الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الحادي عشر في ذكر سماع أهل الجنَّة، وغناء الحور العين، وذكر مطاياهم، وزيارة بعضهم بعضًا
أمَّا سمع أهل الجنَّةِ فقال {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)} [الروم: 15]. قال ابن كثير الحبرة: اللذة والسماع (1) وبه قال الأوزاعي، وغيره في لفظ: الحبرة: السَّماع في الجنَّة.
قال في "حادي الأرواح"(2): ولا يخالف هذا قول ابن عباس: "يكرمون" ومجاهد، وقتادة:"ينعمون"؟ لأنَّ قولهم أعم من السَّماع، ولا مانع من دخول السماع فيما قالوا، فلذة الأذن السَّماع وذلك من الإكرامِ والنَّعيم، وهذا ظاهر لكلِّ ذي طبع سليم.
وأخرجَ الترمذي، عن علي كرَّمَ الله وجهه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ في الجنَّة لمجتمعًا للحور العين يرفعن بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها يقلن: نحن الخالدات للا نبيد، ونحن النَّاعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط. طوبى لمن كان لنا، وكنَّا له"(3).
(1)"تفسير ابن كثير" 11/ 17.
(2)
"حادي الأرواح" ص 358، 359.
(3)
رواه الترمذي (2564) في صفة الجنَّة، باب: ما جاء في كلام الحور العين.
وفي الباب عن أبي هريرة، وأبي سعيدٍ، وأنس وحديث على كرم الله وجهه غريب: قال في "حادي الأرواح"(1): قلت: وفي الباب عن أبي أوفى، وأبي أمامة، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم.
فأَمَّا حديث أبي هريرة فأخرج جعفر الفريابي عنه: "إنَّ في الجنَّة نهرًا طول الجنَّة حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين بأصوات حتَّى تسمعها الخلائق ما يرون في الجنَّة لذة مثلها قيل: يا أبا هريرة وماذاك الغناء؟ قال: إن شاء الله التسبيح، والتحميد، والتقديس، وثناء على الرَّب عز وجل"(2). هكذا رواه موقوفًا.
وأخرج أبو نعيم مرفوعًا: "إنَّ في الجنَّة شجرة جذوعها من ذهب، وفروعها من زبرجد ولؤلؤ، فتهب لها ريح فتصطفق فما سمع السامعون بصوت شيء قط ألذ منه"(3).
وأمَّا حديث أنس فأخرج أبو نعيم عنه مرفوعًا: "إنَّ الحور يغنين في الجنَّة نحن الحور الحسان خلقنا لأزواجٍ كرام". ورواه ابن أبي الدنيا (4).
(1)"حادي الأرواح" ص 359 - 365.
(2)
رواه البيهقي في "البعث والنشور" رقم (425). وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 38. والمنذري في "الترغيب والترهيب" 4/ 538 - 539 وقال: رواه البيهقي موقوفًا. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(3751).
(3)
رواه أبو نعيم في "صفة الجنَّة" رقم (433). وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" وقال: ضعيف جدًا.
(4)
ابن أبي الدنيا في "صفة الجنَّة" ص 186 وأبو نعيم في "صفة الجنَّة" رقم (432).
وأمَّا حديث ابن أبي أوفى فأخرج أبو نعيم عنه مرفوعًا: "يزوج إلى كلِّ رجلٍ من أهل الجنَّةِ أربعة آلاف بكر، وثمانية آلاف أيم، ومائة حوراء فيجتمعن في كلِّ سبعة أيامٍ فيقلن بأصوات حسان لم تسمع الخلاتق بمثلهن: نحن الخالدات فلا نبيد"(1). كحديث على رضي الله عنه "بزيادة ونحن المقيمات فلا نظعن".
وأمَّا حديث أبي أمامة فأخرج جعفر الفريابي عنه مرفوعًا: "ما من عبد يدخل الجنَّة إلَّا ويجلس عند رأسه، وعند رجليه ثنتان من الحور العين يغنيانه بأحسن صوت سمعه الإنس والجن، وليس بمزامير الشيطان"(2).
