الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما القول الثاني: فإنه لا يغسل جسده، بل ينضحه.
الثالث: أن يكون للمسألة حكم منصوص وحكم مُخَرَّجٌ، وذلك بأن يوجد للمسألة حكم منصوص، ويوجد نص في مثلها على خلاف ذلك الحكم، وليس بينهما فارق، فيُخَرِّجُون حكمًا على أحد النصين للمسألة الأخرى.
وهذا التقسيم المنقول عن المالكية يوجد مثله، أو بعضه عند بقية المذاهب.
فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: وأما التخريج فهو نقل مسألة إلى ما يشبهها، والتسوية بينهما فيه (1).
ومن أمثلة استعمالاته عند الحنابلة: قول المرداوي عند شرحه لعبارة: "ومن لم يجد إلا ثوبًا نجسًا فصلى فيه" قال:. . . وقيل: لا تصح فيه مطلقًا، بل يصلي عريانًا، وهو تخريج للمجد في شرحه. . . وعند عبارة:"وأعاد على المنصوص" قال: ويتخرج أن لا يعيد" (2).
وقال الشيخ السقاف الشافعي (3): "التخريج أن ينقل فقهاء المذهب الحكم من نص إمامهم في صورة إلى صورة مشابهة"(4).
وبناءً على ما سبق فإن أهل المذاهب الفقهية قد تعارفوا على هذا اللون من التخريج الفروعي على الفروع الفقهية المنصوصة من أئمة مذاهبهم.
حكم الاستنباط بالتخريج:
تَقَدَّمَ أنه ذهب عامة المنتسبين إلى المذاهب الأربعة إلى الأخذ بالتخريج على قول
(1) المسودة، لآل تيمية، (ص 533).
(2)
الإنصاف، للمرداوي، (1/ 460).
(3)
علوي بن أحمد بن عبد الرحمن السقاف الشافعي المكي، نقيب السادة العلويين بمكة، وأحد علمائها، من مصنفاته: ترشيح المستفيدين، والفوائد المكية، والقول الجامع النجيح في أحكام صلاة التسابيح، ولد سنة 1255 هـ، وتوفي سنة 1335 هـ الأعلام، للزركلي، (4/ 249)، ومعجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، (6/ 295).
(4)
الفوائد المكية، لعلوي السقاف ضمن سبعة كتب مفيدة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، (ص 42 - 43)، حاشية البجيرمي على منهج الطلاب، (2/ 372).
إمام المذهب إذا لم يوجد عنه في المسألة نص، وأنهم يجوزون الإفتاء بذلك، وينسبون هذا القول المستنبط بالإلحاق والقياس إلى مذهبهم تخريجًا على المنقول عن إمامهم.
وهذا عملهم جارٍ على هذا النسق من قرون عديدة، قال ابن الصلاح عنه:"عليه العمل، وإليه مفزع المفتين من مُدَدٍ مديدة"(1).
وقال ابن أمير الحاج -عن أصحاب الوجوه والتخريج-: "والذي أظنه قيام الإجماع على جواز فتيا هؤلاء، وأنت ترى من علماء المذاهب ممن وصل إلى هذه المرتبة، هل منعهم أحدٌ الفتوى، أو منعوا هم أنفسهم عنها"(2).
ومع هذا فقد وُجِدَ من الفقهاء من ينكر هذا العمل بدرجات متفاوتة.
فمحققو الحنفية ينصون على أن ما في المتون والشروح مقدَّم على ما في الفتاوي؛ وذلك لأن مسائل المتون والشروح هي المنقولة عن أئمة الحنفية الثلاثة أو بعضهم بخلاف الفتاوي؛ فإن الإفتاء "مبني على وقائع تحدث لهم، ويسألون عنها، وهم من أهل التخريج، فيجيب كل منهم بحسب ما يظهر له، تخريجًا على قواعد المذهب، إن لم يجد نصًّا، ولذا ترى في كثير منها اختلافًا، ومعلوم أن المنقول عن الأئمة الثلاثة، ليس كالمنقول عمن بعدهم من المشايخ"(3).
وأبو بكر بن العربي يذهب إلى أنها لا تزيد عن أمور يتفقه بها الفقيه، وعند العمل يعول في حكم النازلة على الأدلة الأصلية!
يقول رحمه الله-في تفسير قوله تعالى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] "ولذلك قال علماؤنا رحمة الله عليهم: إن المفتي بالتقليد إذا خالف نَصَّ الرواية في نص
(1) أدب الفتوى، لابن الصلاح، (ص 44).
(2)
التقرير والتحبير، لابن أمير الحاج، (3/ 464).
(3)
حاشية ابن عابدين، (9/ 357).
النازلة عمن قلَّده أنه مذموم، داخل في الآية؛ لأنه يقيس ويجتهد في غير محل الاجتهاد، وإنما الاجتهاد في قول الله، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم، لا في قول بشر بعدهما، ومن قال من المقلدين: هذه المسألة تخرج من قول مالك في موضع كذا، فهو داخل في الآية!
فإن قيل: فأنت تقولها، وكثير من العلماء قبلك، قلنا: نعم نحن نقول ذلك في تفريع مذهب مالك على أحد القولين في التزام المذهب بالتخريج، لا على أنها فتوى نازلة تحمل عليها المسائل، حتى إذا جاء سائل عرضت المسألة على الدليل الأصلي، لا على التخريج المذهبي، وحينئذٍ يقال له: الجواب كذا فاعمل عليه" (1).
وقريب من هذا منقول عن البيهقي في رسالته إلى أبي محمد الجويني (2).
وابن القيم يرى أن المتأخرين لدى التخريج يتصرفون في نصوص الأئمة، فيبنونها على ما لم يخطر لأصحابها ببال، ولا جرى لهم في مقال، ويلزمهم من ذلك لوازم لم يقل بها الأئمة، فيفضي هذا إلى أن أحدهم "يروج بين الناس بجاه الأئمة، ويفتي ويحكم به، والإمام لم يقله قط، بل قد يكون قد نص على خلافه"(3).
وبناءً على ما سبق جرى الخلاف في جواز نسبة القول المخَرَّجِ إلى إمام المذهب على ثلاثة أقوال:
القول الأول: صحة نسبة الأقوال المخرجة إليه.
وهذا مذهب متأخري الحنفية، وبعض المالكية، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة (4).
القول الثاني: لا ينسب القول المخرج إلى إمام المذهب؛ لأنه ربما روجع فيه فذكر فرقًا، ولا ينسب إلى ساكت قول، وهذا مذهب بعض الحنفية، وبعض المالكية، وهو الأصح عند الشافعية، وبه قال بعض الحنابلة (5).
(1) أحكام القرآن، لابن العربي، (3/ 200 - 201).
(2)
نص الرسالة في طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي، (5/ 77 - 90).
(3)
الطرق الحكمية، لابن القيم، (2/ 609).
(4)
أدب الفتوى، لابن الصلاح، (ص 44)، صفة الفتوى، لابن حمدان، (ص 88)، المسودة، لآل تيمية، (ص 524).
(5)
القواعد، للمقري، (1/ 348 - 349)، المجموع، للنووي، (ص 66)، مغني المحتاج، للخطيب الشربيني، =