الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل وتقدم أنَّ الفقراء يسبقون الأغنياء إلى الجنةِ بخمسمائة عام
أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل فقراء المسلمين الجنة قبلَ أغنيائهم بنصف يوم وهو خمسمائة عام" ورواه الترمذي وقال: حسن صحيح (1). قال في حادي الأرواح: ورجال إسنادِه احتج بهم مسلم في صحيحه.
وأخرج مسلم (3) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياءَ يومَ القيامة بأربعين خريفًا".
وأخرجَ الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التقى مؤمنان على باب الجنَّةِ مؤمن غني، ومؤمن فقير كانا في الدنيا فأدخل الفقير الجنَّة، وحبس الغني ما شاء الله أنْ يحبس، ثمّ أدخل الجنة فلقيه الفقير فيقول: أي أخي ماذا حبسك؟ والله لقد حبست حَتَّى خفتُ عليك. فيقول: أي أخي إني حبست بعدك محبسًا فظيعًا كريهًا ما وصلت إليك حَتَّى سال مني من العرق ما لو ورده ألف
(1) أحمد (2/ 296)، والترمذي (2353)، وابن حبان (676)، وابن ماجه (2) مسلم (2979)، والنسائي في "الكبرى"(5876)، وابن حبان (677، 678)، والدارمي (2/ 339).
بعير كلها آكلة (حمضٍ)(1) لصدرت عنه" (2).
وأخرجَ الطبراني عَنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ فقراء المؤمنينَ يدخلون الجنةَ قبل أغنيائهم بنصف يوم، وذلك خمسمائة عام"(3) الحديث (4).
والذي في الصحيح أنَّ سبقهم لهم بأربعين خريفا فإمَّا أنْ يكون هو المحفوظ، وإمَّا أنْ يكون كلاهما محفوظ، وتختلف مدة السبق باختلاف أحوال الفقراء والأغنياء فمنهم مَنْ يسبق بأربعين، ومنهم من يسبق بخمسمائة سنة، كما يتأخر مكث العصاةِ من الموحدين في النار بحسب جرائمهم.
تنبيه: لا يلزم من سبق الفقراء أن تكون منازلهم أرفع من منازل
(1) ورد في هامش الأصل: الحمض بالحاء المهملة والضاد المعجمة بينهما ميم ساكنة، نبات فيه ملوحة. مؤلفه من خطه.
(2)
رواه أحمد 1/ 304، وأورده الهيثمي 10/ 263، والمنذري في "الترغيب" 4/ 65 وقال: رواه أحمد بإسناد جيد قوي.
(3)
ورد في هامش الأصل: قُلْتُ: وهَذَا هو التحقيق عندي لما قدمنا عن الحافظ المنذري أنه قَالَ: صحّ أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، فجزم بأنه محفوظ، بل صحيح، فالأولى حمله عَلىَ ما في الصحيح عَلىَ ما ذكر وأنه خبير أن الإمام الترمذي صحح الخبر ورجاله رجال مسلم، والله أعلم. مؤلف من خطه.
(4)
رواه أحمد 2/ 343، والترمذي (2354)، وإبن ماجه (4122)، وابن حبان (676)، والطبراني في "الأوسط"(8865)، وأبو نعيم في "الحلية" 7/ 99 ومن طريقه الطبراني مطولًا.
الأغنياءِ بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة وإنْ سبقه غيره في الدّخول، والدليل على ذلك أنّ مِنَ الأمّة مَنْ يدخل الجنَّة بغيرِ حساب وهم من مر ذكرهم، وقد يكون بعض من محاسب أفضل من أكثرهم، والغني إذا حوسب على غناه فوجد شاكرًا لله قد تقرب بأنواع البر والصَّدقةِ كان أعلى درجة من الفقيرِ السَّابق له في الدخول من غيرِ تلكَ الأعمالِ لاسيما إذا شاركه الغني في أنواع عباداته، وقد زاد عليه بالصدقة بفضل ما له، فإنَّ الله لا يضيع مثقال ذرة (1).
نعم الفقير له المزية بسبقه وهما مزيتان مزية سبق، ومزية رفعة فقد يجتمعان فيحصل السبق والرفعة لبعضِ الأشخاص، وتلك تمام السعادة، وقد يعدمها آخر، وقد يحصل لبعضهم السبق دون الرفعة وبالعكس (2).
ومما ينبغي أنْ يعلم أنَّ المراد بالفقير هو الفقير الصابر الذي قد اطمأن قلبه لما قدره اللهُ تعالى له، ورضي بقضائه دون الفقير الساخط بل فقر هذا كجوع الكلابِ، وذاك كجوعِ الصائم من أولي الألباب، والمراد بالغني هو الغني الشاكر، وأمَّا ما نعي الزكاة، وأضرابهم فهم بمعزل عن هذا بل هم مع إخوانهم في سقر سيما من استحوذ عليهم الشيطان فأنفقوا أموالهم فى اللهو والهذيان، ثمّ إذا حال الحول أتوا
(1) ومنه الحديث: "ذهب أهل الدثور بالأجور والدرجات العالية" إلخ وفيه: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
(2)
"حادي الأرواح" 168 - 170.
بأنواع الحيل التي ورثوها عن إخوانهم من اليهود، فادعى أنه لا زكاة عليه، وهذا قبح إلى قبح مجتمعان. وقد أخبرت عن بعض من ينتسب إلى العلم أنَّه قبيل الحول يهب مالَه لزوجته، فإذا حال الحول استرده وهلم جرا فهذا هو غاية الظلم {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الأنعام: 21] فهذا علمه ضره ما نفعه.
فائدة: التحقيق عندي أنَّ الغني الشاكر أفضل مِنَ الفقيرِ الصَّابر وهذا خلاف ما كنت أختاره أوّلا تبعا لجماعة، واعلم أنَّ الفقير الصادق له علامات، وآداب باطنة، وظاهرة: فأمَّا الباطنة فأنْ لا يكره ما ابتلاه الله تعالى به مِنَ الفقر وهذا واجب عليه، وأرفع من هذا أنْ يكون راضيًا بالفقر، وأرفع من هذا أن يكون طالبًا له، وفرحا به، وشاكرًا عليه وأمَّا آداب ظاهرة فإظهار التعفف، وأمَّا في أعماله فلا يتواضع لغني والله تعالى أعلم.