الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الماء فيها باردًا بردًا شديدًا كاد أن يجمد، فذكر الزمهرير الذي في النار ويده في المطهرة فلم يخرجها منها حتَّى أصبح، فجاءت الجارية وهو على تلك الحال فقالت: ما شأنُكَ يا سيدي؟ لم تصلِّ الليلة كما كنت تُصلَّي؟ قال: ويحك إني أدخلت يدي في هذه المطهرة فاشتد عليَّ البردُ فذكرت به الزمهرير فوالله ما شعرت لشدة برده حتَّى وقفتِ عليَّ، انظري لا تخبري بهذا أحدًا ما دمت حيًا فاعلم بذلك أحدٌ حتَّى مات رحمه اللَّه تعالى.
فصل
وأما سجر جهنم وتسعيرها فقد سبق أنه أوقِد عليها ثلاثة آلاف عام. وخرَّج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق اللَّه النار أرسلَ جبريلَ عليه السلام إليها وقال: اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددتُ لأهلها فيها، قال: فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضا، ثم رجع وقال: وعزتك لا يدخلها أحد سمع بها، فامر بها فَحُفَّت بالشهوات ثم قال: أذهب فانظر ما أعددت لأهلها فيها، فنظر إليها فرجع فقال: وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلّا دخلها"(1) واعلم أن جهنم تسجر كل يوم نصف النهار.
أخرج مسلم عن عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صلِّ
(1) أخرجه أحمد 2/ 354 (8648)، وأبو داود (4744)، والترمذي (2560) وقال الترمذي: حسن صحيح.
صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتَّى تطلع الشمس وترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صلِّ فإن الصلاة مشهودةٌ حتَّى يستقلَّ الظِّلُّ بالرمح ثم أقصِر عن الصلاةِ فإِنه حينئذ تُسجر جهنم فإذا أقْبَلَ الفئُ فصل" (1). وذكر بقية الحديث.
وفي حديث صفوان بن المعطل السلمي مرفوعًا: "إذا طلعت الشمس فصلِّ حتَّى يعتدل على رأسك مثل الرمح فإذا اعتدلت على رأسك فإن تلك الساعة تسجر جهنم فيها وتفتح فيها أبوابها حتَّى تزول عن حاجبك الأيمن" خرَّجه عبد اللَّه بن الإمام أحمد (2)، طيب الله ثراهما.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "فإذا انتصف النهار فأقصِر عن الصلاة حتَّى تميل الشمس فإنها حينئذ تُسْجر جهنم وشدة الحرّ من فيح جهنم"(3).
(1) أخرجه مسلم (832).
(2)
في "زوائده على مسند الإمام أحمد" 5/ 312.
والحديث رواه ابن ماجه (1252) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في الساعات التي تكره فيها الصلاة، رواه عن أبي هريرة، قال: سأل صفوان بن المعطل رسول الله. . . ورواه الحاكم 3/ 518 كتاب: معرفة الصحابة، باب: ذكر صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه.
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(3)
رواه ابن خزيمة 2/ 257 - 258 (1275)، كتاب: الصلاة، باب: النهي عن التطوع نصف النهار حتى تزول الشمس، وابن ماجه 4/ 418 (1550) كتاب: الصلاة، باب: فصل في الأوقات المنهي عنها.
وخرَّج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "إذا اشتد الحرّ فأبردوا بالصلاة فإن شدّة الحرّ من فيح جهنم"(1) وعند أبي نعيم "من فيح جهنم أو من فيح أبواب جهنم".
وعند أبي داود عن أبي قتادة أنه صلى الله عليه وسلم كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال: "إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة"(2) وفي إسناده انقطاع.
وقد تسجر أحيانًا في غير نصف النهار كما خرَّجه الطبراني (3) عن ابن أمّ مكتوم رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة فقال: "سعرت النار وجاءت الفتن". فذكر الحديث.
(1) أخرجه البخاري (533، 534)، ومسلم (615)، وأحمد 2/ 501 (10506).
