الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسفل أهل الجنَّةِ أجمعين درجة، من يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم" (1).
وأخرج ابن أبي الدنيا (2) أيضًا عن أبي هريرة قال: "إن أدْنى أهل الجنَّةِ منزلة، وليس فيهم دنيْ مَنْ يغدو، ويروح عليه خمسة عشر ألف خادم ليس منهم خادمٍ إلَّا ومعه طرفة ليس مع صاحبه"(3).
وقد نبه غيرُ واحدٍ من العلماء في مثل هذه الأحاديث على تقدير لفظة "من" أي: إنَّ مِنْ أدنى أهل الجنَّةِ كيت، وكيت، وكذا أحب العمل إلى الله كذا، وأحب العمل إلى الله كذا أي: إن من أحب العمل إلى الله، وبهذا يزول أشكلة كثيرة في أبواب كثيرة من الحديث والله تعالى أعلم.
فصل
وأما نساؤهم، وسراريهم فقال تعالى:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} إلى قوله: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَةَرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة: 25].
والأزواج: جمع زوج، والمرأة: زوج الرجل، وهو زوجها، هذا الأفصح، وهي لغة قريش وبها نزل القرآن كقوله تعالى:{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35]، ومِنَ العربِ مَنْ يقول: زوجة، وهو نادر، والمطهرة: التي طهرت من الحيض، والبول، والنفاس، والغائط، والمخاط، والبصاق، وكل قذر، وطهر لسانها من الفحش،
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنَّة" ص: 154 (210).
(2)
ابن أبي الدنيا في "صفة الجنَّة" ص 154.
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنَّة" ص: 154.
والبذاء، ونظرها من طمح عينها إلى غير زوجها، وكذلك خلقت حواء فلما اقترفت ما اقترفت قال سبحانه:{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35]"إنَّي خلقتك مطهرة، وسأدميك كما أدميت هذه الشجرة"(1) يعني لما خصفت عليها من ورق الشجرة، وهي التين فأدمتها كذا قيل، وهو في "العرائس" للثعلبي وفي "منظومة ابن العماد" التي جمع فيها الأنبياء على [حكم] (2) ما قاله القرطبي في "تذكرته": إن أوّل مَنْ حاض بنات يعقوب عليه السلام (3) قال في منظومته:
وأرسل الحيض على البنات
…
من نسل يعقوب عن الثقات
ولم أره لغيره وعندي فيه بعد لقوله تعالى في حكايته عن [الست](4) سارة: {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} [هود: 71]، أي: حاضت والله تعالى أعلم.
وقال جل شأنه: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى
(1) رواه الطبري في "تفسيره" رقم (550)(748).
(2)
هكذا في الأصل وجاء النص عن ابن عباس في الأوسط لابن المنذر (2/ 201) والحاكم (2/ 381) انظر الفتح (1/ 400) الدر المنثور (1/ 290).
وقد تعقب هذا الأثر الطبري في تفسيره وكذلك ابن كثير (1/ 95) قائلًا: وهذا غريب، فلا أظن ذلك يصح اهـ. والاقتصار على ما جاء في الكتاب والسنة أولى.
(3)
ذكره في الوسائل في مسامرة الأوائل للسيوطي ونسبه لعبد الرزاق رقم (39).
(4)
بمعنى سيدتي خطأ وهي عامية مبتذلة ذكره ابن الأعرابي وتأوله ابن الأنباري فقال: يريدون يا ست جهاتي. وتبعه في القاموس فقال: "وستي" للمرأة، أي يا ست جهاتي، انظر: قصد السبيل (2/ 118) وما أثبت هكذا ورد في الأصل.
وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56)} [الدخان: 54 - 56].
والحور: جمع حوراء وهي المرأة الشَّابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين، وقال زيدُ بن أسلم: هي التي يحار فيها الطرف والعينُ حسان الأعين وقال مجاهد: هي التي يحار فيها الطرف من رقةِ الجلدِ، وصفاء اللون. وقال الحسن: هي شديدة بياض العين شديدة سوادها. واختلف في اشتقاقِ هذه اللفظة فقال ابن عباس: الحور في كلامِ العربِ: البيض. وكذا قال قتادة. وقال مقاتل: الحور: البيض الوجوه. وكلام مجاهد يدل على أنَّ اللفظة مشتقة، من الحيرة، وردَّه الإمامُ "المحقق"، وقال: بل أصل الحور: البياض، والتحوير: التبييض، ومنه الحواريون أي: القصارون.
