الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الوضوء والصلاة وحينئذ فلا يتحقق وجود حسن العمل الذي يوجب التكفير والله الموفق.
والحاصل أن التوبة واجبةٌ من الكبائر والصغائر على الصحيح المعتمد ولا التفات لمن لم يوجبها من الصغائر والله سبحانه يتوب على من تاب بمنه وكرمه.
فصل
ونحن نتلو عليك طرفًا من الأخبار النبوية والآثار المرضية في التوبة إن شاء الله تعالى
أخرج مسلم والنسائيُّ عن أبي موسى رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إن الله عز وجل يبسط يده بالليل (1) ليتوب مسيئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها"(2).
(1) ورد في هامش الأصل: أي: فيه، يعني: يبسط يد الفضل والإنعام لا يد الجارحة لأنها من لوازم الأجسام. أهـ؛ أي يقبل توبة التائب ليلًا ونهارًا. أهـ. أقول وبالله التوفيق ومنه نستمد العون والتسديد الصحيح في مذهب أهل السنة والجماعة إثبات ليد الله عز وجل على ما يليق بجلاله كما وصف بها نفسه وجاءت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
رواه أحمد 4/ 395، 404، ومسلم (2759)، وابن منده في "الإيمان"(779)، وأبو الشيخ في "العظمة"(129)، وعبد بن حميد (562)، والطيالسي (490)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(694).
وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن تاب مِن قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه"(1).
وأخرج ابن ماجه بإسناد جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثمَّ تبتم لتاب الله عليكم"(2).
وأخرج الحاكم وصححه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "مِن سعادة المرء أن يطول عمره ويرزقه الإنابة"(3).
وأخرج الترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "كلُّ ابن آدم (4) خَطَّاء وخير الخطائين التوابون"(5).
(1) رواه أحمد 2/ 275، وعبد الرزاق في "التفسير" 1/ 212، والطبري في "التفسير"(14225)، ومسلم (2703)، وابن حبَّان (629)، وابن منده في "الإيمان"(1024)، والبغويُّ في "شرح السنة"(1299)، وفي "التفسير" 1/ 144.
(2)
رواه ابن ماجه (4248)، وصححه الألباني في "الصحيحة"(903).
(3)
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" 7/ 362.
(4)
ورد في هامش الأصل: أي: غالبهم. أهـ.
(5)
رواه أحمد 3/ 198، وابن أبي شيبة 13/ 187، وعبد بن حميد (1197)، والترمذي (2499)، وابن ماجه (4251)، وأبو يعلى (2922)، وابن حبَّان في "المجروحين" 2/ 111، والحاكم 4/ 244.
وقال الترمذي: هَذَا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث على بن مسعدة عن قتادة، وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: عليٌّ لين الحديث. وقد حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (3428).
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن عبدًا أصاب ذنبًا فقال يا رب إني أذنبت ذنبًا فاغفره لي فقال له ربه علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب. ويأخذ به فغفر له ثمَّ مكث ما شاء الله ثمَّ أصاب ذنبًا آخر وربما قَالَ: ثمَّ أذنب ذنبًا آخر فقال: يا رب إني أذنبت ذنبًا آخر فاغفر لي قَالَ: ربه علم عبدي أن له ربّا يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له ثمَّ مكث ما شاء الله ثمَّ أصاب ذنبًا آخر وربما قَالَ: ثمَّ أذنب ذنبًا آخر فقال: يا رب إني أذنبت ذنبًا فاغفره لي فقال ربه علم عبدي أن له ربّا يغفر الذنب ويأخذ به فقال: ربه غفرت لعبدي فليعمل ما شاء"(1).
قال الحافظ المنذري معناه والله أعلم: أنَّه ما دام كلما أذنب ذنبًا استغفر وتاب منه ولم يعد إليه بدليل قوله ثمَّ أصاب ذنبًا آخر فليفعل إذا كان هذا دأبه ما شاء لأنه كلما أذنب كانت توبته واستغفاره كفارة لذنبه فلا يضره لا أنَّه يذنب الذنب فيستغفر منه بلسانه من غير إقلاع ثمَّ يعاوده فإن هذه توبة الكذابين انتهى.
