الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بتاريخ 4/ 4/ 1397 هـ من التحريم للتأمين بأنواعه.
وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك قرر المجلس بالأكثرية: تحريم التأمين بجميع أنواعه، سواء كان على النفس، أو البضائع التجارية، أو غير ذلك من الأموال.
كما قرر مجلس المجمع بالإجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء من جواز التأمين التعاوني بدلًا من التأمين التجاري المحرم، والمنوه عنه آنفًا، وعهد بصياغة القرار إلى لجنة خاصة.
تقرير اللجنة المكلفة بإعداد قرار مجلس المجمع حول التأمين:
بناءً على قرار مجلس المجمع المتخذ بجلسة الأربعاء 14 شعبان 1398 هـ، المتضمن تكليف كل من أصحاب الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد محمود الصواف، والشيخ محمد ابن عبد الله السبيل بصياغة قرار مجلس المجمع حول التأمين بشتى أنواعه وأشكاله.
وعليه فقد حضرت اللجنة المشار إليها، وبعد المداولة أقرت ما يلي:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فإن المجمعَ الفقهيَّ الإسلاميَّ في دورته الأولى المنعقدة في 10 شعبان 1398 هـ، بمكة المكرمة بمقر رابطة العالمِ الإسلاميِّ نظر في موضوع التأمين بأنواعه، بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك، وبعد ما اطلع أيضاً على ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة بمدينة الرياض، بتاريخ 4/ 4/ 1397 هـ، بقرار رقم (55) من التحريم للتأمين التجاري بأنواعه.
وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك قرر مجلس المجمعِ الفقهيِّ بالإجماع -عدا فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا- تحريم التأمينِ التجاريِّ بجميع أنواعه، سواء كان على النفس، أو البضائع التجارية، أو غير ذلك؛ للأدلة الآتية:
الأول: عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية المشتملة على الغرر
الفاحش؛ لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي، أو يأخذ، فقد يدفع قسطًا، أو قسطين، ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم به المؤمِّن، وقد لا تقع الكارثة أصلًا، فيدفع جميع الأقساط، ولا يأخذ شيئًا، وكذلك المؤمَّن لا يستطيع أن يحدد ما يعطي ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع الغرر (1).
الثاني: عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة؛ لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيه، ومن الغُنم بلا مقابل أو بمقابل غير مكافئ فإن المستأمن قد يدفع قسطًا من التأمين، ثم يقع الحادث، فيغرم المؤمِّن كلَّ مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر، ومع ذلك يغنم المؤمِّن أقساط التأمين بلا مقابل، وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قمارًا، ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]، والآية بعدها.
الثالث: عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنساء، فإن الشركة إذا دفعت للمستأمِن، أو لورثته، أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها، فهو ربا فضل، والمؤمِّن يدفع ذلك للمستأمِن بعد مدة، فيكون ربا نساء، وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نساء فقط، وكلاهما محرم بالنص والإجماع.
الرابع: عقد التأمين التجاري من الرهان المحرم؛ لأن كلًّا منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة، ولم يبح الشرع من الرهان إلَّا ما فيه نصرة للإسلام، وظهور لأعلامه بالحجة والسنان، وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم رخصة الرهان بعوض في ثلاثة بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا سبق إلا في خُفٍّ، أو حافرٍ، أو نصلٍ"(2) وليس التأمين من ذلك، ولا شبيهًا به فكان محرمًا.
(1) أخرجه: مسلم، كتاب البيوع، باب: بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، (1513)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
سبق تخريجه.
الخامس: عقد التأمين التجاري فيه أخذ مال الغير بلا مقابل، والأخذ بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم؛ لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].
السادس: في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعًا، فإن المؤمِّن لم يحدث الخطر منه، ولم يتسبب في حدوثه، وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمِن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمِن له، والمؤمِّن لم يبذل عملًا للمستأمِن فكان حرامًا.
وأما ما استدل به المبيحون للتأمين التجاري مطلقًا، أو في بعض أنواعه فالجواب عنه ما يلي:
1 -
الاستدلال بالاستصلاح غير صحيح؛ فإن المصالح في الشريعة الإسلامية ثلاثة أقسام:
- قسم شهد الشرع باعتباره فهو حجة.
