الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في بكاء أهل النار وزفيرهم وشهيقهم وصراخهم ودعائهم الذي لا يستجاب لهم
قال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ} [الأنبياء: 100] وقال: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود: 106](1) فالزفير في الحلق، والشهيق في الصدر. وقال داود عليه السلام: رب ارزقني عينين هطالتين يبكيان بذنوب الدموع من خشيتك قبل أن تعود الدموع دما، والأضراس جمرا (2). وتقدم من كلام نبينا (3).
وكان عليه السلام يعاتب في كثرة البكاء فيقول: "دعوني أبكي قبل يوم البكاء، قبل تحريق العظام وإشتعال اللحى، وقبل أن تؤمر بي ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون"(4).
وقال عليه الصلاة والسلام: "أبكي نفسي قبل يوم البكاء أبكي
(1) ورد بهامش الأصل: قوله: زفير وشهيق: الزفير: إخراج النفس، والشهيق: ردّه أهـ.
(2)
جاء أنه من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم كما في المسند (3/ 224) قال الهيثمي في المجمع (10/ 388) من رواية إسماعيل بن عباس عن المدنيين وهي ضعيفة وبقية رجاله ثقات. اهـ.
(3)
ت (1) ص 1307.
(4)
الزهد لأحمد (1/ 135) صفة النار لابن أبي الدنيا (221) أي: داود عليه السلام.
نفسي قبل أن لا ينفع البكاء" ثم دعا بجمر فوضع يده عليه حتَّى آذاه حره، ثم رفعها، وقال: "أوهٍ لعذاب الله أوهٍ أوهٍ قبل أن لا ينفع أوه" (1).
وذكر صفوان بن محرز كلام داود هذا وهو قوله: "أوهٍ من عذاب الله عز وجل قبل أن لا ينفع" فبكى حتَّى غلب عليه البكاء.
وقال كعب الأحبار في قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114]: كان إذا ذكر النار قال: أوهٍ من النار أوهٍ من النار (2).
وعن محمد بن كعب القرظي رحمه الله أنَّه قال: لأهل النار خمس دعوات يكلمون في أربع، ويسكت عنهم في الخامسة فلا يكلمون يقولون:{رَبَّنَا أَمَتَّنَا * اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [غافر: 11] فيردُّ عليهم: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} [غافر: 12] ثم يقولون: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12] فيرد عليهم: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: 13] الآيتين ثم يقولون: {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} [إبراهيم: 44] فيرد عليهم: {أَوَلَمْ
(1) لم أجد هذا الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم ووضع يده على الجمر لم يصح صفة النار لابن أبي الدنيا (222)، حلية الأولياء (2/ 215) عن داودٌ وليس فيه وضع يده على الجمر كما بينه صفوان، أي: داود عليه السلام.
(2)
تفسير الطبري 6/ 498، صفة النار لابن أبي الدنيا (225).
تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: 44] ثم يقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37] فيرد عليهم: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37] ثم يقولون: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 106 - 107] فيرد عليهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] إلى قوله: {وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون: 110] فلا يتكلمون بعد ذلك خرَّجه آدم بن أبي إياس، وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرٍو قال: نادى أهل النار: {يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] قال: فخلى عنهم أربعين عامًا ثم أجابهم: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77] فقالوا: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} [المؤمنون: 107] فخلى عنهم مثل الدنيا ثم أجابهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} قال: فأطبقت النار عليهم ويئسوا من كل خير، ولم ينطق القوم بعد تلك الكلمة وإن كان إلا الزفير والشهيق (1).
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ مالكًا لم يجبهم عند قولهم: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] ألف عام. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ليس بعد هذه الآية خروج: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} .
(1) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 8/ 2509 ابن المبارك في الزهد (91/ 92) البعث والنشور (601)، صفة النار لابن أبي الدنيا (251) مطولاً.