الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ورؤية المولى جلَّ وعلا ثابتة بالكتاب والسنة، وإجماع أهل الحق من الأمةِ وهي أشرف، وأعظم، وأجل، وأنعم، نعيم الجنَّة قدرًا، وأجلّه خطرًا، وأعلاه أمرًا فما أقرها لعيونِ أهلِ السنة والجماعة، وأشدها على أهل البدع والشناعة. فهي الغاية التي شمرَ إليها المشمرون، وتنافس فيها المتنافسون، ورغب فيها الراغبون، وتتَّيم فيها العاشقون ولمثل ذلك فليعمل العاملون، ويجتهد المجتهدون، فإذا نال ذلك أهل الجنَّةِ نسوا ما هم فيه من النعيم، وتنعموا برؤية الرءوف الرحيم، واتفق جميع الأنبياء والمرسلين، والصحابة، والتابعين وأئمة الإسلام أجمعين على ثبوتها في دارِ القرارِ والنعيم والنوال، وأنكرها أهل البدع، والاعتزال، والكفر، والضلال منهم: الجهمية المتهوكون، والفرعونية المعطلون، والباطنية الذين هم من جميع الأديان منسلخون، والرافضة الذين هم بحبال الشيطان متمسكون، ومن حبل الله منقطعون، وعلى مسبة أصحاب رسول الله عاكفون، ويقذف سيدة النساء أم المؤمنين حبيبة المصطفى المبرأة من كلّ ريبة بالآياتِ الصَّريحةِ القرآنية، والروايات الصحيحة المحمدية، ومن أجمعَ أهل الحقِّ قاطبة بكفرِ من طعنَ فيها بل بكفر من لَمْ يجزم ببراءتها كما يجزم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وكما يجزم بعدم الشريك لله تعالى:
حصان رزان لا تبؤ بريبة
…
وتصبح غرق من لحومِ الغوافلِ
عقيلة هي من لؤي بن غالب
…
كرام المساعي مجدهم غير نازلِ
مهذبة قد طيَّب الله خيمها
…
وطهرها من كلّ سوء وباطلِ (1)
فالرافضة عليهم اللعنة (بقذف)(2) هذه السيدة يتعبدون، ولرؤية الحق ينكرون، ولسنَّة رسول الله الغراء محاربون، ولمخالفةِ الله ورسولهِ متبعون، وبتغليطِ الروح الأمين يتحدثون، وكل هؤلاء الضلال عن ربِّهم محجوبون، وعن بابه مطرودون بل وفيه شاكون، ولكتابه مخالفون فكل منهم مبعود ملعون:
أولئك أحزابُ الضّلال وشيعة الـ
…
لعين وأعداء الرسول وحزبه
ومن خالفوا الذكر الحكيم وما أتى
…
به المصطفى بالحق من عند ربِّه
قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23]. وقال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26].
وأخرج ابن بطة في "الإبانة" عن عمارة بن رويبة قال: نظر النَّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلةَ البدر، فقال:"إنَّكم سترون ربَّكم كما ترون هذا القمرَ لا تضارون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاةٍ قبل طلوعِ الشمس، وصلاة قبل غروبها فافعلوا"(3) وفي رواية له: "إنكم سترون الله تبارك وتعالى كما ترون هذا القمر لا تُضَامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على ركعتين قبل طلوع الشمس، ولا ركعتين قبل غروبها فافعلوا".
(1) انظر "صحيح البخاري"(4146).
(2)
في (ب): يقذفون.
(3)
البخاري (554)، ابن بطة (3/ 8).
وفي "حادي الأرواح"(1) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: يأتون النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، فيقولون: يا نبي الله إنَّ الله فتح بك، وختم بكَ، وغفرَ لك قم فاشفع لنا إلى ربِّك. فيقول:"نعم أنا صاحبكم" فيخرج يجوس أي: يطوف الناس حتى ينتهي إلى باب الجنَّة فيأخذ بحلقة الباب، فيقرع، فيقال: من هذا؟ فيقال: محمد قال: فيفتح له فيجيء حتى يقومَ بين يدي الله فيستأذن في السُّجود، فيؤذن له. الحديث.