والصحيح: أنَّ الحورَ مأخوذ من الحَوَرِ في العين، وهو شدة بياضها مع قوةِ سوادها فهو متضمن لأمرين كما في "الصحاح" (1). وقال أبو عمرو: الحورُ أنْ تسودَّ العين كلَّها مِثْلُ أعين الظِّباء والبقر، وليس في بني آدم حور، وإنَّما قيل للنساء حور العيون؛ لأنهنَّ شُبِّهْنَ بالظباء والبقرِ. وقال الأصمعي: ما أدري ما الحَوَرُ في العينِ. قال في "حادي الأرواح"(2): أهل اللغة قالوا: الحور في العين معنى يلتئم مِنْ حسن البياض والسوادِ وتناسبهما، واكتساب كلّ واحدٍ الحسن من الآخرِ، وعين حوراء إذا اشتدَّ بياضُ بياضها، وسوادُ سوادها، ولا تسمَّى المرأة حوراء حتَّى يكون مع حَوَرِ عينها بياض لون جسدها.
(1)"الصحاح" 2/ 639.
(2)
"حادي الأرواح" ص 315.
وَالعِينُ: جمع عيناء، وهي العظيمة العين من النساء، ورجل أعين إذا كان ضخم العين، وامرأة عيناء، والجمع عين قال: والصحيح: أنَّ العين اللاتي جمعتْ أعينهن صفات الحسن والملاحة.
لطيفة: ذكرَ في "حادي الأرواح"(1) أنَّه يستحب الضيق في المرأة في أربعةِ مواضع: فمها، وخرق أذنها، وأنفها، وما هناك وتستحب السعة منها في أربعةٍ أيضًا: وجهها، وصدرها، وكاهلها - وهو ما بين كتفيها - وجبهتها ويستحب البياض منها في أربعةٍ: لونها، وفرقها، وثغرها، وبياض عينها. ويستحب السواد منها في أربعةٍ: عينها، وحاجبها، وهدبها، وشعرها. ويستحب الطول منها في أربعة أيضًا: قوامها، وعنقها، وشعرها، وثيابها. ويستحب القصر منها في أربعة:(وهي معنوية): لسانها، ويدها، ورجلها، وعينها. فتكون قاصرة الطرفِ، قصيرة الرجل واللسان عن الخروج، وكثرة الكلام، قصيرة اليد عن تناول ما يكره الزوج، وعن بذله، وتستحب الدقة منها في أربعة: خصرها، وفرقها، وحاجبها، وأنفها. وقال سبحانه:{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)} [ص: 52] فالأتراب: جمع ترب وهو لذة الإنسان. وقال: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74)} [الرحمن: 74]، أي: لم يمسهن، قاله أبو عبيدة، ويونس، وقال الفرَّاء الطمث: الافتضاض، وهو النكاح بالتدمية،
(1)"حادي الأرواح" ص 315، 316.
والطمث هو الدم يقال: طمثت الجارية إذا افترعتها، وبيت الفرزدق يدلَّ لِمَا قاله أبو عبيدة:
خرجن إليَّ لم يطمثهن قبلي
…
وهن أصح من بيض النعام
أي: لم يمسهن قبلي أحد، قال المفسرون لم يطأهن، ولم يغشهن، ولم يجامعهن هذه ألفاظهم. والله تعالى أعلم.
وقال تعالى في وصفهن: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)} [الرحمن: 72]، المقصورات: المحبوسات. قال أبو عبيدة: خدرت في الخيام. قال في "حادي الأرواح"(1): وفيه معنى آخر: وهو أنْ يكونَ المراد أنهنَّ محبوسات على أزواجهن لا يردن غيرهم وهم في الخيام وهذا معنى قول من قال: قصرن على أزواجهن فلا يردن غيرهم، ولا يطمحن إلى مَنْ سواهم، ذكره الفراء.
