الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستطيع أن (يجيزها)(1)، ثم عاد فقرأ السورة حتى بلغ الآية فلم يستطع أن يجيزها مرتين أو ثلاثًا ثم قرأ سورة غيرها رحمه اللَّه تعالى (2).
فصل
وأما تغيظها وزفيرها فقال جلّ شأنه وتعالى سلطانه: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)} [الفرقان: 11، 12] وقال: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)} [الملك: 6 - 8].
والشهيق: الصوت الذي يخرج من الجوف بشدة كصوت الحمار وقال الربيع: الشهيق في الصدر. وقال المنذري: الشهيق في الصدر والزفير في الحلق، وقال ابن فارس: الشهيق ضد الزفير لأن الشهيق ردَّ النفَس والزفير إخراجه (3).
وقال مجاهد (4) في قوله تعالى: {وَهِيَ تَفُورُ} تغلي كما تغلي القدور.
(1) ورد في هامش الأصل: أن يجاوزها. من خطه رحمه الله.
(2)
"التخويف من النار" 102
(3)
"المجمل" لابن فارس 2/ 514، و"لسان العرب" 4/ 2353، وانظر:"تفسير الماوردي" 6/ 53.
(4)
رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 167 (34491).
وابن عباس (1): تتميز تتفرق، وعنه يكاد يفارق بعضها بعضًا، وتتفطر.
وقال الضحاك: تتميز تتفطر، وذلك من شدة الغيظ على أهل المعاصي غضبًا لله تعالى وانتقامًا له.
وخرَّج ابن أبي حاتم (2) عن رجل من الصحابة رضي الله عنهم أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "من قال عليَّ ما لم أَقُلْ فليتبوّأ بين عيني جهنم مقعدًا"(3) قيل: يا رسول الله وهل لها عينان؟ قال: "نعم أولم تسمع قوله تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)} [الفرقان: 12] ".
فليتبوَّأ أي: فليتخذ ويمهد له في جهنم مقعدًا ولعل مراده بعيني جهنم يحمل على ظاهره واللَّه أعلم.
وقال كعب: ما خلق الله شيئًا إلا وهو يسمع زفير جهنم غدوة وعشية إلا الثقلين اللذين عليهما الحساب والعذاب. رواه الجوزجاني (4).
ورواه الإمام أحمد في "الزهد" بمعناه عن معتب بن سمي وقال الضحّاك: إن لجهنم يعني يوم القيامة زفرة لا يبقى ملك مقرّب ولا نبي
(1) رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 167 (34492 - 34493).
(2)
"تفسير ابن أبي حاتم" 8/ 2667 (14999).
(3)
أخرجه الطبري في "تفسيره" 18/ 187.
(4)
"التخويف من النار" 103 - 104.
مرسل إلّا خرّ ساجدًا يقول: رب نفسي. وعند ابن عمير (1) نحوه إلا أنه قَالَ: فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي إلا وقع لركبتيه ترعد فرائصه يقول: رب نفسي رب نفسي.
وقال وهب: إذا سيرت الجبال فسمعت حسيس النار وتغيظها وزفيرها وشهيقها صرخت الجبال كما تصرخ النساء ثم يرجع أوائلها عَلىَ أواخرها يدق بعضُها بعضًا. خرَّجه الإمام أحمدُ (2).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قوله تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)} [الفرقان: 12] من مسيرة مائة عام وذلك إذا أتي بجهنم تُقَادُ بسبعين ألف زمام يشد بكل زمام سبعون ألف ملك لو تركت لأتت على كل بَرٍّ وفاجر ععوا لها تغيظًا وزفيرًا تزفرُ زفرةً لا تُبْقِي قطرةً من دمع إلا بدرت ثم تزفرُ الثانيةَ فتقطعُ القلوبَ من أماكنها وتقطعُ اللهواتِ والحناجر، وإنَّ قوله {الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} (3) [الأحزاب: 10] رواه آدم، وفيه عاصم الكوري ضعيف جدًا.
وخرّج عبد الله بن الإمام أحمد عن عبد الله بن أبي جعفر قال: إنَّ جهنم لتزفر زفرة تنشق منها قلوب الظلمة ثم تزفر أخرى فيطيروا من الأرض حتَّى يقعوا على رؤوسهم.