وأخرج ابن بطة، وابن المبارك عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فإذا في كفه مرآة كأصفى المرايا، وأحسنها وإذا في وسطها نكتة سوداء" قال: "قلت يا جبريل ما هذه؟ قال: هذه الدنيا صفاؤها وحسنها. قال: قلت: وما هذه اللمعة في وسطها؟ قال: هذه الجمعة قلت: وما الجمعة؟ قال: يوم مِنْ أيام ربِّك عظيم، وسأخبرك بشرفه، وفضله، واسمه في الآخرة. أمَّا شرفه وفضله في الدُّنيا فإن الله تعالى جمعَ فيه أمر الخلق، وأمَّا ما يرجى فيه فإنَّ فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، أو أمة مسلمة يسألان الله فيها خيرًا إلا أعطاهما إيَّاه، وأمَّا شرفه، وفضله، واسمه في الآخرة. فإنَّ الله تبارك وتعالى إذا صير أهل الجنَّةِ إلى الجنَّة، وأهل النَّار إلى النَّار، وجرت عليهما أيامهما، وساعتهما ليس بها ليل ولا نهار إلا قد علمَ الله مقدار ذلك، وساعاته فإذا كان يوم الجمعة في الحين الذي يبرزون، ويخرج فيه
(1)"حادي الأرواح" ص 453، والحديث في الطبراني (6/ 247) ابن أبي عاصم في السنة (813) مطولاً ابن خريمة (191) مختصرًا.
أهل الجنَّةِ إلى جمعهم نادى منادٍ: يا أهل الجنَّةِ اخرجوا إلى دارِ المزيد. لا يعلم سعته، وعرضه، وطوله إلا الله عز وجل في كثبان المسك. قال: فيخرج غلمان الأنبياء بمنابر من نورٍ، ويخرج غلمانُ المؤمنين بكراسي من ياقوت. قال: فإذا وضعت لهم، وأخذ القوم مجالسهم بعثَ الله تبارك وتعالى عليهم ريحًا تدعى المثيرة تثير عليهم أثايير المسك الأبيض، فتدخله من تحت ثيابهم، وتخرجه في وجوههم وأشعارهم، فتلك الريح أعلم كيف يصنع بذلك المسك من امرأة أحدكم لو دفع إليها كلّ طيبٍ على وجه الأرض لكانت تلكم الريح أعلم كيف يصنع بذلك المسك من تلك المرأة لو دفع إليها ذلك الطيب بإذن الله تعالى، ثُمَّ يوحي الله سبحانه إلى حملة العرشِ فيوضع بين ظهراني الجنَّة وبينه وبينهم الحجب فيكون أوّل ما يسمعون منه أنْ يقولَ: أينَ عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني، وصدقوا رسلي، واتبعوا أمري؟ فسلوني فهذا يوم المزيد. قال: فيجتمعون على كلمةٍ واحدةٍ رب رضينا عنك فارض عنا. قال: فيرجع الله تعالى في قوله: أنْ يا أهل الجنَّةِ إنِّي لو لم أرض عنكم لمَا أسكنتكم جنتي فسلوني فهذا يوم المزيد، قال: فيجتمعون على كلمة واحدةٍ: رب وجهك رب وجهك أرنا ننظر إليك. قال: فيكشف الله تبارك وتعالى تلك الحجب، ويتجلى لهم فيغشاهم من نوره شيء لولا أنَّه قضي عليهم أن لا يحرقوا لاحترقوا ممَّا غشيهم من نوره. قال: ثُمَّ يقال: ارجعوا إلى منازلكم. قال: فيرجعون إلى منازلهم وقد خفوا على أزواجهم وخفين عليهم مما غشيهم من نوره تعالى فإذا
صاروا إلى منازلهم تزادَّ النور وأمكن، وتراد وأمكن حتَّى يرجعوا إلى صورهم التي كانوا عليها. قال: فتقول لهم أزواجهم: لقد خرجتم من عندنا على صورة، ورجعتم على غيرها. قال: فيقولون: ذلك بأنَّ الله تبارك وتعالى تجلى لنا فنظرنا منه إلى ما خفينا به عليكم. قال: فلهم في كل سبعة أيام الضعف على أمَّا كانوا فيه. قال: وذلك قوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة: 17] " (1). ورواه البزار.
وقال حذيفة رضي الله عنه في قوله عز وجل {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قال: النظر إلى وجه الله عز وجل (2). وقال الحاكم: (3) وتفسير الصحابي عندنا في حكم المرفوع.