(2)
رواه أبو داود (1083) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال. قال أبو داود: وهو مرسل، مجاهد أكبر من أبي الخليل، وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة.
والبيهقي 3/ 193، كتاب: الجمعة، باب: الصلاة يوم الجمعة نصف النهار وقبله وبعده حتى يخرج الإمام.
وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" 10/ 3 (200)، ولكنه صحيح المعنى كما بينه ابن القيم في "زاد المعاد" 1/ 378 - 380.
(3)
في "المعجم الأوسط" 1/ 272 (887). قال الطبراني: "لا يُرْوى هذا الحديث عن ابن أم مكتوم إلا بهذا الإسناد. تفرَّد به: إسحاق بن سليمان".
وانظر: "مجمع الزوائد" 10/ 229 - 230، قال الهيثمي:"رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أهل الحجرات سعرت النار لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرا"(1) وفيه من تُكُلِّم فيه ورواه الأعمشُ مرسلًا واللَّه تعالى أعلُم.
وتسجرُ جهنم أيضًا يوم القيامة قال تعالى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)} [التكوير: 12 - 14] وقرئ سعرت بالتخفيف والتشديد قال الزجَّاج: المعنى واحد إلا أن معنى المشدد أوقدت مرّة بعد مرّة، وقال قتادة في قوله تعالى:{وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12)} أوُقدت وقال السدى: أُحميت، وقال قتادة: سَعَّرها غضُب اللَّه وخطايا بني آدم (2). وخرَّجه ابن أبي حاتم.
وهذا يقتضي كما قال الحافظ: إن تسعير جهنم حيث سعرت فإنما تسعر بخطايا بني آدم المقتضية غضب الجبار عليهم، فتزداد جهنم حينئذ تلةُبًا وتسعُرًا وهذا كما أنّ درج الجنة وغرس أشجارها يحصل بأعمال بني آدم الصالحة من الذكر وغيره وكذلك حسن ما فيها من الأزواج وغيرهم يتزايد بتحسين الأعمال الصالحة فكذلك جهنم تسعر وتزداد آلاتُ العذاب فيها بكثرة ذنوب بني آدم وخطاياهم وغضب مولاهم، عياذًا اللهم بك من غضبك ومن النار وما يقرب إليها من قول وعمل ونيّة (3).
(1) يشهد لَهُ حديث أبي هريرة الذي أخرجه أحمد 2/ 467 (10029).
(2)
انظر: "تفسير الماوردي" 6/ 215، و"تفسير ابن كثير" 14/ 266.
(3)
"التخويف من النار" 100 - 101.
وقول الحافظ: يحصل بأعمال بني آدم يعني يزداد بذلك كما فهم من أثناء كلامه والله أعلم.
وتسجر أيضًا على أهلها بعد دخولهم إليها قال تعالى: {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء: 97] قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: كلما طفئت أوقدت، وقال:{خَبَتْ} : سكنت، قال ابن قتيبة: خبت النار إذا سكنَ لهبها، فاللهب يسكنُ والجمر يغلي، وقال غيره من المفسرين (1): تأكلهم فإذا صاروا فحمًا ولم تجد النار شيئًا تأكله أُعيد خلقُهم جديدًا فتعودُ لهم، وقوله {زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} أي: نارا تتسعر وتلتهب (2).
قلت: يكون السعير موجودًا فيزاد عليهم سعيرًا أيضًا كما يفهمُ من قوله تعالى: {زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} فإن قولك ازددت علمًا يشعر أنك كنت قبل الزيادة عالمًا ومتصفًا بالعلم، وإنما الذي حصل لك زيادة على ما كنت متصفًا به واللَّه أعلم.
وقال تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14)} [الليل: 14] أي توهج قاله مجاهد وغيره (3) وقرأ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في صلاته سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)} فلما بلغ قوله: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14)} بكى ولم
(1) انظر: "تفسير الطبري" 8/ 153، و"زاد المسير" 5/ 90 - 91.
(2)
"التخويف من النار" ص 97 - 101.
(3)
انظر: "تفسير الطبري" 12/ 618، و"زاد المسير" 9/ 151.