الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بطريق الاغتنام إذا أعلنوا الحرب على المسلمين (1).
وحتى لو جاز للحربي التعامل بالربا فإنه محرَّمٌ على المسلم الملتزم بأحكام الإسلام في كل مكان أن يتعامل به.
ثانيًا: القياس:
أما القياس: فهو قياس مع الفارق:
لأن الحربي المستأمن في دار الإسلام ملتزم بأحكام الإسلام وماله معصوم بسبب الأمان، أما الحربي غير المستأمن فلا عصمة لماله؛ لأنه لم يلتزم لأحكام الإسلام.
وأجيب:
بأننا لا ننكر أن الحربي المستأمن ملتزم لأحكام الإسلام، وماله معصوم بالأمان، وعلى العكس الحربي غير المستأمن، لكن القياس ليس من هذه الناحية، بل القياس من ناحية التحريم، فالربا كما هو محرم مع الحربي في دار الإسلام، محرم معه في دار الحرب؛ لعموم النصوص الواردة في التحريم من الكتاب والسنة، ولم يرد ما يخصص هذا العموم.
الترجيح:
بعد عرض القولين بأدلتهما، والمناقشات التي جَرَتْ بين الفريقين، يتضح رجحان قول الجمهور سلفًا وخلفًا بحرمة التعامل بالربا مطلقًا في دار الإسلام وغيرها، وبين المسلم وغير المسلم مطلقًا، وأنه لا يجوز شراء المساكن في الغرب بالقروض الربوية، إلا لمن بلغ مبلغ الضرورة الشرعية التي تبيح المحرمات القطعية، وهذا من شأنه ألا يختص بدار دون دار، ولا يتعلق بالمسلم دون غيره، فَكُلُّ مَنْ سُدَّتْ أمامَهُ أبوابُ السكنى، ولم يجد بديلًا مشروعًا أو فيه شبهة، وتحققت ضرورته فقد جاز له الاقتراض الربوي
(1) أحكام القرآن، لابن العربي، (1/ 649).
المحرم بما يدفع ضرورته فحسب؛ إذ الضرورة تُقَدَّرُ بقدرها.
وأسباب ترجيح هذا القول كالتالي:
1 -
ظهور أدلة الجمهور وقوتها في مقابل ضعف أدلة الحنفية ووهائها أمام الإيرادات الصحيحة عليها، مع مخالفتها للنصوص الصريحة.
2 -
ولأن الربا محرم في كل مكان، كما دلت النصوص على ذلك، فلا يصير حرامًا في مكان دون آخر، وإباحة أموال الحربيين عن طريق الغنيمة يختلف عن أخذها بالعقود الفاسدة كعقد الربا.
3 -
القول بتحريم الربا بين المسلمين وإباحة التعامل به مع الحربي فيه تشبُّهٌ باليهود الذين يحرِّمون الربا في علاقة اليهودي باليهودي، ويبيحونه في علاقته بالأميين، كما قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 75].
وقد جاء في سفر التثنية، في الإصحاح الثالث والعشرين:"للأجنبي تقرضُ بربا، ولكن لأخيك لا تقرضْ بربا؛ لكي يباركك الرب إلهك".
فالإسلام ليس فيه ازدواجية، ولا تطفيف، ولا تناقض، وليس كأنظمة البشر التي تكيل بمكيالين، بل بمكاييلَ مختلفةٍ.
على أن هذا المنحى الذي نحى إليه المبيحون يفتح الباب أمام سلسلة من التَّرَخُّصَاتِ التي لن تنتهي، كما سبق التنبيه عليه.
4 -
لا بد أن يُحَرَّرَ مفهومُ الحاجاتِ ويُضْبَطَ بضوابطَ واضحةٍ؛ وإلا فُتِحَ بابُ شرٍّ مستطيرٍ يؤدي إلى خلعِ الرِّبقةِ، والتفلتِ من قيودِ التكليفِ، بما يُتَوَهَّمُ أنه من قبيل المصالح، أو الحاجات، وهو في حقيقته لا يعدو أن يكون من جنس الأهواء والشهوات.
وأخيرًا فإن البدائل الشرعية يجب توفيرها للأقليات الإسلامية إذا أُرِيدَ لهذه
الأقليات أن تحيا وأن تستمِرَّ في دورها وجهادها في الدعوة إلى دين الله تعالى.
ومَنْ عَجَزَ عن شراء تلك المساكن بطرق شرعية ففي الاستئجار مندوحةٌ عن الوقوع في شَرَكِ الربا المحرم، وليس مجردُ شيوع الحاجة سببًا في الترخيص بارتكاب كبيرة من أكبر الكبائر، حتى تُعَمَّمَ به الفتيا في ديار الأقليات.