ولا يخفى أن الحافظ المنذري سكت عمن تاب من ذنب وأقلع عنه وعزم أن لا يعود إليه أبدًا ثمَّ عاد إليه والحكم فيه كالذي عاد إلى
(1) رواه أحمد 2/ 296، ومسلم (2379)، وابن ماجه (2150)، وابن حبَّان (5142)
مثله (1) من القبول والغفران بلا ريب والله أعلم.
وأخرج الترمذي وصححه والنسائيُّ وابن ماجه في صحيحه (2) والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إن المؤمن إذا أذنب ذنبًا كانت نكتة سوداء في قلبه فإنْ تابَ، ونزع، واستغفر صقل منها، وإن زاد زادت حتى يغلق بها قلبه فذلك الران (3) الذي ذكره الله في كتابه:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14](4).
وأخرجَ ابن ماجه، والترمذي وحسنه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إنَّ الله يقبل توبةَ العبدِ ما لم
(1) ورد في هامش الأصل: ولعل مراد الحافظ المنذري رحمه الله بقوله: عاد إلى مثله أي: مثل ذَلِكَ الذنب يعني: بأن زنا ثانيًا؛ لأنَّ الزنا ثانيًا مثل الأوّل لا عينه، كما لا يخفى؛ بل هَذَا مراده بلا شبهة، وإنما دخل هَذَا عَلَى المؤلف من كلام الغزالي، حيث فسَّر المثل بالغير في حق الهرم الذي كان يزني، فإنَّه يرجع عن مثله من نحو الغيبة. تأمل. والله أعلم. من خط المؤلف عن نسخته.
(2)
كذا في الأصل ولعل المراد: في سننه.
(3)
ورد في هامش الأصل: قوله: فذلك الران. . إلخ لعله مصدر ران يرين رينًا، ورُيُونًا. والرين: الطبع والدنس والصدأ الحاصل للقلب بسبب المعاصي، كما ذكره في الصحاح.
(4)
رواه أحمد 2/ 297، والطبري في "تفسيره"(36623)، وابن ماجه (4244)، والترمذي (3334)، والنسائيُّ في "عمل اليوم والليلة"(418)، وإسناده قوي.
يغرغر" (1) أي: بمعجمتين الأولى مفتوحة، والثانية: مكسورة وراء مكررة معناه ما لم تبلغ روحه حلقومه فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به ذكره المنذري وابن الأثير في "النهاية" (2) وزاد: والغرغرة أنْ يجعل المشروب في الفم ويردد إلى أصل الحلق ولا يبلع انتهى.
وفي حديث معاذ رضي الله عنه مرفوعًا: "وما عملت من سوء فأحدث له توبة السِّرُّ بالسِّرِّ، والعلانية بالعلانية"(3) رواه الطبراني بإسناد حسن غير أنَّ عطاء وهو الراوي عن معاذ لم يدرك معاذا ورواه البيهقي وأدخل بينهما رجلًا لم يسمَّ.
وأخرج الأصبهاني عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: "إذا تابَ العبدُ مِنْ ذنوبه أنسى الله حفظته ذنوبه، وأنسى ذلك جوارحه، ومعالمه من الأرض حتَّى يلقى الله يوم القيامة وليس عليه شاهد من الله بذنب"(4).
(1) رواه أحمد 2/ 132 عن عبد الله بن عمر، ورواه الترمذي (3537)، وابن ماجه (4253)، إلا أنَّه قَالَ: عبد الله بن عمرو، وهو وهم كما نبه عليه المزي في تحفة الأشراف 5/ 328، وكذا ساقه المصنف رحمه الله، ورواه الحاكم 4/ 257، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 190، وابن حبَّان (628)، والحديث حسن.
(2)
"النهاية" 3/ 360.
(3)
أخرجه الطبراني في "الكبير"(331)، وهناد في "الزهد" 2/ 348 (956)، وابن أبي عاصم في "الزهد" 1/ 26.
(4)
الترغيب والترهيب (1/ 441) 778، ذكره في "الترغيب والترهيب" للمنذري 4/ 48.