(1) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 56 (2080).
(2)
في "الزهد"447.
(3)
ضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" 2/ 436 (2131).
وخرَّج أبو نعيم (1): أن أمير الؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب: خوفنا، قَالَ: والذي نفسي بيده إن النار لتقرب يوم القيامة لها زفيرٌ وشهيقٌ حتَّى إذا دنت وقربت زفرت زفرة فما خلق اللَّه من نبيٍّ ولا صدِّيقٍ ولا شهيدٍ إلا وجثا لركبتيه ساقطًا حتَّى يقول كل نبي وصديقٍ وشهيدٍ: اللهم لا أكلفك اليوم إلا نفسي، ولو كان لك يا ابن الخطاب عمل سبعين نبيًا لظننت أنك لا تنجو، قال عمر رضي الله عنه: إن الأمر لشديدٌ (2).
وفي رواية عنه: لا يبقى ملك مقرب ولا غيره إلا خرّ جاثيًا على ركبتيه يقول: ربِّ نفسي نفسي. وجثا نبينا وإبراهيم وإسحق عليهم السلام، فأبكى القوم حتَّى نشجوا.
وفي رواية: فأطرق عمر رضي الله عنه مليًّا فقال له كعب: يا أمير المؤمنين ألستم تجدون هذا في كتاب اللَّه عز وجل؟ قال عمر: كيف؟ قال: يقول اللَّه عز وجل في هذه الآية: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)} [النحل: 111](3).
فيا صريعَ شهوتهِ وقتيلَ لذتِه انتبه لهذا اليومِ العظيمِ وتزودْ لهذا الخطبِ الجسيم يا لاهٍ في اللذات هَلَّا وله في الطاعات، ويحك يا قتيل نفسه، ويا مطيع حدسه تفكر فيما أنت آيل إليه وتدبرٍ فيما أنت قادمٌ
(1) في "حلية الأولياء" 5/ 371.
(2)
"التخويف من النار" 105 - 106.
(3)
رواه أحمد في "الزهد" 1/ 150، 151.
عليه حيث يتلاشى الشفعاء وينحط الرفعاء من علم عظمة الإله زاد وجَلُه ومن خاف مقام ربه حسُنَ عملُه.
الخوف يستخرج داء البطالة ويشفيه وهو نعم المؤدب للمؤمنِ يكفيه فالخوف للنفسِ سائق والرجاء قائد، ريح الرجاء يسكنُ وحوف الخوف وسيف الخوف يقطع سيف سوف.
في "التبصرة" للإمام ناصر السنة طيب اللَّه ثراه قال بعض السلف: رأيتُ في بعض الجبال شابًا أصفر اللون غائر العينين مرتعش الأعضاء لا يستقر على الأرض كانّ به وخزُ الأسنّةِ ودموعُه تتحادر فقلت: من أنت؟ فقال: آبِق أبَقَ من مولاه فقلت: فتعود وتعتذر فقال: العذر يحتاج إلى إقامة حجةٍ فبماذا يعتذُر المقصِّر؟ قلت: يتعلق بمن يشفع فيه، فقال: كل الشفعاء يخافون منه، قلت: فمن هو؟ قال: مولًى ربّاني صغيرًا فعصيته كبيرًا، شرط إلى فوفَّاني وضمن لي فأعطاني فخنته في ضماني فعصيته وهو يراني فواحيائي من حسن صُنْعهِ وقبيح فعلي فقلت: أين هذا المولى؟ فقال: أين توجهت لقيت أعوانه وأين استقرت قدمك ففي داره، فقلت: أرفق بنفسك فربما أحرقك هذا الخوف، فقال: الحريق بنار خوفه لعله يرضى أخف وأولى ثم أنشأ يقول رحمه اللَّه تعالى:
لم يبق خوفك لي دمعًا ولا جَلدا
…
لاشك أني بهذا ميت كمدا
عبد كئيب أتى بالعجز معترفا
…
وناره تحرق الأحشاء والكبدا
ضاقت مساكِنُه في الأرضِ من وجلٍ
…
فهب له منك لطفًا إن لقيك غدا