الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سواه، يضعهم الناس مع الأنظمة في خندق الكراهية.
5 -
وقد تكون المشاركة مصيدة الهدف إلى الإيقاع بالمخاصمين تمهيدًا لتصفية وجودهم (1).
6 -
وإذا كانت الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز فالمشاركة السياسية تَحْرُمُ من باب أولى.
المناقشة:
أَوْرَدَ المانعون مناقشاتٍ على أدلة المبيحين، وتولى المبيحون الرَّدَ عليها وبيان تهافتها، وقبل إيرادها ينبغي أن نذكر بأمور، منها:
1 -
لا يختلف فقيهان قديمًا أو حديثًا على وجوب تحكيم شريعة الله، وأن هذا الخطاب عام موجه للشعوب والحكام على حدٍّ سواء، وإن تفاوتت درجة تنفيذه بحسب موقع كل فرد، ومن لوازم هذا الاتفاقِ: الاتفاقُ على وجوب اتباع حكم الله ورسوله إذا قضى الله ورسوله أمرًا، ولا خيرة لمؤمن في هذا أبدًا.
كما أنهم لا يختلفون في حرمة التحاكم إلى شريعةٍ غيرِ شريعةِ الله التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، وكلهم يقول بتأثيم من يفعل ذلك إن لم يكن معتقدًا، أو تكفيره إن اعتقد عدم صلاحية هذه الشريعة، أو فضل غيرها عليها.
2 -
لا يختلف جميع الفقهاء سلفًا وخلفًا في أن موالاة الكفار والركون إلى الظالمين حرام.
3 -
المانعون من المشاركة والمجيزون لها للمصلحة متفقون على أن المشاركة تُعَدُّ حكمًا بغير ما أنزل الله، وتحاكمًا إلى غير شرع الله، وركونًا للظالمين وموالاة للكافرين، بدليل أنهم استدلوا بالأدلة نفسها، وأن المانعين اعتبروا قول المجيزين قولًا بالرأي في مقابلة النص، وإعمالًا للمصلحة بدلًا من إعمال النص، كما أن المجيزين حين خرجوا عن الأصل -وهو تحريم المشاركة إلى القول بجوازها بدليل المصلحة-
(1) المشاركة في الوزارة، د. أبو فارس، (ص 20)، المشاركة في الوزارة، د. عمر الأشقر، (ص 22).
نزعوا عن القوس نفسه، وإلا لما احتاجوا إلى جعل المشاركة جائزةً استثناءً.
وفيما يلي رَدٌّ تفصيليٌّ على حجج المانعين:
1 -
مناقشة القول بأن المشاركة السياسية إنما هي مشاركة في عمل محرَّمٍ يقوم على التحاكم إلى غير ما أنزل الله:
هذا يعارض القاعدة الشرعية: "الأمور بمقاصدها"، فإذا كان القصد من المشاركة في الانتخابات أمرين: المشاركة العملية في إصلاح البلد الذي يعيش فيه المسلمون، ثم في الوقت نفسه حماية حقوقهم ومصالحهم، فإن هذا قد يتحقق بالمشاركة السياسية المنضبطة بالضوابط الشرعية.
ويؤكد هذا قولُ النبي صلى الله عليه وسلم -عن حلف الفضول في الجاهلية-: "لو دُعيتُ لمثله في الإسلام لأجبتُ"(1) وهذا لا يعني إقرارًا على كل ما يفعله غير المسلمين في الحلف، بل هو مشاركة تعني: محاولة فعل الخير من منبر قوي.
2 -
مناقشة القول بأن الإقامة إذا كلانت ممنوعة فإن المشاركة السياسية ستحرم من باب أولى:
- عدم جواز الإقامة في غير بلاد الإسلام، قال به عدد غير قليل من العلماء، منهم: د. محمد عبد القادر أبو فارس، والشيخ محمد عبد الله بن سبيل، والشيخ يوسف الدجوي، والشيخ علي محفوظ، والشيخ محمد الزرقاني من علماء الأزهر، والشيخ الشريف محفوظ مفتي بيروت سابقًا، وطائفة من أهل العلم.
- ويقابل هذه الفتاوي من يرى جواز أو وجوب الإقامة في بلاد الغرب، ومنهم:
فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ فيصل مولوي،
(1) أخرجه: البزار، (3/ 235)، من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مرفوعًا. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": رواه البزار، وفيه ضرار بن صرد؛ وهو ضعيف، وله طريق آخر. وروى من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه.
والدكتور عبد الكريم زيدان، والباحثون في فقه الأقليات، والدكتورة شريفة آل سعيد، وعمار منذر قحف، وسليمان توبولياك (1).
- وبالجملة فإن من خاف على دينه أو على أولاده إذا وجد بلدًا لا فتنة فيه فإن عليه أن يغادر تلك البلاد، أما من لم يكن كذلك فلا وجوب، وقد يستحب أو يجب لمن تقوم به مصالح المسلمين هناك، أو تترتب على مغادرته مفاسد (2).
- وإذا كان المسلم من أهل تلك الدار فقد لا يجد مكانًا يهاجر إليه ويستقبله في كل الظروف والأوقات.
3 -
مناقشة فكرة إضفاء الشرعية على تلك الأنظمة غير الإسلامية بمجرد المشاركة في الانتخابات ونحوها:
- لو طردنا هذا الاعتراض لقلنا: إن كل تعامل مع أهل الكفر بصلح أو هدنة أو عقد أو نحوه يتضمن إقرارًا لهم بالشرعية، ولدياناتهم بالصحة، وهو غلط بين، فلم تزل أمة الإسلام عبر تاريخها كله تتعامل مع الخصوم حربًا وسلمًا، وترسل لهم الرسل والكتب، وتبرم معهم العهود والعقود، من غير أن يعني ذلك إقرارًا لهم بالشرعية، ولا لدياناتهم بالصحة (3).
- والحق أن النظم الغربية قائمة سواء شارك المسلمون فيها أم لا؟ ولا يحتاجون إلى إضفاء الشرعية من الأقلية المسلمة فيها، ولهم مئات السنين وشرعيتهم وفقَ دستورهم وقوانينهم قائمة، وإضفاء الشرعية الإسلامية لا يمكن أن يعطى لو شارك المسلمون أجمعون؛ لأنهم أقلية صاحبة رسالة، أقصى ما تثمره هذه المشاركة الآن أمران:
أ - المشاركة العملية الجادة في إصلاح البلد الذي يعيشون فيه وفق أطر التعاون في
(1) المجلة العلمية للمجلس الأوروبي للإفتاء، العدد 10 - 11، (2/ 303 - 304).
(2)
صناعة الفتوى وفقه الأقليات، لابن بيه، (ص 285).
(3)
رؤية فقهية حول المشاركة السياسية للمسلمين في المجتمع الأمريكي، د. صلاح الصاوي، (ص 20).