وأخرجَ ابن ماجه والطبراني عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"التائب من الذنب كمَنْ لا ذنب له"(1). قلتُ: أخرجه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات، وحسنه الحافظ ابن حجر بشواهده؛ لأنَّ في سنده أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ولم يسمع منه وله شواهد ضعيفة ورواه البيهقي في شعب الإيمان وزاد عن ابن عباس:"والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه"(2). وقال صلى الله عليه وسلم: "الندم توبة"(3) رواه ابن حبَّان في صحيحه عن أنس رضي الله عنه، ورواه الحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه وقال [ابن الدَّيْبَع] (4) في كتابه "تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على الألسنة من حديث": رواه الطبراني في "الكبير" وأبو نعيم في "الحلية" من حديث أبي سعيد الأنصاري مرفوعًا، بزيادة:"والتائب مِنَ الذنب كمن لا ذنب لَهُ" وسنده ضعيف.
وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ
(1) أخرجه ابن ماجه في "سننه"(4250)، وابن أبي الجعد في "مسنده" 1/ 266، والطبراني في "الكبير"(10281).
(2)
أخرجه ابن ماجه (4252)، والبيهقيُّ في "سننه" 10/ 154، وأحمد في "مسنده" 1/ 422.
(3)
حديث صحيح وسبق تخريجه في أول الفصل (التوبة). (1442).
(4)
في الأصل الربيع. والحديث في كتابه ص 285 (1514)، ورواه الطبراني 22/ (775)، وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 251 و 312 و 10/ 398.
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عَلِمَ الله مِنْ عبده ندامةً عَلَى ذنبٍ إلا غَفَر لَهُ قَبل أنْ يستغفر منه". واعترض تصحيحَ الحاكم الذهبي بقوله: هشام بن زياد ساقط.
وأخرج مسلم (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قَالَ: "وَالذي نفسي بيده لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم ولجاءَ بقومٍ يذنبونَ ويستغفِرونَ الله فيغفر لهم".
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنَ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالمٍ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَمَنْ يُحَولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟! انْطَلِقْ إِلىَ أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ الله، فَاعْبُدِ الله مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلىَ أَرْضِكَ فَإِنَّها أَرْضُ سَوْءٍ فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ المَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحمةِ وَمَلَائِكَةُ العَذَابِ فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحمةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلىَ الله. وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ العَذَابِ: إِنَّهُ لم يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيِّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيِنْ، فَإِلىَ أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلىَ الأَرْضِ التِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحَمْةِ". وفي رواية: "فأوحى الله تعالى إلى
(1) برقم (2749).
هذه أن تباعدي، وإلى هذه أن تقربي، وقال: قيسوا بينهما، فوجده إلى هذه أقرب بشبر؛ فغفر له" (1). وقال الحسن: ذكر لنا أنَّه لما أتى ملك الموت نأى بصدره نحوها.
قُلْتُ: وأخرج ابن الجوزي هذه الزيادة في المرفوع، قَالَ:"فخرج فأدركه الموت فنأى بصدره نحو القرية، فوجد إلى القرية أقرب بشبر فغفر له".
وأخرجَ الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أفرح (2) بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله بأرض فلاة أي: وكان عليها طعامه وشرابه"(3) كما في رواية فيهما.
وأخرجا أيضًا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أفرح بتوبة أحدكم من رجل خرج بأرض دَوَّية - أي مفازة لا
(1) رواه البخاري في صحيحه (3470)، ومسلم (2766) مطولًا.
(2)
ورد في هامش الأصل: قوله: أفرح إلخ إطلاق الفرح في حق الله مجازٌ عن رضاه وبسط رحمته وإقباله عَلَى التائب. والمراد: أن التوبة تقع من الله في القبول ما يقع مثله فيما يوجب فرطَ الفرح بمن يُتصور في حقه ذَلِكَ؛ لأنه تعالى يحب من عباده أن يطيعوه ويفرحُ بتوبة عبده مع غناه عنها. أهـ ملخصًا. من المناوي. وعند السلف: هذا من المتشابه. فانظر تفسيره.