قال المحقق: قلت: هذا معنى قاصرات الطرف لكن أولئك قاصرات بأنفسهن، وهؤلاء مقصورات وقوله:{فِي الْخِيَامِ} على هذا القول صفة لجواريٍ هن في الخيام، وليس معمولًا لمقصورات وكأن أرباب هذا القول فروا من كونهن محبوسات، والحبس عذاب والجواب: أنَّه سبحانه وصفهن بأنَهنَّ مخدرات لا يخرجن مِنْ خدورهن، ولا يلزم من هذا أنّهنَّ لا يفارقن الخيام إلى الغرف والبساتين، ألا ترى أن نساءَ ملوك الدُّنيا وذويهم من
(1)"حادي الأرواح" ص 321، 322.
المخدرات المصونات قد يخرجن في بعضِ الأوقات لنحو منتزه؟ والله تعالى أعلم.
وقال تعالى: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)} [الرحمن: 70]. فالخيرات: جمع خيرة، وهي مخففة من خيرة كسيدة ولينة، وحسان جمع حسنة فهن خيرات الصفات والأخلاق حسان الوجوه.
وقال تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38)} [الواقعة: 35 - 38]: الضمير عائد للنساء الدال عليهن الفرش على أنَّه قيل في قوله تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)} [الواقعة: 34]: كناية عن النساء، لكن قوله:{مَرْفُوعَةٍ} يأباه كما نبّه عليه المحقق إلَّا أن يقال: رفعة القدر، وصوّب في "حادي الأرواح" (1): أنَّ الفرش على حقيقتها ودلت على النساء؛ لأنها محلهن غالبًا.
قال قتادة، وابن جبير في قوله تعالى:{إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35)} أي: خلقناهن خلقًا جديدًا (2). وقال ابن عباسٍ: يريد إنشاء الآدميات. وقال الكلبي ومقاتل: يعني: نساء أهل الدُّنيا العجز الشمط، بقوله تعالى: خلقهن بعد الكبر والهرم بعد الخلق الأول في الدنيا ويؤيده حديث عائشة رضي الله عنها أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها عجوز، فقال:"منْ هذه؟ " قالت: خالتي قال: "إنه لا يدخل الجنَّة العجز" فدخل العجوز من ذلك ما شاء الله، فقال صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا
(1)"حادي الأرواح" ص 323.
(2)
رواه الطبراني في "تفسيره" 11/ 640 (33392).
أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35)} خلقًا آخر يحشرون يوم القيامةِ عراة حفاة غرلًا، وأول من يكسى إبراهيم خليل الرحمن". ثُمَ قرأ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:{إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35)} (1)
وذكر مقاتل أن المراد بهنَّ الحور العين، اختاره الزجاج أي: أنشأهن سبحانه لأوليائه لم تقع عليهن ولادة (2)، وظاهر كلام "المحقق" الميل إلى هذا، وأنَّ الحديث لا يدل على أختصاص العجائز المذكورات بهذا الوصف، بل يدل على مشاركتهن للحور العين في هذه الصفات المذكورة فلا يتوهم (3) أنفراد الحور العين بذلك، نعم هنّ أحق بذلك منهن، فالإنشاء واقع على الصنفين.
وقوله: {عُرُبًا} جمع عروب وهنَّ: المحببات إلى أزواجهن. قال أبو عبيدة: العروبة: الحسنة التبعل. قال في "حادي الأرواح"(4): يريد حسن موافقتها، وملاطفتها لزوجها عند الجماع. وقال المبرد: هي العاشقة لزوجها، وأنشد لبيد في ذلك:
وفي الخروج عروب غير فاحشة
…
ريا الراودف يغشى دونها البصر
وقيل: هي الغنجة وهي لغة المدينة. قال في "حادي الأرواح"(5): جَمَع سبحانه بين حسن صورتها، وحسن عشرتها، وهذا غاية ما يطلب من النساء وبه تكمل لذة الرجل بالمرأة التي لم يطأها سواه.
(1) ابن جرير (17/ 80)، وأبو نعيم في "أخبار أصفهان"(2/ 142)، و"البعث والنشور" للبيهقي (343).
(2)
"زاد المسير" 8/ 142.
