الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وأما أشجار الجنَّة، وبساتينها، وظلالها فقد قال تعالى:{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)} [الواقعة: 27 - 28] أي: لا شوك فيه كأنه خُضِدَ شوكهُ، أي: قطع ونزع منه، ذكره البغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة، وقال الحسن لا يعقر الأيدي، وقال ابن كيسان: لا أذى فيه (1). انتهى.
وفي الحديث في المدينة "لا يخضد شوكها، ولا يعضد شجرها" وقال الضحاك ومقاتل: هو الموفر حملا.
قال العلامة في "بهجة الناظرين"(2): وليس شيء من ثمر الجنَّة في غلفه كما يكون في الدنيا مثل الباقلاء وغيره بل هو كله مأكول، ومشروب، ومنظور إليه، ومشموم.
{وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)} [الواقعة: 29] أي: موز متراكم قد نُضِّد بالْحَمْل من أوَّله إلى آخره ليست له سوق بارزة. قال مسروق: أشجار الجنَّة من عروقها إلى أفنانها ثمر كله (3).
تنبيه: ما ذكرنا أن الطلح الموز هو ما قدمه البغوي، ونقله في "حادي الأرواح" (4) عن أكثر المفسرين قال: وهذا قول عليّ وابن عباس، وأبي هريرة، وأبي سعيد رضي الله عنهم.
(1) البغوي في "التفسير" 8/ 11، 12.
(2)
مخ/ 374.
(3)
المصدر السابق 8/ 12.
(4)
"حادي الأرواح" ص 237.
وقالت طائفة: بل هو شجر عظام طوال، وهو من شجر البوادي الكثير الشوك عند العرب قال حاديهم:
سيرها دليلها وقالا
…
غدا ترين الطلح والجبالا
ولهذا الطلح (1) الشجر نور، ورائحة طيبة، وظل ظليل، وقد نضد بالحمل والثمر مكان الشوك.
وقال الليث: الطلح شجر أمِّ غيلان له شوك أحجن من أعظم العضاة شوكا، وأصلبه عودًا وأجوده صمغا.
وقال أبو إسحق: يجوز أن يعني به شجر أمّ غيلان؛ لأن له نورًا طيب الرائحة جدًا فوعدوا بما يحبون مثله، إلا أن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنَّة على سائر ما في الدنيا فإنه ليس في الدنيا مما في الجنَّة إلا الأسامي (2).
قال في "حادي الأرواح"(3): الظاهر أن من فسر الطلح المنضود بالموز إنما أراد التمثيل به لحسن نضده، وإلا فالطلح في اللغةِ: هو الشجر العظام من شجر البوادي والله أعلم.
وأخرج البيهقي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال أعرابي: يا رسُولَ الله، لقد ذكر الله في القرآن شجرة مؤذية، وما كنت أرى أن في
(1) ساقطة في (ب).
(2)
انظر هذه الأقوال في "تفسير القرطبي" 17/ 208، و"حادي الأرواح" ص 238.
(3)
"حادي الأرواح" ص 238.
الجنَّة شجرة تؤذي صاحبها: فقال عليه الصلاة والسلام: "وما هي؟ " قال: السدر، فإنَّ لها شوكًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يقول الله عز وجل: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)} [الواقعة: 28] يخضد الله شوكه فيجعل مكان كلّ شوكة ثمرة، إنها تنبت، ثُمَّ ينفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لونًا من الطعام ما منها لون يشبه الآخر"(1). وأخرج الطبراني (2) مثله والله أعلم.
قال تعالى: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} [الواقعة: 29]. قال البغوي: دائم لا تنسخه الشمس والعرب تقول للشيء الذي لا ينقطع: ممدود فإن قيل: قد علم أن لا شمس في الجنَّة فكيف يكون فيها ظل؟ فالجواب: أن الوقت في الجنَّة يكون كساعة أوّل النهار قبل طلوع الشمس كما هو مقرر، ولا شك أن ذلك ظل، ولذا صح اتصافه بكونه ممدودًا أي: دائمًا لا تزيله شمس، كما فسره البغوي (3) طيب الله ثراه والله أعلم.