أقول: والصحيح إثبات ذلك على ما يليق بجلاله من غير تحريف ولا تشبيه ولا تمثيل كما أثبته لنفسه جل جلاله وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
(3)
صحيح، رواه أحمد 3/ 213، والبخاري (639)، ومسلم (2747)، وابن حبَّان (617)، والبيهقيُّ في "شعب الإيمان"(7105)، والبغويُّ (1303)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 12/ 446، عن أنس بن مالك.
ماء بها - مهلكة معه راحلته عليها طعامة وشرابه وزاده وما يصلحه فأضلها فخرج في طلبها حتَّى إذا أدركه الموت ولم يجدها قال: أرجع إلى مكاني الذي أضللتها فيه فأموت فيه فأتى مكانه فغلبته عينه فاستيقظ فإذا راحلته عند رأسه عليها طعامه وشرابه وزاده وما يصلحه" (1) وأخرجاه بهذا المعنى من حديث أبي هريرة، وأخرجه مسلم من حديث النعمان بن بشير (2).
وأخرج الطبراني بإسناد حسن عن أبي ذرّ رضي الله عنه مرفوعًا: "من أحسن فيما بقى غفر له ما مضى، ومن أساء فيما بقى أخذ بما مضى وما بقى"(3).
وأخرج البزار، والطبراني واللفظ [لَهُ] (4) وإسناده جيد قويٌّ أنَّ رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت مَن عَمِل الذنوبَ كلها ولم
(1) رواه أحمد 1/ 383، والبخاري مرفوعًا وموقوفًا (6308)، والترمذي (2497، 2498)، والنسائيُّ في "الكبرى"(7741)، وأبو يعلى (5100)، والبغويُّ (1302)، عن عبد الله بن مسعود.
(2)
رواه أحمد 2/ 316، ومسلم (2743)، والترمذي (3538)، وابن ماجه (4247)، وأبو يعلى (6600) عن أبي هريرة، ورواه أحمد 4/ 273، ومسلم (2745)، والدارميُّ (2728)، والطيالسي (794)، وفي الباب عن أبي سعيد، والبراء بن عازب، وأبي موسى.
(3)
رواه الطبراني في الأوسط (6806)، وقال في "المجمع" 10/ 334: رواه الطبراني في "الأوسط"، وإسناده حسن.
(4)
زيادة يقتضيها السياق.
يترك منها شيئًا وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة (1) إلا أتاها فهل لذلك من توبة؟ قال: "فهل أسلمت؟ " قال: فأما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله، وإنك رسول الله، قال:"تفعل الخيرات، وتترك السيئات يجعلهن الله لك خيرات كلهن" قال: وغدراتي، وفجراتي. قال:"نعم" قال: الله أكبر فما زال يكبر حتَّى توارى (2)، قلت: وشاهده من كلام الله تعالى: {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70].
واعلم أنَّ هنا بحثًا عظيمًا وهو هل السيئات تُمحى بالتوبة النصوح لقوله صلى الله عليه وسلم: "وأتْبعِ السّيّئةَ الحسنةَ تمحُها" أو لا؟!، لقوله تعالى:{وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] ويكون المحو لمجرد الإثم والمؤاخذة؟
قولان مشهوران أصحّهما عندي أنّ المحوَ لمجرد المؤاخذة وأنَّه لا بدّ له من التوقيف عليها يوم القيامة ليظهر له عظم منة الله عليه وأنه سبحانه يحول السيئة حسنة فيثيبه عليها هذا ما ظهرَ لي من زبدة بحث طويل فيه إجمال وتفصيل قد نبه عليه أجلاّء الفحول، وأثبتوا فيه الآثار والنقول والله أعلم بالصواب من ذلك لا رب سواه، ولا معبود إلا إياه.
(1) ورد في هامش الأصل: قوله: ولا داجة: أي ولا ظلمة. انتهى. قال ابن الأثير في النهاية: "ما تركت من حاجة ولا داجة إلا أتيت" هكذا جاء في رواية بالتشديد.
قال الخطابي: الحاجة القاصدون البيت والداجة الراجعون، والمشهور بالتخفيف، وأراد بالحاجة الحاجة الصغيرة وبالداجة الجاجة الكبيرة. أهـ.
(2)
أخرجه الطبراني في "الكبير" 7/ 314 (7235).