(3)
في (ب): نفهم.
(4)
"حادي الأرواح" ص 326.
(5)
"حادي الأرواح" ص 327.
وقال تعالى: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33)} [النبأ: 33]، فالكواعب: جمع كاعب أي: الناهد، قاله قتادة، ومجاهد (1)، والمفسرون والمراد: ثديهن نواهد، كالرمان ليست متدليةً إلى أسفل، ويسمين نواهد.
وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: "لغَدْوَة في سبيل الله أو روحة خير مِنَ الدُّنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم أو موضع قيده، - (يعني سوطه) - من الجنَّة خير من الدُّنيا وما فيها، ولو اطَّلعت امرأة من نساء أهل الجنَّةِ إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحًا ولأضاءت ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها"(2). تقدَّم أنَّ النصيف هو: الخمار.
وفي المسند (3) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "للرجل من أهل الجنَّةِ زوجتان من حور العين على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب".
وأخرج الطبراني (4) عن أم سلمة رضي الله عنها قالتْ: قلت: يا رسُولَ الله، أخبرني عن قول الله عز وجل:{وَحُورٌ عِينٌ (22)} [الواقعة: 22] قال:
(1) رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 411.
(2)
رواه البخاري (2796).
(3)
رواه البخاري (3245) في كتاب: بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنَّة وأنها مخلوقة. ومسلم (2834) في كتاب الجنَّة وصفة نعيمها وأهلها، باب: أول زمرة تدخل الجنَّة على صورة القمر ليلة البدر وصفائهم وأزواجهم. وابن حبان 16/ 436، 437 (7420).
(4)
الطبراني في "الأوسط" 3/ 278 (3141). الكبير (23/ 367) ابن جرير (19/ 539)(22/ 263).
"حور بيض عِين ضخام العيون شعر (1) الحوراء بمنزلة جناح النسر" قلت: أخبرني عن قوله: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58)} [الرحمن: 58]. قال: "صفاؤهن كصفاء الدّرّ الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي" قلت: أخبرني عن قوله: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)} [الرحمن: 70] قال: "خيرات الأخلاق حسان الوجوه" قلت: يا رسُولَ الله، أخبرني عن قوله تعالى:{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)} [الصافات: 49]، قال:"رقتهن كرقة الجلدة الذي رأيته في داخل البيضة مما يلي القشر - وهو - الغرقئ" قلت: يا رسُولَ الله، أخبرني عن قوله عز وجل:{عُرُبًا أَتْرَابًا (37)} [الواقعة: 37]، قال:"هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمصاء شمطاء خلقهن الله تعالى بعد الكبرِ فجعلهن عذارى عربًا متعشقات محببات أترابًا على ميلادٍ واحدًا". قلت: يا رسُولَ الله، نساء الدُّنيا أفضل أم الحور العين قال:"بل نساء الدنيا أفضل مِنَ الحورِ كفضل الظهارة على البطانة".
قلت: يا رسُولَ الله ومما ذلك؟ قال: "بصلاتهنَ، وصيامهن، وعبادتهن الله، ألبسَ الله وجوههن النَّور، وأجسادهن الحرير، بيض الألوان، خضر الثياب، صفر الحلي، مجامرهن الدر، وأمشاطهن الذهب يقلن: نحن الخالدات فلا نموت أبدًا، ونحن الناعامات فلا نبأس أبدًا، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدًا، ونحن الراضيات فلا نسخط أبدًا طوبى لمن كنَّا له وكان لنا" قلت: يا رسُولَ الله، إنَّ المرأة منا تتزوج زوجين، والثلاثة، والأربعة، ثُمَّ تموت فتدخل الجنَّة، ويدخلون معها مَنْ يكون
(1) تنبيه ورد خطأ في الطبراني في اللفظة "شفر" وفي المجمع أيضًا "شقر".
زوجها؟ قال: "يا أم سلمة إنَّها تخير فتختار أحسنهم خلقًا فتقول: أي رب إنَّ هذا كان أحسنهم معي خلقًا في دارِ الدنيا فزوجنيه، يا أم سلمة، ذهبَ حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة".
