الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وأمَّا السرادقُ فقال تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29].
قال الزجَّاج: السرادق كلما أحاط بشيء نحو المضرب والحائط المشتمل على الشيء، وقال ابن قُتَيبْة (1): السرادق: الحجرة التي تكون حوط الفسطاط وقيل: الدهليز وهو معرب وأصله بالفارسية سرادار (2).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو سرادقٌ من نار (3). وخرَّج الترمذي بسند فيه ابن لهيعة عن أبي سعيد مرفوعًا: "لسرادق النار أربعة جدر كثف كل جدار مسيرة أربعين سنة"(4).
قال الحافظ: (5) وإحاطة السرادق بهم قريب من المعنى المذكور في غلق الأبواب، وهو شبه قول من قال في السرادق: إنه حائط لا باب له.
ولما كان إحاطة السرادق بهم موجبًا لغمهم وكربهم لشدة وهج النار، قال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ
(1) كتاب مشكل القرآن، سورة الكهف. قصد السبيل سرادق (2/ 126)
(2)
"التخويف من النار" ص 86.
(3)
أخرجه الطبري في "تفسيره"(23034).
(4)
أخرجه الطبري في "تفسيره"(23037).
(5)
"التخويف من النار" ص 86.
إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)} [الكهف: 29] وقال تعالى: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)} [الحج: 21، 22].
قال أبو معشر (1): كنا في جنازة مع أبي جعفر القاريء فبكى أبو جعفر ثم قال: حدثني زيد بن أسلم: أن أهل النار لا يتنفسون؛ فذلك الذي أبكاني. أخرجه الجوزجاني.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: سبعون ألف قبة من نار في كل قبةٍ سبعون ألف تنور من نار، في كل تنور منها سبعون ألف كوة من نار، في كل كوة منها سبعون ألف صخرة من نار، على كل صخرة منها سبعون ألف حجر من نار، وعلى كل حجر منها سبعون ألف عقرب من نار، لكل عقرب منها سبعون ألف ذنب من نار، لكل ذنب منها سبعون ألف قفازة من نار، في كل قفازة منها سبعون ألف قلة من سم، وسبعون ألف موقد من نار يوقدون تلك النار".
وذكر تمام الحديث وستأتي إن شاء اللَّه بقيته وفيه أنهم يهربون من باب إلى باب خمسمائة سنة.
قال الحافظ في التخويف (2): وهذا الخبر غريب منكر وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان ضعيف تركه الأئمة.
(1) صفة النار لابن أبي الدنيا (158)"التخويف من النار" ص 87.
(2)
"التخويف من النار" ص 87.
وتقدم أن أبواب جهنم قبل دخول أهلها إليها يوم القيامة تكون مغلقة وذكرنا قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 71] الآية وفي حديث أبي هارون العبدي وهو ضعيف جدًا عن أبي سعيد مرفوعًا في قصة الإسراء: "ثم عرضت على النار وإذا غضب الله وزجره ونقمته لو طُرح فيها الحجارةُ والحديدُ لأكلتها ثم أغلقت دوني" وقد روى أنها تفتح في كل يوم نصف النهار.
وأخرج الإمام أحمدُ: "أن خبابَ بن الأرت رأى رجلا يصلي نصف النهار فنهاه وقال: إنها ساعة تفتح فيها أبواب جهنم فلا يُصَلىَّ فيها"(1) وتقدم أن الحكمة في غلقها ليزداد حرها، ويعظم ضرها، ويقوى شرها، ويزيد سعيرها، ويكثر زفيرُها، ويحبسَ دخانُها، ويخنقَ خزانها، فنسألُ الله أن يعافينا من زفراتها، ويبعدنا عن عقاربها وحياتها، بمنه وكرمه.
وقد ورد ما يستدل به على أن أبوابها مفتوحة كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين"(2) وخرَّج الترمذي عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا كان أوّل ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب"(3).
(1) التخويف من النار ص 65.
(2)
أخرجه مسلم 1079.
(3)
أخرجه الترمذي 682، وابن ماجه 1642، وأخرجه النسائي 4/ 126.
وأجيب: بأن غلق أبواب النار إنما هو عن الصائمين خاصة وكذا فتحُ أبواب الجنة لهم خاصة ويدل عليه حديث ابن عباس مرفوعًا: "فيفتح فيها أي في أول ليلة من رمضان أبواب الجنة للصائمين من أمّة محمد ويقول اللَّه عز وجل: يا رضوان افتح أبواب الجنان، يا مالك: أغلق أبوابَ الجحيم عن الصائمين من أُمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم"(1)، والحديث منقطعٌ فإنهُ رواه الضحاك عن ابن عباسٍ، والضحاك لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنهما، هكذا جواب بعض العلماء (2).
قلت: والذي يظهر لي من الجواب عن هذه الأحاديث أنَّ المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "وغلقت أبواب النار" أي استمرت على حالها قبل رمضان مغلوقة كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} [النساء: 136] وكذا القول في أبواب الجنة على رأي من زعم أنها مفتوحة الآن وإلا هذا الكتاب قد نطق بتغليق الأبواب فقد قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 71] فالحقُّ أن أبوابَ جهنَّمَ مغلقةٌ، أمَّا اليومُ فعَلَى الصحيح المعتمدِ وأمَّا فِي الآخرةِ فَلا نزاعَ اللهُمَّ إلا أنْ يُنَازعَ في ذلِكَ من لا يعتدُّ بنزاعِهِ واللَّه تعالَى الموفقُ.
(1) التخويف من النار ص 65 وكذلك في الترغيب والترهيب 2/ 61.
(2)
"التخويف من النار" 86 - 88.