إذا عُلِمَ ذلك فعلى الحازم أنْ يبادرَ إلى التوبةِ ليحصل له التوفيق للطاعة فإنّ شؤم الذنوب فساد القلوب، والحرمان من مشاهدة آثار أسماء المحبوب، والخذلان لدى علام الغيوب فقيد الذنوب يمنع من النهوض إلى طاعةِ علام الغيوب وكيف يسعى إلى مولاه مَن أثقلته خطاياه؟ وكيف ينور قلبًا بذكره وهو مصرٌ على عصيانهِ، ووزره؟ وكيف يذوق حلاوةَ الطاعةِ منَ اتخذ معصية الله له بضاعة؟ أم كيف يدعى إلى الخدمة مَن هو مُصِرٌّ على الجفوة والصدمة؟ أم كيف يقرب للمناجاة مَن هو متلطخ بالأقذار حائد عن طرق النجاة؟
وفي الخبر: إذا كذبَ العبد تنحى عنه الملكان لنتن ما يخرج من فيه فإذا كان هذا حال الملكين المخلوقين وهما عبدان يتنحيان عن نتن لسان تضمخ بالكذب فكيف هذا اللسان يناجي الحنان المنان؟ فلا جرم لا يكاد يجد المُصِرُّ على العصيان توفيقًا، ولا تخف أركانه للعبادةِ، ولا يسلك لها طريقًا، وإن انتصب للعبادةِ فقدْ سُلِبَ حلاوتها، وصفو لذتها. ولقد أجد في نفسي أني إذا خالطت أرباب الولايات، أو أكلت مِن أموالهم ثقلًا وربَّما منعني من إتيان حزبي تلك الليلة فأعلم أنَّ سبب ذلك من ذلك فنسأل الله أنْ يمنَّ بتوفيقه إنَّه ولي التوفيق.
وكلّ معصية أصابت العبدَ فبشؤم الذنوب، وترك التوبة.
ولقد صدق مَنْ قال: إذا لم تقدرْ على قيامِ الليل، وصيام النهار فاعلم أنكَ مكبول وقد كبلتك خطيئتك.
واعلم أنَّ العبادةَ ربما رُدت، ولم تقبل ممن لم يتب فإنَّ رب الدين
لا يقبل الهدية وذلك أنَّ التوبة عن المعاصي، وإرضاء الخصوم فرض لازم، ونوافل العبادة تبرع والتبرع لا يقبل وعليك الدين قد حل، والوقت قد فات واضمحل وكيف تترك لأجله المباح وأنت مُصِرٌّ على فعل المحظور بالغدوّ والرواح؟! أم كيف تناجيه، وتثني عليه باللسانِ وهو سبحانه وتعالى عليك غضبان؟! وفي أثر: إني أذكر مَن ذكرني، وإذا ذكرني مَن هو مُصِرٌ على معصيتي ذكرته باللعن أو معنى ذلك.
هذا وداعي الرحمن ينادي على رؤوس الأشهاد ويدعو أهل التّوفيق والسداد في كل عصر ومِصْرٍ لو كانوا يسمعون يعقلون {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]{تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8]، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25].
فعلى العاقل أنْ يداوي ما به من الدّاء العضال بالرجوع إلى حضرة ذي العزة والجلال، ويقرع بابَ التوبةِ، ويرجع عن الذنبِ والحوبة.
أوحى الله تعالى إلى داود: يا داود أنين المذنبين أحبُّ إليّ مِن صراخ العابدين (1).
وقيل لرابعة: إنِّي كثيرُ الذنوبِ فإنْ تبت هل يتوب الله عليّ؟ قالت: لا بل إن تاب عليك تبت (2).
وقال ابن معاذ رحمه الله تعالى: ذنب بعد التوبة أقبح من سبعين قبلها نقله في "طهارة القلوب".
واعلم أنَّ الواجب على العبد أنْ يتوب، ويعزم على أن لا يعود عزمًا صادقًا فإنْ عاد فليتب فإنَّ الله يتوب عليه.
