الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثَّاني في مكان الجنَّة ومنشورها وتوقيعها وتوحد طريقها
قال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)} [النجم: 13 - 15].
قال في "حادي الأرواح": وقد ثبت أن سدرة المنتهى فوق السماء وسميت بذلك لأنَّه ينتهي إليها ما ينزل من عند الله فيقبض منها وما يصعد إليه فيقبض منها وقال جل ذكره: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)} [الذاريات: الآية 22]. قال مجاهد: الجنَّة (1)، وقال ابن المنذر عن مجاهد هو الجنَّة والنَّار (2).
قال المحقق: وهذا يحتاج إلى تفسير فإن النَّار في أسفل سافلين ليست في السماء، ومعنى هذا ما قاله في رواية ابن أبي نجيح عنه. وقاله أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما: الخير والشر كلاهما يأتي من السماء؛ وعلى هذا المعنى: أسباب الجنَّة والنَّار بقدر ثابت في السماء من عند الله (3).
وأخرج أبو نعيم عن عبد الله بن سلاّم رضي الله عنه قال: إن
(1) رواه الطبري في "تفسيره"(32188).
(2)
أورده السيوطي في "الدر المنثور" 7/ 619 وعزاه لابن المنذر.
(3)
انظر "حادي الأرواح" ص (99).
أكرم خلق الله أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وإنَّ الجنَّة في السماء (1). ورواه معمر بن راشد عن محمَّد بن أبي يعقوب مرفوعًا. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الجنَة في السماء السابعة، ويجعلها حيث شاء يوم القيامة، وجهنَّم في الأرض السابعة (2). وأخرج ابن مندة عن عبد الله (3) قال: الجنَة فوق السماء الرابعة، فإذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث شاء. والنَّار في الأرض السابعة، فإذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث شاء.
وقال مجاهد: قلت لابن عباس: أين الجَنَّةُ؟ قال: فوق سبع سموات قلت: فأين النَّار؟ قال: تحت سبعة أبحر مطبقة (4). رواه ابن منده. وأمَّا الأثر الذي قد رواه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنها قال: الجنَّة مطوية (5). يظهر منه التناقض بين أول كلامه وآخره.
قال المحقق: ولا تناقض فيه. فإن الجنَّة المعلقة بقرون الشَّمس ما يحدثه الله سبحانه بالشمس كل سنة مرَّة من أنواع الثمار والفواكه جعله الله مذكرًا لتلك الجنَّة. وإلا فالجنَّة التي عرضها السموات والأرض ليست معلقة بقرون الشَّمس وهي فوق الشَّمس وأكبر منها.
(1) رواه أبو نعيم في "صفة الجنَّة" رقم (131).
(2)
انظر "حادي الأرواح" ص 99 - 100، وأورده ابن رجب في "التخويف من النار" ص 45 الباب الخامس في ذكر مكان جهنم.
(3)
أبو نعيم في "صفة الجنَّة"(134).
(4)
أبو نعيم في "صفة الجنَّة"(135).
(5)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" 1/ 289.
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض"(1) وهذا يدل على أنَّها في غاية الصعد والارتفاع.
قال المحقق: والحديث له لفظان هذا أحدهما.
والثَّاني: "إن في الجنَّة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله"(2) قال وشيخنا يعني شيخ الإسلام ابن تيمية يرجح هذا اللفظ.
(3)
وهو لا ينافي أن يكون درج الجنة أكثر من ذلك. ونظير هذا: "إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنَّة"(4) أي: من جملة أسمائه هذا القدر. قال: ويدل هذا على أن منزلة نبينا محمَّد صلى الله عليه وسلم فوق هذا كله، في درجة في الجنَّة ليس فوقها درجة، وتلك المائة تنالها آحاد أمته صلى الله عليه وسلم كالمجاهد والجنة مقببة، أعلاها أوسعها وأوسطها وهو الفردوس، [وسقف](5) العرش، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتم الله
(1) رواه البُخاريّ (2790) كتاب: الجهاد والسير، باب: درجات المجاهدين في سبيل الله.
والترمذي (2529) كتاب: صفة الجنَّة، باب: ما جاء في صفة درجات الجنَّة. وأحمد 2/ 335، 339.
(2)
انظر الحديث قبله ومسلم (1884).
(3)
بداية السقط من (أ) وينتهي عند قوله "هذه سبيل الله" وقد أضفت هذا من النسخة (ب). انظر ص 972 ت (1).
(4)
البخاري (2736) ومسلم (2677).
(5)
لعله "سقفها".
فاسألوه الفردوس، فإنَّه وسط الجنَّة، وأعلى الجنَّة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنَّة" (1).
قال المحقق (2) قال شيخنا أبو الحجاج المزي: والصَّواب رواية من رواه -فوقه- بضم القاف على أنَّه اسم لا ظرف، أي وسقفه عرش الرحمن، فإن الكرسي وسع السموات والأرض، والعرش أكبر منه؟ فالجواب: لما كان العرش أقرب إلى الفردوس مما دونه من الجنان، بحيث لا جنة فوقه دون العرش كان سقفاً له، دون ما تحته من الجنان، ولعظم الجنَّة وغاية ارتفاعها يكون الصعود من أدناها إلى أعلاها بالتدريج شيئًا فشيئاً، ودرجة فوق درجة كما يقال لقارئ القرآن "اقرأ وارق فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها" (3) وهذا يحتمل شيئين:
أن تكون منزلته عند آخر حفظه، أو أن تكون عند آخر تلاوته لمحفوظه، انتهى كلامه في حادي الأرواح وفهم مما ذكرنا إشكالين، أحدهما: أن العرش ليس هو سقفاً للفردوس فقط بك غير الفردوس كهي. والجواب: أن الفردوس أعلى الجنَّة، وأن العرش سقفه حقيقة، وأمَّا غير الفردوس فبينه وبينه حائل، فالفردوس سقف لما تحته وهلم جرا، والعرش سقف للفردوس، فالفردوس وسقفه سقف لما تحته، وهكذا، الثَّاني: أن الكرسي تحت العرش، والعرش فوقه، فكيف يكون العرش سقفاً للجنة دون الكرسي؟ والجواب عن هذا: أن الجنَّة
(1) البخاري (2790).
(2)
(3)
أحمد (2/ 192) أبو داود (1464) الحاكم (1/ 739) ابن حبان (766).
فوق السماء السابعة كما أن الكرسي فوقها، فيكون العرش سقفاً للجنة والكرسي معًا، ويكون الكرسي محاذياً للجنة، وفي كلام شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: أن العرش سقف المخلوقات، وهو عال عليها من جميع الجوانب والجهات. أو نقول: الكرسي قدام العرش وأمامه، ولا يلزم من هذا أن يكون سقفاً للجنة، إذ العرش أكبر وأعظم من الجنَّة، إذ ليس في مخلوقات الله أعظم من العرش، ومن ثم يمتدح به تعالى، يقول:{ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)} [البروج: 15]{إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)} [الإسراء: 42]. إلى غير ذلك من الآيات والآثار والله الموفق.