قال في "حادي الأرواح"(1): تفرد به سليمان بن أبي كريمة ضعفه أبو حاتم، وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير ولم أر للمتقدمين فيه كلامًا، ثُمَّ ساق هذا الحديث من طريقه قال: ولا يعرف إلَّا بهذا السند.
قلت: وقد ورد خلافه فعن حذيفة أنَّه قال لأمامة: إنْ سرَّكِ أن تكوني زوجتي في الجنَّة إن جمعنا الله فيها فلا تتزوجي منْ بعدي فإن المرأة لآخر أزواجها (2).
خطب معاوية (3) أم الدرداء فأبت، وقالت سمعت أبا الدرداء يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"المرأة لآخر أزواجها في الآخرة".
وقال لي: إنْ أردتِ أن تكوني زوجتي في الآخرة فلا تتزوجي من بعدي. والله أعلم.
وأخرج أبو يعلي الموصلي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم،
(1)"حادي الأرواح" ص 329، 330.
(2)
البيهقي في (سننه)(7/ 69 - 70).
(3)
"طبقات المحدثين" لأبي الشيخ، والطبراني في "الأوسط" 3/ 275 (3130)، وله شاهد آخر من حديث أبي بكر عند ابن عساكر في "تاريخه"(19/ 193 / 1) وحديث عائشة في "تاريخ بغداد"(9/ 328).
ومساكنكم من أهل الجنَّةِ بأزواجهم ومساكنهم، فيدخل الرجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة سبعين مما ينشئ الله، وثنتين مِنْ ولدِ آدم لهما فضل على من أنشأ الله تعالى بعبادتهما في الدنيا يدخل على الأولى منهما في غرفةٍ مِنْ ياقوتة على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ، عليه سبعون زوجًا من سندس وإستبرق، وإنَّه ليضع يده على كتفيها، ثُمَّ ينظر إلى يده من صدرها من وراء ثيابها، وجلدها، ولحمها، وإنَّه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت كبده لها مرآة، وكبدها له مرآة فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله لا يأتيها من مرة إلَّا وجدها عذراء ما يفتر ذكره، ولا تشتكي قبلها فبينما هو كذلك إذْ نودي إنَّا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل، إلَّا أنه لا مني، ولا منية إلَّا أن تكون له أزواج غيرها فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة كلَّما جاء واحدةً قالت: والله ما في الجنَّة شيء أحسن منك، وما في الجنَّة شيء أحب إليَّ منك" (1).
قال في "حادي الأرواح"(2): وهذا قطعة من حديث الصورِ الذي تفرد به" إسماعيل بن رافع، وقد روى له الترمذي، وابن ماجة وضعفه الإمام أحمد، ويحيى، وجماعة (3). وقال الدارقطني، وغيره:
(1) رواه أبو يعلى (2436). وقال الهيثمي في "المجمع"(10/ 416): رواه أبو يعلى، وفيه زيد بن أبي الحواري، وقد وثق على ضعف، وبقية رجاله ثقات.
(2)
"حادي الأرواح" ص 331.
(3)
انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم 2/ 168 - 169.
متروك (1). وقال ابن عُدي: عامة أحاديثه فيها نظر (2). وقال الترمذي: يضعفه بعضُ أهل العلمِ وسمعت محمدًا (يعني البخاري) يقول: هو ثقة مقارب الحديث (3).
قال المحقق: وقال شيخنا أبو الحجاج: هذا الحديث مجموع مِنْ عدة أحاديث ساقه إسماعيل، وغيره هذه السياقة، وشرحه الوليدُ بن مسلم (4) في كتاب مفرد وما تضمنه معروف في الأحاديث. انتهى كلامه.
وفي صحيح ابن حبان (5) عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعًا في قوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58)} [الرحمن: 58] قال: "ينظر
(1) انظر "تهذيب الكمال" 3/ 88.
(2)
"الكامل" 1/ 452 - 453 (119).
(3)
انظر: "سنن الترمذي" 4/ 189، و"تاريخ دمشق" 8/ 399 - 400.