قال الغزالي في "منهاج العابدين" فيمن يقول إني أعلم من نفسي أني أعود إلى الذنب، ولا أثبت على التوبة فلا فائدة في ذلك: إنَّ هذا من غرور الشيطان ومن أين هذا العلم؟ فعسى أن تموت تائبًا قبل أنْ تعود إلى الذنب، وأمَّا الخوف من العود؛ فعليك العزم والصدق في ذلك، وعليه الإتمام فإن أتم فذاك وإلا فقد غُفِرَتْ ذنوبك السالفة كلها فتطهرت منها وليس عليك إلا هذا الحدث.
فلا يمنعك خوف العود عن التوبة فإنك من التَّوبةِ أبدا بين إحدى الحسنين والله ولي التوفيق والهداية.
واعلم أنَّ الذنوب ثلاثة أقسام: تركك واجب فعليك أن تقضيه أو ما أمكنك منه، أو ذنب بينك وبينه تعالى كشرب الخمرِ فتندم عليه وتوطن القلب على عدم العود إليه، أو ذنب بينك وبين العباد وهذا أشكل وأصعب وهو أقسام أما في المال، أو في العرض، أو في النفس، أو في الحرمة، أو في الدين فما كان في المالِ فعليك أنْ ترده عليه إنْ أمكن أو الاستحلال منه فإن عجزت عَن ذلك لغيبة الرجل أو موته فتصدق به عنه إن أمكن إن لم يكن وارث فإنْ تعذر ذلك كله فعليك بتكثير حسناتك والتضرع لمولاك أن يرضيه عنك.
وأمَّا ما كان في النفسِ فمكنه من القصاص أو أولياءه فإمَّا أن يقتص أو يعفو فإنْ عجزتَ فالرجوع إلى الله سبحانه أن يرضيه عنكَ يومَ القيامةِ.
وأمَّا العرض فإن اغتبته أو شتمته فعليكَ أن تكذب نفسك بين يدي مَن فعلت ذلك عنده فإن كان ما قلتَ حقًا فعليك التوبة وأن تستحل من صاحبه إنْ أمكن وإلَّا فارجعْ إلى الله تعالى واسأله أن يرضيه عنكَ واستغفر له كثيرًا وقل: اللهمَّ اغفر لنا وله فإنَّ ذلك كفارة الغيبة كما جاء عن حضرة الرسالة.
وأمَّا الحرمة بأنْ خنته في أهله أو ولده ونحوه فلا وجه للاستحلال؛ لأنه مثار الفتنة ومعترك المحنة فالرجوع إلى المولى في ذلك أن يرضيه عنك أحرى وأولى.
وزعم بعضُهم أنَّه يستحله إن أمن الفتنةَ.
وأمَّا في الدين بأن كفَّره أو بدَّعه ونحو ذلك وهذا أصعب الأمر وأكثر هذا الداء في أهلِ العلم فيحتاج إلى أنْ يُكذِّب الإنسان نفسَه عند مَن صدرَ منه ذلك عنهم والاستحلال من صاحبه إن أمكن وإلا فالابتهال لذي الجلال أن يرضيه عنك في المآل والله الموفق.
وجملة الأمر: فما أمكن من إرضاء الخصم عملت وما لا رجعتَ إلى الله بالتضرع والصدق إلى الله ليرضيه عنك فيكون ذلك في مشيئة الله تعالى إذا علم مِن عبده الصدقَ أرضى الخصم مِن خزائن فضله ومَن رضي عنه مولاه أرضى عنه خصومه وتولاه.
قال الإمام العلَّامة ناصر السنة ابن الجوزي في "تبصرته": اعلم أنَّ التوبة إذا صحت قبلت بلا شك إذا وقعت قبل نزول الموت ولو كانت عن أي ذنب كان.