وقال تعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48)} [الرحمن: 48]. وهي جمع فنن، وهو الغصن وقال:{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} [الرحمن: 68](4). أخرج ابن أبي داود عن عتبة بن عبد السلمي، قال: كنت جالسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: يا رسُولَ الله، أسمعك تذكر في
(1) أخرجه الحاكم 2/ 476، والبيهقي في "البعث والنشور"(302).
(2)
الطبراني في "الكبير"(17/ 130).
(3)
"معالم التنزيل" 8/ 12، تفسير سورة الواقعة {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} .
(4)
البغوي في "التفسير" 7/ 452.
الجنَّة شجرة لا أعلم شجرة أكثر منها شوكًا -يعني: الطلح- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يجعل مكان كلّ شوكة منها ثمرة مثل خصوة التيس الملبود، فيها سبعون لونًا من الطعام لا يشبه لون الآخر"(1).
قال في "حادي الأرواح"(2): الملبود الذي اجتمع شعره بعضه على بعض.
وقال عبد الله بن المبارك: أخبرنا صفوان بن عمرو عن سليم ابن عامر قال كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: إنَّ الله لينفعنا بالأعراب، ومسائلهم؛ أقبل أعرابي يومًا فقال: يا رسُولَ الله، ذكر الله في الجنَّة شجرة مؤذية، وما كنت أرى في الجنَّة شجرة تؤذي صاحبها! " (3) الحديث المتقدم في السدر.
وأخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في الجنَّة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها فاقرءوا إن شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} [الواقعة: 30](4).
(1) رواه ابن أبي داود في "البعث"(69)، وأبو نعيم في "الحلية" 6/ 153. "صفة الجنة" لأبي نعيم (347)، والطبراني في "الكبير" (17/ 130).
(2)
"حادي الأرواح " ص 236.
(3)
رواه عبد الله بن المبارك كما في زيادات الزهد ص 74 - 75، والحاكم 2/ 476 وصححه ووافقه الذهبي، وأبو نعيم في "الحلية" 6/ 103، وانظر "مجمع الزوائد" 10/ 414.
(4)
رواه البخاري (4881) في "التفسير"، باب:{وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} .
ومسلم (2826) في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: إن في الجنة شجرة يسير الراكب فيها.
وأخرجا أيضًا عن سهل بن سعد رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ في الجنَّة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها"(1).
وفي رواية: "إن في الجنَّة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمّر السريع مائة عام لا يقطعها"(2).
وأخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إنَّ في الجنَّة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين أو مائة سنة هي شجرة الخلد"(3).
وأخرج وكيع (4) عنه "إنَّ في الجنَّة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام أقرؤوا إن شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} [الواقعة: 30] فبلغ ذلك كعبًا فقال: صدق والذي أنزل التوراة على لسانِ موسى، والفرقان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، لو أنَّ رجلاً ركب جذعه أو جذعا، ثُمَّ دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى تسقط هرما، إن الله غرسها بيده، ونفخ فيها، وإن أفنانها من وراء سور الجنَّة، ما في الجنَّة نهر إلا
(1) رواه البخاري (6552) في الرقاق - باب صفة الجنة والنار.
ومسلم (2827) في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها.
(2)
هي رواية مسلم (2828) الموضع السابق.
(3)
رواه أحمد 2/ 455 و 462، وفي إسناده ضعف.
(4)
"الزهد"(113)، والترمذي في تفسير سورة الواقعة (5/ 400)، والطبري (27/ 105)، وابن أبي شيبة، (13/ 101).
وهو يخرج من أصل تلك الشجرة.