(4)
هو الإمام عالم الشام، أبو العباس الدمشقي الحافظ، مولى بني أمية، قرأ القرآن على يحيى بن الحارث الذماري وعلى سعيد بن عبد العزيز وارتحل في هذا الشأن، وصنف التصانيف وتصدى للإمامة، واشتهر اسمه، وكان من أوعية العلم، ثقة حافظًا، لكن رمي بالتدليس. قال أبو اليمان: ما رأيت مثل الوليد بن مسلم، قيل لأبي زرعة الرازي: الوليد أفقه أم وكيع؟ فقال: الوليد بأمر المغازي، ووكيع بحديث العراقيين، قال ابن جوصاء الحافظ: لم نزل نسمع أنه من كتب مصنفات الوليد، صلح أن يلي القضاء، ومصنفاته سبعون كتابًا.
انظر: ترجمته في: "الجرح والتعديل" 9/ 16، و"تهذيب الكمال" 31/ 86، و"سير أعلام النبلاء" 9/ 211 (60).
(5)
"صحيح ابن حبان" 16/ 409، 410 (7397).
إلى وجهه في خدها أصفى مِنَ المرآة، وإنَّ أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، وإنَّه ليكون لها سبعون ثوبًا ينفذها بصره حتَّى يرى مخ ساقها من وراء ذلك".
وأخرج الترمذي وصححه، والبزار عن أنس رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"يزوج العبد في الجنَّة سبعين زوجة" قيل: يا رسُولَ الله أيطيقها؟ قال: "يعطى قوة مائة"(1).
وأخرج الإمام أحمد، والترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن أدنَى أهل الجنَّةِ منزلةً الذي له ثمانون ألف خادم، واثنان وسبعون زوجة، وينصب له قبة من لؤلؤ، وياقوت، وزبرجد كما بين الجابية وصنعاء"(2).
وأخرج البيهقي (3) عن عبد الله بن أبي أوفى مرفوعًا قال: "إنَّ الرجلَ من أهل الجنَّةِ ليتزوج خمسمائة حوراء، وأربعة آلاف بكر، وثمانية آلاف ثيب يعانق كلّ واحدةِ منهنَّ مقدار عمره من الدُّنيا" ثُمَّ أخرجه عن عبد الرحمن بن سابط موقوفًا عليه، وصححه.
وأخرج أبو نعيم في "صفةِ الجنَّة"، وأبو الشيخ عن ابن أبي أوفى
(1) رواه الترمذي (2536) في صفة الجنَّة باب ما جاء في صفة جماع أهل الجنَّة وقال: هذا حديث صحيح غريب.
(2)
رواه الترمذي (2562) في صفة الجنَّة باب: ما جاء ما لأدنى أهل الجنَّة من الكرامة، وأحمد 3/ 76.
(3)
البعث (373) العظمة لأبي الشيخ (603) والحديث ضعيف كما في تخريج الأحياء (9/ 42) وفتح الباري (6/ 325)، انظر ص 1157، 1193 ت (1).
رضي الله عنه مرفوعًا قال: "يزوج كلَّ رجلٍ مِنْ أهل الجنَّةِ بأربعةِ آلاف بكر، وثمانية آلاف أيم، ومائة حوراء فيجتمعن في كل سبعةِ أيامٍ فيقلن بأصوات حسان لم يسمع (1) الخلائقُ بمثلهن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن النَّاعمات فلا نبأس، ونحن الرَاضيات فلا نسخط، ونحن المقيمات فلا نظعن طوبى لمَنْ كان لنا وكنَّا له"(2).
وأخرج الطبراني (3) في الأوسط عن أنس رضي الله عنه قال: حدَّثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حدثني جبريل عليه السلام قال: يدخل الرَّجل على الحوراء فتستقبله بالمعانقة والمصافحة" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فبأي بنان تعاطيه لو أنَّ بعض بنانها بدا لغلب ضوؤه ضوء الشَّمسِ والقمر، ولو أنَّ طاقة مِنْ شعرها بدت لملأت ما بين المشرقِ والمغرب منْ طيب ريحها، فبينما هو متكئ معها على أريكة إذْ أشرفَ عليه نور من فوقه فيظن أنَّ الله قدْ أشرفَ على خلقه فإذا حوراء تناديه: يا ولي الله، أمَا لنا فيكَ مِنْ دولة؟ فيقول: مَنْ أنت يا هذه؟ فتقول: أنا من اللواتي قال الله تعالى: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} فيتحول عندها فإذا عندها من الجمال، والكمالِ
(1) في (ب): يستمع.
