الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس في ذكر سلاسلها وأغلالها وحجارتها وأنكالها وحياتها وعقاربها
نسأل اللَّه سبحانه العافية من ذلك كله قال تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)} [الإنسان: 4] وقال تعالى: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)} [غافر: 71 - 72] وقال: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)} [الحاقة: 30 - 32] وقال: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} [المزمل: 12 - 13] فهذه ثلاثة أنواع ذكرها اللَّه سبحانه وتعالى إحداها الأغلال وهي في الأعناق كما ذكر جلّ شأنه.
قال الحسن بن صالح: الغل اليد الواحدة إلى العنق، والصفد اليدان جميعًا إلى العنق. أخرجه ابن أبي الدنيا، وقال السدي: الأصفاد تجمع اليدين إلى عنقه.
وقال قتادة في قوله تعالى: {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} [إبراهيم: 49] في القيود والأغلال (1).
وقال الحسن: إن الأغلال لم تجعل في أهل النار لأنهم أعجزوا
(1)"تفسير الطبري" 7/ 484 (20980).
الرب عز وجل، ولكنها إذا طفا بها اللهيب أرستهم، ثم خر الحسن مغشيًا عليه (1).
وقال: لو أنّ غُلًّا منها وضع على الجبال أقصمها إلى الماء الأسود ولو أنّ ذراعًا من السلسلة وضع على جبل لرضَّه.
وخرج ابن أبي حاتم عن موسى بن أبي عائشة أنه قرأ قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 24] قَالَ: تشد أيديهم بالأغلال في النار فيستقبلون العذاب بوجوههم قد شدت أيديهم فلا يقدرون أن يتقوا بها كلما جاء نوعٌ من العذاب يستقبلونه بوجوههم.
وقال الفضيل بن عياض: إذا قال الرب تبارك وتعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30)} [الحاقة: 30] سيبتدره سبعون ألف ملك كلهم يبتدر إليه يجعل الغل في عنقه.
النوع الثاني: الأنكال وهي: القيود قاله مجاهد والحسن وعكرمة وغيرهم (2) قال الحسن: قيود من نار، قال أبو عمران: واللَّه لا تحل أبدًا (3)، وواحد الأنكال نكل وسميت القيود أنكالًا لأنها ينكل سها أي: يمنع، وفي البغوي (4) عند قوله تعالى:{إِنَّ لَدَيْنَا} أي: عندنا في
(1)"تفسير الطبري" 12/ 288 - 289.
(2)
"صفة النار"(66)، "حلية الأولياء" 2/ 310.
(3)
أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة النار"(57).
(4)
"معالم التنزيل" 8/ 255.
الآخرة أنكالًا، قال: قيودًا عظاما لا تنفك أبدا واحدها نكل، قال الكلي: أغلالًا من حديدٍ.
النوع الثالث: السلاسل، خرَّج الإمام أحمد وغيره عن عبد اللَّه بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أنّ رضاضة مثل هذه -وأشار إلى مثل الجمجمة- أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة عام لبلغت الأرض قبل الليل ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفًا الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها".
قال الحافظ ابن رجب: غريب وفي رفعه نظر (1) كذا قال.
قُلْتُ: رواه الإمام أحمد والترمذي والبيهقي وقال الترمذي: إسناده حسن ذكره الحافظ المنذري رحمه الله ولفظه عن ابن عمرو رضي الله عنهما: قال: تلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ} الآية فقال: "لو أن رضاضة مثل هذه -وأشار إلى جمجمة - أُرسلت من السماء إلى الأرض" فذكره بعينه غير أنه قال: "قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها" بالشك (2)(3).
وفي "البهجة" أن الترمذي قال: إسناده صحيح، والذي ذكره
(1)"التخويف من النار" ص 124.
(2)
رواه أحمد 2/ 197 (6856) و (6857)، والترمذي (2588)، ونعيم بن حماد في زوائده عَلَى الزهد لابن المبارك (290)، والطبري في "تفسيره"(34822)، والحاكم 2/ 438 - 439، والبيهقي في "البعث"(581) وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والترغيب والترهيب (4/ 473) في سلاسلها وغير ذلك.
(3)
"التخويف من النار" 122 - 124.
الترمذي أن إسناده حسن كما ذكرناه عن الحافظ المنذري ولعله وقع في بعض نسخ الترمذي صحيح وفي بعضها حسن واللَّه أعلم (1).