- وقسم سكت عنه الشرع فلم يشهد له بإلغاء ولا اعتبار فهو مصلحة مرسلة، وهذا محل اجتهاد المجتهدين.
- والقسم الثالث ما شهد الشرع بإلغائه.
وعقود التأمين التجاري فيها جهالة وغرر وقمار وربا، فكانت مما شهدت الشريعة بإلغائه؛ لغلبة جانب المفسدة فيه على جانب المصلحة.
2 -
الإباحة الأصلية لا تصلح دليلًا هنا؛ لأن عقود التأمين التجاري قامت الأدلة على مناقضتها لأدلة الكتاب والسنة، والعمل بالإباحة الأصلية مشروط بعدم الناقل عنها، وقد وجد فبطل الاستدلال بها.
3 -
"الضرورات تبيح المحظورات" لا يصح الاستدلال به هنا؛ فإن ما أباحه الله من طرق كسب الطيبات أكثر أضعافًا مضاعفة مما حرَّمه عليهم، فليس هناك ضرورة
معتبرة شرعًا تُلجئ إلى ما حرمته الشريعة من التأمين.
4 -
لا يصح الاستدلال بالعرف؛ فإن العرف ليس من أدلة تشريع الأحكام، وإنما يبنى عليه في تطبيق الأحكام، وفهم المراد من ألفاظ النصوص، ومن عبارات الناس في أيمانهم وتداعيهم وإخبارهم وسائر ما يحتاج إلى تحديد المقصود منه من الأفعال والأقوال، فلا تأثير له فيما تبين أمره وتعين المقصود منه، وقد دَلَّتِ الأدلة دلالةً واضحة على منع التأمين، فلا اعتبار به معها.
5 -
الاستدلال بأن عقود التأمين التجاري من عقود المضاربة، أو في معناه غير صحيح؛ فإن رأس المال في المضاربة لم يخرج عن ملك صاحبه، وما يدفعه المستأمِن يخرج بعقد التأمين من ملكه إلى ملك الشركة حسبما يقضي به نظام التأمين، وأن رأس مال المضاربة يستحقه ورثة مالكه عند موته، وفي التأمين قد يستحق الورثة -نظامًا- مبلغَ التأمين، ولو لم يدفع مورِّثُهم إلَّا قسطًا واحدًا، وقد لا يستحقون شيئًا إذا جعل المستفيد سوى المستأمِن وورثته، وأن الربح في المضاربة يكون بين الشريكين نسبًا مئوية بخلاف التأمين فربح رأس المال وخسارته للشركة، وليس للمستأمِن إلا مبلغ التأمين، أو مبلغ غير محدد.
6 -
قياس عقود التأمين على ولاء الوالاة -عند من يقول به- غير صحيح؛ فإنه قياس مع الفارق، ومن الفروق بينهما أن عقود التأمين هدفها الربح المادي المشوب بالغرر والقمار وفاحش الجهالة، بخلاف عقد ولاء الموالاة، فالقصد الأول فيه التآخي في الإسلام والتناصر، والتعاون في الشدة والرخاء وسائر الأحوال، وما يكون من كسب مادي، فالقصد إليه بالتبع.
7 -
قياس عقد التأمين التجاري على الوعد الملزِم -عند من يقول به- لا يصح؛ لأنه قياس مع الفارق، ومن الفروق: أن الوعد بقرض، أو إعارة، أو تحمل خسارة -مثلًا- من باب المعروف المحض،
فكان الوفاء به واجبًا، أو من مكارم الأخلاق، بخلاف عقود التأمين، فإنها معاوضة تجارية باعثها الربح المادي، فلا يغتفر فيها ما يغتفر في التبرعات من الجهالة والغرر.