وأخرج ابن خريمة (4) عن أبي نضرة قال: خطبنا ابن عباسٍ رضي الله عنهما فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي إلا وله دعوة تعجلها في الدُّنيا، وأنِّي اختبأت دعوتي شفاعة لأمَّتي يومَ القيامة فآتي باب الجنَّة، فآخذ بحلقة الباب، فأقرع الباب، فيقال: من أنت؟ فأقول: أنا محمد، فآتي ربِّي وهو على كرسيه أو وهو على سريره فيتجلى لي ربي فأخر له
(1)"البحر الزخار مسند البزار"(7/ 288)، ابن بطة (3/ 31).
(2)
"التوحيد" لابن خريمة (264) 1/ 451، والدارمي في "الرد على الجهمية"(61)، والآجري في "الشريعة"(261).
(3)
"معرفة علوم الحديث"(22).
(4)
رواه ابن خزيمة في "التوحيد" 2/ 605 (352).
ساجدًا". ورواه ابن عيينة عنه، وأبو بكر بن أبي داود عنه مرفوعًا (1): "إنَّ أهل الجنَّةِ يرون ربَّهم تعالى في كلّ يوم جمعة في رمال الكافور، وأقربهم منه مجلسًا أسرعهم يوم الجمعة، وأبكرهم غدوا".
وأخرج الصاغاني (2) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "خلق الله الملائكة لعبادته أصنافًا فإنَّ منهم ملائكة قيامًا من يوم خلقهم إلى يوم القيامة، ومنهم ملائكة ركوعًا خشوعًا مِنْ يوم خلقهم إلى يوم القيامة، وملائكة سجود منذ خلقهم إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة وتجلى لهم تعالى، ونظروا إلى وجهه الكريم قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك".
وأخرج الدارقطني (3) عن أبي بن كعب رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]. قال: "النظر إلى وجه الله عز وجل". ورواه محمد بن حميد عن كعب بن عجرة مرفوعًا (4).
وأخرج الدارمي (5) عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنَّ فضالة
(1) ذكره ابن القيم في "حادي الأرواح" ص 456، 457.
(2)
"تهذيب تاريخ دمشق"(3/ 133).
(3)
ابن جرير (12/ 162)، واللالكائي (78).
(4)
ابن جرير (12/ 161)، اللالكائي (781).
(5)
مسند الإمام أحمد (5/ 191) عن أبي الدرداء، عن زيد بن ثابت، ذكره ابن القيم في "حادي "الأرواح" ص 458.
يعني: ابن حميد كان يقول: "اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة".
وأخرج الإمام أحمد (1) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"قد حدثتكم عن الدجال". الحديث وفيه: "وإنكم لن تروا ربَّكم حتَّى تموتوا".
وقال الصديق رضي الله عنه وقد سئل: ما الزيادة يا خليفة رسول الله؟ قال: النظر إلى وجه الرب تبارك وتعالى (2)، ذكره في "حادي الأرواح"(3).
وقال أمير المؤمنين على كرم الله وجهه من تمام النعمة دخول الجنَّة، والنظر إلى الله تبارك وتعالى في جنتهِ، رواه ابنُ أبي حاتم (4).
وقال ابن مسعودٍ رضي الله عنه: الزيادة النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى.
وقيل لابن عباسٍ رضي الله عنهما: كلّ مؤمن دخل الجنَّة يرى الله عز وجل؟ قال: نعم.
(1) رواه أحمد 5/ 324.
(2)
انظر "التوحيد" لابن خريمة (1/ 453)، والدارمي في "الرد على الجهمية"(61)، "الاعتقاد" للبيهقي ص 125.
(3)
"حادي الأرواح" ص 459.
(4)
انظر اللالكائي (3/ 496) رقم (859).
قال أنس (1) في قوله عز وجل: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35]: يظهر لهم الربُّ تبارك وتعالى يوم القيامة.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: إن الناس قالوا: يا رسُولَ الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "هل تضارون في القمر ليلةَ البدر؟ " قالوا: لا. قال: "فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ ". قالوا: لا يا رسول الله. قال: "فإنكم ترونه كذلك"(2) الحديث.
وفي صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنَّةِ الجنَّة يقول الله تعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنَّة وتنجينا من النار؟ فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربِّهم تعالى"(3). ثُمَّ تلى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]، الحسنى: الجنَّة. والزيادة الرؤية وقال هذا جماعة المفسّرين من الصَّحابة، والتابعين، وتابعيهم منهم: الصديق الأعظم، وعلي، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري، وابن عباس، وابن مسعود، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة.
(1) اللالكائي (3/ 469) رقم (813).
