الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال بعض السلف: إذا أراد الله أن لا يخرج منها أحدا غير وجوههم، وألوانهم فيجيء الرجل من المؤمنين فيشفع فيقول: يا رب فيقول: مَنْ عرف أحدًا فليخرجه فيجيء شبيه الرجل من المؤمنين فينظر فلا يعرف أحدًا فيناديه الرجل فيقول: يا فلان أنا فلان. فيقول: ما أعرفك قال: فعند ذلك يقولون في النار: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)} فيقول عند ذلك: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} فإذا قال ذلك أطبقت عليهم فلم يخرج منهم أحد.
فصل
ثم إن أهْلَ النارِ لا يزالون في رجاء الفرج، والخروج من الحرج إلى أن يذبح الموت فعند ذلك ينقطع الرجاء، وتعظم عليهم الحسرة فلا يرجون مخرجًا.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح (1) فيوقف بين الجنة والنار فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرَئبوَّن (2)، وينظرون، ويقولون: نعم هذا الموت. ويُقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا فَيشْرَئَبّون، وينظرون، ويقولون: نعم هذا هو الموت فيؤمر به
(1) ورد بهامش الأصل: قوله: أملح: هو الأبيض الذي يخالطه قليل سواد أهـ.
(2)
ورده بهامش الأصل: قوله: فيشرئبون: أي يمدون أعناقهم لينظروا.
فيذبح (1)، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت" ثم قرأ صلى الله عليه وسلم:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39].
وخرجه الترمذي (2) وزاد: "فلولا أن الله قضى لأهل الجنة بالحياة والبقاء لماتوا فَرَحًا، ولولا أن الله قضى لأهل النار بالحياة والبقاء لمَاتُوا تَرَحًا" وفي رواية في الصحيحين: "فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم"(3).
واعلم أنَّ بكاء أهل النار لا يجدي لهم فائدة بل الحسرة عليهم والكآبة لم تزل زائدة؛ نعم ربما نفع البكاء بعض عصاة الموحدين دون
(1) ورده بهامش الأصل: قوله: فيذبح: قَالَ المناوي: وهذا مثل ضُرب ليوصل إلى الأفهام حصول اليأس من الموت. فافهم. أهـ.
ويفهم من كلام المناوي: أن ذبح الموت كناية عن الدائم وهذا معنى عَلَى أن الموت أمر عدمي، وقيل: هو وجود وهل هو جوهر أو عرض تردد فيه بعضهم والظاهر أنه جوهر لأنه يذبح، والعرض لا يذبح. واختار هَذَا السيوطي أهـ. وقال بعضهم: مذهب السلف في هَذَا الحديث الوقوف عن الخوض في معناه؛ نؤمن به ونكل علمه إلى الله تعالى والصحيح أن ذبح الموت حقيقة كما جاء في الحديث، أقول وبالله التوفيق ومن استمد العون والتسديد هذا هو الصحيح.
(2)
الترمذي (2558).
(3)
صحيح رواه البخاري (4730)، ومسلم (2849)، والطبري في "التفسير" 16/ 87 - 88، والآجري في "الشريعة" ص (401)، والبيهقي في "البعث والنشور"(640)، وهناد في "الزهد"(213)، وعبد بن حميد (914)، والإمام أحمد 3/ 9، والترمذي (2558).
يشرئبون: يمدون أعناقهم يتطلعون، الكبش الأملح: النقي البياض أو الذي غلب بياضه سواده.
أهل الشرك الملحدين.
ففي الترمذي بإسناد ضعيف عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن رجلين ممن دخل النار اشتد صياحهما فقال الرب عز وجل: أخرجوهما فلمّا خرجا قال لهما: لأي شيء اشتد صياحكما؟ قالا: فعلنا ذلك لترحمنا. قال: رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار قال: فينطلقان فيلقي أحدهما نفسه فيجعلها عليه بردًا وسلاما، ويقوم الآخر فلا يلقي نفسه فيقول الرّبّ عز وجل: ما منعك أن تلقي نفسك كما ألقى صاحبك فيقول: إني لأرجو أن لا تعيدني فيها بعدما أخرجتني فيقول الله عز وجل: لك رجاؤك، فيدخلان الجنة جميعًا برحمة الله عز وجل"(1).
وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يخرج من النار أربعة فيعرضون على الله عز وجل فيلتفت أحدهم فيقول: أي رب إذ أخرجتني منها فلا تعدني فينجيه الله منها" وعند ابن حبان في صحيحه: "فيلتفت فيقول: يا رب ما كان هذا رجائي فيك فيقول: وما كان رجاؤك فيَّ. قال: كان رجائي إذ أخرجتني منها أن لا تعيدني فيها فيرحمه الله فيدخله الجنة"(2).
(1) رواه الترمذي (2599) وقال: إسناد هَذَا الحديث ضعيف؛ لأنه عن رشدين ابن سعد، ورشدين بن سعد ضعيف عند أهل الحديث عن ابن أَنْعَمْ وهو الأفريقي والأفريقي ضعيف عند أهل الحديث أهـ.
(2)
رواه أحمد 3/ 221، ومسلم (192)، وابن منده في الإيمان (860).