الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وقد وصف اللَّه سبحانه وتعالى أبوابها بأنها مغلقة فقال تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)} [الهمزة: 8] قال مجاهد: هي بلغة قريش مغلقة أصَّد الباب أي أغلقه (1) وقال مقاتل: أبوابها مطبقة فلا يفتح لها باب ولا يخرج منها غمّ ولا يدخل فيها روحٌ آخرُ الأبد (2).
وخرّج ابن مردوية عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)} قَالَ: "مطبقة"(3)، قال الحافظ في التخويف: رفعه لا يصح (4).
وقوله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)} معناه: أطبقت عليهم بعمد، قاله قتادة وكذلك هو في قراءة عبد اللَّه بعمد بالباء الموحدة، قال عطاء: هي عُمُدٌ من حديد في النار.
وقال مقاتل: أطبقت الأبواب عليهم ثم سدّت بأوتادٍ من حديد حتَّى يرجع عليهم غمُّها وحرُّها، وعلى هذه فقوله: ممدَّدةٌ صفةً للعمد يعني أنَّ العمدَ التي أوُثقت بها الأبواب ممدودة مطولة والمدود الطويل أرسخ وأثبت من الطويل (5)، وقيل: إن الممدودة
(1)"التخويف من النار" ص 81، 82
(2)
"التخويف من النار" ص 82.
(3)
"التخويف من النار" ص 82.
(4)
"التخويف من النار" ص 82.
(5)
رواه الطبري في "تفسيره" عن ابن عباس (37937).
صفة لأبواب، وهو عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقيل: المراد بالعمد الممددة القيود الطوال (1)، وقيل: المراد بالعمد الممددة الزمان الذي لا انقطاع له، قال السدي: من قرأها في عمد بالفتح فهي عمد من نار، ومن قرأها بالضم فهو أجل ممدود.
واعلم أنَّ إطباق جهنَّمَ على نوعين:
أحدهما: خاص لمن يخلد في النار أو من يريد اللَّه التضييقَ عليه -أجارنا الله من ذلك كله- قال بعض السلف: إن في النار أقوامًا مؤصدة عليهم كما يطبق الحق على طبقه، خرّجه ابن أبي حاتم عن أبي توبة اليزني، والثاني: العام وهو إطباق النار على أهلها المخلدين فيها، كذا في التخويف للحافظ (2) قال: وقد قال سفيانُ وغيره في قوله تعالى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} [الأنبياء: 103] قال: هو إطباق النار على أهلها.
وخرَّجَ ابن أبي حاتم عن سعيدِ بن جبير قال: ينادي رجل في شعبٍ من شِعَابِ النار مقدار ألف عام: يا حنَّان يا منّان. فيقول اللَّه عز وجل: يا جبريل أخرج عبدي، فيجدها مطبقة فيقول: إنها عليهم مؤصدة مطبقة.
وقال ابن عمرو رضي الله عنهما (3): إذا أجاب اللَّه تعالى أهل النار {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] أطبقت
(1)"التخويف من النار" ص 82.
(2)
"التخويف من النار" 72 - 73.
(3)
"التخويف من النار" ص 83.
عليهم فلم ينطق القوم بعد تلك الكلمة، وإن كان إلا الزفير والشهيق يعني يأس القوم فلم ينطقوا. وقال أبو عمران الجوني: إذا كان يوم القيامة أمر اللَّه بكل جبار عنيد وكل شيطان مريد وكل من كان يخاف الناس في الدنيا شره فأُوثقوا بالحديد ثم أمر بهم إلى جهنم ثم أوصدوها عليهم فلا واللَّه لا تستقر أقدامهم على قرار أبدًا ولا ينظرون فيها إلى أديم سماء أبدًا، ولا واللَّه لا تلتقي جفون أعينهم على غمض نوم أبدا ولا واللَّه لا يذوقون فيها باردَ شرابٍ أبدًا (1).
وقال بعض السلف: في إطباق النار على أهلها: لبسوا النضيج من النحاس ومنعوا خروج الأنفاس، فالأنفاسُ في أجوافهم تؤدد والنيران على أبدانهم تتوقد، وقد أُطبقت عليهم الأبواب وغضب عليهم ربّ الأرباب، ومنعوا السؤال والجواب، ولم يبق إلا الزفير والشهيق والتشلوح والمزيق. وأنشد بعضهم في هذا:
لو أبصرتْ عيناك أهلَ الشقا
…
سَيقوا إلى النار وقد أُحرقوا
يصلونها حين عصوا ربهم
…
وخالفوا الرُّسلَ وما صدّقوا
تقول أُخْراهم لأولاهم
…
في لجج المهل وقد أغرقوا
قد كنتم حذرتمُ حرّها
…
لكن من النيران لم تفرقوا
وجيء بالنيران مزمومةً
…
شرارها من حولها محرق
وقيل للنيران أن أحرقي
…
وقيل للخُزّان أن أطبقوا
(1)"التخويف من النار" ص 84.
وقد ورد في بعض أحاديث الشفاعة فتح باب النار (1)، فخرّج الطبراني من رواية العباس عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إني آتي جهنم فأضرب بابها فيفتح لي، فأدخلها فأحمد الله بمحامد ما حمده أحد قبلي مثله ولا حمده بعدي، ثم أُخرِجُ منها من قال: لا إله إلا الله مخلصًا فتقوم لي أُناس من قريش فينتسبون لي فأعرف نسبهم ولا أعرف وجوههم فأتركهم في النار"(2). قال الحافظ في التخويف: إسناده ضعيف والله أعلم (3).
(1) انظر "تفسير ابن كثير" 10/ 153 - 154.
(2)
أخرجه الطبراني في "الأوسط" 4/ 151.
(3)
"التخويف من النار" 84 - 86.