(2)
رواه البخاري (7437) في التوحيد، باب: قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} . ومسلم (182) في الإيمان، باب: معرفة طريق الرؤيا.
(3)
رواه مسلم (181) في الإيمان، باب: إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى، و"التوحيد" لابن خزيمة (258).
وقال البيهقي (1): هذا تفسير قد استفاض، واشتهرَ فيما بين الصحابة، والتابعين، ومثله لا يُقال إلا بتوقيف، وقد روي مرفوعًا أخرج ابن جرير، وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الله يبعث يوم القيامة مناديًا ينادي بصوت يسمعه أولهم وآخرهم: يا أهل الجنَّةِ، إنَّ الله وعدكم الحسنى وزيادة الحسنة الجنَّة، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن". وقد مر ذلك مرفوعًا إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أيضًا (2).
وأخرج الأجرى، والبيهقي (3)، وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22)} [القيامة: 22] قال: حسنة إلى ربِّها ناظرة. قال: نظرت إلى الخالق. وقال عكرمة: ناضرة من النعيم إلى ربها ناظرة، قال: تنظر إلى ربها (3) نظرًا، وقال محمد بن كعب والقرطبي في الآية قال: نضَّر الله تلك الوجوه وحسنها للنظر إليها (3). وقال الحسن: النضرة الحسن {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 23] نظرت إلى ربها فنضرت [لنوره](4).
(1)"الاعتقاد" ص (47).
(2)
رواه أبو داود (4325) كتاب: الملاحم، باب خروج الدجال. والنسائي (7764) في "الكبرى" كتاب: النعوت، باب: المعافاة. وأبو عاصم (428) في "السنة" باب: ذكر قول النبي: "إنكم لن تروا ربكم حَتَّى تموتوا".
وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 157.
(3)
الآجري (584، 582، 586) الاعتقاد للبيهقي (133).
(4)
في اللالكائي (800) بنوره، وجميع الآثار السابقة، انظر رقم (798، 799، 800، 801، 802، 803).
وقال أشهب (1): سأل رجل مالكًا: هل يرى المؤمنون ربهم يوم القيامة؟ فقال مالك: لو لم ير المؤمنون ربَّهم لم يعيرا الكفار بالحجاب قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين: 15] قيل له: فإن قومًا يزعمون أن الله لا يُرى؟ فقال مالك قدَّس الله روحه: السيف السيف.
والحاصل أنه قد روي حديث الرؤيا عن خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام خلق كثير، وجم غفير من الصحابة رضي الله عنهم منهم أبو بكر، وعلي، وأبو هريرة، وأبو سعيد، وجرير، وأبو موسى الأشعري، وصهيب، وجابر، وابن عباس، وأنس، وعمار بن ياسر، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وحذيفة بن اليمان، وعبادة بن الصامت، وعدي بن حاتم، وأبو رزين لقيط بن عامر بن صبرة العقيلي، وكعب بن عجرة، وفضالة بن عبيد، وبريدة ابن الحصيب، وعبد الله بن عمر، وعائشة أم المؤمنين، وعمارة بن رويبة، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ولم يُروَ عن أحد منهم نفيها، ولو كانوا فيها مختلفين لنُقِلَ اختلافهم إلينا كما نقل اختلافهم في مسائل الحلال، والحرام، والشرائع، والأحكام فهم مجمعون على رؤية الحق في الآخرة، وكذا التابعون، وتابعوهم بإحسانٍ، وجميع أئمة الإسلامِ من أهل السنة كإمام السنة وحليلها (2) ومبين قويها من هزيلها مبيد جيش
(1) اللالكائي (871، 872).
(2)
في (ب): جليلها.
الاعتزال وكاسر عنصر الضلال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل طيب الله ثراه، وإمام دار الهجرة وعالم المدينة الإمام مالك قدَّس الله روحه، والإمام النَّبيْل ومن هو للسنة الغراء خليل الإمام (محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه، والإمام الأعظم والصدر المفخم الإمام)(1) محمد بن ثابت أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه الملك الديان، وابن الماجشون، والأوزاعي، والليث بن سعد، وسفيان بن عيينة، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، وقتيبة بن سعيد، وأبو عبيد القاسم ابن سلام، والأسود بن سالم شيخ الإمام أحمد، وإسحق بن راهويه، وغيرهم من أئمة الإسلام رضوان الله عليهم أجمعين.
