الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع عشر في فصول جامعة وحكم هامعة
الفصل الأول في ذكر آخر أهل الجنَّةِ دخولًا
أخرج الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنِّي لأعلم آخر آهل النَّار خروجًا منها، وآخر أهل الجنِّةِ دخولًا الجنَّة: رجل يخرج من النَّار حبوًا، فيقول الله له: اذهب فادخل الجنَّة فيأتيها فيخيَّل إليه أنَّها ملأى، فيرجعُ فيقول: يا رب وجدتها ملأى فيقول الله له اذهب فادخل الجنَّة. قال: فيأتيها فيخيل إليه أنَّها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى فيقول الله له: اذهب فادخل الجنَّة فإن لك مثل الدُّنيا وعشرة أمثالها (أو إنَّ لك عشرة أمثال الدُّنيا) قال: فيقول: أتسخر بي (أو تضحك بي) وأنت الملك. قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه. قال فكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنَّةِ منزلة"(1).
وفي صحيح مسلم عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنِّي لأعلم آخر أهل الجنَّةِ دخولًا الجنَّة، وآخر أهل النَّار خروجًا
(1) رواه البخاري (6571) في الرقاق، باب: صفة الجنة والنار.
ومسلم (186) في الإيمان، باب: آخر أهل النار خروجًا.
منها: رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال: أعرضوا عليه صغارَ ذنوبه، وارفعوا كبارها. فتعرضُ عليه صغارُ ذنوبهِ. فقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، فيقول: نعم. لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تُعرض عليه، فيقال: فإن لك مكان كل سيئة فيقول: ربِّ قد عملت أشياءَ لا أراها ها هنا. فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحكَ حتَّى بَدَتْ نواجذه" (1).
وأخرج الطبراني (2) عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ آخر رجل يدخل الجنَّة رجل يتقلب على الصراطِ ظهرًا لبطن كالغلام يضربه أبوه وهو يفرّ منه يعجز عنه عمله أن يسعى فيقول: بلغ بي الجنَّة، ونجنى من النار. فيوحي الله تبارك وتعالى إليه: عبدي إنْ أنا نجيتك من النَّار، وأدخلتك الجنَّة أتعترف لي بذنوبك وخطاياك؟ فيقول العبد: نعم يا رب وعزتك وجلالك لئن نجيتني من النار لأعترفن لك بذنوبي وخطاياي، فيجوز الجسر. ويقول العبد فيما بينه وبين نفسه: لئن اعترفت له بذنوبي، وخطايا ليردني إلى النَّار. فيوحي الله إليه: عبدي اعترف لي بذنوبك، وخطاياك أغفرها، وأدخلك الجنَّة. فيقول العبد: لا وعزتك وجلالك ما أذنبتُ ذنبًا قط، ولا أخطأت خطيئة قط. فيوحي الله إليه: عبدي إن لي عليك بينة. فيلتفتُ العبد يمينًا وشمالًا فلا يرى أحدًا. فيقول: يا رب أرني بينتك.
(1) رواه مسلم (190) في الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة.
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" 8/ 158 - 159 (7670).
فيستنطق الله جلده بالمحقرات فإذا رأى ذلك العبد يقول: يا رب عندي وعزتك وجلالك العظائم. فيوحي الله إليه: عبدي أنا أعرف بها منك، اعترف لي بها أغفرها لك، وأدخلك الجنَّة. فيعترف العبدُ بذنوبه فيدخله الجنَّة، ثُمَّ ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. يقول:"هذا أدنى أهل الجنَّةِ منزلةً فكيف بالذي فوقه؟ " ورواه ابن أبي شيبة.
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آخرُ من يدخل الجنَّة رجل فهو يمشي مرةً، ويكبو مرةً، وتسفعه نار مرة، فإذا جاوزها التفت إليها فقال: تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله شيئًا ما أعطاه أحد من الأولين، والآخرين (يعني النجاة بعد أن أيس من نفسه وتحقق الهلاك) فتُرفع له شجرة فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة أستظل بظلها، وأشرب من مائها. فيقول الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم لعلِّي إن أعطيتكها سألتني غيرها فيقول: لا يا رب. ويعاهده أن لا يسأله غيرها وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثُمَّ ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: يا رب أدنني من هذه لأشرب من مائها، وأستظل بظلها لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلي إن أدنيتك منها أن تسألني غيرها. فيعاهده أن لا يسأله غيرها. وربه يعذره لأنه لم يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها، ثم تُرفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأولَييْن، فيقول: أي رب أدنني من هذه
الشجرة لأستظل بظلها لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى. يا رب هذه لا أسألك، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه. فيدنيه منها. فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنَّةِ فيقول يا رب أدخلنيها فيقول: يا ابن آدم أيرضيك أن أعطيك الدُّنيا ومثلها معها؟ قال: "يا رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين". فضحك ابن مسعود فقال ألا تسألوني ممَّ أضحك؟ قالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: "من ضحك رب العالمين حين قال أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟ فيقول: لا أستهزئ بك ولكنِّي على ما أشاء قادر"(1).
وأخرجه البرقاني (2) بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري بنحوه غير أنه قال في الشجرة الأولى: "مثَّل له شجرة ذات ظل فقال: قدمني إلى هذه الشجرة لأكون في ظلها". وفي الثانية: "ذات ظل، وثمر فقال: لأستظل بظلها وآكل من ثمرها". وفي الثالثة: "ذات ظل، وثمر، وماء فقال: لأكون في ظلها، وآكل من ثمرها، وأشرب من مائها، وأبدل لعلي إن أعطيتكها""بهل عسيت إن أعطيتك ذلك". وكررها كل في شجرة وأبدل: "ترفع""بمثل له". ولفظة: "سمع أصوات أهل الجنَّة". بقوله: "فتبرز له الجنَّة. فيقول: أي رب قدمني إلى باب الجنَّة فأكون
(1) رواه مسلم (187) في الإيمان، باب: آخر أهل النار خروجًا.
(2)
رواه مسلم (188) في الإيمان، باب: آخر أهل النار خروجًا.
بنجاف الجنَّة" وفي رواية: "تحت نجاف الجنَّة أنظر إلى أهلها فيقدمه الله إليها فيرى أهل الجنَّةِ وما فيها فيقول: أي رب أدخلني الجنَّة. فيدخله الجنَّة، فإذا دخل الجنَّة فيقول: هذا لي؟! فيقول الله له: تَمنَّ. قال: فيتمنى، ويذكره الله سل كذا وكذا، فإذا انقطعت به الأماني قال الله: هو لك وعشرة أمثاله". قال: "ثمَّ يدخل بيته وتدخل عليه زوجاته من الحور العين" الحديث.
قوله: "تحت نجاف الجنَّة" قال في النهاية (1): قيل: هو أسكفة الباب. والله أعلم.
(1) انظر النهاية لابن الأثير مادة: نجف.