وأخرج الطبراني (2) عن يعلى بن مُنْيَة من الصحابة رضي الله عنه ومنية أمّه ويقال: جدته، وهي بنت غزوان وأبوه أمية، رفع الحديث قال:"ينشئ اللَّه سحابةَ سوداء مظلمة فيقال يا أهل النار أي شيء تطلبونه؟ فيذكرون بها سحابة الدنيا فيقولون: يا ربنا الشراب فتمطرهم أغلالًا تزيد في أغلالهم وسلاسل تزيد في سلاسلهم وجمرًا يلتهب عليهم"(3) قال الحافظ المنذري: وروي موقوفًا عليه وهو أصح.
وأخرج الطبراني (4) عن عمر: أنَّ جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "لو أن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعت اللَّه في كتابه وضعت على جبال الدنيا لانقضت ولم يُنَهْنِهُهَا شيء حتَّى تنتهى إلى الأرض السفلى"(5).
وروى سفيان عن بشير عن نوف البكالي في قوله تعالى: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)} [الحاقة: 32] قال: الذراع
(1) في المطبوع من الترمذي: حسن صحيح، وفي "تحفة الأشراف" 6/ 8910: إسناده حسن، في طبعة بولاق [حسن صحيح] وفي طبعة [بشار](حسن) وقال في الهامش في م، س، ي، "حسن صحيح" وما أثبتناه من التحفة وهو الصواب الموافق لما نقله المنذري. . . اهـ.
(2)
في "المعجم الأوسط" 4/ 247 - 248 (4103).
وقال: "لا يُرْوَى هذا الحديث عن يعلى إلا بهذا الإسناد، تفرَّد به: منصور".
(3)
أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة النار (62) والمنذري (4/ 473).
(4)
سبق تخريجه.
(5)
أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة النار (157).
سبعون باعًا والباع من هاهنا إلى مكة وهو إذ ذاك بالكوفة (1).
وأخرج ابن المبارك عن كعب قال: إن حلقةً من السلسلة التي قال اللَّه ذرعها سبعون ذراعا قال: بذراع الملك، قال ابن المنكدر: لو جمع حديد الدنيا كله ما خلى عنها وما بقي ما عدل حلقة من الحلق التي ذكر اللَّه في كتابه فقال تعالى: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)} أخرجه أبو نعيم (2) وفي البغوي: قال ابن عباس: سبعون ذراعًا بذراع الملك فتدخل في دبره وتخرج من منخره (3)، وقيل: تدخل في فيه وتخرج من دبره، وقال سفيان: كل ذراع سبعون ذراعًا، وقال الحسن: الله أعلم أي ذراعٍ هو (4).
قلت: السبعون يراد بها التكثير كقوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] أي: لو استغفرت لهم مهما استغفرت ولو زدت على مائة ألف مرة فلن يغفر اللَّه لهم وكذا يقال هنا المراد بهذه اللفظة التكثير ولعل من قال: كل ذراع سبعون ذراعًا مراده هذا واللَّه تعالى أعلم.
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة النار (59)، والطبري في "التفسير"(34818).
(2)
في "حلية الأولياء" 3/ 153.
(3)
أخرجه الطبري في "التفسير"(34821)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(18975)
(4)
"معالم التنزيل" 8/ 212 - 213.
السلسلة تدخل في استه ثم تخرج من فيه ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود حين يشوى، وفي رواية: تسلك في دبره حتَّى تخرج من منخريه حتَّى لا يقوم على رجليه، وذلك قوله تعالى:{فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)} [الفجر: 25 - 26].
وأخرج ابن أبي الدنيا (1) عن أبي هاشم قال: يُجْعَلُ لهم أوتادٌ في جهنم فيها سلاسل فتلقى في أعناقهم فتزفر بهم جهنم زفرة فتذهب بهم مسيرة خمسمائة سنة ثم تجيء بهم في يومٍ فذلك قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47] وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن: 41] يؤخذ بناصيته وقدميه ويكسر كما يكسر الحطب في التنور، وقال السدي: يجمع بين ناصية الكافر وقدميه فتربط ناصيته ويفتل ظهره.
