الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر أوّل من يدخل النار من سائر البشر وفي أول من يدخلها من عصاة الموحدين
أما أوّل من يدخل النار من بني آدم على الإطلاق زية وقيل: اْسمها إزميل وهي التي أمرت بقتل سيدنا يحيى الحصور عليه السلام.
قال الإمام ناصر السنة ابن الجوزي في "تبصرته"(1): عن الربيع بن أنس قال: كان لملك بنتٌ شابةٌ فكانت تأتيه فيسألها حاجتها فيقضيها وإن أمّها رأت يحيى عليه السلام وكان جميلاً فأرادته عَلَى نفسها فأبي فقالت لابنتها إذا أتيتِ أباك فقولي حاجتي رأس يحيى فجاءت فسألت ذلك فردها فرجعت قال: سلي حاجتك فقالت: رأس يحيى فقال لكِ ذلك فأخبرت أمّها فبعثت إلى يحيي إن لم تأت حاجتي قتَلتك فأبي فذبحته ثم ندمت فجعلت تقول ويل لها ويل لها حتى ماتت فهي أوّل من يدخل جهنم.
وفي حديث آخر: أنّها قتلت قبله سبعين نبيًا وهي مكتوبة في التوراة مُقَتِّلة الأنبياء وأنها على منبر في النار يَسمعُ صراخها أقصى أهل النار.
(1) 1/ 293.
وفي قصة قِتلة سيدنا يحيي عليه السلام روايات على غير هذا الوجه فالله أعلم بالثابت وأيها كان والله أعلم.
وأما أول من يدخل النار من عصاة الموحدين فأخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عرض على أوّل ثلاثة يدخلون الجنة وأوّل ثلاثة يدخلون النار فأما أوّل ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه وفقير متعفف (1) ذو عيال وأول ثلاثة يدخلون النار فأميرُ مسَلّط وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله تعالى من ماله وفقير فخور"(2).
وخرج الترمذي أوّله وقال حديث حسن.
قال الحافظ ابن رجب هؤلاء الأصناف الثلاثة من أهل النار ضدّ الأصناف الثلاثة من أهل الجنة المذكورين في حديث مسلم أعني قوله صلى الله عليه وسلم: "أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسطٌ متصدق موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم؛ عفيف متعفف ذو عيال "(3) فإن السلطان الجائر ضد العادل المحسن والغني الذي يمنع حق الله عز وجل ضد الرحيم الرقيق القلب بذي القرب وكل مسلم، والفقير
(1) ورد في هامش الأصل: قوله: متعفف أي: عن سؤال الناس وعن تعاطي ما لا يحل. أ. هـ.
(2)
رواه أحمد 2/ 425، 479، وعبد بن حميد (1446)، والترمذي (1642)، وابن خزيمة (2249)، وفي إسناده ضعف.
(3)
رواه مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي (2865)، وأحمد 4/ 162، 266، وابن ماجه (4179)، وورد في هامش الأصل فوق كلمة (عفيف): أي: عن سؤال الناس متعفف عن تعاطي ما لا يحل.
الفخور ضد المتعفف الصابر على شدة الفقر وضره، وأوصاف هؤلاء الثلاثة هي الظلم والبخل والكبر وهي ترجع إلى الظلم لأن الملك المسلط يظلم الناس بيده والبخيل يظلم الفقراء بمنع حقوقهم الواجبة في ماله والفقير الفخور يظلم الناس بفخره عليهم بقوله وإيذائه لهم بلسانه وبشأنه.
وعن أبي هريرة مرفوعًا نحوه: وفيه: "المقاتل والقارئ والمتصدق الذين يراؤون بأعمالهم وقال: أولئك أوّل خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة يا أبا هريرة"(1).
قال الحافظ ابن رجب: وقد يجمع بين هذا الحديث والذي قبله بأن هؤلاء الثلاثة أوّل من تسعر بهم النار وأولئك الثلاثة أوّل من يدخل النار، وتسعير النار أخص من دخولها فإن تسعيرها يقتضي مع الدخول تلهيبها وإيقادها وهو زائد على مجرد الدخول، وإنما زاد عذاب أهل الرياء على سائر العصاة لأن الرّياء هو الشرك الأصغر والذنوب المتعلقة بالشرك أعظم من المتعلقة بغيره.
قلت فيه: إن الشرك الأكبر أعظم منه فما بال هؤلاء أعني أصحاب الشرك الأصغر الذي هو الرياء تسعر النار بهم قبل أولئك، وقد يقال إن المراد من أهل التوحيد ويدفعه منطوق الحديث فإنه قال أولئك أوّل خلق الله تسعر بهم النار اللهم إلا أن يخص عمومه ويكون
(1) أخرجه أحمد 2/ 321، ومسلم (1905)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2482)، والترمذي (3282).