(2)
رواه أبو نعيم في "صفة الجنَّة" 2/ 219 - 220، وأبو الشيخ في "العظمة" حديث (603)، وفي "طبقات المحدثين" حديث (954).
(3)
الطبراني في "الأوسط"(9/ 38)(8877). قال الهيثمي في "المجمع" 10/ 418 رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه سعيد بن زرابي، وهو ضعيف.
وقال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" 2/ 490 (2222): منكر.
ما ليس مع الأولى فبينما هو متكئ على أريكته إذْ أشرفَ عليه نور من فوقه فإذا حوراء أخرى تناديه: يا ولي الله، أما لنا فيك من دولة؟ فيقول: من أنت؟ فتقول: أنا من اللواتي قال الله: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة: 17]، فلا يزال يتحول من زوجة إلى زوجة".
وعن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعًا: "ما من عبد يدخل الجنَّة إلَّا ويزوج ثنتين وسبعين زوجة: ثنتان من الحور العين، وسبعون من أهل ميراثه من أهل الدُّنيا ليس منهنَّ امرأة إلَّا ولها قبل شهي، وله ذكر لا ينثني"(1).
وأخرج أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للمؤمن في الجنَّة ثلاث وسبعون زوجة" فقلنا: يا رسُولَ الله أوله قوة ذلك؟ قال: "إنه ليعطى قوة مائة"(2).
وأخرج الطبراني (3) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسُولَ الله، هل نصل إلى نسائنا في الجنَّة؟ فقال:"إنَّ الرَّجلَ ليصل في اليوم إلى مائة عذراء". قال محمدُ بن عبدِ الواحد المقدسي: رجال هذا الحديث عندي على شرط الصحيح.
(1) ابن ماجة (4337)، والبيهقي في "البعث"(367)، وأبو نعيم (370).
(2)
رواه أبو نعيم في "صفة الجنَّة" 2/ 206 (372).
(3)
"أبو نعيم في "صفة الجنَّة" (373)، والطبراني في "الأوسط" 1/ 718، وفي "الصغير" (2/ 12)، و"كشف الأستار" (3525).
وأخرجَ أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسُولَ الله أنفضي إلى نسائنا في الجنَّة كما نفضي إليهنَّ في الدُّنيا؟ قال: "والذي نفس محمد بيده إن الرَّجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء"(1).
قلت: ذكر هذه الأحاديث الإمام المحقق في "حادي الأرواح"(2) بأسانيدها، وتكلم على رجالها، وفي الجملة هي أحاديث مقبولة، وإن تكلم في رجالها والله تعالى أعلم أنّ كثرتها معْ تباين طرقها يدلُّ على ثبوتها، وليستْ موضوعة جزمًا.
ثمَّ قال في "حادي الأرواح"(3) عقب ذكرها: والأحاديث الصَّحيحة إنَّما فيها أنَّ لكل منهم زوجتين، وليس في الصحيحِ زيادة على ذلك فإنْ كانت هذه الأحاديث محفوظة فإمَّا أن يرادَ بها ما لكلِّ واحد من السراري زيادة على الزوجتين، ويكونون في ذلك على حسب منازلهم في القلةِ والكثرة كالخدم والولدان، وإمَّا أنْ يرادَ أنَّه يعطى المؤمن قوة من يجامع هذا العدد، ويكون هذا هو المحفوظ، ورواه بعض هؤلاء بالمعنى فقال: له كذا وكذا زوجة. وقد روى الترمذي (4) عن أنس رضي الله عنه يعطى المؤمن قوة كذا وكذا من الجماع.
(1) أبو يعلى في "مسنده"(2436)، و"الزهد" لهناد (88)، و"أبو نعيم في "صفة الجنَّة" (374).
(2)
"حادي الأرواح" ص 333، 334.
(3)
"حادي الأرواح" ص 334.
(4)
رواه الترمذي (2536) في صفة الجنَّة، باب: ما جاء في صفة جماع أهل الجنَّة، وقال: هذا حديث صحيح غريب.