الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي مسند الإمام أحمد عن بريدة رضي الله عنه مرفوعًا: "تعلَّموا سورة البقرة فإنَّ أخذها بركة وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة". ثُمَّ سكت ساعةً، ثُمَّ قال:"تعلموا سورة البقرة وآل عمران، فإنَّهَما الزهراوان، وإنَّهما يظلان صاحِبَهما يوم القيمةِ كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صوات، والقرآن يلقى صاحبه يوم القيمةِ حين ينشق عنه قبره كالرجل المشاحب، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول له: ما أعرفك فيقول له القرآن: أنا الذي أظمأتكَ في الهواجر، وأسْهَرتُ ليلك، وإنَّ كلّ تاجر مِن وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كلّ تجارة فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسِه تاج الوقار، ويكسى والداه جبتين لا تقوم لهما الدنيا، فيقولان بم كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن ثُمَّ يقال: اقرأ، واصعد في درج الجنَّة، وغرفها فهو في صعود ما دام يقرأ هذا كان أو ترتيلًا"(1) قوله البطلة: أي: السحرة، والغياية: ما أظل الإنسان، وكذا الغمامة.
فصل
وأمَّا الفرش، فقال تعالى:{مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن: 54]، وقال:{وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)} [الواقعة: 34]، فسر بطائنها من استبرق على أنها ظهائرها أعلى، وأحسن من بطائنها؛ لأنَّ بطائنها للأرض، وظهائرها للجمال. قال عبد الله رضي الله عنه: هذه
(1) أحمد 5/ 348 (22950).
البطائن قد أخبرتم بها فكيف بالظهائر؟! ويدل قوله: "وفرش مرفوعة" على أنَّها عالية لها سمك وحشو بين البطانة والظهارة.
أخرجَ الترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعًا: "ارتفاعها كما بين السماء والأرض، ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام" قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلَّا من حديث رشدين بن سعد (1) قال في "حادي الأرواح"(2): قلت: رشدين بن سعد عنده مناكير وبَيَّن ذلك.
ومعنى الحديث كما قال الترمذي: أنَّ الارتفاع المذكور للدرجات، والفرش عليها
وعند عبد الله بن وهب عن أبي سعيد مرفوعًا "ما بين الفراشين كما بين السَّماء إلى الأرض".
قال في "حادي الأرواح"(3): وهذا أشبه أنْ يكون هو المحفوظ. كذا قال.
وأخرج الطبراني عن كعب في قوله: "وفرش مرفوعة" قال: "مسيرة أربعين سنة"(4).
وعن أبي أمامة: "لو أن أعلاها يسقط ما بلغ أسفلها أربعين خريفًا" رواه ابن أبي الدُّنيا موقوفًا (5)، ورواه الطبراني مرفوعًا بلفظ
(1) أحمد (18/ 247) رواه الترمذي (2540) في كتاب صفة الجنَّة، باب: ما جاء في صفة ثياب أهل الجنَّة، وقال: حديث غريب.
(2)
"حادي الأرواح" ص 296.
(3)
"حادي الأرواح" ص 296.
(4)
"حلية الأولياء" 5/ 379.
(5)
ابن أبي شيبة (13/ 140) هناد في الزهد (79)، ابن أبي الدنيا في "صفة الجنَّة" ص 128، 129.
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الفُرش المرفوعة قال: "لو طرح فراش من أعلاها لهوى إلى قرارِها مائة خريفٍ" ونظر في رفعه "المحقق"(1).
وأمَّا البسط فقال تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)} [الرحمن: 76] قال: {وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)} [الغاشية: 14 - 16].
قال جبير: الرفرف: رياض الجنَّة، والعبقري: عَتَاقُ الزرابي.
قال الحسن في قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)} [الرحمن: 76]: هي البسط وأهل المدينة يقولون: هي البسط.
والنمارق: هي الوسائد. قاله: الواحدي في قوله الجميع واحدها نُمرقة بضم النون، وحكى الفراء: كسرها. والزرابي: البسط، والطنافس واحدها زربية في قول جميع أهل اللغة والتفسير. وقوله:{مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية: 16]، أي: مبسوطة منثورة.
وقال الليث: الرفرف: ضرب من الثياب خضر تبسط الواحد رفرفة، وقال أبو عبيدة: الرفارف البسط، وقيل: رياض الجنَّة وتقدم، وقيل: الوسائد، وقيل غير ذلك.
وقال: "المحقق"(2) قلت: أصلُ الكلمةِ من الطرف، والجانب، فمنه الرف في الحائط، والرفرف: وهو كِسرُ الخباء، وجوانب الدِّرع، وما تدنى منه، ومنه رفرف الطير إذا حرك جناحَه حولَ الشَّيء يريدُ أنْ
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" 8/ 242 - 243 (7947)، وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 120، رواه الطبراني وفيه جعفر بن الزبير الحنفي وهو ضعيف، ضعيف الجامع (4826).
(2)
"حادي الأرواح" ص 299.
يقع عليه، والرفرف: ثياب خضر تتخذ منها المجالس، الواحدة رفرفة، وقال ابن مسعود في قوله تعالى:{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} [النجم: 18]: رفرفًا أخضر سد الأفق. متفق عليه (1).
وتقدم أنَّ العبقري (2): البسط، وقيل: موضع في البادية كثير الجِّن، يقال: كأنهم جن عبقر، فنسب إلى ذلك، وهي الأرض التي سلكها الجن فصار مثلًا منسوبًا إلى شيء رفيع، وأنشد أبو عبيد لزهير:
يخيل عليها جنَّه عبقرية
…
جديرون يومَا أنْ ينالو فيشعلوا
قال الواحدي: وهذا الصحيح في العبقري؛ لأنَّ العربَ إذا بالغت في وصف شيء نسبته إلى الجن، وشبهته بهم، ومنه قول لبيدة:
جنى الندى رواسيا أقدامها ...............................
وقال آخر في وصفه امرأة:
جنية ولها جنّيّ يعلمها
…
رمى القلوب بقوس ما لها وتر
وذلك لأنهم يعتمدون (3) كلّ صفة عجيبة في الجن، وأنَّهم يأتون بكلِّ أمر عجيب، قال في "حادي الأرواح" (4): ولما كان عبقر معروفًا بسكناهم، نسبوا كلِّ شيءٍ مبالغ فيها إليها، يريدون بذلك أنَّه منْ عملهم، وصنعهم، هذا هو الأصل، ثُمَّ صار العبقري اسمًا، ونعتًا لكلِّ ما بولغ في صفته ومنه قوله صلى الله عليه وسلم حين ذكر عمر: "فلم أر عبقريًا
(1) البخاري (3233، 4858).
(2)
"معجم البلدان" 4/ 79.
(3)
في (ب): يعتقدون.
(4)
"حادي الأرواح" ص 30، 31.