنا أن نؤمن بهذا الفرد بخصوصه وإن لم يوافق ما مهده أئمتنا قال: لأن الأدلة الجزئية لا يقضي بها على الأدلة الكلية.
واستدل هؤلاء بقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
قلت: وهذا الكلام لا يخفى زيفه (1) على مَن حكم الشريعة على آراء الرجال، ونبذها خلف ظهره، وتمسك بأقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأفعاله، وعض على سنته الغراء بالنواجذ وجعل شريعته المطهرة أصلاً وكل ما خطر بباله عرضه على ذلك الأصل فإن وافقه قَبِلَه وإن خالفته نفض يديه منه.
وأما من جعل ما اْنتحله شيخه ومتبوعه أصلاً (2) وما ورد من
(1) ورد في هامش الأصل: قوله: زيفه: الزيف: العيب. وفي هَذَا الكلام ردٌّ لكلامِ القائل بأنَّ أهلَ الفترةِ ناجون ولو غيَّروا؛ إلا من صحَّ فيه أنه من أهل النار إلخ والقول: إن الانتصار للسنة المطهرة حقٌّ، ولكن ينبغي أن يكون بمراعاةِ الأدب مع أئمة الدين، فإنهم عَلىَ هدىً من ربهم. عبد الله العدوة أهـ.
(2)
ورد في هامش الأصل: قوله: وأما من جعل ما انتحله شيخه ومتبوعه أصلاً .. إلخ فيه: أن هذه المقالة اختارها كثير من الأئمة الأعلام والجهابذة=
الأخبار النبوية قاسه على رأي متبوعه فهذا يرى ما لا يرى العبد المعترف بالعبودية الخاضع لأقوال رسول معبوده وسيده ومولاه المعترف بقصوره وعجزه عن إدراك الحكمة الربانية المسلِّم للكلمات الربانية والآثار النبوية.
فيالله العجب حيث ثبت ما تلوناه من الأخبار ونقلناه من الآثار عن المصطفى المختار ودوّنه الأخيار وقال به الأبرار ولم يدفعه عقل صحيح ولا نقل صريح فا وجه العدول عنه إلى القول بنجاة أهل الفترة.
= الكرام وعمدتهم في ذَلِكَ قوله تعالى: الآية {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] وقد جنح لهذه المقالة العلامة الشيخ مرعي في بهجته. فارجع إليه فإنه أجاد، واعلم أنه رحمه الله تعرّض لردّ ما نقله في البهجة عن العلامة المحقق ابن حجر الهيتمي في قوله: إن الأدلة الكلية ناصَّة عَلَى أنه لا تعذيب إلا بعد بلوغ البعثة إليهم، والعرب أهل الفزة لم يبعث إليهم نبيٌّ يدعوهم إلى الإيمان فكيف يعذَّبون؟! ويقتصر في التعذيب عَلَى من صحّ فيه كرأيت عَمْرو ابن لحي في النار، فإنه أول من سنّ للعرب عبادة الأصنام وشرّع الأحكام. فالأحاديث محمولة عَلَى من غيَّر وبدَّل. أهـ مختصراً وملخصاً من مقالته رحمه الله. وقد أتي بما يُشمُّ منه رائحة الحطِّ عَلَى علماء الحديث القائلين بظاهر الأحاديث ووصفهم بالجمود عَلَى ظاهر الأحاديث لغفلتهم عمَّا قرّره الأئمة الذين عليهم المعتمد في تحقيق العلوم النقلية. قَالَ في البهجة: قُلْتُ: فكلامه أعني ابن حجرٍ في غاية التحقيق لا ينبغي العدول عنه. أهـ كاتبه عبد الله العدوة.
وفي حديث أبي رزين (1) الذي ذكرناه سابقًا ما يناقض ما زعمه هؤلاء خبره وخبر ابن جدعان حيث سألت عائشة المصطفى عنه فقال: "إنه في النار" وهذا حاتم الطائي أكرم الجاهلية والذي يضرب بكرمه وبمكارم أخلاقه الأمثال ورد الحديث بأنه في النار وأيضًا فالأرض لم تخل من شرع وداعٍ إلى الله تعالى منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة.
فالذي نختاره ونذهب إليه الوقف بأنهم في الجنة أو في النار إلا ما ثبت عن المصطفى أنه في النار فإنه فيها ومن لا فنكل أمره إلى الله تعالى إن شاء رب العالمين اْمتحنهم كما أخبر الصادق الذي لا ينطق عن الهوى فمن أسعده الله سعد ودخل النار فتكون عليه بردًا وسلامًا ثم يدخله الجنة ومن أبي دخل النار وخُلِّد فيها كما نطق به الحديث الصحيح هذا الذي ندين الله به ولا نظر لسفساف يتشدق ومتكلم يتونق.
(1) انظر حديث لقيط ص 960 وجزء منه في ص 1172، 1173 (على تخليد أهل الفترة)، ويكفي في ذلك الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم (2865) قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب" وهذا المقت كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمنا الله وإياه لعدم هدايتهم بالرسل فرفع عنهم هذا المقت برسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثه الله رحمة للعالمين وحجة للسالكين وحجة على الخلائق أجمعين. اهـ.
نعم الوالدان السعيدان (1) نرجو الله أن يكونا ناجيين فائزين ببركة سيد (2) الكونين والله يفعل ما يريد ويختار ما كان لهم الخيرة من أمره سبحانه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
وأنا أعتذر إلى الله تعالى من سوء فهمي وقلة علمي وأستمد منه المعونة والعافية والتوفيق والهداية لأقوم طريق.
(1) ورد في هامش الأصل: قَالَ ابن حجر: الحقُّ الذي لا غبار عليه أنَّ أبوى النبي صلى الله عليه وسلم ناجيان لا عقاب عليهما. اهـ عبد الله العدوة.
أقول: ليعلم كل مطلع على هذه الأحرف أن الحكم والقول بنجاة والديّ النبي صلى الله عليه وسلم هو هدم لصريح قاعدة من قواعد الاعتقاد، وهي أن الإيمان هو الشرط الأول لدخول الجنة وغير ذلك، إنما هو تلبيس من الشيطان فمجرد النسبة العرقية لوالدي النبي صلى الله عليه وسلم وأنها مفتاح الجنة: تقول على الله بغير علم وهدم لقاعدة الاعتقاد التي هي أصل من أصول الإسلام من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه.
(2)
البركة من الله عز وجل ولا تطلب من غيره وأيضاً البركة باتباعه صلى الله عليه وسلم.