واعلم أنَّ التوبة مِن أعظم الأمور اهتمامًا وقد ورد عن بعض العلماء العاملين أنَّه قال: دعوتُ الله سبحانه ثلاثين سنة أنْ يرزقني توبةً نصوحًا، ثمَّ تعجبتُ في نفسي وقلت: سبحان الله حاجة دعوت الله فيها ثلاثين سنة فما قضيت إلى الآن، فرأيت فيما يرى النائم كانَّ قائلًا يقول لي: أتعجب مِن ذلك؟ أتدري ماذا تسأل الله تعالى؟ إنَّما تسأله سبحانه أن يحبك أمَا سمعتَ قولُ الله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
ولا ينبغي للعاقل أنْ يغفلَ عمَّا جرى لإبليس فإنَّه كان من المقربين فأصبح من الملعونين، وبلعام بن باعوراء كان مِنَ الأولياء الكبار، والمطلعين على دقائق الأسرار، وكان يحفظُ الاسمَ الأعظم فآل به الحال إلى قول ذي العزة والجلال:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف: 175] فكان أول أمرهما ذنبًا، وآخره كفرًا فهلكا مع الهالكين ومن أمثالهما خلق كثير وجمع غفير فعلى العبد المعترف بالعبودية الرجوع إلى مولاه، والإنابة إلى مَن يعلم سره ونجواه فهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويهدي من أراد به خيرًا إلى طرق رشاده.
قال بعضُ السلف: سواد القلب من الذنوب، وعلامة سواده
أن لا تجد مِن الذّنبِ مفزعًا، ولا للطاعةِ موقعا، ولا للموعظة منجعًا، ولا يحقر العاقل من الذنوب شيئًا فإنَّ الله تعالى يقول:{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15].
وقد قال بعض السلف: أذنبت ذنبًا وأنا أبكي عليه منذ أربعين سنة. قيل: ما هو؟ قال: زارني أخ لي في الله فاشتريت له سمكًا فأكل فقمت إلى حائط جاري فأخذت منه قطعة طين فغسل بها يده.
ورأيتُ في بعضِ الإسرائيليات أنَّ جبريل أو غيره أخبر أنَّ رجلين يومَ القيامةِ توزن حسناتهما وسيئاتهما فترجح حسنات أحدهما، وترجح سيئات الآخر فيقال: انظروا هل بقي لهذا من خير قط؟ فيقال: إنه كان جزارًا وإنَّ فلانًا أعني: الذي رجحت حسناته طلعَ يومًا فوضع إصبعه على لحم له فحملت يده من الدسومة شيئًا فأُخذَ بمقدارِ تلك الدسومة من حسنات الذي رجحت حسناته، فطاشت حسناته، ورجحت سيئاته، ووضعت في كفة الذي رجحت سيئاته فطاشت سيئاته، ورجحت حسناته. أو ما هذا معناه.
فانظر، واعتبر وبادر بالرجوع عن الذنب، وسافر بالقلب إلى الرب، وانظر حالَ الأب الأعلى، وما جرى له مع أنَّه سبحانه خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأحله دار كرامته، فأخرجه من جنته بذنب واحد، ونزع عنه تاجَ كرامته، ثمَّ اصطفاه ربّهُ فتاب عليه وهدى.
روي أنَّ الله قال له: يا آدم أي جار كنت لك؟ قال: نعم الجار
يا رب قال: يا آدم اخرجْ مِنْ جواري، وضعْ عن رأسِكَ تاجَ كرامتي فإنَّه لا يجاورُني مَن عصاني فبكى على ذنبه مائتي سنة، فقيل له: يا آدم أكلّ هذا البكاء على الجنة فيروي أنَّه قال:
شغفت بجار لا بدارٍ ألفتها
…
على الجار أبكي لا بكائي على الدار
ويروى أنَّ هذا قاله بعد وفاته. رآه بعض الصالحين فعاتبه على كثرة البكاء مع تحقق الرجوع فأجابه به.