وأخرج ابن أبي الدنيا (1) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "الظل الممدود" شجرة في الجنَّة على ساق قدر ما يسير الراكب المجدُّ في ظلها مائة عام في كلّ نواحيها فيخرج إليها أهل الجنَّةِ أهل الغرف، وغيرهم فيتحدثون في ظلها قال:"فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا، فيرسل الله ريحًا من الجنَّة فتحرك تلك الشجرة بكلّ لهو كان في الدنيا".
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة (2) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما في الحنَّة شجرة إلا وساقها من ذهب". قال هذا حديثٌ حسن.
وأخرج الترمذي أيضًا، والنسائي (3)، وابن ماجه عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله: أعددت لعبادي الصَّالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر اقرءوا إن شئتم {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة: 17] وفي الجنَّة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا
(1) ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" ص 67، 68.
(2)
رواه الترمذي (2524) في كتاب صفة الجنة، باب: ما جاء في صفة شجر الجنة، قال: هذا حديث غريب حسن.
(3)
رواه الترمذي (3292) في كتاب التفسير، باب: من سورة الواقعة، قال: حديث حسن صحيح. والنسائي في "السنن الكبرى"(11085) في التفسير، باب: قوله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} . وابن ماجه (4328) في كتاب الزهد، باب: صفة الجنة.
يقطعها، واقرؤوا إن شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} وموضع سوط في الجنَّة خير من الدنيا وما فيها، واقرؤوا إنْ شئتم {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185] صدر هذا الحديث متفق عليه.
وفي "حادي الأرواح"(1) عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسُولَ الله، ما طوبى؟ قال:"شجرة في الجنَّة مسيرة مائة سنة ثياب أهل الجنَّةِ تخرج من أكمامها"(2).
وأخرج ابن المبارك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نخل الجنَّة جذوعها من زمرد أخضر، وكربها ذهب أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنَّةِ منها مقطعاتهم وحلاهم، وثمرها أمثال القلال، والدلا أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزبد ليس فيه عجم (3).
قوله: "وكربها ذهب" هو بالكاف، والراء محركة، ثُمَّ باء موحدة أصل السعف، وقيل: ما يبقى أصوله في النخلة بعد القطع كالمراقي. قاله في "النهاية": وقوله: منها مقطعاتهم المقطعات (من الثياب)(4): هي الثياب القصار كانها قطعت عن بلوغ التمام. قاله في "النهاية"(5) في هذا الحديث لم يكن يصفها يعني: ثياب أهل الجنَّةِ بالقصر؛ لأنها عيب وعندي: أنَّ ذلك ليس عيبًا كما هو عادة المترفين
(1)"حادي الأرواح" ص 241.
(2)
رواه أحمد 3/ 71، وأبو يعلى (1374) 2/ 519 - 520، وفي سنده ضعف.
(3)
انظر "الزهد" لابن المبارك ص 524 (1489).
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
انظر "النهاية" 4/ 161.
في الدُّنيا أنهم يلبسون المقطعات تحت الحلل. والله تعالى أعلم.
وأخرج الإمام أحمد عن عتبة بن عبد السلمي قال: جاء أعرابي إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فسأله عن الحوض، وذكر الجنَّة، ثُمَّ قال الأعرابي: فيها فاكهة؟ قال: نعم، وفيها شجرة تدعى طوب (فذكر شيئًا لا أدري ما هو) وفي لفظ هي بطائف الفردوس قال: أيّ شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليست تشبه شيئًا من شجر أرضك فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "أتيت الشام؟ " قال: لا قال: "تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحد، وينفرش أعلاها" قال: ما عظم أصلها؟ قال: "لو ارتحلت جَذَعة من إبل أهلكَ ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرمًا" قال: فيها عنب؟ قال: "نعم" قال: فما عظم العنقود؟ قال: "مسيرة شهر للغراب الأبقع، ولا يفتر" قال: فما عظم الحبة؟ قال: "أذبح (1) أبوكَ تيسًا من غنمه عظيمًا قط؟ " قال: نعم قال: "فسلخ إهابه فأعطاه أمك قال: اتَّخذي لنا منه دلوًا؟ " قال: نعم قال: "فإن تلك الحبة لتشبعني وأهل بيتي! " قال: نعم وعامَّة عشيرتك (2). ورواه الطبراني في الكبير
(1) في (ب): هل.