ومن غير شكٍّ فإن هذه المجالس العلمية الموقرة بشيوخها الكبار مدعُوَّةٌ لمراجعة هذه الفتيا العامة في ضوء دراسة الواقع، وما يكتنفه من ملابسات (1)، وما يراد للأقليات من تأسيس فقهي لأحكامهم بعيدًا عن فقه الظروف الاستثنائية، والحالات الطارئة، بما يجمع بين إقامة الدين في حياة الأقليات، وتَحَقُّقِ السعة واليسر في سائر المعاملات، والله الموفق لكل خير والهادي إلى سواء السبيل.
وتتميمًا للفائدة نسوق قرارَي مجمعِ الفقه الإسلامي، ومجمعِ فقهاء الشريعة في أمريكا في تحريم هذه المعاملة ببلاد الغرب.
"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (52/ 1 / 6):
بشأن: التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها.
إن مجلس الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمرِهِ السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990 م.
(1) أعلن كل من: الدكتور محمد فؤاد البرازي من الدانمرك، والدكتور صهيب حسن عبد الغفار من لندن اعتراضهما على فتوى وقرار المجلس الأوروبي للإفتاء، ونشر ذلك في صحيفة الشرق الأوسط، مع أسباب اعتراضهما على الفتوى، وقد عَقَّبَ عليهما في ذات الصحيفة الدكتور يوسف القرضاوي، في فقه الأقليات المسلمة، د. يوسف القرضاوي، (ص 179).
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: "التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها"، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
قرر:
1 -
أن المسكن من الحاجات الأساسية للإنسان، وينبغي أن يوفر بالطرق المشروعة بمال حلال، وإن الطريقة التي تسلكها البنوك العقارية والإسكانية ونحوها، من الإقراض بفائدة قَلَّتْ أو كَثُرَتْ، هي طريقة محرمة شرعًا؛ لما فيها من التعامل بالربا.
2 -
هناك طرق مشروعة يُسْتَغْنَى بها عن الطريق المحرمة لتوفير المسكن بالتملك -فضلًا عن إمكانية توفيره بالإيجار-، منها:
أ - أن تقدِّمَ الدولة للراغبين في تملك مساكنَ قروضًا مخصصة لإنشاء المساكن، تستوفيها بأقساطٍ ملائمةٍ بدون فائدة، سواء أكانت الفائدة صريحة، أم تحت ستار اعتبارها:(رسم خدمة) على أنه إذا دعت الحاجة إلى تحصيل نفقاتٍ لتقديم عمليات القروض ومتابعتها وجب أن يُقْتَصَرَ فيها على التكاليف الفعلية لعملية القرض على النحو المبين في الفقرة (أ) من القرار رقم (1) للدورة الثالثة لهذا المجمع.
ب - أن تتولى الدول القادرة على إنشاء المساكن إنشاءَها، وبَيعَهَا للراغبين في تملُّكِ مساكنَ بالأجل والأقساط بالضوابط الشرعية المبينة في القرار (53/ 2/ 6) لهذه الدورة.
جـ - أن يتولى المستثمرون -من الأفراد أو الشركات- بناءَ مساكنَ تُباعُ بالأجل.
د - أن تُمَلَّكَ المساكن عن طريق عقد الاستصناع -على أساس اعتبارِهِ لازمًا- وبذلك يتم شراء المسكن قبل بنائه، بحسب الوصفِ الدقيقِ المزيلِ للجهالة المؤديةِ للنزاعِ، دونَ وجوبِ تعجيلِ جميعِ الثمنِ، بل يجوزُ تأجيلُهُ بأقساطٍ يُتَّفَقُ عليها، مع مراعاة الشروط والأحوال المقرَّرَةِ لعقد الاستصناع لدى الفقهاء الذين ميزوه عن عقد السَّلَمِ.
ويوصي:
بمواصلة النظر لإيجاد طرقٍ أخرى مشروعةٍ توفر تملُّكَ المساكن للراغبين في
ذلك." انتهى قرار مجمع الفقه الإسلامي"(1).
وأمَّا مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا فقد جاء نص قراره كالآتي:
"الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا المنعقد في دورة مؤتمرِهِ الثاني بمدينة كوبنهاجن بدولة الدنمارك من 4 - 7 من شهر جمادى الأولى عام 1425 هـ، الموافق 22 - 25 من شهر يونيو عام 2004 م.
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة من السادة أعضاء المجمع وخبرائه بخصوص موضوع: "شراء البيوت عن طريق التمويل الربوي" والمناقشات المستفيضة التي دارت حوله.
