الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
قرار مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا:
وفيه: "إن التأمينَ التجاريَّ الذي يقوم على وجود شركة تأمين تقوم بتحصيلِ الأقساطِ ودفعِ التعويضاتِ وأيلولَةِ الفائضِ التأمينيِّ (الأقساط المحصلة - التعويضات) وعائد استثماره لِمُلَّاكِ الشركة ينطوي على شبهات شرعية عديدة، منها: الغرر، وأكل أموال الناس بالباطل، والربا، فضلًا عن أن هذه الشركات تستثمر أموالها بطرق محرمة شرعًا، كالإيداع في البنوك بفوائدَ، والإقراض للغير بفوائدَ، وهذا ما دعا جمهورَ الفقهاء المعاصرين إلى القول بعدم جواز التأمينِ التجاريِّ شرعًا.
إن التأمينَ التكافليَّ الذي تتولاه شركات التأمين الإسلامية القائمة والتي تتزايد وتنتشر من الأمور المتفق على إباحتها شرعًا؛ لقيامها على التكافل والتبرع، ويوصي المجمع بتشجيع هذه الشركات والتعامل معها، والعمل بكل السبل على شيوع انتشارها" (1).
وما قررته المجامع الفقهية قرره العلماء المعاصرون في بحوث ودراسات منفردة كثيرة.
ثانيًا: لم تَمِلِ المجامعُ الفقهية المعاصرة إلى الأخذ بجواز عقود التأمين التجاري خارج ديار الإسلام
؛ استنادًا إلى ما ذكر في المذهب الحنفي من جواز أخذ مال الكافر الحربي بعقد فاسد ولو بالربا، مع ما سبق من استناد بعضهم إليه في مسألة الاقتراض بالربا لشراء المساكن خارج ديار الإسلام مع التعويل أيضًا على تنزيل الحاجة منزلة الضرورة.
على أن مسألة التأمين قد بحثها الفقيه الحنفي ابن عابدين في غير دار الإسلام، ويعتبر بذلك من أقدم الفقهاء مناقشةً لها وبيانًا لحكمها؛ حيث قال في حاشيته:
"وبما قررنا -من عدم جواز أخذ مال الكافر الحربي بعقد فاسد، وجوازه في دار الحرب برضاه، ولو بربا- يظهر جواب ما كثر السؤال عنه في زمننا، وهو أنه:
(1) قرارات وتوصيات المؤتمر الثاني للمجمع، (ص 89).
جرت العادة أن التجار إذا استأجروا مركبًا من حربي يدفعون له أجرته، ويدفعون أيضًا مالًا معلومًا لرجل حربي مقيم في بلاده، ويسمى ذلك المال (سوكرة) على أنه مهما هلك من المال الذي في المركب بحرق أو غرق أو نهب أو غيره، فذلك الرجل ضامن له بمقابلة ما يأخذه منهم، وله وكيل عنه مستأمَن في دار يقيم في بلاد السواحل الإسلامية بإذن السلطان يقبض من التجار مال (السوكرة)، وإذا هلك من مالهم في البحر شيء يؤدي ذلك المستأمَن للتجار بدله تمامًا".
ثم قال: "والذي يظهر لي أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله؛ لأن هذا التزام ما لم يلزم. . . ".
ثم بعد مناقشةٍ جادَّةٍ لعدة أفكار حول هذا الموضوع قال: "فاغنمه فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب"(1).
وقد ناقش ابن عابدين بعض الشبهات التي أثيرت، فقال:
"فإن قلتَ: إن المودع إذا أخذ أجرة على الوديعة يضمنها إذا هلكت؟
قلتُ: مسألتنا ليست من هذا القبيل؛ لأن المال ليس في يد صاحب السوكرة، بل في يد صاحب المركب، وإن كان صاحب السوكرة هو صاحب المركب يكون أجيرًا مشتركًا قد أخذ أجرة على الحفظ وعلى الحمل، وكل من المودع والأجير المشترك لا يضمن ما لا يمكن الاحتراز عنه كالموت والغرق، ونحو ذلك.
فإن قلتَ: سيأتي قبيل "باب كفالة الرجلين" قال لآخر: اسلك هذا الطريق فإنه آمن، فسلك وأخذ ماله، لم يضمن. ولو قال: إن كان مخوفًا وأخذ مالك فأنا ضامن، ضمن. وعلله الشارح هناك بأنه ضمن الغارُّ صفة السلامة للمغرور نصًّا، أي: بخلاف
(1) حاشية ابن عابدين، (6/ 280).
الأولى؛ فإنه لم ينصَّ على الضمان بقوله: فأنا ضامن. وفي جامع الفصولين: الأصل أن المغرور إنما يرجع على الغارِّ لو حصل الغرور في ضمن المعاوضة، أو ضَمِنَ الغارُّ صفةَ السلامة للمغرور، فصار كقول الطحَّان لرب البُرِّ: اجعله في الدلو، فجعله فيه، فذهب من النقب إلى الماء، وكان الطحَّان عالمًا به يضمن؛ إذ غرَّه في ضمن العقد وهو يقتضي السلامة.
قلتُ: لا بد في مسألة التغرير من أن يكون الغارُّ عالمًا بالخطر، كما يدلُّ عليه مسألة الطحان المذكورة، وأن يكون المغرور غيرَ عالمٍ؛ إذ لا شك أن رب البُرِّ لو كان عالمًا بنقب الدلو يكون هو المضيع لماله باختياره، ولفظ المغرور ينبئ عن ذلك لغةً؛ لما في القاموس: غرَّه غرًّا وغرورًا فهو مغرور وغرير، خدعه وأطمعه بالباطل فاغتَرَّ هو. ولا يخفى أن صاحب السوكرة لا يقصد تغرير التجار، ولا يعلم حصول الغرق هل يكون أم لا. وأما الخطر من اللصوص والقطاع فهو معلوم له وللتجار؛ لأنهم لا يعطون مال السوكرة إلا عند شدة الخوف طمعًا في أخذ بدل الهالك، فلم تكن مسألتنا من هذا القبيل أيضًا.
نعم قد يكون للتاجر شريك حربي في بلاد الحرب، فيعقد شريكه هذا العقد مع صاحب السوكرة في بلادهم، ويأخذ منه بدل الهالك، ويرسله إلى التاجر. فالظاهر أن هذا يحلُّ للتاجر أخذه؛ لأن العقد الفاسد جرى بين حربيين في بلاد الحرب، وقد وصل إليه مالهم برضاهم، فلا مانع من أخذه.
وقد يكون التاجر في بلادهم فيعقد معهم هناك، ويقبض البدل في بلادنا، أو بالعكس.
ولا شك أنه في الأولى إن حصل بينهما خصام في بلادنا لا يُقْضَى للتاجر بالبدل، وإن لم يحصل خصام ودفع له البدل وكيله المستأمن هنا يحلُّ له أخذه؛ لأن العقد الذي صدر في بلادهم لا حكم له، فيكون قد أخذ مال حربي برضاه.
وأما في صورة العكس -بأن كان العقد في بلادنا والقبض في بلادهم- فالظاهر أنه لا يحل أخذه ولو برضى الحربي؛ لابتنائه على العقد الفاسد الصادر في بلاد الإسلام،