(2)
رواه أحمد 4/ 183، 184، والطبراني في "الكبير"(17/ 126)"مجمع الزوائد"(10/ 409، 414)، قال: رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير"، وأحمد وفيه عامر بن زيد البكالي وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يخرجه ولم يوثقه وبقية رجاله ثقات. وقال الحافظ ابن كثير في "النهاية"(2/ 157) قال الحافظ في "الضياء" لا أعلم لهذا الإسناد -إسناد الطبراني- علة. ا. هـ، أبو نعيم في "صفة الجنة"(346).
والأوسط، والبيهقي، وابن حبان في صحيحه، وفي لفظ:"فأعطاه أمك فقال: ادبغي هذا، ثُمَّ افري لنا منه دلوًا نروي به ماشيتنا" قال: "فإن تلك الحبة تشبعني وأهل بيتي" الحديث.
وأخرج أبو يعلى الموصلي عن أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر سدرة المنتهى فقال: "يسير الراكب في ظل الفنن منها مائة سنة" أو قال: "يستظل في فنن منها مائة راكب فيها فراش من الذهب كان ثمرها القلال" ورواه الترمذي وقال: حسن غريب (1). وذكر الزمخشري في "كشّافه"(2): السدرة: واحدة السدر، وهو النبق، وهي في السَّماء السابعةِ عن يمين العرش ثمرتها كالقلال، وورقها كآذان الفيلة تنبع من أصلها الأنهار التي ذكرها الله في كتابه يسير الراكب في ظلها سبعين عامًا لا يقطعها وقال مقاتل: هي شجرة لو أن ورقة منها وضعِت في الأرض لأضاءت لأهل الأرض تحمل الحلى، والحلل، والثمار، ومن جميع الألوان، ولو أنَّ رجلاً ركب حقة فطاف على ساقها، ما بلغ المكانَ الذي ركب منه حتى يقتله الهرم.
قال العلامة: وهي طوبى التي ذكرها الله في سورة الرعد، وقد
(1) رواه الترمذي (2541) في كتاب صفة الجنة، باب: ما جاء في صفة ثمار الجنة، "صفة الجنة" لأبي نعيم (435)، والطبراني في "الكبير"(24/ 87 - 88)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 419).
(2)
ذكره عند تفسير آية النجم: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} .
رأى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى ليلة الإسراء في السماءِ السابعة كما عند مسلم عن أنس قال: قال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "ثمَّ ذهب بي (يعني: جبريل عليه السلام إلى سدرة المنتهى، وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها"(1).
وفي طريق من طرق الحديث: أنَّه صلى الله عليه وسلم رأى أربعة أنهار تخرج من أصلها: نهران ظاهران، ونهران باطنان، "فقلت: يا جبريل ما هذه الأنهار؟ " قال: "أمّا النهران الباطنان فنهران في الجنَّة، وأما النهران الظاهران فالنيل والفرات". وذكر البخاري هذه الأنهار الأربعة (2).
قال العلامة في "البهجة": واختلف العلماء في تسميتها بالمنتهى، فقيل؛ لأن إليها ينتهي علم الخلائق، وما خلفها لا يعلمه إلا الله سبحانه، وقيل؛ لأنه ينتهي إليها من مات على سنةِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، وقيل: لأنه ينتهي إليها ما يعرج من أرواح المؤمنين، وقال ابن مسعود والضحاك: إنَّ تسميتها بذلك؛ لأنَّ إليها ينتهي كلّ ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمرِ الله تعالى أي: مأموره.
قال: واختلفوا في الذي يغشى السدرة فقيل: إنَّه فراش من ذهب، قاله ابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهم. وهو مروي عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، وقيل: يغشاها نور رب العزة فتستنير، قاله الحسن،
(1) مسلم (162).