قرر المجمع ما يلي:
أولًا: التأكيد على ما أكَّدَتْ عليه الأدلة الشرعية القاطعة من حرمة الربا بنوعيه فضلًا ونسيئةً، وأن فوائد البنوك هي الربا الحرام، وهو ما قررته جميع دور الإفتاء والمجامع الفقهية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
ثانيًا: التأكيد على أن الاقتراض بالربا لا تُحِلُّهُ في الأصل إلا الضروراتُ المعتبرَةُ شرعًا، شأنه شأن سائر المحرمات القطعية في الشريعة، وبشروطها التي نصَّ عليها أهل العلم، بأن تكون واقعةً لا منتظَرَةً بحيث يتحقَّقُ أو يَغلبُ على الظن وجودُ خطرٍ حقيقي على الدين، أو النفس، أو العقل، أو النسل، أو المال، وأن تكون ملجِئةً بحيث يخافُ المضطرُ هلاكَ نفسه، أو قطعَ عضوٍ من أعضائه، أو تعطُّلَ منفعَتِهِ إنْ تَرَكَ المحظورَ، وأنْ لا يَجِدَ المضطر طريقًا آخرَ غيرَ المحظورِ، وعلى من تلبَّسَ بحالة من حالات الضرورة أنْ يلجأَ إلى
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس، (1/ 187).
مَنْ يثقُ في دينه وعلمه من أهل الفتوى في تقدير ضرورته.
ثالثًا: أن الحاجة تنزل منزلةَ الضرورة في إباحة المحظور متى توافرتْ شرائطُ تطبيقها، وتتمثلُ هذه الشروط فيما يلي:
1 -
تحقُّقُ الحاجة بمفهومها الشرعي، وهي دفع الضرر، والضعف الذي يصدُّ عن التصرف والتقلب في أمور المعاش، واستمرار الناس على ما يقيم قواهم، وليس مجرد التشوف إلى الشيء، أو مجرد الرغبة في الانتفاع والترفه والتنعم.
2 -
انعدام البدائل المشروعة، وذلك بأن يعمَّ الحرام، وتنحسمَ الطرق إلى الحلال، وإلا تعيَّنَ بذلُ الجهد في كسب ما يَحِلُّ، ومن بين هذه البدائل: الاستئجار، متى اندفعت به الحاجة.
3 -
الاكتفاء بمقدار الحاجة، وتحريم ما يتعلق بالترفه والتنعم، أو محض التوسع.
4 -
انعدام القدرة على التحول إلى مواضعَ أخرى يتسنى فيها الحصولُ على البديل المشروع.
رابعًا: وبناءً على ما سبق فإن الأصل في العاجز عن تملك مسكن بطريق مشروع لا ربا فيه، ولا ريبة، أن يقنع بالاستئجار، ففيه مندوحة عن الوقوع فيما حرَّمه الله ورسوله من الربا.
خامسًا: إذا مَثَّلَ الاستئجارُ حرجًا بالغًا ومشقَّةً ظاهرةً بالنسبة لبعض الناس، لاعتباراتٍ تتعلق بعددِ أفراد الأسرة، وعدمِ وجود مسكن مستأجر يكفيهم، أو لخروجِ أجرته عن وُسْعِ ربِّ الأسرة وطاقته، أو لغير ذلك من الظروف القاهرة، جاز لهم الترخص في تملك مسكن بهذا الطريق في ضوء الضوابط السابقة، بعد الرجوع إلى أهل العلم لتحديد مقدار هذه الحاجة، ومدى توافر شرائطها الشرعية؛ وذلك للتحقق من مدى صلاحيتها بأن تنزل منزلةَ الضرورة في إباحة هذا المحظور.
سادسًا: التأكيد على ما أكَّدَتْ عليه كلُّ المجامع الإسلامية الرسمية والأهلية من ضرورة العمل على توفير البدائل الإسلامية لمشكلة تمويل المساكن: إمَّا من خلال إنشاء مؤسسات إسلامية، وهو الأَولى، باعتباره الأرضَى للربِّ جلَّ وعلا، والأنفع لدينه ولعباده، أو مِنْ خلال
إقناع البنوك الغربية بالتعديل في عقودها التي تجريها مع الجاليات الإسلامية بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، إلى أن يتوافر البديل الإسلامي المنشود، وهو أمر ميسور في هذه المجتمعات.
سابعًا: مناشدة القادرين في العالم الإسلامي أن يتبنوا مشروعًا استثماريًّا يجمع الله لهم فيه بين الكسب في الدنيا، والأجر في الآخرة؛ لتوفيرِ مساكنَ للراغبين في ذلك من المسلمين المقيمين في المجتمعات الغربية، وذلك بصيغة من الصيغ الشرعية المعروفة مشاركةً، أو مرابحةً، أو استصناعًا، أو تأجيرًا منتهيًا بالتمليك بضوابطه الشرعية، أو نحوه، وألَّا يُغالوا في تقدير أرباحهم، حتى لا يكونوا فتنةً تَصُدُّ الناسَ عن التعامل ابتداءً مع المؤسسات الإسلامية، وتحمِلُهم على إساءة الظن بالتطبيق الإسلامي، كلما دُعِيَ إليه أو لاحتْ بوادِرُهُ.
والله تعالى أعلى وأعلم" (1).
(1) قرارات وتوصيات المؤتمر الثاني للمجمع، (ص 100 - 102).