الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول في ذكر الإنذار والتحذير من النَّار، والخوف منها، وأحوال الخائفين من تلك الدار
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} الآية [التحريم: 6].
وقال: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24]. وقال: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131]. وقال: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14)} [الليل: 14].
وقال: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)} [الزمر: 16].
قال الحافظ ابن رجب في كتابه: "التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار" عن الحسن البصري في قوله تعالى: {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)} [المدثر: 36]، قال: والله ما أنذر الله العباد شيئًا قط أدهى منها. وقال قتادة في قوله: {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)} [المدثر: 35]، يعني: النار (1).
(1) انظر ص 14.
وأخرج الإمام أحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: "أنذرتكم النار أنذرتكم النار" حتى لو أن رجلًا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا وفي لفظ حتى لو أن رجلًا في أقصى السوق لسمعه وسمع أهل السوق صوته وهو على المنبر (1).
وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا النار". قال، وأشاح، ثم قال:"اتقوا النار" ثم أعرض، وأشاح ثلاثًا حتى ظننا أنه ينظر إليها، ثُمَّ قال:"اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة"(2).
وفيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارًا فجعلت الدواب والفراش يقعن فيها فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقتحمون فيها" وفي رواية لمسلم: "مثلي كمثل رجل استوقد نارًا فلما اضاءت ما حوله جعل الفراش، وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن فيقتحمن فيها" قال: "فذلكم مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار هلم عن النار فتغلبوني، وتقتحمون فيها"(3).
(1) رواه أحمد 4/ 268، 272.
(2)
رواه البخاري (6023) في الأدب، باب: طيب الكلام، و (3595) في المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، ومسلم (1016) في الزكاة، باب: الحث على الصدقة.
(3)
رواه البخاري (6483) في الرقاق، باب: الانتهاء عن المعاصي.
ومسلم (2284) في الفضائل، باب: شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته.
وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارًا فجعل الجنادب، والفراش يقعن فيها وهو يدعهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تتفلتون من يدي"(1) دواب مثل البعوض واحدتها فراشة وهي التي تطير، وتتهافت في السراج بسبب ضعف أبصارها فهي لضعف بصرها تطلب ضوءَ النَّار فإذا رأت المسكينة السراج في الليل ظنت أنها في بيت مظلم، وأن السراج كوة في البيت المظلم فتقصد الموضع المضيء ولا تزال تطلب الضوء، وترمي نفسها إلى الكوة فإذا جاوزتها، ورأت الظلام ظنت أنها لم تصب الكوة ولم تقصدها على السداد فتعود إليها مرة أخرى حتى تحترق.
قال الإمام الغزالي: ولعلك تظن أن هذا لنقصان عقلها، وكثرة جهلها فاعلم أنَّ جهل الإنسان أعظم من جهلها بل صورة الإنسان في الإكباب على الشهوات كالتهافت على النَّار فلا يزال يرمي نفسه فيها إلى أن ينغمس فيها، ويهلك هلاكًا مؤبدًا فليت جهل الآدمي كان كجهل الفراش فإن باغترارها بظاهر الضوء إن احترقت تخلصت في الحال والآدمي يبقى في النار أبد الآباد، أو مدة مديدة. انتهى.
والجنادب: ضرب من الجراد واحدها جندب مثلث الدال قال سيبويه: النون فيه زائدة. وقيل: هو ذكر الجراد. والصحيح أنَّ الجندب غير الجراد كما هو معروف. والله تعالى أعلم.
(1) رواه مسلم (2285) في الفضائل، باب: شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه لمَّا نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214]، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا فاجتمعوا فعم وخص فقال:"يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النَّار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النَّار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النَّار فإني لا أملك لكم من الله شيئًا"(1).
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما رأيت مثل النار نام هاربُها، ولا مثل الجنَّة نام طالبها"(2) وفيه يحيى ضعفوه. ورواه ابن مردويه بسندٍ أجود من سند الترمذي، وخرجه الترمذي أيضًا بإسناد نظروا فيه عن أنس رضي الله عنه (3)، وابن عدي بإسناد ضعيف عن عمر (4) رضي الله عنه ذكره الحافظ ابن رجب. وذكر عن يوسف بن عطية عن المعلىّ بن زياد: كان هرم بن حيان يخرج في بعض الليل فينادي بأعلى صوته: عجبت
(1) رواه مسلم (204) في الإيمان، باب: قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} .
(2)
رواه الترمذي (2601) في صفة جهنم.
(3)
الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد"(10/ 233، 415)، قال الهيثمي: إسناده حسن وقال فيه محمد بن مصعب الفرقاني وهو ضعيف بغير كذب.
(4)
أخرجه السهمي في "تاريخ جرجان"(2 - 303).