وأمَّا حديث ابن عمر فأخرج الطبراني عنه مرفوعًا: "إنَّ أزواج أهل الجنَّةِ ليغنين أزواجهنَّ بأحسن أصوات سمعها أحد قط إن مما يغنين به: نحن الخيرات الحيسان أزواج أقوام (3) كرام ينظرن بقرة (4) أعيان وإنَّ ممِّا يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه نحن الآمنات فلا يخفنه نحن المقيمات فلا يظعنه"(5).
وسئل ابن شهاب رحمه الملك الوهاب (6): هل في الجنَّة سماع فإنَّه حبب إلى السماع؟ فقال: أي والذي نفمس ابن شهاب بيده إنَّ في الجنَّة
(1) رواه أبو نعيم في "صفة الجنَّة" رقم (431)، وقال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (2219): منكر وانظر ت (13 ص 1156، 1157)(1).
(2)
رواه أبو نعيم في "صفة الجنَّة" رقم (434).
(3)
فى (ب): قوم.
(4)
عند أبي نعيم: بقرن.
(5)
الطبراني في "الأوسط" 1/ 149 (4917)"الصغير"(1/ 260)، "صفة الجنَّة" لأبي نعيم (430).
(6)
صفة الجنَّة لابن أبي الدنيا (255).
لشجرًا حمله اللؤلؤ والزبرجد تحته جوار ناهدات يتغنين بالقرآن يقلن: نحن النَّاعمات فلا نبأس، ونحن الخالدات فلا نموت فإذا سمعَ ذلك الشجر صفق بعضه بعضًا فأجبن الجواري فلا يدري أصوات الجواري أحسن أم أصوات الشجر؟ رواه ابن وهبٍ.
وأخرج عن خالد بن يزيد: "إنَّ الحور العين يغنين أزواجهن فيقلن: نحن الخيرات الحسان أزواج شباب كرام، ونحن الخالدات" الحديث وفي صدر إحداهنَّ مكتوب أنت حبي، وأنا حبك انتهت نفسي عندك لم تر عيني مثلك (1).
وأخرج الأصبهاني (2) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسُولَ الله هل في الجنَّة سماع فإنِّي أحب السَّماع؟ قال: "نعم والذي نفسي بيده إنَّ الله ليوحي إلى شجر الجنَّة أن أسْمعي عبادي الذين شغلوا أنفسهم عن المعازف والمزامير بذكري فتسمعهم بأصوات ما سمع الخلائق مثلها قط بالتَّسبيح، والتقديس".
وفي الثعلبي قال إبراهيم: "إنَّ في الجنَّة أشجارًا عليها أجراس من فضةٍ فإذا أراد أهل الجنَّةِ السَّماع بعث الله ريحًا من تحت العرش، فتقع في تلك الأشجار فتتحرك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدُّنيا لماتوا طربًا".
وأخرج ابن عساكر عن الأوزاعي قال: إذا أراد أهل الجنَّةِ أن يطربوا أوحى الله إلى رياحٍ يقال لها: الهفافة، فدخلت في آجام قصب اللؤلؤ الرطب، فحركته فضرب بعضه بعضًا، فتطرب الجنَّة فإذا
(1) المرجع السابق ص 256.
(2)
"الترغيب والترهيب"(1/ 542)، حديث (997).
طربت لم يبق في الجنَّة شجرة إلَّا وردت، ولأهل الجنَّةِ سماع أعلى من هذا وهو صوت إسرافيل.
أخرج ابن أبي الدُّنيا (1) عن الأوزاعي أنَّه قال: بلغني أنَّه ليس من خلق الله أحسن صوتًا من إسرافيل عليه السلام، فيأمره الله تبارك وتعالى فيأخذ في السماع فما يبقى - ملك في السَّموات إلَّا قطع عليه صلاته فيمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث فيقول الله:"وعزتي لو يعلم العبادُ قدرَ عظمتي ما عبدوا غيري".