(2)
رواه مسلم (264) في الأيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات.
وقيل: الملائكة.
وفي "حادي الأرواح"(1) عن جرير بن عبد الله: نزلنا الصفاح فإذا رجل نائم تحت شجرة وقد كادت الشمس أن تبلغه فقلت للغلام: انطلق بهذا النطح فأظله قال: فانطلق، فأظله فلمَّا استيقظ إذا هو سلمان، فأتيته فقال: يا جرير، تواضع لله فإنَّه منْ تواضع لله في الدُّنيا رفعه يومَ القيامة يا جرير، هل تدري ما الظلمات يوم القيامة؟ قلت: لا أدري قال: ظلم النَّاس بينهم ثُمَّ أخذ عويدًا لا أكاد أراه بين إصبعيه، فقال: يا جرير ولو طلبت في الجنَّة مثل هذا لم تجده. قلت: يا أبا عبد الله فأين النخل، والشجر؟ قال: أصولها اللؤلؤ والذهب، وأعلاه التمر.
وفيه عن مجاهد قال: لا أرض الجنَّة من ورق، وترابها مسك، وأصول أشجارها ذهب وورق، وأفنانها لؤلؤ وزبرجد وياقوت، والورق والثمر تحت ذلك فمَنْ كل قائما لم يؤذه، ومن كل جالسًا لم يؤذه، ومن أكل مضطجعا لم يؤذه، وذلِلت قطوفها تذليلًا" (2).
(1)"حادي الأرواح" ص 244، و"الأثر" لابن أبي شيبة (13/ 333)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 202)، وهناد في "الزهد"(98)، و"البعث" للبيهقي (288، 289).
(2)
مصنف ابن أبي شيبة 7/ 54 (33954)، وابن المبارك في "زيادات" نعيم بن حماد (229)، والبيهقي في "البعث"(286)، وتفسير مجاهد (2/ 712)، وأبي نعيم في "صفة الجنة"(207) أدخلنا الله الجنة ووالدينا وذرياتنا وإخواننا والمسلمين.
وفيه عن أبي سعيد رضي الله عنه أنَّ رجلاً قال: يا رسُولَ الله، طوبى لمن رآك، وآمن بك. قال:"طوبى لمن رآني، وآمن بي، ثُمَّ طوبى ثُمَّ طوبى ثُمَّ طوبى لمن آمن بي ولم يرني". فقال رجل: يا رسُولَ الله، وما طوبى؟ قال:"شجرة في الجنَّة مسيرة مائة سنة ثياب أَهلِ الجنَّةِ تخرج من أكمامها"(1) قال في "حادي الأرواح"(2) قلت: وصدر هذا الحديث في المسند، ولفظه:"طوبى لمن رآني، وآمن بي، وطوبى لمن آمن بي ولم يرنى سبع مرات".
وفي البهجة (3): هي (يعني: طوبى) شجرة في جنة عدن في دارِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يخلق الله عز وجل لونًا، ولا زهرة إلا وفيها منها إلا السواد، ولا يخلق الله فاكهة، ولا ثمرة إلا وفيها منها ينبع من أصلها عينا الكافور والسلسبيل كلّ ورقة منها تظل أمة، عليها ملك يسبح الله عز وجل بأنواع التسبيح وفيها أيضًا عنه صلى الله عليه وسلم:"أنَّ طوبى شجرة غرسها الله بيده تنبت الحلى، والحلل، وأنَّ أوراقها ترى من وراء سور الجنَّة" وحكى الأصم: أنها في دار النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، وفي دار كلّ مؤمن منها غصن. والله تعالى أعلم.
(1) البخاري (6553)، ومسلم (2828)، مسند أحمد 3/ 71.
(2)
"حادي الأرواح" ص 241.
(3)
بهجة الناظرين مخ / 371. انظر "وصف الفردوس" لابن حبيب (32).