8 -
قياس عقود التأمين التجاري على ضمان المجهول، وضمان ما لم يجب -قياس غير صحيح؛ لأنه قياس مع الفارق أيضًا، ومن الفروق: أن الضمان نوع من التبرع يقصد به الإحسان المحض بخلاف التأمين؛ فإنه عقد معاوضة تجارية يقصد منها أولًا الكسب المادي، فإن ترتب عليه معروف فهو تابع غير مقصود إليه، والأحكام يراعى فيها الأصل لا التابع ما دام تابعًا غير مقصود إليه.
9 -
قياس عقود التأمين التجاري على ضمان خطر الطريق لا يصح؛ فإنه قياس مع الفارق، كما سبق في الدليل قبله.
10 -
قياس عقود التأمين التجاري على نظام التقاعد غير صحيح؛ فإنه قياس مع الفارق أيضًا؛ لأن ما يعطى في التقاعد حق التزم به ولي الأمر باعتباره مسئولًا عن رعيته، وراعى في صرفه ما قام به الموظف من خدمة الأمة، ووضع له نظامًا راعى فيه مصلحة أقرب الناس إلى الموظف، ونظر إلى مظنة الحاجة فيهم، فليس نظام التقاعد من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها، وعلى هذا لا شبه بينه وبين التأمين الذي هو من عقود المعاوضات المالية التجارية التي يقصد بها استغلال الشركات للمستأمِنين، والكسب من ورائهم بطرق غير مشروعة؛ لأن ما يعطى في حالة التقاعد يعتبر حقًّا الْتُزِمَ به من حكومات مسئولة عن رعيتها، وتصرفها لمن قام بخدمة الأمة كفاء لمعروفه، وتعاونًا معه جزاء تعاونه ببدنه، وفكره وقطع الكثير من فراغه في سبيل النهوض معها بالأمة.
11 -
قياس نظام التأمين التجاري وعقوده على نظام العاقلة لا يصح؛ فإنه قياس مع
الفارق، ومن الفروق: أن الأصل في تحمل العاقلةِ الديةَ الخطأ وشبه العمد ما بينهم وبين القاتل خطأً أو شبهَ عمدٍ من الرحم والقرابة التي تدعو إلى النصرة والتواصل والتعاون وإسداء المعروف، ولو دون مقابل، وعقود التأمين التجارية استغلالية تقوم على معاوضات مالية محضة لا تَّمُتُّ إلى عاطفة الإحسان، وبواعث المعروف بصلة.
12 -
قياس عقود التأمين التجاري على عقود الحراسة غير صحيح؛ لأنه قياس مع الفارق أيضًا، ومن الفروق: أن الأمان ليس محلًّا للعقد في المسألتين، وإنما محله في التأمين الأقساط ومبلغ التأمين، وفي الحراسة الأجرة وعمل الحارس، أمَّا الأمان فغاية ونتيجة، وإلا لما استحق الحارس الأجرة عند ضياع المحروس.
13 -
قياس التأمين على الإيداع لا يصح؛ لأنه قياس مع الفارق أيضًا، فإن الأجرة في الإيداع عوض عن قيام الأمين بحفظ شيء في حوزته يحوطه، بخلاف التأمين؛ فإن ما يدفعه المستأمِن لا يقابله عمل من المؤمِّن يعود إلى المستأمِن بمنفعة، إنما هو ضمان الأمن والطمأنينة، وشرط العوض عن الضمان لا يصح، بل هو مفسد للعقد، وإن جعل مبلغ التأمين في مقابلة الأقساط كان معاوضة تجارية جُهِلَ فيها مبلغ التأمين، أو زمنه، فاختلف عن عقد الإيداع بأجر.
14 -
قياس التأمين على ما عرف بقضية تجار البزِّ مع الحاكَةِ لا يصح، والفرق بينهما أن المقيس عليه من التأمين التعاوني وهو تعاون محض، والمقيس تأمين تجاري وهو معاوضات تجارية فلا يصح القياس". انتهى قرار المجمع.
وكذا انتهى قرارُ مجمعِ الفقهِ الإسلاميِّ الدوليِّ إلى "أن عقدَ التأمينِ التجاريِّ ذا القسط الثابت الذي تتعامل به شركاتُ التأمينِ التجاريِّ عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد؛ ولذا فهو حرام شرعًا"(1).
(1) مجلة المجمع، العدد الثاني، (2/ 545).