فهذا حاله مع صفوته مِن خلقه فكيف بمَن هو عن ذلك بمراحل وفي مهلكات الذنوب قائل فيالله العجب يرهبه المقربون، ولا يخافه المدحضون، يخاف على نفسه مَن يتوب، فكيف ترى حال من لا يتوب؟ فعليكَ بالتوبةِ والندم، والرجوع إلى معدن الحلم والكرم، واطرق هاتيك الأبواب، ومرغ الخدود على التراب، والزم الوقوف لدى باب الرحيم الرؤوف، ونادِ بقلب حزين: يا أرحم الراحمين عُبَيدك قد أتاك منتصلًا وقد دعاك متأملًا فلا ترده خائبًا يا أرحم الرحمين ببركة محمَّد (1) صلى الله عليه وسلم آمين:
أنا عبدك الجاني وأنت المالك
…
إن لم تسامحني فإنِّي هالك
يا مَن تدارك طول جهلي حلمه
…
ذخري لحشري عفوك المتدارك
مولاي أسررت القبيح وظاهري
…
حسن وأنت لحجب ستري هاتك
حسبي خسارا أن تراني مسرفا
…
ويظن هذا الخلق أني ناسك
(1) السؤال ببركة النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاه هذا من التوسل الممنوع فينبغي أن يسأل ويقال نسأل الله: بحبنا لمحمد صلى الله عليه وسلم أو نسأل الله أن تشفع فينا محمَّد صلى الله عليه وسلم.
والحاصل أنك إذا برأت قلبكَ مِن الذنوب كلها، وعزمت على أن لا تعود إلى الذنب والحوب جزمًا صادقًا، وعزمًا فائقا، وأرضيت ما أمكن من الخصوم، وقضيت الفوائت، ورجعت فيما لا يمكن إلى الحي، القيوم فاذهبْ فاغتسل، واغسلْ ثيابك، وصلِّ أربع ركعات كما يجب وضع وجهك على التراب، ومرغ خدّ الذل على الأعتاب ويكون ذلك في مكان خال من سوى علام الغيوب فإنَّ علمَه محيطٌ بالكائنات، وعبده في عينه أين كان ثمَّ ضع التراب على رأسك، ومرغ وجهك الذي هو أعز أعضائك بالتراب بدمعٍ جارٍ، وقلب حزين، وصوت عال ونداء خفي وتذكر ذنوبَك ذنبًا ذنبًا، وتلوم نفسك العاصية عليها وتوبخها وتقول:
أما تستحي يا نفس من مولاكِ
…
تبًا لكِ فإلىَ متى أنهاكِ
جاء النذيرُ ولم تتوبي فارجعي
…
وتيقني أنَّ الرحيم يراكِ
حتَّى متى هذا التمادي في الهوى
…
توبي عسى مَوْلي الورى يرضاك
أما آن لكِ أنْ تتوبي، وترجعي، ألكِ طاقة بعذاب الله؟ ألك حاجة بسخط الله؟ تكثر من نحو هذا مع الدمع المسفوح، والقلب المجروح، ثمَّ ترفع رأسك ويديك إلى أرحم الراحمين، وتقول إلهي عبدك الآبق رجع إلى بابك، عبدك العاصي رجع إلى الصلح، ووضع خده على أعتابك، عبدك المذنب أتاكَ بالعذرِ فاعف عني بجودك وكرمكَ وَمنِّكَ، وتقبلني بفضلِكَ، وانظرْ إليَّ برحمتك اللهم اغفر لي عظائم الأمور يا منتهى همة المهمومين، يا مَن إذا أراد شيئًا إنَّما يقول له: كن
فيكون. أحاطت بنا ذنوبنا فأنت المذخور لها يا مذخور لكلِ شدة كنت أذخرك لهذه الساعة فتب علَّي إنك أنت التواب الرحيم. ثمَّ أكثر مِنَ البكاء والتذلل، وقيل: يا مَن لا يشغله سماعي عن سمع، يا مَن لا تغلطه المسائل، يا من لا يبرمه إلحاح الملحين أذقني برد عفوك، وحلاوة مغفرتك إنكَ على كلِّ شيء قدير. ثمَّ صلّ على النبي صلى الله عليه وسلم، واستغفر لجميع المؤمنين، والمؤمنات، وارجع إلى طاعةِ الله جل جلاله فتكون قد تبت توبةً نصوحًا وقد خرجت من الذنوب طاهرًا كيوم ولدتك أمك وأحبّك الله عز وجل، ولك من الأجر والثواب، وعليك من البركة ما لا يحيط به وصف الواصفين، وقد حصل الأمنُ والخلاص، ونجوتَ مِن غصةِ المعاصي وبليتها في الدُّنيا والآخرة والله سبحانه وتعالى الموفق لكلِّ خير، والموقي لكل ضير لا ربّ غيره ولا يرجى إلا خيره.