الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول السابع: مع القول بالتقدير النسبي عند اختفاء العلامات فى جميع الصلوات يقال بجواز الجمع بين المغرب والعشاء عند اختفاء العلامات في بعض الاوقات
.
وقد وَرَدَ عند الحنابلة في الأسباب المبيحة للجمع بين الصلاتين: العجز عن معرفة الوقت (1).
وانتصر له الشيخ عبد الله الجديع (2).
وبه صدر قرار المجلس الأوروبي للإفتاء في دورته الثالثة (3).
واستدل لهذا القول بالقرآن الكريم، والسنة، والمعقول.
فأمَّا القرآن الكريم:
فلقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78].
وجه الدلالة:
غسق الليل أُشير به إلى المغرب والعشاء، فالليل هو وقت المغرب والعشاء (4).
وإذا كانت السُّنة قد فَرَّقَتْ بين وقتي المغرب والعشاء، وعلى هذا عَمَلُ المسلمين قديمًا وحديثًا، إلا أنه عند العذر والحاجة يُعْمَلُ بمواقيت القرآن، وهي مواقيتُ ثلاثةٌ:
1 -
الفجر، وهو وقت صلاة الصبح.
2 -
والزوال إلى الليل، وهو وقت الظهر والعصر.
3 -
الليل، وهو وقت المغرب والعشاء.
(1) الفروع، لابن مفلح، (3/ 104).
(2)
بيان حكم صلاة العشاء في بريطانيا حين يفتقد وقتها، لعبد الله الجديع، (ص 319).
(3)
قرارت وفتاوي المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، المجموعتان الأولى والثانية، دار التوزيع والنشر، القاهرة، (ص 109).
(4)
المحرر الوجيز، لابن عطية، (3/ 477).
وعليه: فعند الحاجة والاضطرار يصير وقت المغرب مع العشاء وقتًا واحدًا.
وقد روى عبد الرزاق الصنعاني عن معمر بن راشد أنه قال: سمعت أن الصلاة جُمِعَتْ؛ لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78].
فغسق الليل: المغرب والعشاء (1).
وأمَّا السنة النبوية:
فمن الأحاديث: ما ثبت من جواز الجمع بين المغرب والعشاء في السفر (2) وعند شدة المطر (3)، وهذا يدل على أن الوقت بين المغرب والعشاء حال العذر هَدَرٌ، فيجوز الجمع تقديمَّا أو تأخيرًا، ويصير الوقتان وقتًا واحدًا.
وقد ثبت -أيضًا- أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر، قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: لِمَ فعلَ ذلك؟
قال: كي لا يُحرج أمته.
وفي رواية أخرى -عند مسلم وغيره-: "ولا سفر"، بَدَلَ:"ولا مطر"(4).
وهو جمع لا داعي إليه إلا رفع الحرج عند الحاجة أو المشقة البالغة.
وهذا يدل على جواز هذا الجمع للحاجة إليه.
المناقشة والترجيح:
يترجح قول من قال بالتقدير النسبي حالَ فَقْدِ العلامات باستمرار الليل أو النهار أربعًا وعشرين ساعة فأكثر، وهو قول الأكثر من المتقدمين والمتأخرين.
يقول الشيخ محمد رشيد رضا: "أَرأيتَ هل يُكَلِّفُ اللهُ تعالى من يقيم في جهة القطبين، وما
(1) مصنف عبد الرزاق، (2/ 551).
(2)
أخرجه البخاري، أبواب تقصير الصلاة، باب: الجمع في السفر بين المغرب والعشاء، (1108)، من حديث أنس رضي الله عنه.
(3)
أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر، (705)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
سبق تخريجه.
يقرب منها أن يصلي في يومه -وهو سَنَةٌ أو عِدَّةُ أشهرٍ- خمسَ صلواتٍ فقط.
كلَّا إن الآيات الكبرى على كون هذا القرآن من عند الله المحيط علمه بكل شيء، ما نراه فيه من الاكتفاء بالخطاب العام الذي لا يتقيد بزمانِ مَنْ جاء به ولا مكانه.
فأطلقَ الأمرَ بالصلاة، والرسولُ بَيَّنَ أوقاتها بما يناسب حال البلاد المعتدلة، التي هي القسم الأعظم في الأرض، حتى إذا وصل الإسلام إلى أهل تلك البلاد التي أشرنا إليها يمكنهم أن يقدروا للصلوات باجتهادهم، والقياس على ما بَيَّنَهُ النبي صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْرِ اللهِ المطلقِ، فَيُقَدِّرُوا لها قَدْرَهَا (1).
على أنه إذا وقع اختيار تقدير المواقيت بأقرب البلاد، فينبغي أن يُتَّفَقَ على البلد التي سيُعْتَبَر بها التقدير، وألَّا يُخْتَلَفَ عليها ضبطًا للمواقيت، ومنعًا للشقاق والفتنة.
ولا شك أن هذا الاختيار أولى مِنْ اختيارٍ يمثل رأيًا اجتهاديًّا محضًا لا يقوم على نصٍّ، أو يرتبط بدليل نقليٍّ، كما وُجِدَ هذا في عدد من الأقوال التي تتضمن رأيًا محضًا، أو تتضمن إبطالًا للعلامة الشرعية حالَ وجودِهَا.
وأمَّا مَا يتعلَّقُ بوقت العشاء عند فَقْدِ العلامة الشرعية الدَّالَّةِ عليه فإن كلا الرأيين الرابع والسابع سائغٌ مقبولٌ فيما يظهر، بحيث يُخَيَّرُ المسلم المقيم في تلك الديار بين أن يَعْتَبِرَ دخولَ وقت العشاء بآخر فترة يمكن فيها التمييزُ بين الشفقين؛ شفقِ العشاء، وشفقِ الفجر.
وعند الحاجة أو المشقة له أن يجمعَ بين الصلاتين.
ولا يسوغُ بحال أن يسقط عنه فَرْضُهَا، كما قال بعض الحنفية؛ فإنه مخالف لما انعقد عليه الإجماع من وجوبِ خمسِ صلواتٍ في اليوم والليلة!
وصلاتها بعدَ تيقنِ دخولِ الصبحِ إخراجٌ لها عن وقتها مع إمكان أن تُصَلَّى باعتبارِ آخرِ وقتِ التمييزِ بينها وبين وقتِ الفجر، أو جمعها مع المغرب.
(1) فتاوي الشيخ محمد رشيد رضا، (6/ 2577 - 2578).