وأخرج ابن أبي الدنيا (2) عن الحسن: إن جهنم ليغلى عليها من أولى الدهر إلى يوم القيامة يحمى على طعامها وشرابها وأغلالها ولو أن غُلًّا منها وضع على الجبال لقصمها إلى الماء الأسود ولو أن ذراعًا من السلسلة وضع على جبل لرضَّه ولو أن جبلًا كان بينه وبين عذاب اللَّه مسيرة خمسمائة عام لذاب ذلك الجبل وإنهم ليجمعون في السلسة من آخرهم فتأكلهم النار وتبقى الأرواح في الحناجر. وصرخ الحسن وروى مرفوعًا والموقوف أشبه قاله الحافظ ابن رجب.
(1) في "صفة النار"(65).
(2)
في "صفة الجنة"(27).
وفي الثعلبي عن سويد بن نجيح قال: بلغني أن جميع أهل النار في تلك السلسلة ولو أن حلقة منها وضعت على جبال الدنيا لذابت من حرها.
وقال الضحاك في قوله تعالى: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} [الحج: 21 - 22] المقامع المطارق (1).
وأخرج الإمام أحمد والحاكم وقال: صحيح الإسناد، عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لو أن مقمعًا من حديد وضع في الأرض فاجتمع له الثقلان ما أقلوه من الأرض"(2) ورواه أبو يعلى مرفوعًا.
وفي رواية للإمام أحمد وأبي يعلى مرفوعًا: "لو ضرب الجبل بمقمع من حديد جهنم لتفْتت ثم عاد" وروى هذه الحاكم أيضًا إلا أنه قال: لتفتت فصار رمادًا، وقال. صحيح الإسناد.
وقال الإمام عمر [رضي الله عنه](3): اذكروا لهم النار لعلهم يفرقون، فإن حرها شديد وقعرها بعيد وشرابها الصديد ومقامعها الحديد.
وأخرج عبد الله ولد الإمام أحمد أن رجلًا قرأ على يزيد الضي: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)} [إبراهيم: 49]
(1)"تفسير ابن أبي حاتم" 8/ 2482 (13828).
(2)
أخرجه أحمد في "مسنده" 3/ 29، وأبو يعلى 2/ 526، والحاكم في "المستدرك" 4/ 600.
(3)
زيادة من المحقق.
فجعل يزيد يبكي حتَّى غشي عليه.
وعن مالك بن دينار أنه قام ليلة في وسط الدار إلى الصباح فقيل له في ذلك فقال: ما زال أهل النار يعرضون عليَّ بسلاسلهم وأغلالهم (1).
وقال الفخر في قوله تعالى: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)} [الحج: 21] المقامع: السياط، قال الثعلبي: واحدها مقمعة سميت بذلك لأنها تقمع المضروب أي: تزله.
وأخرج البيهقي (2) عن أبي صالح قال: إذا ألْقيَ الرجل في النار لم يكن له منتهى حتى يبلغ قعرها ثم تجيش به جهنم فترفعه إلى أعلاها وما على عظامه مزعة لحم فتضربه الملائكة بالمقامع فيهوي بها في قعرها فلا يزال كذلك.
قال الفخر في قوله: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} [الحج: 22].
الإعادة: إنما تكون بعد الخروج والمعنى هنا أنَّ أهل النار يرفعهم لهبها حتَّى إذا كانوا في أعلاها ضربوا فهووا فيها سبعين خريفًا وقيل لهم: ذوقوا عذاب الحريق الغليظ من النار العظيمة الإهلاك والحريق المحرق مثل لئيم ووجيع.
وفي تفسير الواحدي (3) عن الليث: المقمعة: شبه الجرز من
(1) رواه أبو الشيخ في "العظمة"(53).
(2)
في "البعث والنشور"(859).
(3)
3/ 264.
الحديد يضرب بها الرأس، وجمعها: المقامع، وأصلها من قولهم: قمعت رأسه: إذا ضربته ضربًا عنيفًا. والجُرْز بضم الجيم وسكون الراء المهملة وبعدها زاي: هو عمود من حديد.
وقوله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} [الحج: 22] أي: كلما حاولوا الخروج من النار لما يلحقهم من الغم والكرب الذي يأخذ بأنفاسهم حتَّى ليس لهم مخرج ردوا إليها بالمقامع، قال المفسرون: إن جهنم لتجيش بهم فتلقيهم إلى أعلاها فيريدون الخروج فيردهم الخُزَّانُ ويقولون لهم: ذوقوا عذاب الجريق، فنسأل اللَّه العافية والتوفيق والهداية لأقوم طريق.