قال الإمام محمد بن إسحق بن خزيمة: إن المؤمنين لم يختلفوا إن جميع المؤمنين يرون خالقهم يوم المعاد، ومن أنكر ذلك فليس بمؤمن عند المؤمنين (2).
وقال في "حادي الأرواح"(3): قد دلَّ القرآن، والسنة المتواترة، وإجماع الصحابة، وأئمة الإسلام، وأهل الحديث عصابة الحق وخاصة سيد الخلق أن الله سبحانه يُرى في القيامة بالأبصارِ عيانًا كما يُرى القمر
(1) ساقطة من (ب).
(2)
جعلنا الله معهم ومنَّ علينا ووالدينا وذرياتنا وجميع المسلمين بهذا النعيم، اللهم إنَّا نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم.
(3)
"حادي الأرواح" ص 476.
ليلة البدر صحوًا، وكما ترى الشمس في الظهيرة فالله تعالى الموفق.
وقد تلونا عليك هنا وفيما تقدم في المحشر ما تجزم العقول السليمة والقلوب المستقيمة تبعًا للآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة الدالة على رؤية الملك الجبار بأنَّها حق ثابتة، وأنَّ منكرها منسلخ من السنة الغراء مكذب لله ورسوله ولكونها ثابتة بلا نزاع بين أهل الحق وأنَّ إنكارها إلحاد وسم منكرها من أهل البدع والعناد، وأطلق عليه معتزلي فاسد الاعتقاد، وأثبتها أهل السنة في أصول العقائد، وقالوا: كلّ من أنكرها فهو ملحد بل جاحد. وإن أردت مزيدَ بيان فعليك بالكتب المؤلفة في هذا الشأن منها "حادي الأرواح" للإمام المحقق، و"الجيوش الإسلامية" له، و"البهجة" للشيخ الإمام العلامة مرعي، و"عقائد أهل الأثر" كلها مشحونة بذلك. والله سبحانه ولي التوفيق وهو المسئول أن يذيقنا حلاوة التحقيق، وأن يمنَّ علينا بالنظر إلى وجهه الكريم من غير سابقة عذاب ولا محنة إنه رءوف رحيم (1).
تتمة: ذهب جماعة من العلماء منهم الحافظ عماد الدين بن (2) كثير إلى أن النساء لا يرين الله سبحانه وتعالى في الجنَّة، وجماعة أيضًا منهم: العز بن عبد السلام، وتبعه صاحب "آكام المرجان"، و"ابن جماعة" إلى أنَّ الملائكة لا يرونه تعالى في الجنَّة (3).
(1) وعليك بكتاب "الرؤية" لحافظ الدنيا الدارقطني رحمة الله علينا وعليه، وكتاب "أصول السنة" للالكائي رحمنا الله وإياه.
(2)
النهاية (20/ 362) ينظر الفتاوى لابن تيمية (6/ 420 - 460).
(3)
انظر "إسبال الكساء على النساء" للسيوطي، فقد ذكر الأقوال وأصحابها.
والتحقيق خلافه النص الصريح عند الدارقطني (1) مرفوعًا: "إذا كان يوم القيامة رأى المؤمنون ربهم عز وجل فأحدثهم عهدًا بالنظر إليه في كلّ جمعة، ويراه المؤمنات يوم الفطر ويوم الأضحى" أي في مثل يوم الفطر ويوم الأضحى. وأخرج البيهقي (2): "إذا كان يوم القيامة تجلى لهم ربُّهم (يعني الملائكة) ونظروا إلى وجهه". وقد مرّ. ونص على أنهم يرونه تعالى أبو الحسن الأشعري في "الإبانة". وقال بذلك من المتأخرين الإمام المحقق ابن القيم، والجلال السيوطي، والبلْقيني. قال الحافظ السيوطي: وهو أرجح بلا شك. وقرر الجلال البلقيني بثبوتِ الرؤية للملائكة ومال إلى ثبوتها لمؤمني الجنِّ أيضًا وهو اللائق بكرمه. والتحقيق عندي أن كل من دخل الجنَّة يرى الله سبحانه وتعالى يومئذ بلا ريب (3)، وأمَّا رؤيته سبحانه في الموقف فذهب جماعة إلى أنَّها تحصل حتَّى للمنافقين وآخرون للكافرين، ثُمَّ يحجبون والله تعالى أعلم.
(1) انظر "الرؤية" للدارقطني، حديث (56).
(2)
"تهذيب تاريخ دمشق"(3/ 133).
(3)
انظر "إسبال الكساء".