وأخرجَ ابن أبي الدُّنيا (2) عن مالك بن دينار في قوله تعالى: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)} [ص: 40]. قال: "إذا كان يوم القيامة أمر بمنبر رفيع فوضع في الجنَّة". ثمَّ نودي: يا داود مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في دار الدُّنيا قال: فيستفرغ صوت داود عليه السلام نعيم أهل الجنان فذلك قوله عز وجل: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)} وأخرجه الإمامُ بن الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد طيَّب الله ثراه في "زوائد الزّهد" لأبيه، ولفظه "يقيم الله سبحانه داود عليه السلام عند ساق العرش فيقول: يا داود مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم. فيقول: إلهي كيفَ أمجدك وقد سلبتنيه في دارِ الدُّنيا؟ قال: فيقول عز وجل: فإني أرده عليك: قال: فيرده عليه. فيزداد صوته قال: فيستفرغ صوت
(1) ابن أبي الدنيا في "صفة الجنَّة" ص 188.
(2)
ابن أبي الدنيا في "صفة الجنَّة" ص 229.
داود نعيم أهل الجنَّةِ وأعلى من هذا كله بل يضمحل دونه كل سماع كلامُ رب العالمين جل جلاله، وخطابه وسلامه، ومحاضرته لعباده، ويقرأ عليهم كلامه فإذا سمعو منه فكانهم لم يسمعوه قبل ذلك".
أخرج أبو الشيخ عن عبدِ الله بن بريدة: "إنَّ أهل الجنَّةِ يدخلون كل يوم مرتين على الجبارِ جل جلاله، فيقرأ عليهم القرآن وقد جلس كل امرئ منهم مجلسه الذي هو مجلسه على منابر الدر، والياقوت، والزبرجد، والذهب والزمرد فلم تقر أعينهم بشيء لم يسمعوا شيئًا قط أعظم، ولا أحسن منه، ثتَم ينصرفون إلى رحالهم ناعمين قريرة أعينهم إلى مثلها من الغد" وسيأتي لهذا تتمة إنْ شاء الله تعالى.
لطيفة: أخرج ابن أبي الدُّنيا (1)، والأصبهاني عن محمد بن المنكدر قال:"إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الذين كانوا ينزهون أنفسهم عن اللهو ومزامير الشيطان؟ اسكنوهم رياض المسك ثُمَّ يقول للملائكة: أسمعوهم حمدي وثنائي، وأعلموهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
وأخرج الدينوري عن مجاهد قال: "ينادي مناد يوم القيامة: أينَ الذين كانوا ينزهون أصواتهم، وأسماعهم عن اللهو، ومزامير الشيطان؟ قال:[فيجعلهم] الله في رياضٍ [منَ] الجنَّة من مسك، فيقول للملائكة: أسْمعوا عبادي تحميدي وتمجيدي، وأخبروهم أن لا
(1) ابن أبي الدنيا في "صفة الجنَّة" ص 190 الترغيب والترهيب (319).
خوف عليهم ولا هم يحزنون" (1).
وأخرج ابن أبي الدُّنيا (2) والضياء المقدسي بسندٍ صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "في الجنَّة شجرة على ساق واحدة قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عامٍ، فيخرج أهل الغرف، وغيرهم فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم، ويذكر لهو الدنيا، فيرسل الله ريحًا من الجنَّة فتتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدُّنيا أي وهي شجرة طوبى".
وعن شهر بن حوشب قال: "إنَّ الله جلَّ ثناؤه يقول للملائكة إنَّ عبادي كانوا يحبون الصوتَ الحسنَ في الدُّنيا، فيَدَعونه من أجلي فأسْمِعوا عبادي، فيأخذون بأصوات مِنْ تهليل، وتسبيح وتكبير لم يسمعوا بمثله قط" والله تعالى أعلم.
قلت: وهذا من باب من ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه فنسأله سبحانه أن يمنَّ علينا بنظرة تصلح قلوبنا، وتمحو ذنوبنا، وتشرح صدورنا، وتيسر أمورنا، وتؤهلنا لخدمته، وتجعلنا من القائمين بطاعته، والحافظين لحرمته إنَّه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.
(1) المجالسة وجواهر العلم (3552) وما بين القوسين فيه "فيحلهم" و "في" بدلًا من "من" الدر المنثور (14/ 195).
(2)
ابن أبي الدنيا في "صفة الجنَّة" ص 188، 189.